أبو الدرداء الأنصاري

كتابة:
أبو الدرداء الأنصاري

حكيم الأمة

حكيم هذه الأمة هو لقبٌ اشتهر بها الصحابي الجليل عويمر بن زيد بن قيس الأنصاري الخزرجي المعروف بأبي الدرداء وقيل اسمه عويمر بن عامر، وهذا اللقب إن دلَّ على شيء فإنَّه يدلُّ على قيمة العلم والحكمة التي كان يتمتع بها أبو الدرداء -رضي الله عنه وقد كثرت الأحاديث والأقوال المأثورة عن الصحابة الكرام التي تُظهر منزلة أبي الدرداء في الإسلام، هذه المنزلة العظيمة التي اكتسبها بعلمه وفقهه وحبِّهِ للكتابِ والسنة النبوية المباركة، وفي هذا المقال سيتحدَّثُ عن أبي الدرداء الأنصاري وروايته للحديث النبوي والأحاديث النبوية التي ذُكر فيها.

أبو الدرداء الأنصاري

أبو الدرداء الأنصاري الصحابي الجليل الفقه القارئ وأحد رواة الحديث النبوي الشريف، يرجع نسبه إلى الأنصار من بني كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج، عاش في المدينة المنورة ودخل الإسلام بعد غزوة بدر، ثمَّ شارك بعد إسلامه في كلِّ الغزوات والمعارك، كان أبو الدرداء واحدًا من الصحابة الذين دافعوا عن رسول الله -صلَّى الله عيله وسلَّم- في غزوة أحد عندما اشتدَّ وطيس المعركة، وكان عويمر بن عامر المكنَّى بأبي الدرداء يعبد صنمًا قبل إسلامه، فدخل عليه الشاعر عبد الله بن رواحة وكان أخاه من أمه فكسر الصنم الذي كان يعبده، فقام عويمر بن عامر يجمع الصنم، فقال له عبد الله بن رواحة: "ويحك، هلَّا امتنعتَ، ألا دفعْتَ عن نفسِكَ"، وقالت زوجته أم الدرداء: "لو كان ينفعُ أو يدفعُ عنْ أحدٍ، دفعَ عن نفسه ونفعَها"، فقام إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وأسلم على الفور، اختلف المؤرخون في اسم أبي الدرداء فقيل: "عويمر بن زيد"، وقيل: "عويمر بن عامر"، وأمُّه هي محبة بنت واقد بن عمرو الخزرجية وأخوه من أمه هو الصحابي عبد الله بن رواحة.

وقد جاء عنه أنّه كان تاجرًا من التجار قبل إسلامه، وعندما أسلم لم يعد قادرًا على الجمع بين العبادة والتجارة فترك تجارته ولزم العبادة، وقد آخى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بينه وبين سلمان الفارسي -رضي الله عنه-، وبعد وفاة رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عندما اتَّسَعَتْ رقعةُ الدولة وفُتحتْ بلاد الشَّام، أرسل عمر بن الخطاب أبا الدرداء -رضي الله عنهما- إلى بلاد الشام ليعلِّم أهلها القرآن والفقه والحديث، وقد ولي قضاء الشام في خلافة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بأمر من وال الشام آنذاك معاوية بن أبي سفيان، وقد عاش بقية حياته في الشام، حتَّى توفي فيها، وقد اختلفت المصادر في عام وفاته، فقيل سنة 31 وقيل 32 وقيل 33 للهجرة، وقيل أيضًا توفِّي في موقعة صفين سنة 38 للهجرة، والله تعالى أعلم.[١]

صحة حديث دعاء أبي الدرداء

تنتشر كالنَّار في الهشيم قصّة دعاء أبي الدرداء، وتشير القصِّة إلى دعاء يدعوه أبو الدرداء يوميًا فيحفظه من الأذى، ولا بدَّ من الإشارةِ إلى أنَّ حديث دعاء أبي الدرداء حديث غريب لم يُعرف له أصل ولا سند، وإنَّما ذكره يكون للاستئناس، فالدعاء الوارد في الحديث دعاء يُذكر ويُدعى به، فليس به ما يُخالف الشرع أو ما يعارض ما صحَّ من أحاديث أخرى، وقد رُوي عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- ما يأتي: "جاء رجلٌ إلى أبي الدَّرداءِ -رضي الله عنه- قال: يا أبا الدَّرداءِ احترقَ بيتُك، فقال: ما احترقَ بيتي، ثم جاء آخرُ، فقال: اتَّبَعْتُ النارَ، فلما انتهتْ إلى بيتِك طُفِئَتْ، فقال: قد عَلمتُ أنَّ اللهَ لم يكنْ ليفعلَ، فقال رجلٌ: يا أبا الدرداءِ، ما أدري أيَّ كلامَيْكَ أعجبَ، قولَك: ما احترقَ بيتي أو قولَك: قد علمتُ أن اللهَ لم يكنْ ليفعلَ؟ قال: ذاك كلماتٌ سمعتُهنَّ من رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قال: من قالهنَّ حينَ يُصبحُ لم تصبْهُ مصيبةٌ حتى يُمسي، ومن قالهن حين يُمسي، لم تُصبْهُ مصيبةٌ حتى يُصبحُ: اللهمَّ أنت ربي لا إلَهَ إلا أنت عليك توكلتُ وأنت ربُّ العرشِ العظيمِ، ما شاء اللهُ كان، وما لم يشأ لم يكنْ، لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ العليِّ العظيمِ، أعلمُ أنَّ اللهَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ، وأنَّ اللهَ قد أحاطَ بكلِّ شيءٍ علمًا، اللهمَّ إني أعوذُ بك من شرِّ نفسي، ومن شرِّ كلِّ دابةٍ أنت آخذٌ بناصيَتِها، إنَّ ربي على صراطٍ مستقيمٍ"[٢]، والله تعالى أعلم.[٣]

رواية أبي الدرداء للحديث

كان أبو الدرداء روايًا من رواة حديث رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- روى عن النَّبيِّ مباشرة، وروى عن زيد بن ثابت وعن عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنهم أجمعين-، وقد روى عن أبي الدرداء نخبة من الصحابة والتابعين، ومنهم: أنس بن مالك وفضالة بن عبيد وعبد الله بن عباس وأبو أمامة الباهلي وعبد الله بن عمرو بن العاص وابنه بلال بن أبي الدرداء وسعيد بن المسيب وغيرهم الكثير، وقد روى ما يقارب 179 حديثًَا، منهم ثلاثة أحاديث في صحيح الإمام البخاري وثمانية في صحيح مسلم، والله تعالى أعلم.[١]

أبو الدرداء في السنة النبوية

يعتبر الصحابي الجليل عويمر بن عامر الملقب بحكيم الأمة أبي الدرداء واحدًا من خيرة الصحابة وأعظمهم فضلًا، كان أحد حفظة القرآن الكرم وأحد أعلم الناس بالقرآن، وكان كاتبًا من كتاب الوحي، وقد جاء ذكره فيما صحَّ من أحاديث رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- في مواضع عدة، ومن هذه الأحاديث:[٤]

  • عن وهب بن عبدالله السوائي أبو جحيفة قال: "آخَى النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بيْنَ سَلْمَانَ وأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: ما شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أخُوكَ أبو الدرداء ليسَ له حَاجَةٌ في الدُّنْيَا، فَجَاءَ أبو الدرداء فَصَنَعَ له طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ؟ قَالَ: فإنِّي صَائِمٌ، قَالَ: ما أنَا بآكِلٍ حتَّى تَأْكُلَ، قَالَ: فأكَلَ، فَلَمَّا كانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أبو الدرداء يَقُومُ، قَالَ: نَمْ، فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ، فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كانَ مِن آخِرِ اللَّيْلِ، قَالَ: سَلْمَانُ قُمِ الآنَ، فَصَلَّيَا فَقَالَ له سَلْمَانُ: إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فأعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فأتَى النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فَذَكَرَ ذلكَ له، فَقَالَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: صَدَقَ سَلْمَانُ"[٥].
  • وجاء في صحيح البخاري، إنَّ أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "ماتَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ولَمْ يَجْمَعِ القُرْآنَ غَيْرُ أرْبَعَةٍ: أبو الدرداء ومُعاذُ بنُ جَبَلٍ وزَيْدُ بنُ ثابِتٍ وأَبُو زَيْدٍ، قالَ: ونَحْنُ ورِثْناهُ"[٦].

المراجع

  1. ^ أ ب "أبو الدرداء الأنصاري"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 14-06-2019. بتصرّف.
  2. رواه ابن حجر العسقلاني، في نتائج الأفكار، عن أبي الدرداء، الصفحة أو الرقم: 2/425، غريب.
  3. "الْقَوْلِ عِنْدَ الصَّبَّاحِ وَالْمَسَاءِ"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-06-2019. بتصرّف.
  4. "سيرة حكيم الأمة أبي الدرداء رضي الله عنه"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-06-2019. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن وهب بن عبدالله السوائي أبو جحيفة، الصفحة أو الرقم: 1968، صحيح.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 5004، صحيح.
5985 مشاهدة
للأعلى للسفل
×