معنى آية واللاتي تخافون نشوزهن، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية واللاتي تخافون نشوزهن، بالشرح التفصيلي

سورة النساء

سورة النساء هي سورة مدنية وهي من السور السبع الطوال حيث إنّ عدد آياتها 176 آية وهي السورة الرابعة في ترتيب سور القرآن الكريم، حيث تقع بين سورتي آل عمران والمائدة، وقد نزلت بعد سورة الممتحنة، وابتدأها الله تعالى بنداء موجّه لجميع الناس، حيث قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}،[١] وقد سُميّت بسورة النساء لكثرة الأحكام التي تخصّ النساء الواردة فيها، ويُطلق عليها أهل العلم سورة النساء الكبرى تمييزًا لها عن سورة الطلاق المسمّاة بسورة النساء الصغرى التي تحوي أحكامًا تخصّ النساء أيضًا، ومن ميزات سورة النساء اشتمالها على الكثير من الأحكام التشريعية ومنها ما ينظم شؤون الدولة الخارجية وأخرى تُنظّم الشؤون الداخلية كالأمور التي تخصّ المجتمع والأسرة من ميراث وعلاقة المرأة بزوجها، وسيتناول هذا المقال معنى آية: واللاتي تخافون نشوزهن، بالشرح التفصيلي.[٢]


معنى آية: واللاتي تخافون نشوزهن، بالشرح التفصيلي

إنّ الموضوع الرئيس في سورة النساء هو موضوع المرأة حيث فصلّت هذه السورة في أحكام النساء وطال الكلام فيها عن جميع ما يتعلّق بذلك، حيث بيّنت حق المرأة في الكرامة الإنسانيةوالحقوق المالية من مهرٍ وميراث، وتحدّثت عن أحكام الرضاع وحرّمت عضل النساء وزجرت عن فعل الفاحشة وحثّت على الفضيلة ومعالي الأخلاق ومكارمها، كما تكلّمت عن العلاقة مع ملك اليمين ونظمّت علاقة المرأة بالرجل من خلال الحديث عن قضية تعدّد الزوجات والعدل بينهن وعن موضوع القوامة، حيث قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}،[٣] فجميع الأحكام الواردة في هذه السورة الكريمة هي أحكام مهمّة، حيث إنّها تتعلّق بالأسرة المسلمة ولا بدّ من تعلّمها وفهمها بشكلٍ صحيح بعيدًا عن التعنت والتعصب.[٤]

يقول الله تعالى أنّ الرجل قائم على المرأة ومقتضى هذه القوامة إلزامها بحقوق الله ومنعها من الشر والفساد وتأديبها، وسبب القوامة ما فُضّل به الرجل على المرأة من خصائص كوجود النبوة فيهم دونًا عن النساء والإمارة والجهاد ورجحان العقل وقوة النفس والطبع وغير ذلك من الفضائل، بالإضافة إلى أنّ الرجل هو الذي ينفق على المرأة وهو الذي يُعطي المهر عند الزواج، ومن النساء من هنّ مستقيمات ويطعن أزواجهن في حضورهم ويحفظن أموالهم وفروجهن في غيابهم، ثمّ يتكلّم الله تعالى عن النوع الثاني من النساء وهي المرأة الناشز ويبيّن كيفية التصرّف معها ويُرشد إلى الحق والعدل في ذلك.[٥]

وفي بيان معنى آية: واللاتي تخافون نشوزهن، يقول الإمام الطبري أنّ أهل التأويل اختلفوا في معنى هذه الآية الكريمة، حيث قال البعض أنّ المعنى هو "واللاتي تعلمون نشوزهن" فالخوف في هذا الموضع هو بمعنى العلم كالظن الذي يأتي بمعنى العلم لتقارب معانيهما، فالظن بمعنى الشك والخوف مقرون بالرجاء، وقال آخرون أنّ الخوف في هذا الموضع ضد الرجاء، ومعنى الآية: "أنكم إذا رأيتم من نسائكم ما تخافون بسببه من نشوزهن عليكم مثل نظرهن إلى ما لا ينبغي لهنّ النظر إليه، وكثرة الدخول والخروج من البيت، وغير ذلك من الأمور التي تبثّ الريبة في نفوسكم من أمر نسائكم، فعليكم بالوعظ والهجران".[٦]

وقد نقل الإمام الطبري الكثير من أقوال أهل العلم في تفسير هذه الآية الكريمة، حيث قال محمد بن كعب القرظي أنّ معنى "نشوزهن"، أي: استعلاء المرأة على زوجها وترفعّها عن فراشه معصيةً له، وترك طاعته فيما يجب عليها له، وأصل النشوز الارتفاع فالمكان المرتفع من الأرض يُقال له نشز ونشاز، ومعنى "فعظوهن"، أي: ذكروهنّ الله تعالى وخوفّوهن من وعيده على فعل المحرمات من معصية الزوج فيما وجبت طاعته فيه، وفسّر السُدّي النشوز بالبغض، وعن عطاء قال أنّ النشوز هو حبّ المرأة لفراق زوجها والرجل كذلك، أمّا ابن زيد فقال أنّ النشوز هو العصيان ونحوه.[٦]

وقد قال ابن عباس -رضي الله عنهما- أنّ المرأة الناشز هي التي تستخف بحق زوجها ولا تطيعه، كما فسّر مجاهد طريقة الوعظ حال النشوز فقال: إذا نشزت المرأة عن فراش زوجها، فيقول لها: اتقي الله وارجعي إلى فراشك، فإن هي أطاعته فلا سبيل له عليها، وقد قال الحسن البصري كلامًا قريبًا من هذا وهو أنّ الوعظ يكون باللسان والأمر بتقوى الله وطاعته، كما مثّل محمد بن كعب القرظي للنشوز والوعظ بأمثلة حيّة حيث قال: إذا رأى الرجل خفةً في صرّها في مدخلها ومخرجها، فيقول لها بلسانه: قد رأيت منك كذا وكذا فانتهي! فإن أعتبت -أي غيّرت من سلوكها وامتثلت لأمر زوجها- فلا سبيل له عليها، وإن أبت هجر مضجعها.[٦]

كما ذكر الإمام القرطبي في بيانه لمعنى آية: واللاتي تخافون نشوزهن، أنّ ابن عباس -رضي الله عنهما- قد قال بأنّ معنى تخافون، أي تعلمون وتتيقنون، وذكر أنّ البعض قالوا هو على بابه أي أنّ تخافون بمعنى الخوف المعروف، واللاتي هو جمع التي، والنشوز هو العصيان، ومنه المكان المرتفع من الأرض، ويُقال "نشز الرجل" أي: كان قاعدًا ونهض قائمًا، وقد قال تعالى في خطابه للمؤمنين في سورة المجادلة: {وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا}،[٧] أي ارتفعوا وانهضوا للحرب أو أي أمر آخر من أمور الله تعالى، وعليه فإنّ معنى الآية: النساء اللواتي تخافون عصيانهن وتعاليهن عمّا أوجب الله عليهن من طاعة الأزواج، وقد قال أبو منصور اللغوي أنّ النشوز هو كراهية كل واحد من الأزواج لصاحبه، ويُقال للمرأة ناشز بدون هاء، والفعل نشزن وتنشز ونشصت وتنشص، والمراد المرأة سيئة العشرة، كما قال ابن فارس، أنّ المرأة الناشز هي التي تستصعب على زوجها، ونشوز الرجل على زوجته هو ضربه لها وجفوتها.[٨]

وقد تبيّن من خلال هذه الآية الكريمة ماذا يفعل الزوج الذي يرى من زوجته استعلاءً عليه ويتخوّف من نشوزها وتركها لطاعته بسبب بغضها له وإعراضها عنه؛ فمن رأى ذلك من زوجته فعليه أن يلجأ إلى وعظها وتذكيرها بالله تعالى، ويخوّفها من عقابه على معصية المرأة لزوجها، ويرغبّها بطاعته حيث يذكر لها ثواب طاعة الزوج عند الله تعالى، فإن لم ينفع الوعظ فالوسيلة الثانية هي الهجر في المضاجع، والمعنى ابتعاد الزوج عن فراش زوجته وعدم قربانه له وترك جماعها، فإن لم تُحسّن من حالها بعد الهجر فإنّ الزوج يُباح له حينها أن يضربها ضربًا غير مبرح.[٥]

معاني المفرادات في آية: واللاتي تخافون نشوزهن

اختلف المفسروّن في بيان معنى آية: واللاتي تخافون نشوزهن، وخلافهم هذا راجع إلى المعنى اللغوي لمفردات هذه الآية، فمنهم من قال أنّ الخوف في هذا الموضع هو الخوف المقترن بالرجاء وهو بمعنى العلم ومنهم من قال خلاف ذلك، وفيما يأتي بيانٌ لمعاني المفردات في آية: واللاتي تخافون نشوزهن:

  • واللاتي: اسم موصول مبهم معرفة للجمع المؤنث، ومعناه لا يتم إلّا بجملة الصلة، وهو بمعنى اللواتي واللائي.[٩]
  • تخافون: الخوف هو انفعال نفسي يحدث بسبب توقّع حصول مكروه أو فوات محبوب.[١٠]
  • نشوزهن: النشوز في الأصل اللغوي يدلّ على الارتفاع، والنشوز بين الزوجين هو بغض أحدهما للآخر، والمرأة الناشز هي التي تبغض زوجها وتعصي أمره.[١١]

سبب نزول آية: واللاتي تخافون نشوزهن

أسباب النزول هي الوقائع والأحداث التي كانت سببًا في نزول آيات وسور معينة من القرآن الكريم، وليس لكل آية في القرآن سبب نزول، فمن الآيات ما تنزل ابتداءً بدون حصول أمر يخصّها، ومنها ما ينزل بعد حصول حدّث معيّن، وقد قال المفسرون والعلماء المهتمّون بعلم أسباب النزول؛ أنّ سبب نزول آية: واللاتي تخافون نشوزهن، هو أنّ سعد بن الربيع اختصم مع زوجته حبيبة بنت زيد، وسعد من النقباء وكان هو وزوجته من الأنصار، وقد نشزت عنه فلطمها، فذهبت مع أبيها إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فقال أبوها: أفرشته كريمتي فلطمها.[١٢]

فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "لتقتصّ من زوجها"، فانصرفت مع أبيها لتقتصّ منه، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: "ارجهوا هذا جبريل"، وأنزل الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ}، فقال رسول الله: "أردنا أمرًا وأراد الله أمرًا والذي أراد الله خير" ورُفع القصاص،[١٢] كما جاء في تفسير الرازي أنّ هذه الحادثة كانت سببًا في نزول قوله تعالى: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ}،[١٣] وقد أمسك رسول الله حتّى نزلت آية سورة النساء، وذكر أيضًا قول الكلبي وهو أنّ اسم زوجة سعد بن الربيع هو عميرة بنت محمد بن مسلمة، وقول أبو رَوْق أنّ الآية نزلت في جميلة بنت أبيّ وزوجها ثابت بن قيس بن شمّاس، والله تعالى أعلم.[١٤]

إعراب آية: واللاتي تخافون نشوزهن

نزل القرآن الكريم بلغة العرب فلغته هي أفصح اللغات وأساليبه هي أقوى الأساليب وأجزلها، وقد تحدّى الله تعالى الكفار المعاندين أن يأتوا بشيء مثيل للقرآن الكريم في فصاحته وبلاغته وقوة نظمه ولكنّهم عجزوا عن ذلك وهم عرب خُلّص والقرآن نزل بلغتهم، ولكنّه كتاب الله المعجز الذي لا يُضاهى ولا يُقارب، وفيما يأتي بيان إعراب آية: واللاتي تخافون نشوزهن، جملًا ومفردات:[١٥]

  • واللاتي: الواو حرف عطف، اللاتي اسم موصول في محل رفع مبتدأ.
  • تخافون: فعل مضارع مرفوع، والواو فاعل.
  • نشوزهن: مفعول به منصوب، وهن ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
  • جملة "اللاتي تخافون": لا محل لها من الإعراب معطوفة على جملة "الرجال...".
  • جملة "تخافون نشوزهن": لا محل لها من الإعراب صلة الموصول "اللاتي".

الثمرات المستفادة من آية: واللاتي تخافون نشوزهن

المسلم مأمور بالنظر في القرآن الكريم والتبصّر في معانيه والتفكّر في أحكامه وأخذ العبر والفوائد من القصص الواردة فيه، فالآية قد تدلّ على معنى مباشر واضح ولكن عند التأمل فيها تظهر معاني خفية وفوائد جليلة بالإضافة إلى الكثير من الفواد العلمية واللغوية، وفيما يأتي بيانٌ لبعض الثمرات المستفادة من آية: واللاتي تخافون نشوزهن:

  • حرمة نشوز المرأة على زوجها.[٥]
  • التدرج في التأديب فالوعظ أولًا ثمّ الهجر ثمّ الضرب.[٥]
  • للزوج السلطة على زوجته.[٥]
  • إنّ الضرب غير المبرح يكون بالسواك وما شابهه، فالضرب غير المبرح هو الضرب غير المؤثر.[٦]
  • قال بعض العلماء أنّ الحكم في هذه الآية على التخيير أي يحق للزوج أن يبدأ بالضرب بينما قال آخرون هو على التخيير فلا يجوز الانتقال إلى الهجر والضرب قبل الوعظ.[١٦]
  • قال الإمام الشافعي أنّ الضرب ضرب تأديب لا يكسر عظمًا ولا يُشين عضوًا، ويجب أن يكون مفرقًّا على البدن ولا يوالي به في موضع واحد، كما يجب أن يتقي الوجه لأنّه مجمع المحاسن، وألّا يزيد عن الأربعين، وقال أيضًا أنّ الضرب مباح وتركه أفضل.[١٦]
  • النشوز هو السبب الوحيد في سقوط نفقة الزوجة على زوجها.[٨]
  • إنّ الأسباب التي تجعل المرأة تنشز على زوجها هي: سوء خلق المرأة أو رغبتها في الزواج من غيره أو قسوة الرجل وحدّة طباعه كما بين ذلك ابن عاشور.[١٦]
  • من الفوائد اللغوية المتعلقّة بهذه الآية، قول ابن دريد: نشزت المرأة ونشست ونشصت بمعنى واحد.[٨]

المراجع

  1. سورة النساء، آية:1
  2. "سورة النساء"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13. بتصرّف.
  3. سورة النساء، آية:34
  4. "موسوعة التفسير"، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت ث ج "سُورةُ النِّساءِ"، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت ث "تفسير الطبري"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13. بتصرّف.
  7. سورة المجادلة، آية:11
  8. ^ أ ب ت "القول في تأويل قوله تعالى " واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن ""، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13. بتصرّف.
  9. "تعريف و معنى اللاتي في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-14. بتصرّف.
  10. "تعريف و معنى الخوف في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-14. بتصرّف.
  11. "تعريف و معنى نشوز في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-14. بتصرّف.
  12. ^ أ ب "كتاب: روائع البيان في تفسير آيات الأحكام"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-14. بتصرّف.
  13. سورة طه، آية:114
  14. "كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-14. بتصرّف.
  15. "كتاب: الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-14. بتصرّف.
  16. ^ أ ب ت "كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-14. بتصرّف.
5734 مشاهدة
للأعلى للسفل
×