مفهوم العفو
العفو عن المذنبين من الأخلاق الإسلامية الحميدة التي ينبغي أن يتّصف بها المسلمون، والعفو كما ورد في المعنى اللغويّ هو التجاوز عن الذنب، وترك العقاب عليه، وأصلُه المحو والطَّمْسُ، ويقال: "عفوت عن الحق"، أيّ أسقطته، كأن محوته عن الذي عليه، وقال الراغب: "العفو هو التجافي عن الذنب"، وهو القصد لتناول الشيء، والتجاوز عن الذنب في الاصطلاح، وقد روت السيدة عائشة -رضي الله عنها-: "قلْتُ: يا رسولَ اللهِ، أرأَيْتَ إنْ علِمْتُ أيَّ ليلةٍ ليلةَ القدرِ ما أقولُ فيها؟ قال: قولي: اللَّهمَّ إنَّك عفُوٌّ كريمٌ تُحِبُّ العفْوَ، فاعْفُ عنِّي"،[١] وقد وردت في القرآن الكريم الكثير من الآيات عن العفو والصفح، يسلّط هذا المقال الضوء على هذه الآيات.
آيات عن العفو
روى عبد الله بن عباس في صحيح البخاري: "اسْتَأْذَنَ الحُرُّ لِعُيَيْنَةَ فأذِنَ له عُمَرُ، فَلَمَّا دَخَلَ عليه قالَ: هِيْ يا ابْنَ الخَطَّابِ، فَوَاللَّهِ ما تُعْطِينَا الجَزْلَ ولَا تَحْكُمُ بيْنَنَا بالعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ حتَّى هَمَّ أنْ يُوقِعَ به، فَقالَ له الحُرُّ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: {خُذِ العَفْوَ وأْمُرْ بالعُرْفِ وأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ}، وإنَّ هذا مِنَ الجَاهِلِينَ، واللَّهِ ما جَاوَززَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عليه، وكانَ وقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ"،[٢] وفيما يأتي ما ورد فيه آيات عن العفو في القرآن الكريم:
- في سورة البقرة: حذر تعالى عباده المؤمنين عن سلوك طرائق الكفار من أهل الكتاب، وأمرهم بالعفو والصفح والصبر، قال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَببَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.[٣]
- في سورة آل عمران: والآيات عن العفو في سورة آل عمران وردت في موطنين مختلفين، قال تعالى: { وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}،[٤] وقال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.[٥]
- في سورة المائدة: الأمر بالعفو من الله لسيّدنا محمد -صلّى الله عليه وسلّم- والذي نزل باليهود الذين همُّوا بما هموا به من بسط أيديهم إلى النبيّ و أصحابه بالقتل، والصفح لهم عن جُرْمهم بترك التعرُّض لمكروههم، فإنّ الله يحب من أحسنَ العفو والصَّفح إلى من أساء إليه، قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.[٦]
- العفو عن الأولاد والأزواج: كما ذكرت الآية الكريمة من سورة التغابن في الأولاد الذين قد يكون منهم عدوًّا للآباء، وكذلك الأزواج، فقال الله -سبحانه وتعالى- في ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.[٧]
- في سورة النور: قال تعالى في سورة النور وقد قرن العفو والصفح بالمغفرة: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَااللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.[٨]
المراجع
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 3513، حسن صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 4642، صحيح.
- ↑ سورة البقرة ، آية: 109.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 133-134.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 159.
- ↑ سورة المائدة، آية: 13.
- ↑ سورة التغابن، آية: 14.
- ↑ سورة النور، آية: 22.