مفهوم البلاء
من سنن الله في الكون وقوع البلاء على البشر؛ حتى يختبرهم، ويمحّصهم من ذنوبهم، فالبلاء هو الشّدة، والكربة، وهو المصيبة والمحنة، ويقال فلان وقع في البلاء أيّ وقع في الضّيق، وضدّ البلاء الفرج والرّخاء، وجمعها البلايا، وهي المصائب والمصاعب،[١] وقد بيّن الطبريّ في كتابه جامع البيان، أنّ البلاء هو الاختبار بشدائد الأمور، وأمّا القرطبيّ فقال: أنّ البلاء هو امتحان من الله -تعالى- للعبد، وأنّ الاختبار قد يكون حسنًا، أو سيئًا،[٢] وعلى الإنسان أن يصبر، ويصابر، حتى يرفع عنه البلاء، ويكون ذلك بالدعاء، والتّوبة والاستغفار، كما فعل الأنبياء من قبل، وكان أثر الاستغفار في دفع البلاء ظاهرًا في حياتهم، وهذا ما سيتم التحدث عنه في هذا المقال.
أثر الاستغفار في دفع البلاء
من رحمة الله بعباده أن أوجد للمسلم الاستغفار الذي يُدفع فيه البلاء، وتُجلب فيه الرّحمات، والذي يُعدّ مفتاح القلوب للتّوبة النّصوح، ووسيلةٌ لتكثير المال والبنين،[٣] ومن خلاله يستشعر المسلم علاقته بالله-تعالى- ويكون سببًا له في دخول الجنّة، بدليل ما قاله الله في كتابه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}،[٤] وقال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون}، وقد قال ابن عباس في تفسيرها أنّ أبا جهل قال: "اللّهم إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السّماء أو ائتنا بعذاب أليم"، فلم يعذب الله أهل القرية حتى يخرج النّبي منها والمؤمنون،[٥] وقال كذلك ابن عباس: "كان فيهم أمانات: نبيّ الله والاستغفار، فذهبَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليْهِ وعلى آلهِ وسلَّمَ وبقيَ الاستغفارُ"،[٦] وقال: "إنّ الاستغفار إن وقع من الكفار فهو عذابٌ لهم، وأنّ الاستغفار عائد إلى المسلمين الذين هم بين أظهرهم".[٥]
فإنّ أثر الاستغفار في دفع البلاء ظاهرٌ قبل وقوع العذاب، فقد قال النّبي الكريم: "العَبدُ آمِنٌ مِن عَذابِ اللهِ، ما استَغْفَرَ اللهَ "،[٧] وهنالك عذابٌ مدفوع بالاستغفار، والذي يعدّ سبَبًَا للخروج من النّوازل التي يقع بها الإنسان،[٨] فقد قال ابن تيمية: "الْعَذَابُ الْمَدْفُوعُ فَهُوَ يَعُمُّ الْعَذَابَ السَّمَاوِيَّ وَيَعُمُّ مَا يَكُونُ مِنْ الْعِبَادِ"،[٩] وقد بيّن الحديث النبويّ الآتي الذي يؤكد هذا الأمر، حيث روى أبو موسى الأشعري مرة فقال: "خُسَفَتِ الشمس في زَمَنِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقَامَ فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ حتَّى أَتَى المَسْجِدَ، فَقَامَ يُصَلِّي بأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ، ما رَأَيْتُهُ يَفْعَلُهُ في صَلَاةٍ قَطُّ، ثُمَّ قالَ: إنَّ هذِه الآيَاتِ الَّتي يُرْسِلُ اللَّهُ لا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُرْسِلُهَا، يُخَوِّفُ بهَا عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ منها شيئًا،فَافْزَعُوا إلى ذِكْرِهِ، وَدُعَائِهِ، وَاسْتِغْفَارِهِ"،[١٠] فالنّبي الكريم دعا إلى الذّكر والدعاء، والصّلاة؛ حتى يظهر أثر الاستغفار في دفع البلاء في حينها وهو الخسوف.
صيغ الاستغفار
ورد عن النّبي الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- العديد من الصّيَغ، وقد كان -عليه السّلام- يعلّم الصّحابة الاستغفار كما يعلّمهم السّور، فأثر الاستغفار في دفع البلاء كان جليًا في حياتهم وفيما يأتي تفصيلٌ وبيانٌ لتلك الصّيغ:
- الصيغة الأولى: "اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتَ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ"؛ ويُعدّ هذا الدعاء من أفضل صِيغ الاستغفار؛ لما فيه من إقرار بالتّوحيد، والنّطق بالشّهادة؛ لأنّ الموحّد له حظٌ في شمول رحمة الله له بالمغفرة، ودخول الجنّة، ورفع العذاب، وأمّا من كان مشركًا فتُحبط أعماله، كما تُحبط حسناته،[١١] فلن يكون له فرصة لتكفير الذّنوب، فمن قاله موقنًا به، ثمّ مات من يومه، كان من أهل الجنّة.[١٢]
- الصيغة الثانية: "أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ"؛ ويُعدّ كذلك من أفضل ما يقوله المسلم.[١٢]
- الصيغة الثالثة: "سبحانك اللهم وبحمدك، عملت سوءًا وظلمت نفسي فتب عليَّ إنّك أنت التواب الرّحيم".[١٢]
- الصيغة الرابعة: "اللهم اغفر لي وارحمني وتب علي إنّك أنت التواب الرّحيم"؛ فعن عبد الله بن عمر قال: "كنَّا لَنَعُدُّ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في المجلِسِ الواحِدِ مِئَةَ مرَّةٍ: ربِّ اغْفِرْ لي، وتُبْ عليَّ، إنَّك أنتَ التَّوَّابُ الرَّحيمُ".[١٣]
- الصيغة الخامسة: "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخّر لا إله إلا أنت"، وقد كان النّبي الكريم يدعوه ما بين التّشهد والسّلام في الصّلاة.[١٢]
المراجع
- ↑ "مرادفات و أضداد كلمة البلاء في قاموس المعاني"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 18-3-2020. بتصرّف.
- ↑ "التمهيد معنى البلاء في اللغة والاصطلاح ثانيا معنى البلاء في الاصطلاح"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 18-3-2020. بتصرّف.
- ↑ "ثاني عشر: أثر الاستغفار في الدنيا منع العذاب - استجلاب الرحمة - الإمداد بالأموال والبنين) :"، al-maktaba.org/book، اطّلع عليه بتاريخ 19-3-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة سورة نوح، آية: 10-12.
- ^ أ ب "تفسير القرطبي"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 19-3-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه الوادعي، في صحيح أسباب النزول، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 116، حسن.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن فضالة بن عبيد، الصفحة أو الرقم: 23953، حسن بمجموع طريقيه وشاهده.
- ↑ "ثمار الاستغفار ودفع العذاب"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 19-3-2020. بتصرّف.
- ↑ "العذاب المدفوع بالاستغفار"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 19-3-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم: 912، صحيح.
- ↑ "أثر الإيمان في تطهير القلب من الران ودرن المعاصي"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 19-3-2020. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث "صيغ الاستغفار"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 19-3-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط ، في تخريج سنن أبي داود، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1516، إسناده صحيح.