محتويات
برد نَسيم الحجاز في السَّحَرِ
من قصائد عنترة بن شدّاد الغزلية في العصر الجاهلي:
بَرْدُ نَسيم الحجاز في السَّحَرِ
- إذا أتاني بريحهِ العطِرِ
ألذُ عندي مما حوتهُ يدي
- من اللآلي والمال والبدَر
ومِلْكُ كِسْرَى لا أَشتَهيه إذا
- ما غابَ وجهُ الحبيبِ عن النظر
سقى الخيامَ التي نُصبنَ على
- شربَّة ِ الأُنسِ وابلُ المطر
منازلٌ تطلعُ البدورُ بها
- مبرقعاتٍ بظلمة ِ الشَّعرِ
بيضٌ وسمرٌ تحمي مضاربها
- أساد غابٍ بالبيضِ والسُّمر
صادتْ فُؤادي مِنهُنَّ جارية ٌ
- مكْحولة ُ المقْلتين بالحور
تريك من ثغرها إذا ابتسمت
- كاسَ مدامٍ قد حفّ بالدرّر
أعارت الظبي سحر مقلتها
- وباتَ ليثُ الشَّرَى على حذَر
خودٌ رداحٌ هيفاءُ فاتنة ٌ
- تُخجلُ بالحُسنِ بهجة َ القمر
يا عبلَ نارُ الغرام في كَبدي
- ترمي فؤادي بأسهم الشرر
يا عبلَ لولا الخيالُ يطرقُني
- قضيت ليلي بالنوح والسَّهر
يا عبلَ كَمْ فِتْنة ٍ بَليتُ بها
- وخُضتُها بالمُهنَّدِ الذَّكر
والخيلُ سُودُ الوجوه كالحة ٌ
- تخوض بحر الهلاكِ والخطر
أُدَافعُ الحادثاتِ فيكِ ولاَ
- أطيق دفعَ القضاء والقدر
قصيدة مسحور
من قصائد جميل بن معمر الغزلية:
خلِيليّ، عوجا اليومَ حتى تُسَلّما
- على عذبة ِ الأنياب، طيبة ِ النشرِ
فإنكما إن عُجتما ليَ ساعة ً،
- شكرتكما ، حتى أغيّبَ في قبري
ألما بها، ثم اشفعا لي، وسلّما
- عليها، سقاها اللهُ من سائغِ القطرِ
وبوحا بذكري عند بثنة َ ، وانظرا
- أترتاحُ يوماً أم تهشُّ إلى ذكري
فإن لم تكنْ تقطعْ قُوى الودّ بيننا،
- ولم تنسَ ما أسلفتُ في سالفِ الدهرِ
فسوف يُرى منها اشتياقٌ ولوعة ٌ
- ببينٍ، وغربٌ من مدامعها يجري
وإن تكُ قد حالتْ عن العهدِ بَعدنا،
- وأصغتْ إلى قولِ المؤنّبِ والمزري
فسوف يُرى منها صدودٌ، ولم تكن،
- بنفسيَ، من أهل الخِيانة ِ والغَدر
أعوذ بكَ اللهمُ أن تشحطَ النوى
- ببثنة َ في أدنى حياتي ولا حَشْري
وجاور، إذا متُّ ، بيني وبينها،
- فيا حبّذا موتي إذا جاورت قبري!
عدِمتُكَ من حبٍّ، أما منك راحة ٌ،
- وما بكَ عنّي من تَوانٍ ولا فَتْر؟
ألا أيّها الحبّ المُبَرِّحُ، هل ترى
- أخا كلَفٍ يُغرى بحبٍّ كما أُغري؟
أجِدَّكَ لا تَبْلى ، وقد بليَ الهوى ،
- ولا ينتهي حبّي بثينة َ للزّجرِ
هي البدرُ حسناً، والنساءُ كواكبٌ،
- وشتّانَ ما بين الكواكب والبدر!
لقد فضّلتْ حسناً على الناس مثلما
- على ألفِ شهرٍ فضّلتْ ليلة القدرِ
عليها سلامُ اللهِ من ذي صبابة،
- وصبٍّ معنّى ً بالوساوس والفكرِ
وإنّكما، إن لم تَعُوجا، فإنّني
- سأصْرِف وجدي، فأذنا اليومَ بالهَجر
أيَبكي حَمامُ الأيكِ من فَقد إلفه،
- وأصبِرُ؟ ما لي عن بثينة َ من صبر!
وما ليَ لا أبكي، وفي الأيك نائحٌ،
- وقد فارقتني شختهُ الكشح والخصرِ
يقولون: مسحورٌ يجنُّ بذكرها،
- وأقسم ما بي من جنونٍ ولا سحرِ
وأقسمُ لا أنساكِ ما ذرَّ شارقٌ
- وما هبّ آلٌ في مُلمَّعة ٍ قفر
وما لاحَ نجمٌ في السماءِ معلّقٌ،
- وما أورقَ الأغصانُ من فننِ السدرِ
لقد شغفتْ نفسي، بثينَ، بذكركم
- كما شغفَ المخمورُ، يا بثنَ بالخمرِ
ذكرتُ مقامي ليلة َ البانِ قابضاً
- على كفِّ حوراءِ المدامعِ كالبدرِ
فكِدتُ، ولم أمْلِكْ إليها صبَابَة ً،
- أهيمُ، وفاضَ الدمعُ مني على نحري
فيا ليتَ شِعْري هلْ أبيتنّ ليلة ً
- كليلتنا، حتى نرى ساطِعَ الفجر،
تجودُ علينا بالحديثِ، وتارة ً
- تجودُ علينا بالرُّضابِ من الثغر
فيا ليتَ ربي قد قضى ذاكَ مرّة ً،
- فيعلمَ ربي عند ذلك ما شكري
ولو سألتْ مني حياتي بذلتها،
- وجُدْتُ بها، إنْ كان ذلك من أمري
مضى لي زمانٌ، لو أُخَيَّرُ بينه،
- وبين حياتي خالداً آخرَ الدهرِ
لقلتُ: ذروني ساعة ً وبثينة ً
- على غفلة ِ الواشينَ، ثم اقطعوا عمري
مُفَلَّجة ُ الأنيابِ، لو أنّ ريقَها
- يداوى به الموتى ، لقاموا به من القبرِ
إذا ما نظمتُ الشعرَ في غيرِ ذكرها،
- أبى ، وأبيها، أن يطاوعني شعري
فلا أُنعِمتْ بعدي، ولا عِشتُ بعدها،
- ودامت لنا الدنيا إلى ملتقى الحشرِ
وذات دَلٍّ كأن البدر صورتها
من قصائد بشار بن برد الغزلية:
وذَات دَلٍّ كانَّ البدر صورتُها
- باتت تغنِّي عميدَ القلب سكرانا
إِنَّ العيونَ التي في طَرْفِها حَوَرٌ
- قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
فقُلْتُ أحسنْتِ يا سؤْلي ويا أَمَلِي
- فأسمعيني جزاكِ الله إحسانا
يا حبذا جبلُ الرَّيَّان من جبل
- وحبذا ساكن الريان مَنْ كانا
قالت فَهَلاَّ فدَتْكَ النفس أَحْسنَ مِن
- هذا لمن كان صبّ القلبِ حيرانا
ياقومِ أذْنِي لِبْعضِ الحيِّ عاشقة ٌ
- والأُذْنُ تَعْشَقُ قبل العَين أَحْيانا
فقلتُ أحسنتِ أنتِ الشمسُ طالعة ٌ
- أَضرمتِ في القلب والأَحشاءِ نِيرانا
فأسمعيني صوتاً مطرباً هزجاً
- يزيد صبًّا محبّاً فيك أشجانا
يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُفَّاحاً مُفَلَّجَة ً
- أوْ كُنْتُ من قُضُبِ الرَّيحان رَيْحَانا
حتّى إِذا وَجَدَتْ ريحي فأعْجَبَها
- ونحنُ في خَلْوة ٍ مُثِّلْتُ إِنسانا
فحرَّكتْ عُودَها ثم انثنَتْ طَرَباً
- تشدو به ثم لا تخفيه كتمانا
أصْبحْتُ أَطْوَعَ خلق اللَّه كلِّهِمِ
- لأَكْثَرِ الخلق لي في الحُبّ عِصيانا
فَقُلت: أَطربْتِنا يا زيْنَ مجلسنا
- فهاتِ إنك بالإحسان أولانا
لوْ كنتُ أعلَمُ أَن الحُبَّ يقتلني
- أعددتُ لي قبلَ أن ألقاكِ أكفانا
فَغنَّت الشَّرْبَ صَوْتاً مُؤْنِقاً رَمَلاً
- يُذْكِي السرور ويُبكي العَيْنَ أَلْوَانا
لا يقْتُلُ اللَّهُ من دامَتْ مَودَّتُه
- واللَّهُ يقتل أهلَ الغدر أَحيانا
أضرمت نار الحب في قلبي
من قصائد أبي نواس الغزلية:
أضْرَمْتَ نارَ الحبّ في قلْبي
- ثمّ تبرّأتَ من الذّنْبِ
حتى إذا لَجّجْتُ بحرَ الهوَى ،
- و طمّتِ الأمواجُ في قلبي
أفشيتَ سرّي ، وتناسيتني ،
- ما هكذا الإنصافُ يا حبي
هبْنيَ لا أسطيعُ دفْع الهوَى
- عنّي ، أما تخشى من الرّبّ؟!
بضَّةٌ كحلاء أزرَت بالغزال
من قصائد عبد الرحمن السويدي الغزلية:
بضَّةٌ كحلاء أزرَت بالغزال
- قدّها كالغصن ليناً واعتدال
لا تضاهيها مهاةٌ بالفلا
- وكذا في الحَضر ربّاتُ الدلالُ
ولها وجهٌ كبدرٍ لائحِ
- ولها شَعرٌ كمسوَدِ الليال
صال يحكي طوله عن جيدها
- وعن القرطين مصحوب النعال
ولها خدٌّ أسيلٌ ماؤه
- لو تخلّيه يد الوجنات سال
ولها خالٌ على وجنتها
- من جميع النقص في الأوصاف خال
فهي كالمِجمَر والخال البخور
- أو كزنجيٍّ على النيران صال
أو كلصٍ فوق نطعاة الدماء
- والعيون الدعج ترميه النبال
كاعبٌ هيفاء أما ردفها
- جلَّ عن دعصٍ عظيم في المثال
أبصَرتني يوم عيدٍ عَصرَه
- وأنا إذ ذاك فيها في وبال
فَرَنَت نحوي بطرف ساحرٍ
- جاوز الحدَّ بتعذيب الرجال
ثم قالت رُح سليماً لا تكن
- كالذي مات بحسرات الوصال
معشر الغيد غدت عادتنا
- كلّها هجرٌ وعنّا لا تسال
ثم سارت كغزالٍ نافرٍ
- من يد الصيّاد مغلول الحبال
فاقتفى قلب المعنّى إثرها
- وتسلّى الكفُّ في نَتفِ السِّبال
وجَرَت من عَينيَ اليمنى عيون
- ومن اليسرى سحابٌ متوال
وزمان فيه قد قلّ الظهير
- وأنا البائس معدوم النوال
لم يكن لي خِلٌّ صادق
- وصديق لودادٍ ما أقال
وكريم ارتجي منه الغنى
- كي اروم الريمَ أخذاً بالحلال
غير رب المجد معطاء النوال
- أحمد الأفعال محمود الخصال
حاتمٌ في الجُود بحرٌ ف يالكرم
- ملجأ الوفد إذا ما الخَطب جال
كم فقير بات منه حامداً
- مطمئن القلب مسرور العيال
إن ئنّي بالوزير أبن الوزير
- خير ما ظُنَّ بأرباب الكمال
كيف لا وهو الجود الذي حكى
- حاتمَ الطائيَّ في حسن الفعال
وحكى العيسيَّ واللائي غدوا
- مثلةً في كل ضربٍ من قتال
فهو في الهيجاء مُسعر حربها
- كم إلى الرمضاء ألقى من جبال
سَل عن الضرغام إبران فكم
- جرّعت من بأسه كأس الزوال
يوم حرب الشاه تلقى ضَيغماً
- منه يسطو بسلاحٍ فوق رال
شزرة الأذنين أما نَسرها
- فهو دامٍ من قتال للرعال
قُبَّة الأيطل من خيل العِراب
- لا ترى الركل كورقاء الزجال
في خميسٍ أرهبت راياته
- وجنودٍ عدُّها ريث الرمال
دأبهم في الحرب كرٌّ دائماً
- لا مفرٌّ بل مَقَرٌّ لا محال
مرمغلّون إذا اشتدّ الوغى
- للأعادي في سيوفٍ ونبال
فهناك السُمر يوفي حقُّها
- منهم والبيض منهم في اشتغال
يا لهم كم جندلوا من فارس
- كاشر عن نابِهِ مما ينال
شِلوُهُ فيما يُرى كالزندبيل
- أو كطودٍ من على الغبراء مال
في نجيع الحتف مطروحاً ودين
- هكذا دِينَ الذي عادى الرجال
لا يَرَون الردع عن حرب العدى
- بل يرون الرَّصع بالسُّمر العوال
مُشمَعِلّونَ إذا حلّ العدى
- شمعلٌ إمّا يلاقوا من نصال
كيف لا والسِّجلُ أضحى ربَّهم
- وهو في الهيجاء محمود
كاشف الصبل إن حلَّ الورى
- يوم فيه الرّوع في الرُّوعِ استحال
كعبةَ القصّاد أضحت داره
- منزل الوقد بها حَطُّ الرحال
يا أبا عدلٍ أبا عادلَ لا
- تردُدِ الكفَّ من الأصفر خال
واشبلن يا شبل إنّي مرملٌ
- وكن المِزوَعَ في بذل النوال
دُمتَ في خيرٍ وعّزٍ وهَنا
- وسرورٍ وعلاءٍ واعتدال