الحياة الاجتماعية في العصر الجاهلي

كتابة:
الحياة الاجتماعية في العصر الجاهلي

العرب قبل الإسلام

يشيرُ مصطلح العرب قبل الإسلام إلى الأحوال التي كان العرب يعيشونها، وذلك في مختلف الجوانب الاجتماعيّة والثقافيّة والاقتصاديّة والسياسيّة في منطقة شبه الجزيرة العربيّة، إضافةً إلى جميع المناطق التي كانوا يسكنون فيها قبل ظهور الإسلام وبسطِ نفوذِه على جميع تلك المناطق، وقد تميَّزت تلك الفترة بعوامل مختلفة ميَّزتها عن المراحل التي تلتها، فقد جاء الإسلام بنظام وقوانين وتشريعات غيَّرت من ملامحها بالكامل، فأصبح يشار إليها بمصطلح العرب قبل الإسلام أو العصر الجاهلي، وفي هذا المقال سيدور الحديث حول العصر الجاهلي والحياة الاجتماعية في العصر الجاهلي.

مفهوم الجاهلية

قبل أن يتمَّ التعريج على الحياة الاجتماعية في العصر الجاهلي سيُشار بأصابع الحديث إلى مفهوم كلمة الجاهلية، فمصطلح الجاهلية مصطلح إسلامي وردَ في العديد من الآيات في كتاب الله تعالى، ودلَّ على الفترة الزمنية التي سبقت ظهور الإسلام، وقد ارتبطَ هذا المفهوم بجهل جميع الأمم والشعوب من ناحية الدين والعبادة فقط ولا يشمل بقية جوانب الحياة، وليس مقتصرًا على العرب فقط، ومن الآيات التي ورد فيها مصطلح الجاهلية قوله تعالى في محكم التنزيل: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}[١]، وفي غير موضعٍ قال -جلَّ وعلا-: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}،[٢] فقد ذكرَ الله تعالى بعض صور من جهل الأمم السابقة بأمور الدين وتمسُّكهم بعادات وتقاليد منحرفة وغير ذلك.[٣]

الحياة الاجتماعية في العصر الجاهلي

لم تكن الحياة الاجتماعية في العصر الجاهلي نفسها بين جميع الأمم والشعوب في تلك الفترة الزمنية، بل اختلفت من منطقة إلى أخرى، فامتازت كل منطقة بالعديد من الأمور والملامح التي تكوِّنُ شخصيَّتها الخاصة في الجاهلية، فقد كان العبودية في بلاد فارس تعبِّر عن أقصى درجات الذلِّ والامتهان في تأليه الحاكم الفارسي، وكان المجتمع عندهم ينقسم إلى سبع طبقات، والشعب الضعيف هو أدنى طبقة ومحروم من جميع حقوقه.[٣]

أمَّا في بلاد الروم فقد كانت حياتهم الاجتماعية توحي بضلال بعيدٍ وجهل شديد وانحطاط عن مستوى الأخلاق التي زرعها الله تعالى في البشر، فكان ينتشر بينهم زواج المحارم وإتيان البهائم والكنائس تعدُّ الاستحمام خطيئةً يجب الابتعاد عنها، وكان الملوك يتلذذون في مشاهدة الوحوش المفترسة تأكل العبيد في المسارح، وانقسمَ المجتمع أيضًا إلى أحرار وسادة، وحُرِمت المرأة من التعليم وكان الرجل أحيانًا يرثُ ما لدى أبيه من زوجات بعد وفاته، أمَّا العبيد فلم يكن لهم أية حقوق.[٣]

أمَّا عن الحياة الاجتماعية في العصر الجاهلي في شبه الجزيرة العربية، فقد كانت مختلفة بعض الشيء لكنَّها تتلاقى في النهاية مع جاهلية بقية الشعوب، وكانت العصبية من أبرز مميزاته، وكان المجتمع ينقسم إلى طبقات سادة وطبقات بقية الناس، وكان السادة يرون لأنفسهم فضلًا على الناس ويتعالون عليهم، وكان المُلك والحكم والسلطة وراثةً، يأخذها الأبناء عن آبائهم ويملكون زِمام الأمور.[٤]

أمَّا الطبقات الأخرى، فقد كانت مسخَّرة لخدمة السادات، وهذا ما جعل المجتمع في تفاوت طبقي كبير، وقد كان هناك أنواع كثيرة من الزواج ما أنزل الله بها من سلطان، وانتشر الزنا بشكل كبير حتى كان عدد من الرجال يدخلون على المرأة وعندما يأتي الولد تختار هي والده كما تشاء، وكان العبيد في حالةٍ مزرية وظلم شديد يتحكم أصحابهم بكل تفاصيل حياتهم فليس لهم أي حقوق من حقوق البشر.[٤]

وكانت المرأة مظلومة في طبقات المجتمع بشكلٍ عامّ، إذ كان الرجل مثلًا يرثُ زوجةَ أبيه وهي لا ترثُ شيئًا بل تعدُّ من سقط المتاع، ولا يسمح لها بالوصول إلى المناصب المهمّة والحديث في شؤون القبيلة كما كان منتشرٌ وأدَ البنات خوفًا من العار والفقر، إلا أنَّها كانت مكرمة في بعض الأحيان وفي طبقة السادة، ومن الأمثلة على ذلك خديجة بنت خويلد وهند بنت عتبة وغيرها.[٤]

محاسن الحياة الاجتماعية في العصر الجاهلي

رغم الكثير من المساوئ التي اتسمت بها الحياة الاجتماعية في العصر الجاهلي عند العرب وجهلهم بالدين وتفاصيله وحقيقة التوحيد، إلا أنَّ هناك الكثير من المحاسن والأفعال الحميدة التي اتَّصفوا بها رغم جاهليتهم، ومن أكثر الأمور شيوعًا عندهم كانت مكارم الأخلاق التي كانوا يعتبرونها هويَّةً تميِّزُ العربيَّ عن غيره مثل الشجاعة والكرم والفروسية وإكرام الضيف والذَود عن الأعراض والصدق والامانة[٥]، ومن مكارم الأخلاق أيضًا غضُّ البصر التي تحدَّث عنها بعضُ الشعراء في أشعارهم، مثل قول عنترة بن شداد:[٦]

وأَغُضُّ طرفي ما بدَتْ لي جارَتي

حتى يُواري جارتي مأْواها

إني امرؤٌ سَمْحُ الخليقةِ ماجدٌ

لا أتبعُ النفسَ اللَّجوجَ هواها

كما اتَّصفَ العرب بإجارة الضيف مهما كانت فعلته، وقد ذكر رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف: "إنَّما بُعثتُ لأتمِّم صالح الأخلاق"،[٧]، وهذه دلالة عظيمة على أنَّ كثيرمن صالح الأخلاق كانت موجودة وجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليكملها.[٣]

الشعر في العصر الجاهلي

لقد كان الشعر من أبرز سمات العصر الجاهلي؛ فقد شكَّل هويَّة خالدة للعرب ما تزال كذلك رغم مرور أكثر من 15 قرنًا عليها، وقد أُطلِق عليه فيما مضى ديوان العرب، ويعدُّ الشعر الجاهلي أعظم وأرقى شعر في تاريخ الشعر العربي، ومن أشهر شعراء العصر الجاهلي شعراء المعلقات بالإضافة إلى كثير غيرهم، ومن أهم الشعراء في ذلك العصر: امرؤ القيس، عنترة بن شداد، الأعشى، عمرو بن كلثوم، الحارث بن حلزة، النابغة الذبياني، الخنساء وقد أدركت الإسلام وأسلمت، وغيرهم كثير، ومن الفرسان والشعراء العرب أيضًا اشتُهر: عنترة بن شداد، المهلهل، الحارث بن عباد، كليب بن ربيعة وغيرهم.[٤]

المراجع

  1. سورة المائدة، آية: 50.
  2. سورة الفتح، آية: 26.
  3. ^ أ ب ت ث "جاهلية"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 12-07-2019. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث "جاهلية"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 12-07-2019.
  5. "جوانب من حياة العرب في الجاهلية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-07-2019. بتصرّف.
  6. "يا عَبلُ أينَ من المَنيَّة ِ مَهْربي"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 12-07-2019. بتصرّف.
  7. رواه ابن عبد البر، في التمهيد، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 24/333 ، صحيح.
6361 مشاهدة
للأعلى للسفل
×