أجمل ما كتب ابن الفارض

كتابة:
أجمل ما كتب ابن الفارض

ابن الفارض

ابن الفارض هو أبو حفص شرف الدين عمر بن علي بن مرشد الحموي، شاعر صوفي ولد في مصر عام ألف ومئة واثنين وثمانين ميلادية، وهو من أب سوريّ وأصله من مدينة حماة، ونشأ ابن الفارض على حب الدين، وكتب شعرًا صوفيًا ما زال الناس يتغنون به إلى اليوم، نظرًا لعذوبة كلماته وأناقتها ومعانيها الجميلة، وقد كتب ابن الفارض أغلب قصائده عن الحب الإلهي وهو معتزل في مكة المكرمة حتى لقب بسلطان العاشقين، إذ لبث فيها خمسة عشر عامًا، حيث كان معتزلًا الناس ومناجيًا الإله بقصائده، وقد توفي ابن الفارض في عام ألف ومئتين وخمسة وثلاثين ميلادية، وفي هذا المقال سيتم عرض أجمل ما كتب ابن الفارض.[١]

أجمل ما كتب ابن الفارض

الحديث عن أجمل ما كتب ابن الفارض حديثٌ طويل، فابن الفارض أبدع في قول الشعر العميق ذو الإحساس العالي والمعبر، والمتفرّد في مواضيعه التي تتحدث عن الحب الإلهي، لهذا لا يمكن حصر أجمل ما كتب ابن الفارض في بضع قصائد من شعره، لأنه شعره كلّه جميل ولم يزل الناس يتداولونه إلى اليوم بشغفٍ كبير، وفيما يأتي مجموعة من أبيات الشعر التي تُعدّ من أجمل ما كتب ابن الفارض:

  • قصيد صدُّ حمى ظمئي لماكَ لماذا: من أجمل ما كتب ابن الفارض[٢]

صدُّ حمى ظمئي لماكَ لماذا

وهَوَاكَ، قَلبي صارَ مِنهُ جُذاذا

إن كان في تَلَفي رِضَاكَ، صبَابَةً

ولكَ البقاءُ وجدتُ فيهِ لذاذا

كبدي سلبت صحيحة ً فامننْ على

رمقي بها ممنونة ً أفلاذا

ياراميًا يرمى بسهمِ لحاظهِ

عَنْ قَوْسِ حاجِبِهِ، الحشَا إِنْفاذا

أنّى هجَرتَ لِهُجْرِ واشٍ بي، كَمَن

في لَومِهِ لُؤمٌ حَكَاهُ، فَهاذَى

وعلى َّ فيكَ منِ اعتدى في حجرهِ

فقد اغتدى في حجرهِ ملاذا

غيرَ السُّلوِّ تجدهُ عندي لائمي

عمَّنْ حوى حسنَ الورى استحواذا

ياما أميلحهُ رشًا صفيهِ حلا

تبديلهُ جالي الحلي بذَّاذا

أضْحى بِإحسانٍ وَحُسْنٍ مُعْطِيًا

لِنَفائسٍ، وَلأنْفُسٍ أخّاذا

سَيفاًتَسِلُّ، على الفَؤادِ، جُفونُهُ،

وأرى الفتورَ لهُ بها شحَّاذا

فتكاً بنا يزدادُ منهُ مصوِّرًا

قتْلي مساورَ في بني يزداذا

لا غَرْوَ أنْ تَخْذ العِذَار حَمائِلًا،

إذْ ظلَّ فتاكاً بهِ وقَّاذا

وبطرفه سحرٌ لوْ ابصرَ فعلهُ

هاروتُ كانَ لهُ بهِ أستاذا

تَهذي بهذا البَدْرِ، في جَوِّ السَّما،

خلِّ افتراكَ فذاكَ خلِّي لأذا

عَنَتِ الغَزالَة ُ والغَزالُ لِوجْهِهِ،

متلفِّتاً وبهِ عيادًا لاذا

أربتْ لطافتهُ على نشرِ الصِّبا

وَأبَتْ تَرَافَتُهُ التَّقَمّصَ لاذا

وشكتْ بضاضة ُ خدِّهِ منْ وردهِ

وحَكَتْ فَظاظَة ُ قَلْبِهِ الفولاذا

عمَّ اشتعالًا خالُ وجنتهِ أخا

شُغْلٍ به، وجْدًا، أبَى استِنْقاذا

خَصِرُ اللّمى، عذبُ المقَبَّلِ بُكْرَة،

قبلَ السّواكِ، المِسْكَ سادَ، وشاذى

من فيهِ والألحاظِ سكرى بلْ أرى

في كلّ جارِحة ٍ به، نَبّاذا

نَطَقَتْ مَناطقُ خَصرِهِ خَتْمًا، إذا

صَمْتُ الخوَاتِمِ، للخناصِرِ، آذى

كالغُصْنِ قدّاً، والصّباحِ صَباحَة،

والَّليلِ فرعًا منهُ حاذا الحاذا

فَجَعَلْتُ خَلْعي للْعِذارِ لِثامَهُ،

إذ كانَ، مِن لثْمِ العِذارِ، مُعاذا

وَلَنا بِخَيْفِ مِنًى عُرَيْبٌ، دونَهُمْ

حَتْفُ المُنى، عادى لِصَبٍّ عاذا

وبجزعِ ذيَّاكَ الحمى ظبيٌ حمى

بِظُبَى اللّواحِظِ، إذ أحَاذَ، إخاذا

من قبْلِ ما فَرَقَ الفَرِيقُ عَمارة ً

كنَّا ففرَّقنا النَّوى أفخاذا

جمَعَ الهُمومَ البُعدُ عِندي، بعْدَ أنْ

كانتْ بقربي منهمُ أفذاذا

والصّبْرُ صَبْرٌعنهُمُ، وَعَلَيْهِمِ،

عندي أراهُ إذنْ أذى ً أزَّاذا

عزَّ العزاءُ وجدَّ وجدي بالألي

صرموا فكانوا بالصَّريم ملاذا

قسمًا بمنْ فيه أرى تعذيبهُ

عذبًا وفي استذلالهِ استلذاذا

ما استحسنتْ عيني سواهُ وإنْ سبى

لكنْ سوايَ ولمْ أكنْ ملاِّذا

قد كان، قَبْلَ يُعَدّ من قَتْلى رَشًا،

أسدًا لآسادِ الشَّرى بذَّاذا

أمْسَى بنارِجَوًى حَشَتْ أحشاءَهُ،

منها يرى الإيقادَ لا الإنقاذا

حَيْرَانُ لا تَلقَاهُ إلاّ قلتَ مِن

كُلّ الجهاتِ:أرى بِهِ جَبّاذا

حَرّانُ، مَحْنِيُّ الضّلوعِ على أسًى

غَلَبَ الإسَى، فاستَأخذَ اسْتئخاذا

دَنِفٌ، لَسيبُ حَشًى، سليبُ حُشاشَة

شهدَ السُّهادُ بشفعهِ ممشاذا

سَقَمٌ ألمّ بِه، فألّمَ، إذ رأى

بالجسم منْ إغدادهِ إغذاذا

أبدى حدادَ كآبة ٍ لعزاهُ إذْ

ماتَ الصِّبا في فودهِ جذَّاذا

فَغَدا، وقد سُرَّالعِدى بشبابِهِ،

متقمِّصًا وبشيبهِ مشتاذا

حزنُ المضاجعِ لانفاذَ لبثِّهِ

حزناً بذاكَ قضى القضاءُ نفاذا

أبدًا تَسُحُّ، وما تَشِحُّ، جُفونُهُ،

لِجَفَا الأحِبّة، وَابلاً وَرَذاذا

مَنَحَ السُّفوحَ، سُفوحَ مَدمَعِهِ، وقد

بَخِلَ الغَمامُ به، وجاد، وِجاذا
  • قصيدة قلْبي يُحدّثُني بأنّكَ مُتلِفي: من أجمل ما كتب ابن الفارض[٣]

قلْبي يُحدّثُني بأنّكَ مُتلِفي،

روحي فداكَ عرفتَ أمْ لمْ تعرفِ

لم أقضِ حقَّ هَوَاكَ إن كُنتُ الذي

لم أقضِ فيهِ أسى ً، ومِثلي مَن يَفي

ما لي سِوى روحي، وباذِلُ نفسِهِ،

في حبِّ منْ يهواهُ ليسَ بمسرفِ

فَلَئنْ رَضيتَ بها، فقد أسْعَفْتَني؛

يا خيبة َ المسعى إذا لمْ تسعفِ

يا مانِعي طيبَ المَنامِ، ومانحي

ثوبَ السِّقامِ بهِ ووجدي المتلفِ

عَطفًا على رمَقي، وما أبْقَيْتَ لي

منْ جِسميَ المُضْنى، وقلبي المُدنَفِ

فالوَجْدُ باقٍ، والوِصالُ مُماطِلي،

والصّبرُ فانٍ، واللّقاءُ مُسَوّفي

لم أخلُ من حَسدٍ عليكَ، فلا تُضعْ

سَهَري بتَشنيعِ الخَيالِ المُرْجِفِ

واسألْ نُجومَ اللّيلِ: هل زارَ الكَرَى

جَفني، وكيفَ يزورُ مَن لم يَعرِفِ؟

لا غَروَ إنْ شَحّتْ بِغُمضِ جُفونها

عيني وسحَّتْ بالدُّموعِ الدُّرَّفِ

وبما جرى في موقفِ التَّوديعِ منْ

ألمِ النّوى، شاهَدتُ هَولَ المَوقِفِ
  • قصيدة إحفَظْ فُؤادَكَ، إن مَرَرْتَ بحاجِرِ: من أجمل ما كتب ابن الفارض[٤]

احفَظْ فُؤادَكَ، إن مَرَرْتَ بحاجِرِ

فظباؤهُ منها الظُّبي بمحاجرِ

فالقَلْبُ فيهِ واجِبٌ مِن جائِزٍ

إنْ ينجُ كان مخاطرًا بالخاطرِ

أحببْ بأسمرَ صينَ فيهِ بأبيضٍ

أجفانُهُ منّي مكانَ سرائري

ومُمْنّعٍ، ماإن لنا مِن وَصلِهِ

إلا توهُّمُ زورِ طيفٍ زائرِ

للماءِ عدتُ ظمى كأصدى واردٍ

مُنِعَ الفُراتَ، وكُنتُ أروَى صادِرِ

خيرَ الأُصَيحابِ، الّذي هُوَ آمِري

بالغيّ فيهِ وعنْ رشادي زاجري

لوْ قيلَ لي ماذا تحبُّ وما الَّذي

تَهواهُ مِنهُ لَقُلْتٌ: ما هُوَ آمِري

ولقدْ أقولُ لِلائمي، في حُبِّهِ

لمّا رأهُ، بُعيدَ وَصلي، هاجِرِي

عنِّي إليكَ فلي حشًا لمْ يثنها

هجرُ الحديثِ ولا حديثُ الهاجرِ

لكنْ وَجَدْتكَ، مِن طريقٍ، نافِعي،

وبلذعِ عذلي لوْ أطعتكَ ضائري

أحسنتَ لي منْ حيثُ لا تدري وإنْ

كنتَ المسئَ فأنتَ أعدلُ جائرِ

يدني الحبيبَ وإنْ تناءتْ دارهُ

طيفُ الملامِ لطرفِ سمعي السَّاهرِ
  • قصيدة ما بينَ مُعْتَرَكِ الأحداقِ والمُهَجِ: من أجمل ما كتب ابن الفارض[٥]

ما بينَ مُعْتَرَكِ الأحداقِ والمُهَجِ

أنا القَتيلُ بلا إثْمٍ ولا حَرَجِ

ودَّعْتُ، قبلَ الهَوى ، رُوحي، لما نَظَرَتْ

عيناي منْ حسنِ ذاكَ المنظرِ البهجِ

لِلّهِ أجفانُ عينٍ، فيكَ، ساهِرَةٍ

شَوْقًا إليكَ، وقَلْبٌ، بالغَرامِ، شَجِ

وأدمعٌ هملتْ لولا التَّنفسُ منْ

نارِ الهَوى ، لمْ أكَدِ أنجو منَ اللُّجَجِ

وحبَّذا فيكَ أسقامُ خَفيتُ بها

عنّي تَقومُ بها، عِنْدَ الهَوى حُجَجي

أصبحتُ فيكَ كما أمسيتُ مكتئبًا

ولَمْ أقُلْ جَزَعًا يا أزْمَة ُ انْفَرِجي

وكُلِّ سَمْعٍ عنِ اللاحي، بهِ صَمَمٌ

وكلِّ جفنٍ إلى الإغفاءِ لمْ يعجِ

لا كانَ وجدٌ بهِ الآماقُ جامدة ٌ

ولا غَرامٌ بهِ الأشْواقُ لمْ تَهِجِ

عذِّبْ بما شئتَ غيرَ البعدِ عنكَ تجدْ

أوفى مُحِبٍ، بما يُرْضيكَ مُبْتَهِجِ

وخذْ بقيَّة َما أبقيتَ منْ رمقٍ

لا خيرَ في الحبِّ إنْ أبقى على المهجِ

منْ لي باتلافِ روحي في هوى رشًا

حلوِ الشَّمائلِ بالأرواحِ ممتزجِ

منْ ماتَ فيهِ غرامًا عاشَ مرتقيًا

ما بينَ أهلِ الهوى في أرفعِ الدَّرجِ

محجَّبٌ لوْ سرى في مثلِ طرَّتهِ

أغنتهُ غرَّتهُ الغرَّا عنِ السُّرجِ

وإنْ ضَلِلْتُ بليلٍ، من ذوائِبِهِ

أهدى، لِعيني الهدى، صُبْحٌ منَ البَلَجِ

وإنْ تنفَّسَ قالَ المسكُ معترفًا

لعار في طيبهِ منْ نشرهِ أرجى

فإنْ نأى سائرًا يا مهجتي ارتحلي

وإنْ دنا زائرًا يا مقلتي ابتهجي

قُلْ للذي لامني فيهِ، وعنّفَني

دعني وشأني وعدْ عنْ نصحكَ السَّمجِ

فاللّوْمُ لُؤمٌ، ولم يُمدَحْ بهِ أحدٌ

وهل رأيتَ مُحِبّاً بالغرَامِ هُجي

يا ساكِنَ القَلبِ لاتَنظُرْ إلى سكَني

وارْبَحْ فؤادَكَ ؛واحذَرْ فتنة َ الدّعجِ

يا صاحبي، وأنا البَرّ الرّؤوفُ، وقد

بذلتُ نصحي بذاكَ الحيِّ لا تعجِ

فيهِ خلعتُ عذاري واطَّرحتُ بهِ

قَبولَ نُسكيَ، والمَقبولَ من حِججي

وابيضّ وَجهُ غَرامي في مَحَبّتِهِ

واسودَّ وجهُ ملامي فيهِ بالحججِ
  • قصيدة شربنا على ذكرِ الحبيبِ مدامة ً: من أجمل ما كتب ابن الفارض[٦]

شربنا على ذكرِ الحبيبِ مدامة ً

سَكِرْنا بها، من قبلِ أن يُخلق الكَرمُ

لها البدرُ كأسٌ وهيَ شمسٌ يديرها

هِلالٌ، وكم يبدو إذا مُزِجَتْ نَجمُ

ولولا شذاها ما اهتديتُ لحانها

ولو لا سناها ما تصوَّرها الوهمُ

ولم يُبْقِ مِنها الدَّهْرُ غيرَ حُشاشَة ٍ

كأنَّ خَفاها، في صُدورِ النُّهى كَتْمُ

فإنْ ذكرتْ في الحيِّ أصبحَ أهلهُ

نشاوى ولا عارٌ عليهمْ ولا إثمُ

ومنْ بينِ أحشاءِ الدِّنانِ تصاعدتْ

ولم يَبْقَ مِنْها، في الحَقيقَة، إلاّ اسمُ

وإنْ خَطَرَتْ يَوماً على خاطِرِ امرِئ

أقامَتْ بهِ الأفْراحُ، وارتحلَ الهَمُ

ولو نَظَرَ النُّدمانُ ختْمَ إنائِها،

لأسكرهمْ منْ دونها ذلكَ الختمُ

ولو نَضَحوا مِنها ثَرى قَبْرِ مَيتٍ

لعادَتْ إليهِ الرُّوحُ، وانْتَعَشَ الجسْمُ

ولو طرحوا في فئِ حائطِ كرمها

عليلًا وقدْ أشفى لفارقهُ السُّقمُ

ولوْ قرَّبوا منْ حلها مقعدًا مشى

وتنطقُ منْ ذكري مذاقتها البكمُ

ولوْ عبقتْ في الشَّرقِ أنفاسُ طيبها

وفي الغربِ مزكومٌ لعادَ لهُ الشَّمُّ

ولوْ خضبتْ منْ كأسها كفُّ لامسٍ

لما ضلَّ في ليلٍ وفي يدهِ النَّجمُ

ولوْ جليتْ سرًا على أكمهٍ غدًا

بصيرًا ومنْ راو وقها تسمعُ الصُّمُّ

ولو أنّ ركْبًا يَمّمَوا تُرْبَ أرْضِها،

وفي الرَّكبِ ملسوعٌ لماضرَّهُ السمُّ

ولوْ رسمَ الرَّقي حروفَ اسمها على

جبينِ مصابٍ جنَّ أبرأهُ الرَّسمُ

وفوقَ لِواء الجيشِ لو رُقِمَ اسمُها،

لأسكرَ منْ تحتَ الِّلوا ذلكَ الرَّقمُ

تُهَذّبُ أخلاقَ النّدامى، فيَهْتَدي

بها لطريقِ العزمِ منْ لالهُ عزمُ

ويَكْرُمُ مَنْ لم يَعرِفِ الجودَ كَفُّهُ

ويَحلُمُ، عِندَ الغيظِ، مَن لا لَهُ حِلْمُ

ولو نالَ فَدْمُ القَوْمِ لَثْمَ فِدامِها،

لَأكسَبَهُ مَعنى شَمائِلِها اللّثْمُ

يقولونَ لي صفها فأنتَ بوصفها

خَبيرٌ، أجَلْ! عِندي بأوصافِها عِلْمُ

صفاءٌ، ولا ماءٌ، ولُطْفٌ، ولاهَوًا

ونورٌ ولا نارٌ وروحٌ ولا جسمُ

تقدَّمَ كلَّ الكائناتِ حديثها

قديمًا، ولا شَكلٌ هناكَ، ولا رَسْمُ

وقامَتْ بِها الأشْياءُ، ثَمّ، لحِكْمَة

بها احتجبتْ عنْ كلِّ منْ لالهُ فهمُ
  • قصيدة لم اخلُ من حسد: من أجمل ما كتب ابن الفارض

لم أخل من حسد عليك فلا تضع

سهري بتشنيع الخيال المرجف

واسأل نجوم الليل هل زار الكرى

جفني؟ وكيف يزور من لم يعرف

أعد ذكر من أهوى ولو بملام

فإن أحاديث الحبيب مدامي

كأن عذولي بالوصال مبشري

وإن كنت لم أطمع برد سلامي

طريح جوى صب جريح جوارح

قتيل جفون بالدوام دوامي
  • قصيدة لْنارُ ليلى بَدت ليلاً بِذي سَلَمِ: من أجمل ما كتب ابن الفارض[٧]

هلْ نارُ ليلى بَدت ليلًا بِذي سَلَمِ

أمْ بارقٌ لاحَ في الزَّوراءِ فالعلمِ

أرواحَ نعمانَ هلاَّ نسمة ٌ سحرًا

وماءَ وجرة َ هلاَّ نهلة ٌ بفمِ

يا سائقَ الظَّعنِ يطوي البيدَ معتسفًا

طيَّ السّجِلّ، بذاتِ الشّيحِ من إضَمِ

عُجْ بالحِمى يا رَعاكَ اللَّهُ، مُعتَمدًا

خميلة َ الضَّالِ ذاتَ الرَّندِ والخزمِ

وقِفْ بِسِلْعٍ وسِلْ بالجزْعِ: هلْ مُطرَتْ

بالرَّقمتينِ أثيلاتٌ بمنسجمِ

ناشَدْتُكَ اللَّهَ إنْ جُزْتَ العَقيقَ ضُحًى

فاقْرَ السَّلامَ عليهِمْ، غيرَ مُحْتَشِمِ

وقُلْ تَرَكْتُ صَريعًا، في دِيارِكُمُ

حيّاً كميِّتٍ يعيرُ السُّقمَ للسُّقمِ

فَمِنْ فُؤادي لَهيبٌ نابَ عنْ قَبَسٍ

ومنْ جفوني دمعٌ فاضَ كالدِّيمِ

وهذهِ سنَّة ُ العشَّاقِ ما علقوا

بِشادِنٍ، فَخَلا عُضْوٌ منَ الألَمِ

يا لائمًا لا مني في حبِّهمْ سفهًا

كُفَّ المَلامَ، فلو أحبَبْتَ لمْ تَلُمِ

ما حلتُ عنهمْ بسلوانٍ ولا بدلٍ

ليسَ التَّبدُّلُ والسُّلوانُ منْ شيمي

ردُّوا الرُّقادَ لجفني علَّ طيفكمُ

بمضجعي زائرٌ في غفلة ِ الحلمِ

آهاً لأيّامنا بالخَيْفِ، لَو بَقِيَتْ عشرًا

وواهاً عليها كيفَ لمْ تدمِ

هيهاتَ وا أسفي لو كانَ ينفعني

أوْ كانَ يجدى على ما فات واندمي

عني إليكمْ ظباءَ المنحنى كرمًا

عَهِدْتُ طَرْفيَ لم يَنْظُرْ لِغَي

طوعاً لقاضٍ أتى في حُكمِهِ عَجَبًا

أفتى بسفكِ دمي في الحلِّ والحرمِ

أصَمَّ لم يَسمَعِ الشّكوَى ، وأبكمَ لم

يُحرْجواباً وعنْ حالِ المشوقِ عَمِي
  • قصيدة خفِّفِ السَّيرَ واتّئِدْ، يا حادي: من أجمل ما كتب ابن الفارض[٨]

خفِّفِ السَّيرَ واتّئِدْ، يا حادي،

إنَّما أنتَ سائقٌ بفؤادي

ما تَرَى العيْسَ بينَ سَوْقٍ وشَوْقٍ

لِربيعِ الرُّبوعِ، غَرْثَى ، صَوادي

لمْ تُبقِّي لها المهامِهُ جسمًا

غيرَ جِلْدٍ على عِظامٍ بَوادِ

وتَحفَّتْ أخْفافُها، فَهِيَ تَمْشي،

من وَجَاها في مِثلِ جمرِ الرَّمادِ

وبَراها الوَنى، فَحّلَّ بُراها،

خَلّها تَرْتَوي ثِمادَ الوِهادِ

شفَّها الوَجدُ إن عدِمتَ رِوَاهَا

فاسقِها الوَخدَ من جِفارِ المَهَادِ

واستبقِهَا واستبقِهَا فهيَ ممَّا

تَتَرامى بِهِ إلى خيرِ وادِ

عَمْرَكَ اللَّهَ، إنْ مَرَرّتَ بوادي

يَنْبُعٍ، فالدّهنْا، فَبَدْرٍ، غادي

وبلغتَ الخيامَ فابلِغْ سلامي

عنْ حفاظٍ عُريبَ ذاكَ النَّادي
  • أرَجُ النّسيمِ سرَى مِنَ الزّوراء: من أجمل كتب ابن الفارض[٩]

أرَجُ النّسيمِ سرَى مِنَ الزّوراء

سحرًا فأحيا ميِّتَ الأحياءِ

أهدى لَنا أرواحَ نَجْدِ عَرْفُهُ

فالجوُّ منهُ مُعَنْبَرُ الأرجاءِ

ورَوى أحاديثُ الأحِبّة، مُسندًا

عنْ إذخرٍ بأذاخرٍ وسخاءِ

فسكرتُ منْ ريَّاح واشي بردهِ

وسَرَتْ حُمَيّا البُرءِ في أدوائي

يا راكِبَ الوَجْناءِ، بُلُغتَ المنى

عُجْ بالحِمى، إنْ جُزتَ بالجَرعاءِ

متيمِّماً تلعاتِ وادي ضارجٍ

مُتَيامِناً عَن قاعَة َ الوَعساءِ

وإذا وَصَلْتَ أُثَيْلَ سَلْعٍ، فالنّقا

فالرَّقمتينِ فلعلعٍِ فشظاءِ

وكذا عنْ العلمينِ منْ شرقيِّهِ

ملْ عادلًا للحلّة ِ الفيحاءِ

واقرِ السَّلامَ عريبَ ذيَّاكَ الَّلوى

مِن مُغرَمٍ، دَنِفٍ، كَئيبٍ، ناءِ

ابن الفارض والتصوف

بعد ذكر قصائد من أجمل ما كتب ابن الفارض، لا بدّ من ذكر طريقه إلى التصوف، وقصته في التصوّف والحب الإلهي الصافي، حيث قضى عزلته عن الناس بعد أن أدى الحج في مكة المكرمة، فقرر الاعتزال بعيدًا ومتفرغًا للعبادة والمناجاة، وكان زاهدّا وناسكًا يصوم النهار ويقوم الليل، وقد كانت عزلته هي منبع حكمته التي فاضت شعرًا، وتظهر في القصائد التي تُعدّ من أجمل ما كتب ابن الفارض، فقد أتاحت له التأمل في أحوال نفسه والتفكير والغوص في الخيال وأسرار الملكوت، وبعد أن انتهت عزلته عاد إلى مصر وهو يحمل في نفسه درر البيان وسالكًا طريق التجريد، بعد أن قضى الكثير من السنوات ما بين الطواف في الحرم الشريف والمشي في أودية مكة المكرمة، وبقي في مصر فيها حتى مات ودُفن في جبل المقطم، وبقي شعره موجودًا إلى اليوم ويتداوله الناس ويذكرون دومًا أجمل ما كتب ابن الفارض.

المراجع

  1. "ابن الفارض"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 22-10-2019. بتصرّف.
  2. "صدُّ حمى ظمئي لماكَ لماذا"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 26-10-2019.
  3. "قلبي يحدثني بأنك متلفي"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 26-10-2019.
  4. "احفظ فؤادك إن مررت بحاجرٍ"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 26-10-2019.
  5. "ما بين معترك الأحداق والمهج"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 26-10-2019.
  6. "شربنا على ذكر الحبيب مدامه"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 26-10-2019.
  7. "هلْ نارُ ليلى بَدت ليلاً بِذي سَلَمِ،"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 26-10-2019.
  8. "خفِّفِ السَّيرَ واتّئِدْ، يا حادي،"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 26-10-2019.
  9. "أرج النسيم سرى من الزوراء"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 26-10-2019.
5476 مشاهدة
للأعلى للسفل
×