النية للصلاة هل هي شرط لصحة الصلوات جميعها؟ وكيف تكون هيئتها؟

كتابة:
النية للصلاة هل هي شرط لصحة الصلوات جميعها؟ وكيف تكون هيئتها؟

مفهوم النية

تدور النية في معناها اللغوي حول القصد والعزم والإرادة والجهة والتحوّل، ولكل مذهب من المذاهب وعالم من علماء المسلمين وجهة نظر خاصّة للنية، وإن اشتركوا في الخطوط العريضة، وهذا يظهر من خلال تعريفهم للنية، فالنية عند الحنفية: قصد الطاعة والتقرّب إلى الله تعالى في إيجاد الفعل، وعند المالكية: هي قصد المكلّف الشيء المأمور به، وعند الشافعية: هي عزم القلب على عمل فرض وغيره، وعند الحنابلة: هي عزم القلب على فعل العبادة تقرّبًا إلى الله تعالى،[١] وقد جاء تعريفها في معجم المصطلحات الفقهية بأنّها: العزم المتجه نحو إنشاء فعل،[٢] وللنية أهمية كبرى في الدين الإسلامي فهي روح الأعمال وجوهرها، وهي شرط في صحة الأعمال وبالنية تتحوّل المباحات إلى طاعات وقربات، وقد بحث العلماء علاقة العبادات بجميع أنواعها من صلاةٍ وصيامٍ وحج بالنية، وسيجيب هذا المقال عن سؤال: هل النية شرط لصحة الصلوات جميعها؟، مع بيان كيف تكون هيئة النية للصلاة.[٣]

هل النية شرط لصحة الصلوات جميعها؟

تظهر أهمية النية من خلال الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحدّثت في أمرها، ومن هذه النصوص قول الله تعالى في سورة البيّنة: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}،[٤]فإخلاص النية هو شرط من شروط العبادة، وقد جعل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- النية شرطًا لجميع الأعمال، وذلك في الحديث المشهور الذي رواه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: "إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى، فمَن كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيا يُصِيبُها، أوْ إلى امْرَأَةٍ يَنْكِحُها، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هاجَرَ إلَيْهِ"،[٥] وقد ناقش العلماء المسائل المتعلّقة بالنية وفصلّوا فيها تفصيلًا واسعًا، ومن هذه المسائل مسألة كون النية شرط لصحة الصلوات جميعًا.[٦]

حكم النية

النية هي شرط لصحة الصلاة وفرض من فرائضها، وهي إرادة القلب الجازمة فتجعل الصلاة متوجهة لله وحده، فلو نطق الإنسان النية بلسانه ولم ينوِ بقلبه فإنّه لا يُعدّ مصليًّا، وكذلك الأمر بالنسبة لمن أراد الصلاة بقصد الحصول على ثناء الناس ومديحهم أو الحصول على أي عرض دنيوي آخر من مالٍ أو جاهٍ أو منصب، فإن صلاته باطلة فالنية يجب أن تكون خالصة لله والقصد منها هو الحصول على رضا الله وتأدية فرض الصلاة كما أوجبتها الشريعة الإسلامية، أمّا بالنسبة للوساوس التي تعرض للإنسان أثناء صلاته واشتغال فكره بأمور الدنيا فهذا لا يُبطل الصلاة؛ ولكنّ الواجب على المصلّي أن يُدافع هذه الوساوس ويطرح تلك الأفكار ويحاول جاهدًا التفكّر في معاني الصلاة والكلام الذي يردّده فيها ويسعى لأن يصل إلى درجة الخشوع والخضوع التام أثناء الصلاة.[٦]

وبالنسبة لحكم النية في الصلاة فإنّ المذاهب الأربعة اتفقت على أنّ الصلاة لا تصح بدون نية، ولكنّهم اختلفوا في بعض التفصيلات المتعلّقة بها، فقال البعض أنّها ركن من أركان الصلاة، فلو صلّى شخص بدون نية فلا يُقال له أنّه صلّى مطلقًا، وقال البعض الآخر أنّها شرط من شروط الصلاة، فمن صلّى بلا نية فإنّ صلاته باطلة، والحقيقة أنّ هذا خلاف ليس منه كبير فائدة فعلى القولين الصلاة لا تصح، أمّا المسألة الأهم والأبرز ما يتعلّق بكون النية واجبة في جميع الصلوات أم أنّها خاصة بصلاة الفرض دون غيرها، فمن المعلوم أنّ الصلاة منها ما يكون فرض عين كالصلوات الخمس ومنها ما يكون فرض كفاية كصلاة الجنازة، ومنها ما يكون سنة مؤكدة أو سنة غير مؤكدة.[٦]

حكم النية في الصلاة المفروضة

قال الحنفية بوجوب علم المكلّف بفرضية الصلوات الخمس، فإن كان جاهلًا بذلك فصلاته لا تصح، إلّا إذا صلّى مع إمام ونوى صلاة الإمام، وإن كان لا يميّز الفرض من الواجب والسنة وصلّى جميع الصلوات بنية الفرض فصلاته تصح، أمّا عن كيفية النية في صلاة الفرض فتكون بأن يعلم المصلّي بقلبه أنّ الصلاة التي يُصلّيها هي صلاة ظهر أو عصر أو مغرب أو عشاء أو صبح، ولا يلزمه أن ينوي صلاة ظهر اليوم أو الوقت، وكذلك بالنسبة لبقية الصلوات المفروضة، فمجرد تعيين الوقت يكفي بدون زيادة، ولكنّ البعض يقول بوجوب نية الصلاة المفروضة بيومها أو وقتها، وذلك لأنّ وقت الصلاة يقبل قضاء صلاة أخرى مفروضة، فمن الممكن أن ينوي المصلّي صلاة الظهر في وقت الظهر وهي فائتة ولا زالت في ذمته، وعلى هذا فإنّ الأحوط إضافة نية اليوم إلى تعيين الوقت، وهذا جميعه يتعلّق بأداء الصلاة المفروضة في وقتها.[٦]

أمّا إذا كان أداء الصلاة خارج الوقت وذلك بسبب جهل المصلي بخروج الوقت فإنّ النية المتضمنة لتعيين الوقت بكونه عصرًا أو ظهرًا بدون قيود أخرى يكون كافيًا في صحة الصلاة على الأرجح، أمّا إذا كان المصلّي على علم بخروج وقت الصلاة فقيل تكفيه هذه النية، وقيل لا تكفيه، والأحوط هو التقييد باليوم، أمّا من نوى صلاة الفرض بإطلاق فيجب عليه تقييده بالوقت، فينوي صلاة فرض الوقت، وذلك يصح شريطة أن تكون الصلاة ضمن وقتها ولم يخرج الوقت بعد، فإن كان قد خرج فإنّ هذه النية لا تكفي وإن كان جاهلًا بخروج الوقت على الارجح، أمّا بالنسبة لصلاة فرض الكفاية كصلاة الجنازة والصلوات الواجبة كصلاة الوتر وركعتي الطواف فإنّ النية شرط في صحتهما، وكذلك الأمر بالنسبة لصلاة الجمعة ويُلحق بهذا الحكم صلاة التطوع التي يُفسدها المصلي فتُصبح واجبةً عليه عند الحنفية ولا بدّ من النية فيها كصلاة الواجب، والنتيجة أنّ النية لازمة في الصلوات المفروضة عينًا وكفايةً والصلوات الواجبة والصلوات المنذورة، وهذا بالنسبة لرأي الحنفية الذين توسّعوا في هذه المسألة وفيما يأتي بيانٌ لرأي بقية المذاهب الإسلامية:[٧]

  • المذهب المالكي: قال المالكية بوجوب تعيين النية في صلاة الفرض، وذلك بأن يقصد المصلّي صلاة الظهر أو العصر وغيرهما، فإذا لم ينوِ ذلك فصلاته لا تصح.
  • المذهب الشافعي: فصّل الشافعية بمسألة نية صلاة الفرض وقالوا بأنّ لها أربعة شروط، وهي: نية الفرضية، والمعنى أن يكون المصلّي قاصدًا في نيته صلاة الفرض، والثاني: قصد فعل الصلاة، والمعنى استحضار أفعال الصلاة ولو بإجمالها، وهذا لتمييز الصلاة عن الأعمال الأخرى، والثالث: هو تعيين الوقت من ظهر أو عصر أو مغرب، والرابع هو مرافقة النية ومقارنتها لأي جزء من أجزاء تكبيرة الإحرام، كما أنّ فقدان أحد هذه الشروط يُبطل النية فيؤدي إلى بطلان الصلاة عند الشافعية.
  • المذهب الحنبلي: قال الحنابلة بلزوم تعيين الوقت في نية صلاة الفرض كأن ينوي صلاة المغرب أو الفجر أو الجمعة، ولا يُكتفى بنية مطلق الفرض، ولا يجب الزيادة على ذلك.

حكم النية في صلاة النافلة

أمّا عن صلاة النافلة فقد قال الحنفية بعدم لزوم تعيين صلاة النافلة سواءٌ كانت سنّة أم لا، ويكفي فيها نية مطلق الصلاة، وقال المالكية بوجوب النية في السنن المؤكدة كصلاة الوتر والعيدين والكسوف والاستسقاء، واشترطوها في سنة الفجر، أمّا بقية الرواتب وصلاة الضحى والتراويح والتهجّد فيكفي فيها مطلق نية الصلاة، لأنّ الوقت الذي تؤدّى فيه كافٍ في تعيينها، وقال الشافعية بوجوب تعيين النية في صلاة النافلة المعيّنة بوقتٍ كالسنن الرواتب وصلاة الضحى، والتي لها سبب كصلاة الاستسقاء، واشترطوا فيها شروط نية الصلاة المفروضة ما عدا استحضار نية التنفّل فقالوا باستحبابه فقط، أمّا صلاة التطوّع المطلقة فيكفي فيها مجرّد نية الصلاة بشكل عام، وقال الحنابلة بلزوم تعيين النية في السنن الرواتب وصلاة التراويح، وبعدم لزوم تعيينها في النفل المطلق فيكفي فيه النية المطلقة للصلاة.[٨]

كيف تكون هيئة النية للصلاة

إن الرجوع إلى الكتب الفقهية والبحث في الجوانب المتعلّقة بنية الصلاة يوضّح مدى اهتمام العلماء بهذه القضية فالنية هي التي تُميّز العادة عن العبادة، وشروطها بشكل عام الإسلام والتمييز والعلم بالمنوي، وكمالها باستشعار المصلّي الإيمان، وقصد التقرب لله تعالى والاعتقاد بوجوبها وأدائها في ذلك اليوم، بالإضافة إلى تعيين الوقت وعدد الركعات، ونية الإمامة أو الاقتداء أو الانفراد، وفيما يأتي بيانٌ لهيئة النية وما يتعلّق بذلك من وقتها ومحلّها وحكم التلفظ بها:[٩]

وقت النية

اشترط الحنفية اتصال النية بالصلاة وعدم وجود فاصل أجنبي من عملٍ لا يليق بالصلاة كالأكل والشرب بين النية وتكبيرة الإحرام، أمّا الأعمال المتعلّقة بالصلاة كالوضوء والمشي إلى المسجد فلا بأس بها، فلو توضأ الإنسان ثمّ ذهب إلى المسجد فكبّر دون استحضار النية أجزأه ذلك، ولكنّ الأفضل هو اقتران النية بتكبيرة الإحرام، وقال المالكية بوجوب استحضار النية عند تكبيرة الإحرام أو قبلها بزمنٍ يسير، أمّا الشافعية فقد اشترطوا اقتران النية بفعل الصلاة، وقال الحنابلة بأفضلية الاقتران وأجازوا تقدّم النية على التكبيرة زمنًا يسيرًا.[٩]

محل النية وحكم التلفظ بها

إنّ محل النية هو القلب باتفاق الفقهاء ولكنّهم اختلفوا في مشروعية وحكم التلّفظ بها، فالجمهور غير المالكية على أنّ التلّفظ بالنية مندوب،[٩] وذلك لأنّ في التلّفظ بها كقول المصلّي: "نويت أن أصلي فرض الظهر"، تنبيه للقلب، ولكنّ الخطأ في اللفظ كأن يتلّفظ بنية العصر وهو يريد صلاة المغرب لا يضر لأنّ النية محلّها القلب، ولكنّ الحنفية والمالكية قالوا بعدم مشروعية التلّفظ بالنية في الصلاة إلّا إذا كان المصلّي موسوسًا، وقال المالكية بأنّ التلّفظ هو خلاف الأولى بالنسبة لغير الموسوس ومندوب للموسوس، وقال بعض الحنفية أنّ التلّفظ بدعة ويُستحسن لدفع الوسواس.[١٠]

المراجع

  1. "النية: (تعريفها، وبيان حكمها، وذكر محلها)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-04. بتصرّف.
  2. "الفرق بين القصد والنية وأهمية المقاصد في الفقه"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-04. بتصرّف.
  3. "دليل المسلم الجديد - (18) النية باب الأعمال الصالحة والخيرات الوافرة "، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-04. بتصرّف.
  4. سورة البينة، آية:5
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:1، حديث صحيح.
  6. ^ أ ب ت ث عبد الرحمن الجزيري، كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، صفحة 190-191-192. بتصرّف.
  7. عبد الرحمن الجزيري، كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، صفحة 193-194. بتصرّف.
  8. عبد الرحمن الجزيري، كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، صفحة 196. بتصرّف.
  9. ^ أ ب ت وهبة الزحيلي، كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي، صفحة 771-772-773. بتصرّف.
  10. عبد الرحمن الجزيري، كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، صفحة 195. بتصرّف.
4712 مشاهدة
للأعلى للسفل
×