أسرار العقل الظاهر والعقل الباطن

كتابة:
أسرار العقل الظاهر والعقل الباطن

أسرار العقل الظاهر

من هو العقل المسؤول عن الإدراك ويتحكّم بقرارات الإنسان؟

  • إن العقل الظّاهر هو العقل الواعي، وهو الذي يعالج المعلومات باستمرار وسلاسة، ويتحكم في قراراتنا، وعندما سؤل عالم النفس (ستيفن بينكر) عن كيفيّة ظهور الوعي قال:" إن الوعي أشبه بعاصفة تهب في دماغنا"، إنّ العقل الظّاهر كما قال البروفسور (مارفين مينسكي) -وهو أحد مؤسّسي الذكاء الصناعيّ- " إنّ العقل أشبه بمجتمع من العقول بنماذج فرعية مختلفة يحاول كل منها التنافس مع الأخرى"، والعقل الظّاهر يؤدي دورًا مهمًا في سلوك الإنسان.[١]


  • يعدّ العقل الظّاهر المسؤول عن الإدراك، ومن خلاله يمكن فهم العالم من حولنا وتفسير المعلومات القادمة من الحواس إلى الدّماغ، فمن خلال العقل الظّاهر تتم عملية الإدراك التي تساعد على تنظيم المعلومات ومعالجتها وذلك من خلال الخبرات السّابقة للفرد.[٢] والعقل مصطلح يطلق على نظام الخلايا العصبية، وله وظيفة معنوية، إذ يقوم بمعالجة المعلومات ونشاطها في المخ، ويُعتبر العامل المنظم للشخصية وما تملك من أفكار ومعتقدات.[٣]


  • يساعد العقل الظاهر على معالجة عدة أمور في نفس الوقت حيث أن الانتباه والتّركيز لا يمنع العقل الظّاهر من الاستمرارية في الحديث مع شخص آخر، ولتوضيح ذلك نذكر المثال الآتي، تخيّل أنّ أحد الأفراد يقود سيارة وبجاوره أحد أصدقاءه يتبادل معه الحديث، وبنفس الوقت هو يسير في شارع ضيق ويوجد هناك شاحنة ستمر أمامه، والسماء تمطر بغزارة، وفي مثل ذلك يمكنه أن يمضي في طريقه ويتوقف عند الإشارة الضّوئية، أو يتوقف لتمرير أحد المشاة، كل ذلك يفعله العقل الظّاهر دون أي تردد أو توقف عن الحديث مع زميله، إنّ العقل الظّاهر يقوم من خلال إداركه للأمور بمعالجة جميع الأمور التي تظهر أمامه وذلك وفقًا لإدراك الفرد وطريقة تفكيره.[٤]


  • يُطلق العالم "سيجموند فرويد" على العقل الظّاهر اسم الشّعور أو العقل الواعي، وعرّفه بأنه الشّعور بالأحاسيس والخبرات التي يكون الفرد واعيًا بها في أي وقت، ويعتبر "فرويد" أنّ العقل هو عبارة عن خزّان من المشاعر والأحاسيس والخبرات الذي يمر بها الفرد، ومن الأمثلة على العقل الظّاهر، الشّعور بالدّفء أو الحرارة أو البرد، وإدراك ما يحيطه من أشياء، مثل، هذا قلم وهذا كتاب، وهذا الشّعور الواعي عبارة عن جزء صغير من مجمل الحياة النّفسية والعقلية للفرد، كما وضح "فرويد" أن الدماغ يقوم بعمله بشكل أكبر بكثير من العقل الواعي.[٥]


أسرار العقل الباطن

  • يتمتع العقل الباطن بقدرات هائلة، فهو الملهم الأساسي للإنسان، فهو الصندوق المليء بالذكريات والصور والأسماء والحقائق المختزنة في ذاكرتك، والعقل الباطن هو المسؤول عن التحكم في جميع الأعضاء الداخلية من الأمعاء وضخ الدماء والحركات اللإراديّة وعملية المضغ التي لا نتحكم فيها، فعندما تأكل قطعة من الخبز يحولها عقلك الباطن إلى خلايا وعضلات وعظم، وهذا ما لا يستطيع إدراكه العقل الظّاهر، حيث أن العقل الباطن يتحكم في جميع وظائف جسمك ويجد الحلول لكل مشكلة وظيفية يقع بها جسمك، ومن أسرار العقل الباطن أنه لا يستطيع النوم ولا يرتاح من العمل فهو يستطيع العمل دون تعب على مدار اليوم.[٦]


  • يمكن للعقل الظاهر أن يخبر الإنسان عند استلقائه للنوم، أنه يرغب في إنجاز مَهمّة لم يستطع إنجازها خلال اليوم، ويمكن له أن يذكره بشعور ما قد أوقفه لما له من تأثير سلبي عليه، فيقوم العقل الباطن أثناء النّوم بمعالجة الأمر واتمام المهام بنجاح، إن العقل الباطن يعتبر مصدر القوة الذي يضع الفرد في نطاق الكفاءة المطلقة، فهو المحرك الرئيسي لطموحاته وأفكاره المثالية، هو الوحيد الذي يمكنه عزل الفرد عن المكان والزّمان وهو الذي يحرر الفرد من الآلام والأحزان، ويعدّ العقل الباطن كتاب الحياة، فهو لا يستطيع المجادلة ولكن يقوم بتنفيذ ما يطلبه الفرد دون مناقشة ولا يميز بين الخطأ والصواب فهو عبد مأمور.[٧]


  • يعمل العقل الباطن يعمل وفق الأهداف التي حددها العقل الظاهر، فهو لا يهتم بطبيعة هذه الأهداف من حيث صحتها أو خطئها، أو من حيث خيريّتها أو شرها، فالعقل الباطن يعمل لإنجاح تلك الأهداف التي حددها العقل الظّاهر، فلو أراد شخص ما أن يكون ناجحًا في عمله، ثريًا، ووضع الأهداف ورسم الخطط المناسبة، سيقوم العقل الباطن بالسّعي الدؤوب ليكون ذلك الشخص ناجحًا وثريًا، فالشخص هو الذي يحدد ما إذا أراد أن يكون ناجحًا أو فاشلًا، والعقل الباطن هو آلية تحقيق تلك الأهداف، فهو يعمل على تمكينك من المعرفة والتّفكير والتّصرف بفاعلية.[٨]


  • يمكن للفرد من خلال العقل الباطن خلق عالمه الذي يريد وذلك من خلال انعكاسات أفكاره وتصوراته، فيمكن له من خلال تحديد الأفكار التي يريدها وأنواع السّلوك الذي يريد أن يسلكه، أن يحدد ما هو السّلوك التي عليه القيام بتغيره، وبعدها يقوم الفرد بالبحث عن الغاية الإيجابية التي استدعته على تغيير السّلوك، وما هي الدّوافع الإيجابية، وحتى يستطيع الفرد التّحكم في العقل الباطن عليه النظر على الايجابيات والابتعاد عن السّلبيات، وبدون استعمال أي أداة نفي.[٩]


  • يوضح "فرويد" عملية العقل الباطن بأنه نشاط نفسي يظهرفي النّوم في صورة أحلام، ويمكن أن يكون هذا الحلم بصورة مشوشة أو غير معقولة، أوأن تكون مضامينه تناقض أحيانًا كل معرفتنا بالواقع، ويعتبر العقل الباطن قراءة لما يدور في الأذهان من ذكريات ربما لا نعيها أو تكون هذه الأحلام واجهة تختفي وراءها الحقيقة، وهكذا نفرق بين العقل الظّاهر وأفكاره الواضحة لدينا وإدراكنا لما نحن عليه وبين العقل الباطن ومكنوناته اللاشعورية، ويبدأ العقل الظّاهر بمقاومة العقل الباطن للحلم وذلك لعدم رغبته بإظهار ما هو مقموع في العادة، إنّ العقل الباطن له قوة كافية في أثناء النّوم ليفرض نفسه على العقل الظّاهر.[١٠]

الفرق بين العقل الظاهر والعقل الباطن

ما دلالات العقل الظاهر والعقل الباطن على حياة الفرد ؟

لقد كرّم الله تعالى الإنسان بالعقل، وفضّله على سائر المخلوقات، ونعمة العقل تعتبر من أعظم النّعم، والتي من خلاله يستطيع الإنسان تحديد احتياجاته ورغباته، من النّواحي الماديّة والجسديّة، فالعقل له قدرات هائلة، ويحتوي على تركيبة معقدة تفوق أحدث وأقوى التكنولوجيا، ومن خلال العقل نستطيع أن نتجاوز المظاهر وندرك الحقائق والأشياء، ويعتبر العقل هو وظيفة التّفكير، وهو أعدل الأشياء التي وُزّعت بين النّاس، مع أنّ النّاس لا يستعملونه بشكل متساوي، فهو القاعدة المعرفية الذي عن طريقه يتلقى الإنسان الأحداث، وهو الذي يتحكم بالسّلوك، وأفكار الانسان ومشاعره وشخصيته تكمن في مكان واحد وهو العقل.[١١]


كل إنسان لديه عقلان عقل ظاهر ونسميه (العقل الواعي) وعقل باطن ويطلق عليه اسم (العقل اللاواعي)، فالعقل الظّاهر هو الذي يعيّ كل ما حوله وهو أصل الاكتشاف والبحث وهو دائم الوعي والمسيطر على العقل الباطن ما دام الإنسان في يقظة ، أمّا العقل الباطن هو العقل الذي يعمل لحساب العقل الظّاهر، فهو المنفذ للأوامر والمسيطر على العقل الظّاهر حين نومه، وهو عبارة عن الأحلام والذّكريات المدفونة داخل الإنسان، فالإنسان في يقظته يتحرك عنده الانتباه والتركيز فيراقب كلامه وسلوكه فيكون العقل الظاهر مسيطر على أفعاله وتصرفاته، وما أن يتعب الإنسان وينام يتخلى العقل الظّاهر عن عمله ويبدأ العقل الباطن بملئ رأسه بما كان يخشاه ولم يفعله.[١٢]


إنّ الدّماغ كجزء محسوس ما زال محاطًا بالكثير من الأسرار، حيث إنّ العقل مصطلح يستخدم لوصف الوظائف العليّا للدّماغ مثل الإدراك والتذكر والانتباه والتفكير، فالعقل هو المحرك الرّئيسيّ للمشاعر ويكون واعيًا للأحداث التي تدور من حوله ويقوم بتحليل المواقف ولوم نفسه ويراجع جميع قراراته، أمّا الدّماغ فهو المكان الذي يتواصل العقل من خلاله مع الجسم البشريّ، فهو الواسطة التي يرسل من خلالها الرسائل والأوامر إليه، فالدّماغ هو المنفذ لإرادة العقل وهو يعتبر وسيط التّركيز الذهنيّ.[١٣]


يمكن للعقل أن يكون قوة للصّحة العامة ويمكن أن يشكل عللًا فيها، وهذا يعتمد على مدى إدراكنا للمدخلات، وكيفية معالجتها، فالعقل يستخدمه المعالجين النفسيين في الدخول إلى شخصية المريض من حيث السّماح له التحدث بما يجول بخاطره، وكل الأحداث الذي مرّ بها من طفولته حتى اللحظة الحالية، ويُستخدم العقل في التّنويم المغناطيسيّ وهو علاج يقوم على مبدأ صرف انتباه المريض عن الألم الذي يشعر به، فيساعده على الشّفاء.[١٤]


العقل الباطن، هو ذلك العقل الذي يعمل دون وعي، وبه يحلم الإنسان وهو نائم، فهو يعمل باستقلاليّة تامة عن الإنسان حيث يقرر مزاج الإنسان وميوله، وكثيرًا ما يؤثر على قرارات الإنسان وطريقة تفكيره، فهو الجانب الذي لا يمكن ملاحظته من الآخرين.[١٥] ويعتبر العقل مرتبط ارتباطًا قويًا بالوعي والإدراك، ويتأثر العقل بالانسان وما يحب ويكره، ويأتي ذلك بالخبرات السّابقة والتّجربة، وأكد العالم "فرويد" أن العقل اللاوعي لا يمكن التّحكم به ولا نستطيع إدراكه، ولا نملك الدخول إليه إلا من خلال الأحلام.[١٦]


العقل الظاهر (الشعور) بالنسبة "لفرويد" هو عبارة عن شريحة رفيعة من العقل البشري، والذي يمكن تشبيهه بكتلة الجليد الضّخمة الطّافية على الماء، أما العقل الباطن (اللاشعور) هو المخزن الذي تحتفظ فيه كل الخبرات والذّكريات والأحداث المكبوتة، ويشمل أيضًا الحاجات والرّغبات التي لا يمكن تحقيقها.[١٧] ويرى البعض أن العقل هو الوعي وهو ظاهرة تتعلق بعلم النّفس، وأن الحب والكره والفرح هما عبارة عن غريزة وليس لها علاقة بالعقل.[١٨]

كيف يمكن للعقل الظاهر والعقل الباطن أن يؤثرا على بعضهما البعض؟

إنّ العقل الظّاهر والعقل الباطن ينطلقان من مكان واحد، إلا أنه يفصلهما عن بعضهما الوعي، فحينما يكون الإنسان في حالة الوعي والانتباه والتّركيز يعمل العقل الظّاهر بصورة فعّالة حيث أنه يراقب كل ما يحدث حوله، فهناك حاجز يمنع العقل الظّاهر من الاتصال بالعقل الباطن، وبما أن الإنسان لا يستطيع الاستمرار بالوعي لمدة طويلة فيمكن اختراق العقل الباطن والاتصال به من خلال النّوم والأحلام، فالعقل الظّاهر هو الجزء المنظم الذي يقوم بالتّفكير من خلال التّجارب التي يمر بها الفرد ثم يخزنها بالعقل الباطن.[١٩]


وسيتم توضيح الفكرة بضرب المثال الآتي، تخيّل أنّ شخص ما يعمل ربان سفينة، فهو القائد الذي يصدر الأوامر للعاملين الذين يعملون على محركات السفينة، فالقائد يسكن بأعلى السفينة ويرى جميع الاتجاهات، ويحرك العاملين الذين يعملون بالأسفل، فهم يطيعون أوامره مع أنهم لا يرون أي شيء فأي خطأ يصدر من الرّبان يؤثر على العاملين في الأسفل، وهذا ما يحصل بالفعل عندما يوجه عقلك الواعي عقلك الباطن، فعقلك الباطن يعمل بتنفيذ الأوامر دون الاعتراض أو المناقشة، لذا لا بد أن تقوم بإعطاء أهداف إيجابية ليصل إليها العقل الباطن.[٢٠]



لقراءة المزيد حول العقل الباطن، انظر هنا: برمجة العقل الباطني.

المراجع

  1. ضاري العبادي (2019)، سيكولوجية عادات العقل والسلوكيات الذكية التعود العقلي (الطبعة 1)، بغداد:مكتب اليمامة للطباعة ولنشر، صفحة 40. بتصرّف.
  2. محمدي فوزية (2012)، الادراك والذاكرة البصرية (الطبعة 1)، المملكة الأردنية الهاشمية:دار ابن بطوطة، صفحة 7. بتصرّف.
  3. ابراهيم الفقي، قوة العقل الباطن، صفحة 22. بتصرّف.
  4. روبرت هيث، إغواء العقل الباطن، صفحة 81. بتصرّف.
  5. جهاد علاء الدين (2013)، نظريات الإرشاد النفسي التحليل النفسي والسلوكية (الطبعة 1)، المملكة الأردنية الهاشمية:الأهلية، صفحة 30، جزء 1. بتصرّف.
  6. جوزيف ميرفي، قوة عقلك الباطن، صفحة 47-48. بتصرّف.
  7. جوزيف مورفي، قوة عقلك الباطن، صفحة 47-79. بتصرّف.
  8. جيمس ك فان فليت، القوة الخفية للعقل الباطن، صفحة 9. بتصرّف.
  9. مصطفى دليلة، آنا دليلة، أسرار العقل الباطن اعشق مرضك، صفحة 191. بتصرّف.
  10. جورج طرابيشي (1986)، مختصر التحليل النفسي (الطبعة 1)، بيروت:دار الطليعة للطباعة والنشر، صفحة 32-33. بتصرّف.
  11. ضاري العبادي (2019)، سيكولوجية عادات العقل والسلوكيات الذكية التعود العقلي (الطبعة 1)، بغداد:مكتبة اليمامة للطباعة والنشر، صفحة 23-33. بتصرّف.
  12. سلامه موسى، العقل الباطن، صفحة 14. بتصرّف.
  13. ضاري العبادي (2019)، سيكولوجية عادات العقل والسلوكيات الذكية التعود العقلي (الطبعة 1)، بغداد:مكتب اليمامة للطباعة والنشر، صفحة 37. بتصرّف.
  14. احمد رمو، من اسرار العقل، صفحة 118-119. بتصرّف.
  15. سلامة موسى، العقل الباطن، صفحة 9. بتصرّف.
  16. همام الجرف، رحلة إلى باطن العقل، صفحة 20. بتصرّف.
  17. سامح الخفش (2011)، النظرية والتطبيق في الإرشاد والعلاج النفسي (الطبعة 1)، المملكة الأردنية الهاشمية:دار الفكر، صفحة 98. بتصرّف.
  18. همام الجرف، رحلة إلى باطن العقل، صفحة 16. بتصرّف.
  19. ابراهيم الفقي، قوة العقل الباطن، صفحة 21. بتصرّف.
  20. جيمس ك فان فليت، القوة الخفية للعقل الباطن، صفحة 11. بتصرّف.
6767 مشاهدة
للأعلى للسفل
×