آثار أزمة كورونا على الصحة النفسية للمسنين

مفهوم الصحة النفسية

يُشير مفهوم الصحّة النفسية إلى سلامة الإدراك والسلوك والانفعال، وترتبط الصحة النفسيّة بكيفيّة تفكير الناس وشعورهم وتصرّفاتهم، وقد يستخدم الناس أحيانًا مصطلح الصحة النفسية، بمعنى عدم وجود اضطراب نفسي أو مرض عقلي، والصحة النفسية هي حالة من السلامة الذاتيّة والرفاهيّة والإيجابية، يدرك فيها الفرد قدراته الخاصة، وتمكنه من أن يتكيّف مع ضغوط الحياة العادية، والعمل بشكل منتج، وأن يكون قادرًا على الإسهام في مجتمعه. وتؤكّد منظمة الصحة العالمية على أن الصحة النفسية هي أكثر من مجرد غياب الاضطرابات النفسية أو الإعاقة العقلية، إذ لا تقتصر الصحة النفسية على تجنب حالات الاضطراب النفسي فحسب، بل تشمل أيضًا الاهتمام بالعافية والسعادة المستمرة، كما أنّ الحفاظ على الصحة النفسية واستعادتها أمر حاسم بالنسبة للأفراد، وكذلك بالنسبة لمختلف المجتمعات والتجمعات في جميع أنحاء العالم. ^[١]

آثار أزمة كورونا على الصحة النفسية للمسنين

منذ ديسمبر 2019، تم الإبلاغ عن العديد من الحالات المرضية المشخصة على أنّها التهاب رئوي فيروسيّ، والتي ظهرت لأوّل مرّة في مدينة ووهان بمقاطعة هوبي في الصين، وقد تمّ تأكيد هذه الحالات لاحقًا بأنها إصابات بفيروس تاجي جديد سُمّي لاحقًا بفيروس كورونا الجديد 2019. وبالرغم من أن الإصابات كانت لدى فئة الشّباب بدايةً، إلا أن كبار السن كانوا اكثر عرضة للخطر الذي يسبّبه COVID-19؛ وذلك بسبب نظامهم المناعيّ غير الفعّال، كذلك لأنّ مخاطر الفيروس عادة ما ترتبط بالأمراض الكامنة المزمنة فإن إصابات كبار السن كانت أكثر شدّة، لذا فقد كانت الوفيات أكثر شيوعًا بين كبار السنّ، هذا إضافة إلى الحاجة للتغلب على التحديات التي تفرضها البيئة النفسية المعقدة في فترة الحجر. ومن يعانون من أمراض كامنة مزمنة، وقد سبّب هذا العامل تراكمًا للتوتّر والخوف بين كبار السن.^[٢]

التأثير النفسي للأوبئة

إنّ عدم اليقين وعدم القدرة على التنبؤ لِـ COVID-19 لا يهدّد فقط الصحة البدنية للأشخاص، ولكنّه يؤثر أيضًا على الصحة النفسية لهم، خاصةً بالنسبة للانفعالات والإدراك، وكما تشير العديد من النظريات، وفقًا لنظرية الجهاز المناعي السلوكي، فمن المرجّح أن يطور الأشخاص المشاعر السلبية -مثل النفور والقلق- والتقييم المعرفي السلبي لحماية الذات، في مواجهة تهديد محتمل بالمرض، إذ يميل الأشخاص إلى تطوير سلوكيات تجنبية -تجنب الاتصال بالأشخاص الذين يعانون من أعراض تشبه الالتهاب الرئوي- والالتزام بالمعايير الاجتماعية بدقة، وفقًا لنظرية الإجهاد ونظرية المخاطر المتصوّرة، تؤدي حالات الطوارئ الصحية العامة إلى المزيد من المشاعر السلبية وتؤثر على التقييم المعرفي السلبي أيضًا، هذه المشاعر السلبية تبقي الناس بعيدًا عن مسببات الأمراض المحتملة، لكن العواطف السلبية طويلة المدى قد تقلّل من وظيفة المناعة لدى الأشخاص وتدمر توازن آلياتهم الفسيولوجية الطبيعية، وفي الوقت نفسه، قد يبالغ الأفراد في رد فعلهم تجاه أي مرض في حالة وجود إرشادات قليلة من الجهات المعنية، مما قد يؤدي إلى سلوكيات مفرطة في التجنب والتوافق السلبي، لذلك، فمن الضروري فهم التغيرات النفسية المحتملة التي يسببها COVID-19 في الوقت المناسب.^[٣]

أعراض المشكلات النفسية المصاحبة للكورونا

كان هناك الكثير من التوقعات حول حدوث زيادة في أعراض القلق والشعور بالضغوط النفسية الطبيعية خلال الظروف غير العادية بشكل عام، لكن كان هناك خطر أكبر يتمثل بزيادة انتشار الاضطرابات النفسية الكلينيكية -الأمراض النفسية- لدى الأشخاص الذين يعانون بشكلٍ عامّ من القلق والاكتئاب والانخراط في السلوكيات الضارة مثل الانتحار وإيذاء الذات^[٤]. ومن المرجّح أن تكون النتائج المحتمَلة للركود الاقتصاديّ على الصحّة النفسيّة ذات تأثير حادّ على المتضرّرين منه بشكل مباشر ومُقدّمي الرعاية لهم، وجدير بالذكر ارتباط وباء المتلازمة التنفسية الحادة -سارس SARS- في عام 2003 بزيادة في نسب الانتحار، بما نسبته 30 ٪ لدى الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 65 سنة وما فوق؛ وقد استمرّ تأثير القلق لدى 50٪ من المرضى حتى بعد أن تمّ شفاؤهم.^[٥]

أمّا المرضى الذين ينجون من مرض شديد ومهدّد للحياة، فقد كانوا أكثر عرضة لخطر اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب 19،20، وجديرٌ بالذّكر أنّ العديد من نتائج الحجر الصحي وما يرتبط بها من التباعد الاجتماعي وتدابير الإبعاد الجسدي هي في حد ذاتها عوامل خطر رئيسة على الصحة النفسية، وقد تشمل تاثيراتها محاولات الانتحار وإيذاء الذات، وإساءة استخدام الكحول والمخدّرات، وإدمان القمار، والعنف المنزلي والعنف الموجه نحو الأطفال، وبعض المخاطر النفسية الاجتماعية، مثل: الانفصال، والنقص في معنى الذات، والتسلط عبر الإنترنت، والشعور بالعبء والضغط النفسي، والضغوط المالية، والاكتئاب، والبطالة وانهيار العلاقات الأسريّة.^[٦]

آليات العلاج

إنّ الحدّ من مشاعر الوحدة المستمرّة وتعزيز الانتماء هي آليات مرشّحة للحماية من الانتحار وإيذاء الذات والمشاكل العاطفية، فالعزلة الاجتماعية والوحدة قد تمثل مسارات خطر مختلفة، كذلك فإنّ إشراك الناس في التجارب الحية عن المرض والبحوث النوعية السريعة في مختلف الأشخاص والمجتمعات سيساعد على تحديد الطرق التي يمكن بها التخفيف من هذا التأثير السلبي، كذلك يجب مراعاة تحقيق التوازن الصحيح بين مكافحة العدوى والتخفيف من الآثار الاجتماعية والاقتصادية السلبية، كذلك من المهم جدًا مراقبة والإبلاغ عن معدلات القلق والاكتئاب وأي محاولات لإيذاء النفس والانتحار وغيرها من قضايا الصحة النفسية، لفهم الأعراض بشكل حاسم، وبالتالي طلب التدخل العاجل.^[٧]

إن القلق المتزايد الذي يعاني منه كبار السن قد يزيد من الضيق النفسي، مما قد يقوّض أو يفاقم مشاكل الصحة النفسية، أن القلق يمكن ان يزداد نتيجة لعدم اليقين والمخاوف، وهذا بدوره يمكن أن يزيد من خطر إيذاء النفس أو إيذاء الآخرين، على سبيل المثال، يمكن أن تتأثر مشاعر البارانويا بشكل كبير بالقلق، ويمكن أن ترتبط أعراض الاضطراب الوسواسي القهري بالخوف من العدوى وغسل اليدين، إن زيادة ثقة الناس بأنفسهم وتوضيح ما يحتاجون إليه لتجنب المرض يعزز الالتزام بالسلوكيات الصحية، ويمكن أن يساعد الناس على إدارة الضائقة النفسية.^[٨]

المراجع

1. ↑ "what-is-mental-health", www.mentalhealth.gov, Retrieved 2020-05-28. Edited.
2. ↑ "Analyze the psychological impact of COVID-19 among the elderly population in China and make corresponding suggestions", www.ncbi.nlm.nih.gov, Retrieved 2020-05-28. Edited.
3. ↑ "The Impact of COVID-19 Epidemic Declaration on Psychological Consequences: A Study on Active Weibo Users", www.researchgate.net, Retrieved 2020-05-28. Edited.
4. ↑ "Suicide risk and prevention during the COVID-19 pandemic", www.ncbi.nlm.nih.gov, Retrieved 2020-05-28. Edited.
5. ↑ "Psychosocial effects of SARS on hospital staff: survey of a large tertiary care institution", www.ncbi.nlm.nih.gov, Retrieved 2020-05-28. Edited.
6. ↑ "psychology of suicidal behaviour", www.ncbi.nlm.nih.gov, Retrieved 2020-05-28. Edited.
7. ↑ "Coronavirus Pandemic: Effects, Prevention and Management", books.google.jo, Retrieved 2020-05-28. Edited.
8. ↑ "threatening communication: a critical re-analysis and a revised meta-analytic test of fear appeal theory", www.ncbi.nlm.nih.gov, Retrieved 2020-05-28. Edited.