معنى آية وإِن عزموا الطلاق، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية وإِن عزموا الطلاق، بالشرح التفصيلي

سورة البقرة

تُعدُ سورة البقرة أطول سورةٍ في القرآن الكريم؛ إذ تبلغُ عدد آياتِها 286 وهي ثاني سورة في كتابِ اللهِ بعدَ الفاتحة، كما أنها أولُ سورةٍ نزلت في المدينة ما عدا قول الله تعالى: {وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}،[١] فقد نزلت بمنى في حجة الوداع ونزلت يومَ النحر، وكذلكَ آياتُ الربا فهي من أول آيات القرآن نزولًا، وسُميت سورةُ البقرة بفسطاط القرآن؛ وذلك لبهاءِ هذه الصورة وعظمَتِها وتعدُدِ الأحكام والمواعظ التي جاءت بها، واستغرق عمر بن الخطاب في تعلم سورة البقرة والتفقُهِ بها اثني عشرة سنة، وابنه عبد الله بن عمر تعلمها في ثماني سنين، وقد تضمنت السورةُ أعظمُ آية في كتاب الله تعالى؛ وهي آية الكرسي وهي الآية التي أوصى رسول الله بقرائتها قبل النوم وأخبرَ أنهُ من يقرأها في ليلتهِ يحفظهُ الله حتى يُصبح، كما وجاءَ في سورة البقرة أطول آيةٍ في كتاب الله وهي آية الدين.[٢]

معنى آية: وإِن عزموا الطلاق، بالشرح التفصيلي

تحدثت سورةُ البقرةِ عن عدةٍ من الأحكامِ في جميعِ مجالاتِ الحياة، ولعل من أهمِها مجالُ الأُسرةِ والحياةِ الزوجية ومنها أحكام الطلاق، ومن ذلك قول الله تبارك وتعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}،[٣] ومعنى الآية الكريمة أن من عزمَ على الطلاق فإن الله تعالى سميعٌ وعليمٌ بالعزيمة، ومعنى العزيمةُ هو تتميمُ العقدِ على الشيء، ومعنى الطلاقُ هو حل عقدة النكاحِ، وهذه الآيةُ تدل بمضمونِها على حكمٍ شرعيٍ وهو الإيلاء، وقد وقعَ خلافٌ في تفسيرِ هذه الآية عندَ أهل التأويل وسيأتي بيانه، كما واستدلوا بهذه الآية على أن الأَمة أو الجارية التي تكون من ما ملكت اليمين لا يكون فيها إيلاء؛ وذلكَ لعدمِ وقوع الطلاق عليها فهي ليست زوجةً للمولي،[٤] فهذه الآيةُ تتحدثُ عن حكمٍ يتعلقُ بأحكامِ الطلاقِ وهو الإيلاء، ويعرفُ الإيلاءُ بأنه " الحَلِفُ على الامتِناعِ مِن وَطءِ الزَّوجةِ مُطلَقًا أو أكثَرَ مِن أربعةِ أشهُرٍ"،[٥] والإيلاءُ له عدةٌ من الأحكامِ والتفصيلات في كُتبِ الفقهاء، وقد وقعَ خلافٌ بينَ أهلِ التفسيرِ في ما تناولتهُ الآية فقالوا في معنى عزموا الطلاق أقوال وهي كما يأتي:[٦]

  • الأول: الذين يحلفونَ أن يعتزلوا نسائهم ينتظرون مدة أربعة شهور، فإن رجعوا خلالَ هذهِ المدة عن اليمين عن ترك الزوجة، وعادوا لما أوجب الله للزوجات من العشرةِ بالمعروفِ فالله تعالى غفورٌ رحيمٌ، وإن لم يرجعوا خلال الأربعة شهور وانتهت هذه المدة من غيرِ رجوعهم طُلِّقت منهن زوجاتهن اللاتي حلفوا عليهن ودليلُهم على ذلك هو الدلالة على عزم المولي أو الزوج على طلاق زوجته التي حلف عليها، واختلفوا أصحاب هذا الرأي في حكم الطلاق الذي يلحقها بعد مُضي مدة الأربعة أشهر فقيل تقع طلقة بائنة وهذا ما نُقل عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعثمان بن عفان وزيد بن ثابت وغيرهم، وقيل الذي يلحقها بمضي الأربعة الأشهر هو تطليقةٌ يملك فيها الزوجُ الرجعةَ، أي أنه يقعُ طلاقًا رجعيًا وهو ما نُقلَ عن الزهري وسعيد بن المسيب وغيرهم.
  • الثاني: الَّذِينَ يحلفون على الإعتزال من نسائهم، يُنظرونَ أربعة أشهر فَإِنْ عادَوا عن اليمين بعد انقضاء الأشهر الأربعة إليهنّ، فرجعوا إلى عشرةِ الزوجةِ بالمعروف، وترك هجرها، وعادَ المولي لجماع الزوجة فَالله غفورٌ رحيم وَإِنْ عَزَمُوا على الطَّلاقَ بعدَ مرور أربعةِ أشهر فإن الله سميعٌ لطلاقِهم وعليمٌ بما فعلوا بهن من إحسان وعشرةٍ بالمعروف وإساءة وقال متأوِّلوا هذا التأويل: مضي الأشهر الأربعة يوجب للمراة المطالبةَ على زوجها المُولي منها، بالفيء أو بالطلاق، ويتوجب على أولي الأمر أن يسأل الزوج على ذلك، فإن فاء أو طلَّق، وإلا طلَّق عليه أولي الأمر ممن يعنوا بشأن الطلاق.
  • الثالث: ليس الإيلاء بشيء، ومن أصحابِ هذا القول من قال بأنه يراد من قوله تعالى: {عَزَمُوا الطَّلاقَ}، هو إمتناعهم عن الرجوع بعد ما أمرهم القاضي بالرجوع أو الطلاق، أي عدمُ رجوعهم هو عزمٌ على الطلاق.

قال أبو جعفر: "وأشبه هذه الأقوال بما دلّ عليه ظاهر كتاب الله تعالى ذكره، قولُ عمر بن الخطاب وعثمان وعلي -رضي الله عنهم- ومن قال بقولهم في الطلاق أن قول الله تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، إنما معناه: فإن فاءوا بعد وَقف الإمام إياهم من بعد انقضاء الأشهر الأربعة، فرجعوا إلى أداء حق الله عليهم لنسائهم اللائي آلوا منهن، فإن الله لهم غفور رحيم {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} فطلَّقوهن فإن الله سميع، لطلاقهم إذا طلَّقوهن وعليمٌ بما أتوا إليهن، وإنما قلنا ذلك أشبه بتأويل الآية، لأن الله تعالى ذكره ذكر حين قال: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ}،" فإن الله سميع عليم، ومعلوم أنّ انقضاء الأشهر الأربعة غير مسموع، وإنما هو معلوم، فلو كان عزمُ الطلاقِ انقضاء الأشهر الأربعة لم تكن الآية مختومة بذكر الله الخبر عن الله تعالى ذكره أنه {سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، كما أنه لم يختم الآية التي ذكر فيها الفيء إلى طاعته في مراجعة المولي زوجته التي آلى منها، وأداء حقها إليها بذكر الخبر عن أنه شديد العقاب، إذْ لم يكن موضعَ وعيد على معصية، ولكنه ختم ذلك بذكر الخبر عن وصفه نفسه تعالى ذكره بأنه غَفُورٌ رَحِيمٌ إذْ كان موضعَ وَعد المنيب على إنابته إلى طاعته، فكذلك ختم الآية التي فيها ذكر القول، والكلام بصفة نفسه بأنه للكلام  سميع  وبالفعل عليم، فقال تعالى وإن عزم المؤلون على نسائهم على طلاق من آلوا منه من نسائهم فإن الله سميع لطلاقهم إيّاهن إن طلقوهن عليم بما أتوا إليهنّ، مما يحل لهم، ويحرُم عليهم".[٦] وقال الواحدي: "أيْ طلَّقوا ولم يفيؤوا بالوطء، فإنَّ الله سميع لما يقوله وعليمٌ بما يفعله"، وقال البغوي: "{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ}، أَيْ حَقَّقُوهُ بالإيقاع، {فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} لقولهم، {عَلِيمٌ} بِنِيَّاتِهِمْ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تُطَلَّقُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ مَا لَمْ يُطَلِّقْهَا زَوْجُهَا،لِأَنَّهُ شَرَطَ فِيهِ الْعَزْمَ، وَقَالَ: {فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَقْتَضِي مَسْمُوعًا، وَالْقَوْلُ هُوَ الَّذِي يُسْمَعُ".[٧]

معاني المفردات في آية: وإِن عزموا الطلاق

وبعدَ تفسيرِ الآية الكريمة وبيان الخلاف الذي وقعَ بينَ أهل التفسير في تأويلِها لا بد من بيان معاني المفردات لا سيما وأن الخلاف في الآيات هو خلافٌ في فهمِ المعنى المقصود من المفردات الموجودة في الآية، أو المراد من هذهِ المُفردات وأما معاني المفردات في قول الله تبارك وتعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ}، فهي كما يأتي:[٨]

  • عزموا: من الفعلِ عزمَ ومعناه قصدَ ونوى.
  • الطلاق: رَفْعُ قيد النكاح المنعقد بين الزوجين بألفاظ مخصوصة.

إعراب آية: وإِن عزموا الطلاق

وبعد بيان معاني المفردات في الآية الكريمة من سورة البقرة، وبيان الحكم الذي تضمنته الآية الكريمة وهو حكمُ الإيلاء سيأتي إعراب قول الله تبارك وتعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ}، وذلك بشكلٍ تفصيليٍ، وهو كما يأتي:[٩]

  • وَإِنْ: الواو حرف عطف، إِنْ: حرف شرط جازم.
  • عَزَمُوا: فعل ماض مبنيّ على الضمّ في محلّ جزم فعل الشرط، والواو ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل.
  • الطَّلاقَ: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة، والجمله الفعلية عزموا الطلاق جملة معروفة لا محل لها من الإعراب.

الثمرات المستفادة من آية: وإِن عزموا الطلاق

كتابُ الله تعالى هو منهجُ المُسلمين، وآياتهُ هي الهدى بين أيديهم، ومن حكمةِ الله تعالى أنهُ لم يخلو كتابهِ من حكمٍ يخصُ حياة المسلم إلا وجاءَ به، وعملَ على تنظيم حياةِ المسلم بجميعِ جوانبِها، وسورة البقرة سورةٌ تعبقُ بالأحكامِ والثمرات ومنها آيات الطلاق التي تنظم حياةَ المسلم الأسرية، ومحورُ الحديث في هذا المقال هو قول الله تبارك وتعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ}، ويُستفادُ منه عدةً من الثمرات والأحكام ومنها أن الإيلاء حكمٌ من أحكام الطلاق نصَ عليه الله تعالى في كتابه العزيز وهو حلفانُ الرجل على تركِ وطءِ زوجتِهِ وبعد مرور أربعةِ أشهرٍ على هذا اليمين أو الإيلاء، إما الرجوع أو الطلاق، كما ويستفاد من الآية الكريمة أن من عادَ عن يمينه ورجعَ لمعاشرة زوجته فإن الله تعالى يغفر له فهو الغفور الرحيم بعباده، ويجدرُ الإشارة إلى المدة التي وضعها الشارع للزوج ليتراجع عن يمينهِ فهي ليست بالقليلة وهذا من حرصِ الإسلام على الحياة الزوجيةِ وعدم تفكك الأسر، والمتمعنُ في آياتِ الطلاق بالعموم يرى التفصيل والدقة من الله تعالى في موضوع الطلاق وذلك لحساسيةِ هذا الموضوع وأهميتِهِ.

المراجع

  1. سورة البقرة، آية:281
  2. "سورة البقرة"، ar.wikipedia.org، 2020-06-26. بتصرّف.
  3. سورة البقرة، آية:227
  4. "وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ "، quran.ksu.edu.sa، 2020-06-27. بتصرّف.
  5. "تعريفُ الإيلاءِ"، dorar.net، 2020-06-27. بتصرّف.
  6. ^ أ ب "القول في تأويل قوله تعالى ( وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم)"، islamweb.net، 2020-06-27. بتصرّف.
  7. "تفسير: (وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم) "، www.alukah.net، 2020-06-27. بتصرّف.
  8. "تعريف و معنى طلاق في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، 2020-06-27. بتصرّف.
  9. "إعراب الآية رقم (227)"، www.al-eman.com، 2020-06-28. بتصرّف.
5857 مشاهدة
للأعلى للسفل
×