شعر أحمد مطر عن الوطن
الوطن هو عنوان الحياة الأمنة المطمئنة، فجادت قرائح الشعراء للتعبير عن أوطانهم، ومن هذا المنطلق يقول أحمد مطر:
قصيدة: هذه الأرض لنا
- قُوتُ عِيالِنا هُنا
- يُهدِرُهُ جلالةُ الحِمارْ
- في صالةِ القِمارْ
- وكُلُّ حقّهِ بهِ
- أنَّ بعيرَ جدِّهِ
- قَدْ مَرّ قبلَ غيرِهِ
- بِهذِهِ الآبارْ!
- يا شُرَفاءُ
- هذهِ الأرضُ لَنا
- الزّرعُ فوقَها لَنا
- والنِّفطُ تحتَها لَنا
- وكُلُّ ما فيها بماضيها وآتيها لنا
- فما لَنا
- في البرْدِ لا نَلبسُ إلاّ عُرْيَنا؟
- وما لَنا
- في الجوعِ لا نأكُلُ إلاَّ جوعَنا؟
- وما لَنا نغرقُ وَسْطَ القارْ
- في هذهِ الآبارْ
- لكي نصوغَ فقرَنا
- دِفئًا، وزادًا، وغِنى
قصيدة: عائدون
- هَرِمَ النّاسُ وَكَانُوا يَرضَعُون،
- عِنْدَما قَالَ المُغَنّي عَائِدون،
- يا فَلَسْطينُ ومَا زَالَ المُغَنّي يَتَغَنّى،
- ومَلايينَ اللّحُون،
- في فَضَاء الجُرْحِ تَغنَّى،
- واليَتَامَى مِنْ يَتَامى يُولدَون،
- يَا فَلْسطيْنُ وأربَابُ النِضَالِ المُدْمِنون،
- سَاءَهُم مَا يَشْهَدون،
- فَمَضَوا يَسْتَنكِرون،
- وَيَخُوضُون النِضَالات عَلى هَزِّ القَنَاني
- وعَلَى هَزّ البُطون، عَائِدون
- وَلقَد عَادَ الأَسَى للمَرّةِ الأَلفِ
- فَلَا عُدنَا وَلا هُم يَحْزَنُون![٢]
قصيدة: المنتحرون
- اسْكُتوا
- لا صوتَ يعلو
- فوقَ صوتِ النائِحَةْ
- نحنُ أمواتٌ
- وليستْ هذهِ الأوطانُ إلاّ أضرحَةْ
- قُسِّمَتْ أشلاؤها
- بينَ دِبابٍ ونسورْ
- وأُقيمتْ في زواياها القصورْ
- لكلابِ المشْرَحَةْ!
- نحنُ أمواتٌ
- ولكنَّ اتّهامَ القاتلِ المأجورِ
- بُهتانٌ وزورْ
- هو فردٌ عاجزٌ
- لكنّنا نحنُ وضعنا بيديهِ الأسلحَةْ
- ووضعنا تحت رجليهِ النحورْ
- وتواضَعنا على تكليفِهِ بالمذْبَحَةْ!
- أيُّها الماشونَ ما بينَ القبورْ
- أيُّها الآتونَ من آتي العصورْ
- لَعَنَ الله الذي يتلو علينا الفاتِحَةْ!
قصيدة: الطفل الأعمى
- وَطَنِي طِفْلٌ كَفِيفْ
- وضَعيفْ
- كانَ يَمشي آخِرَ الليل
- وفي حَوْزَتِهِ:
- ماءٌ، وزيتٌ، ورغيفْ
- فرآهُ اللصُّ وانْهالَ بسكِّينٍ عليهْ
- وتَوَارَى
- بعدما استولى على ما في يَدَيهْ
- وَطَنِي ما زالَ مُلْقَىً
- مُهْمَلًا فوقَ الرصيفْ
- غارِقًا في سَكَراتِ الموتِ
- والوالي هُوَ السِكِّينُ
- والشَّعْبُ نَزِيفْ!
قصيدة: كلمات فوق الخراب
- قِفُوا حَوْلَ بَيروتَ صَلُّوا عَلَى رُوحِهَا واندبُوهَا
- وَشُدّوا اللِّحى وانْتِفُوهَا
- لِكَي لا تُثيرُوا الشّكُوك
- وسَلُوا سُيُوفَ السّبَابِ لِمَن قَيّدُوها
- وَمَنْ ضَاجَعُوهَا
- وَمَنْ أَحْرَقُوهَا
- لِكَي لَا تُثيرُوا الشُّكُوكَ
- ورُصُّوا الصُّكُوكَ
- عَلَى النّارِ كَي تُطْفِئُوها
- ولَكِن خَيْط الدُّخَان سَيَصْرُخ فِيكُم: دَعُوهَا
- وَيَكْتُبُ فَوْقَ الخَرَائِب
- "إنّ المُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا".
قصيدة: قفوا ضدّي
- قِفوا ضِدّي.
- دَعُوني أقتفي وَحْدي خُطى وَحْدي!
- أنا مُنذُ اندلاع براعِمِ الكلماتِ في مَهدي
- قَطَعتُ العُمرَ مُنفردًا
- أصُدُّ مناجِلَ الحَصْدِ
- وَما مِن مَوْردٍ عِندي لأسلحتي
- سِوى وَرْدي!
- فَلا ليَ ظَهْرُ أمريكا
- لِيُسندَ ظَهريَ العاري
- وَلا ليَ سُلطةٌ تُوري
- بِقَدْح زنادها ناري وَلا ليَ بَعدَها حِزبُ
- يُسَدِّدُ زَنْدُهُ زَندي
- قِفُوا
- لن تَبلُغوا مِنّي وُقُوفَ النّدِّ للِندِّ
- مَتى كُنتمْ مَعي حتَى
- أُضارَ بِوَحشةِ البُعْدِ؟
- أَنا مَن ضَمّكُمْ مَعَهُ
- لِتَرفعَ قِيمَةُ الأصفارِ قامَتَها لَدى العَدِّ
- بظِلِّ الواحدِ الفَرد
- ولكنّي، بطُولِ الجُهْدِ
- لَم أَبلُغْ بها قَصْدي
- أُحرّكُها إلى اليُمنى
- فألقاها على اليُسرى
- وتَجمعُ نَفسَها دُوني
- فَيُصبحُ جَمْعُها: صِفرًا
- وَما ضيري؟
- أنا في مُنتهى طَمَعي وفي زُهْدي
- سَأبقى واحِدًا وَحْدي!
- فَمي أَضناهُ حَكُّ الشَّمْعِ عن فَمِكُم
- بحقِّ الباطِلِ المَصهورِ في دَمِكُمْ
- قِفوا ضِدّي
- دَعُوني، مَرّةً، أُهدي سَنا جُهدي
- لِما يُجدي
- فَمَهْما أَشرقَتْ شَمسي
- فلن تَلقى لَها جَدوى
- سِوى الإعراضِ والصَدِّ
- مَنَ العُمْيانِ والرُّمْدِ
- قِفوا ضِدّي
- أنا حُرُّ ولا أرجو بَراءةَ ذِمَّةٍ
- مِن ذِمّةِ العَبْدِ
- خُذوا أوراق إثباتي
- خُذوا خِزْيَ انصهاري في ذَواتٍ
- أَخجَلتْ ذاتي
- سَفَحتُ العُمْرَ
- أُوقظُ نائِمَ الإنسان في دَمِها
- وَحينَ تَحرَّكَتْ أطرافُ نائِمِها
- مَشَتْ فَوقي تُجدِّدُ بَيعةَ القردِ!
- خُذوا آبارَكُمْ عَنّي
- خُذوا النّار الّتي مُتُّمْ بِها
- مِن شِدَّةِ البَرْد!
- خُذوا أنهارَكُمْ عَنّي
- خُذوا الدَّمْعَ الذّي يَجري
- كسكّينٍ على خَدّي
- خُذوا الأضواءَ والضّوضاءَ
- عَن عَيني وَعَن أُذُني
- أَنَا ابنُ الغَيمِ
- لي مِن دُونِكُمْ بَرقي وَلي رَعْدي
- قِفُوا ضِدّي
- كَفاني أنّني لم أنتزِعْ مِن قَبلِكُمْ جِلدي
- وأنّي لم أَبعْني مِثلَكُمْ في ساعةِ الجِدِّ
- كَفاني بَعدَكمْ أنّي
- بَقيتَُ كما أنا عِنْدي
- فَماذا عِندَكُمْ بَعْدي؟
شعر أحمد مطر السياسي
إن السخط على السياسات الظالمة والشعور بالألم بسببها، تجبر الشعراء على اللجوء إلى الشعر للتنفيس عن أنفسهم، فيتحدث أحمد مطر عن السياسة قائلًا:
قصيدة: الأرمد والكحال
- هَلْ إِذَا بِئْسَ كَمَا
- قَدْ عَسَى لَا إِنّمَا
- مِنْ إِلَى فِي رُبَّمَا
- هَكَذَا سَلّمَك الله قُلِ الشِّعْرَ
- لِتَبقَى سَالِمًا
- هَكَذَا لَنْ تَشْهَقَ الأَرْضُ
- ولَن تَهْوِيَ السمَا
- هَكَذا لَنْ تُصْبِحَ الأَوْرَاقُ أَكفَانًا
- ولا الحِبْرُ دَمًا
- هَكَذَا وَضّحْ مَعَانيك
- دَوالَيك دَوالَيك
- لِكَي يُعْطيك واليْكَ فَمًا
- وَطَنِي يَا أيُّها الأَرمَد
- تَرْعَاك السّمَا
- أصْبَحَ الوَالِي هُو الكَحَّال
- فَأَبْشِر بالعَمَى
قصيدة: عقوبات شرعية
- بَتَرَ الوَالِي لِسَاني
- عِنْدَما غَنّيتُ شِعْرِي
- دُونَ أَنْ أَطْلُبَ تَرْخيصًا بتَردِيدِ الأَغَانِي
- بَتَرَ الوالِي يَدِي
- لَمّا رَآنِي في كِتَابَاتي أَرْسَلَتْ أَغَانيّ إِلَى كُلّ مَكَان
- وَضَعَ الوَالِي عَلى رِجلِي قَيْد
- إذْ رَآني بَيْنَ كُلّ النّاسِ أمْشِي دُونَ كفّي ولِسَانِي
- صَامِتًا أشْكُو هَوَاني
- أَمَر الوَالِي بإِعْدَامِي عِنْدَمَا لَمْ أُصَفّق عِنْدَما مَرّ
- وَلَمْ أَهْتِف
- وَلَمْ أَبْرَحْ مَكَانِي.
قصيدة: مفقودات
- زارَ الرّئيسُ المؤتَمَنْ
- بعضَ ولاياتِ الوَطنْ
- وحينَ زارَ حَيَّنا
- قالَ لنا:
- هاتوا شكاواكم بصِدقٍ في العَلَنْ
- ولا تَخافوا أَحَدًا
- فقَدْ مضى ذاكَ الزّمَنْ
- فقالَ صاحِبي حَسَنْ:
- يا سيّدي
- أينَ الرّغيفُ والَلّبَنْ؟
- وأينَ تأمينُ السّكَنْ؟
- وأينَ توفيرُ المِهَنْ؟
- وأينَ مَنْ
- يُوفّرُ الدّواءَ للفقيرِ دونما ثَمَنْ؟
- يا سيّدي
- لمْ نَرَ مِن ذلكَ شيئًا أبدًا
- قالَ الرئيسُ في حَزَنْ:
- أحْرَقَ ربّي جَسَدي
- أَكُلُّ هذا حاصِلٌ في بَلَدي؟
- شُكرًا على صِدْقِكَ في تنبيهِنا يا وَلَدي
- سوفَ ترى الخيرَ غَدًا
- وَبَعْدَ عامٍ زارَنا
- ومَرّةً ثانيَةً قالَ لنا:
- هاتوا شكاواكُمْ بِصدْقٍ في العَلَنْ
- ولا تَخافوا أحَدًا
- فقد مَضى ذاكَ الزّمَنْ
- لم يَشتكِ النّاسُ!
- فقُمتُ مُعْلِنًا:
- أينَ الرّغيفُ واللّبَنْ؟
- وأينَ تأمينُ السّكَنْ؟
- وأينَ توفيرُ المِهَنْ؟
- وأينَ مَنْ
- يوفِّر الدّواءَ للفقيرِ دونمَا ثمَنْ؟
- مَعْذِرَةً يا سيّدي
- وَأينَ صاحبي حَسَنْ؟
قصيدة: عفو عام
- أُصدِر عَفْو عَام
- عَنِ الذينَ أُعدِموا
- بِشَرْط أَنْ يُقَدّموا عَريضَة استِرحَام
- مَغْسُولة الأَقْدَام
- غَرَامَة استِهْلاكُهم لِطَاقَة النّظَام
- كَفَالةً مِقْدَارُهَا خَمْسون أَلفَ عَامٍ
- تتعَهّد بأَنّهم
- ليْسَ لَهُم أَرامِل
- ولا لَهُم ثَواكِل
- ولَا لَهُم أيتَام
- شَهَادَةَ التّطعِيم ضِدّ الجِدَرِيّ،
- قَصيدَةً صينيّةً للبُحتُريّ،
- خريطَةً واضِحَةً لأَثَر الكَلَام،
- هَذا وَمَن لَم يَلْتزِم بِهَذه الأَحْكام
- يُحْكَم بالإعْدَام
شعر أحمد مطر عن الحب
الحب غرض شعري مليء بالأحاسيس والمعاني الرقيقة، لكن لأحمد مطر رؤية أخرى في شعر الحب، نجدها في قصائده الآتية:
قصيدة: أعرفُ الحبَّ ولكن
- هَتَفَتْ بي إنّني مِتّ انتِظارَا
- شَفَتَيّ جَفّت
- ورُوحِي ذَبِلَتْ
- والجِسم غَارَا
- وبغَابَاتي جِرَاحٌ لا تُدَاوَى
- وبصَحْرائِي لَهيبٌ لا يُدَارَى
- فَمَتى يا شَاعِري
- تُطفِئ صَحرَائِي احتِرَاقا؟
- ومتى تُدْمِل غَابَاتي انفِجَارَا؟
- إنّني أَعْدَدْت قَلبِي لَكَ مَهْدا
- ومِنَ الحُبّ دِثَارا
- وتَأَمّلتُ مِرَارَا
- وتَأَلمْتُ مِرَارَا
- فَإِذا نَبضُك إطْلَاق رَصَاصٍ
- وأَغَانيكَ عَويلٌ
- وأَحَاسيسُك قَتْلى
- وَأَمانيك أُسَارَى
- وإِذَا أَنتَ بَقَايَا
- مِنْ رَمَادٍ وَشَظَايَا
- تَعْصِف الرّيحُ بِهَا عَصْفًا وتَذْرُوهَا نِثَارا
- أَنت لا تعْرِف ما الحُبّ
- وإنّي عَبَثًا مِتُّ انتِظَارَا
- رحمَةُ الله عَلى قَلبِك يا أُنثَى
- ولا أُبدِي اعتِذَارَا
- أعرِفُ الحُبّ ولكِن
- لَم أَكُنْ أملِك فِي الأَمْر اختِيَارَا
- كَانَ طُوفَانُ الأَسى يَهدُر في صَدرِي
- وكَانَ الحُبّ نارًا فَتَوَارى
- كَانَ شَمْسًا
- واخْتَفى لَمّا طَوى اللّيلُ النَهَارا
- كَانَ عُصفُورًا يُغَنّي فَوقَ أهْدَابِي
- فَلَمّا أقْبَل الصّيادُ طَارَا
- آهٍ لَو لَم يُطْلق الحُكّام
- فِي جِلدِي كِلابًا تَتَبَارى
- آهٍ لَو لَمْ يَمْلؤوا مَجْرى دَمِي زَيتًا
- وأَنْفَاسي غُبَارا
- آهٍ لَو لَمْ يَزرَعُوا الدّمعَ
- جَواسيسَ عَلى عَينِي
- آهٍ لَو لَمْ يُطبِقُوا حَولِي الحِصَارا
- لتنزَّلْتُ بأَشْعَارِي عَلى وَجْدِ الحَيَارى
- مِثْلَما يَنحَلُّ غَيْمٌ في الصّحَارَى
- ولَأَغْمَدْتُ يَرَاعَ السّحرِ في النَحْر
- وفِي الثَّغْرِ
- وفِي الصَّدرِ
- وفِي كُلّ بِقَاع البَرْد والحَرّ
- ولأَشعَلتُ البِحَارَا
- ولأَنطَقتُ الحِجَارَا
- ولَخَبّأتُ امرَأ القَيسِ بِجَيبِي
- ولأَلغَيتُ نِزَارَا
- أعرِفُ الحُبّ أَنَا
- لَكِنّ حُبّي
- مَاتَ مَشنُوقًا عَلى حَبْل شَرايينِي
- بزِنْزَانَة قَلبِي
- لا تَظُنّي أنّه مَاتَ انتِحَارَا
- لا تَظُنّي أنّه دَالِيَةٌ جَفّتْ
- فَلَم تَطرَحْ ثِمَارا
- لا تَظُنّي أنّه حبّ كَسيحٍ
- لو بِهِ جُهْد عَلى المَشْي لسَارَا
- لا تَظُنّي واصفَحِي عَنهُ وعَنّي
- فَأنَا أَعْزِف دَمْعًا
- وأنَا أَشدُو دِمَاءً
- وأنَا أحيَا احتِظَارَا
- وأنَا في سَكْرَتي لَا وَقْتَ عِنْدي
- كي أُغَنّي للسُّكَارى
- فاعذِرينِي
- إن أنا أطْفَأْتُ أنغَامِي
- وأسْدَلتُ السّتَارا
- أنَا لا أمْلكُ قَلْبًا مُستَعَارَا.
قصيدة: غزل بوليسي
- شِعرُكَ هذا شِعْرٌ أَعوَرْ
- ليسَ يرى إلاّ ما يُحذَرْ
- فَهُنا مَنفى وَهُنا سِجنٌ
- وَهُنا قَبْرٌ وَهُنا مَنْحَرْ
- وَهُنَا قَيْدٌ وَهُنا حَبْلٌ
- وَهُنا لُغمٌ وََهُنا عَسْكرْ
- ما هذا؟
- هَلْ خَلَتِ الدُّنيا
- إلّا مِنْ كَرٍّ يَتكرَّرْ؟
- خُذْ نَفَسًا
- اسألْ عن لَيلى
- رُدَّ على دَقَّةِ مِسكينٍ
- يَسكُنُ في جانبِكَ الأيسَرْ
- حتّى الحَربُ إذا ما تَعِبَتْ
- تَضَعُ المِئزَرْ
- كقَبْلَكَ فرسانٌ قد عَدَلوا
- في ما حَمَلوا
- فَهُنا أَلَمٌ وهُنا أَمَلُ
- خُذْ مَثَلًا صاحِبَنا عَنتَرْ
- في يُمناهُ يئِنُّ السّيفُ
- وفي يُسراهُ يُغنّي المِزهَرْ
- ذاكَ قَضيّتُهُ لا تُذكَرْ
- لَونٌ أسمَرْ
- وَابنَةُ عَمٍّ
- وأَبٌ قاسٍ
- والحَلُّ يَسيرٌ والعُدّةُ أيْسَرْ
- سَيفٌ بَتّارٌ
- وحِصانٌ أَبتَرْ
- أَمّا مأساتي فَتَصَوَّرْ
- قَدَمايَ على الأَرضِ
- وقلبي
- يَتَقَلّبُ في يومِ المحشَرْ
- مَعَ هذا مثلُكَ لا يُعذَرْ
- لمْ نَطلُبْ مِنكَ مُعَلَّقَةً
- غازِلْ ليلاكَ بما استَيْسَرْ
- ضَعْها في حاشِيةِ الدّفتَرْ
- كصِفْ عَيْنيها
- صِفْ شَفَتيها
- قُلْ فيها بَيتًا واتركْها
- ماذا تَخسَرْ؟
- هَلْ قَلْبُكَ قُدَّ مِنَ المَرمَرْ؟
- حَسَنًا حَسَنًا
- سَاُغازِلُها
- عَيْناها كظلامِ المخفَرْ
- شَفَتاها كالشَّمعِ الأحمرْ
- نَهداها كَتَورُّمِ جسمي
- قبلَ التّوقيعِ على المحضَرْ
- قامَتُها كَعَصا جَلاّدٍ
- وَضَفيرتُها مِشنَقَةٌ
- والحاجِبُ خِنجَرْ
- لَيْلايَ هواها استعمارٌ
- وفؤادي بَلَدٌ مُستَعْمَرْ
- فالوعدُ لَديْها معروفٌ
- والإنجازُ لديها مُنكَرْ
- كالحاكِمِ تهجُرني ليلى
- كالمُخبرِ تدهَمُني ليلًا
- كمشاريعِ الدّولةِ تَغفو
- كالأسطولِ السّادسِ أسهَرْ
- مالي منها غيرُ خَيالٍ
- يَتَبَدّدُ ساعةَ أن يَظهَرْ
- كشِعارِ الوحدةِ لا أكثرْ
- ليلى غامِضَةٌ كحقوقي
- وَلَعُوبٌ كَكِتابٍ أخضَرْ
- يكفي يا شاعِرَنا
- تُشكَرْ
- قَلَّبتَ زبالتَنا حتّى
- لمْ يبقَ لمزبلةٍ إلاّ
- أنْ تخجلَ مِنْ هذا المنظَرْ
- هل هذا غَزَلٌ يا أغبَرْ؟
- قُلتُ لكم
- أَعذَرَ مَنْ أَنذَرْ
- هذا ما عِندي
- عَقْرَبةٌ
- تُلهمُني شِعري لا عبقَرْ
- مُرٌّ بدمي طَعْمُ الدُّنيا
- مُرٌّ بفَمي حتّى السُّكّرْ
- لَستُ أرى إلاّ ما يُحذَرْ
- عَيْنايَ صدى ما في نَفْسي
- وبِنَفسي قَهْرٌ لا يُقهَرْ
- كيفَ أُحرِّرُ ما في نفسي
- وأَنا نفسي لم أَتحَرّرْ؟
قصيدة: وملأتُ روحي منك
- ومَلأتُ رُوحي منكَ حتى لم يَعُد
- مِنّي لرُوحي موْضعٌ ومَكانُ
- ما ذَابَ من فَرْطِ الهَوى بك عاشقٌ
- مثْلِي ولا عَرَفَ الأسى إنسانُ
- قالوا هَجَرتَ فقُلتُ إنّا واحدٌ
- وكَفى وِصالًا ذلكَ الهِجرانُ
- هو موطني وله فؤادي موطِنٌ
- أتَفرُّ من أوطانها الأوطانُ؟
شعر حزين لأحمد مطر
لا أحد منّا لا يتألم ولا يحزن في حياته، لكن الشعراء هم وحدهم من يجيدون التعبير عن أحزانهم وأحزاننا، ومن هنا يقول أحمد مطر:
قصيدة: البكاء الأبيض
- كُنْتُ طِفْلًا
- عِنْدما كَانَ أَبِي يَعمَلُ جُنْديًّا
- بجَيش العَاطِلين!
- لَمْ يكُنْ عِندِي خَدينْ
- قيْلَ لِي
- إنّ ابنَ عمّي في عِداد الميّتينْ
- وأخِي الأَكبَر فِي مَنفَاه، والثّانِي سَجينْ
- لَكنِ الدّمعَة فِي عَيْنِ أبي
- سِرٌّ دَفينْ
- كَانَ رغْمَ الخَفْضِ مَرفوعَ الجَبينْ
- غير أنّي، فَجْأَة
- شاهَدْتُه يبْكِي بُكاءَ الثاكِلينْ
- قُلْتُ: مَاذَا يا أَبِي؟
- رَدّ بصَوتٍ لا يُبين:
- وَلدِي مَاتَ أميرُ المُؤمنينْ
- نازَعَتْني حَيرَتِي
- قُلْتُ لنَفْسِي:
- يَا ترَى هَلْ مَوتُه ليسَ كمَوتِ الآخَرينْ؟
- كَيَف يَبكِيه أَبِي الآنْ
- ولم يَبكِ الضّحايا الأقرَبينْ؟
- هَا أنَذا مِن بَعدِ أعوامٍ طِوالٍ
- أشْتَهي لَو أنّني
- كنتُ أبِي مُنذُ سنينْ
- كُنتُ طِفْلًا
- لم أكُنْ أفهَم مَا معنى
- بُكاء الفَرِحِينْ!
قصيدة: صفقة مع الموت
- أيُّها الموتُ انتظِرْ
- واصبرْ عَلَيْ.
- فأنا لا وقتَ للموتِ لَدَيْ
- وأنا لا وقتَ للعيشِ لَدَيْ
- إنَّني بينكما أجهلُ عمري
- إنَّني منذُ الصِبا
- أجري وأجري
- ثُمَّ أجري، ثُمَّ أجري
- وخُطى المُخبرِ مِنْ خَلْفي
- ومِنْ بينِ يَدَيْ!
- رحمةُ الله عَلَيْ
- إنَّني في وطني ما دمتُ شيئًا
- فأنا لستُ بِشَيْ!
- وأنا يا موتُ لا أرغَبُ أن أُصبِحَ شيئًا
- بَلْ أنا أرغبُ أن أحيا
- كما يفعلُ غيري
- ليسَ لي ذرةُ إحساسٍ
- ولا نبضةُ شِعْرِ
- غيرَ أنَّي
- ليسَ لي وقتٌ لأمحو شَفَتَيْ
- أو لأُلغي مُقْلَتَيْ
- أو لأُرخِي قَدَمَيْ
- فخُطى المُخبِرِ من خَلْفي
- ومن بينِ يَدَيْ
- وأنا ما زلتُ أجري
- ثُمَّ أجري ثُمَّ أجري
- لستُ أدري
- أيَّ معنى للمسافَاتِ التي
- ما بينَ ميلادي وقبري!
- أيُّها الموتُ عزيزي
- لكَ شُكري
- انتظرْ
- إنِّي سأدعوكَ إلَيْ
- قَسمًا إنِّي سأدعوكَ إلَيْ
- عندما أشعُرُ يومًا
- أنَّني يا موتُ حَيْ!
قصيدة: الراحلة
- هَذَا ما أَلِفْنا طُولَ رِحْلَتِنا المَديدَةْ
- لَا تَأْسَفِي لِنَفُوق راحِلةٍ هَوَتْ
- مِنْ ثُقْل جُمْلَتنا المُفيدَةْ
- فَعَلى الطَّريقِ سَنصْطَفِي أُخرَى جَديدَةْ
- وإذَا وَهَتْ كُلّ الجِمَال
- عنِ احتِمَالك واحتِمَالِي
- فلْيَكُنْ
- قَدَمي أَحَدّ مِنَ الحَديدِ
- وخُطوَتِي أبَدًا وَطيدَةْ
- لَا، مَا تَعِبتُ
- ولَو ظَلَلْتُ أَسيْرُ عُمرِي كُلَّه
- فوقَ اللّظَى
- سَيَظَلّ يَفْعَمُني الرِّضَا
- ما دُمْتِ طَاهِرةً حَميدَةْ
- مَاذَا أُريدُ وأنْتِ عِندِي؟
- يا ابنَتِي
- لَو قَدّمُوا الدّنيا ومَا فيهَا
- مُقَابِل شَعرَة مِن مَفْرَقَيك
- لقُلتُ: دُنياكُم زَهيدَةْ
- وَطَنٌ أَنا
- بينَ المَنَافِي أحتَويكِ مُشَرّدًا
- كي لا تَظَلّي فِي البِلادِ مَعي شَريدةْ
- وأنَا بنوركِ يا ابنَتِي
- أنشَأْتُ مِن مَنْفَاي أَوْطَانًا
- لأَوْطَانِي الطّريدَةْ
- لَكِنّها بُهِرَتْ بأنوارِ السُّطُوعِ
- فآنَستْ لَعَمَى الخُضُوع
- ومَرّغَتْ أعْطَافَها بالكَيْد
- حَتّى أصبَحَتْ وهِي المُكيدَةْ
- ما هَمّنِي؟
- كلّ الحُتُوف سَلامَةْ
- كلّ الشَّقاء سَعادَةْ
- ما دُمْتِ حَتّى اليومَ سَالِمةً سَعيدةْ
- لا قَصْدَ لِي فِي العَيْش
- إلاّ أنْ تَعيشِي أَنْتِ
- أيّتُها القَصيدَةْ
- هيّا بِنَا
- لُفّي ذِراعَك حَولَ نَحْرِي
- والبَدِي فِي دِفْء صَدرِي
- كَي نَعُودَ إلى المَسيْر
- فإنّ غَايَتنا بَعيدَةْ.
- ودَعِي التّلفّتَ للوَراء
- فَقَد هَوَى عَما هَوَتْ
- وَصْفُ الفَقيدَةْ
- هيَ لَمْ تَذُقْ مَعنَى المَنيّة حُرةً
- مَعَنا
- ولَا عَاشَتْ شَهيدَةْ
- لاتَحْزَني يَومًا عَلَيهَا
- واحْزَني دومًا لها
- لمْ نَنْفِ عَنها إنّمَا
- نَفَيت، لِقِلّةِ حَظّها، عَنّا الجَريدَةْ.
للاطّلاع على سيرة الشّاعر، ننصحك بقراءة هذا المقال: نبذة عن الشاعر أحمد مطر.
المراجع
- ↑ "هذه الأرض لنا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 14/12/2020.
- ↑ "قصيدة عائدون"، بحور، اطّلع عليه بتاريخ 14/12/2020.