محتويات
حديث: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أنَّ له ربًّا يغفر الذنب
متن الحديث
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال فيما يرويه عن ربِّه:
"إنَّ عَبْدًا أصابَ ذَنْبًا - ورُبَّما قالَ أذْنَبَ ذَنْبًا - فقالَ: رَبِّ أذْنَبْتُ - ورُبَّما قالَ: أصَبْتُ - فاغْفِرْ لِي، فقالَ رَبُّهُ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ ما شاءَ اللَّهُ ثُمَّ أصابَ ذَنْبًا، أوْ أذْنَبَ ذَنْبًا، فقالَ: رَبِّ أذْنَبْتُ - أوْ أصَبْتُ - آخَرَ، فاغْفِرْهُ؟ فقالَ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ ما شاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أذْنَبَ ذَنْبًا، ورُبَّما قالَ: أصابَ ذَنْبًا، قالَ: قالَ: رَبِّ أصَبْتُ - أوْ قالَ أذْنَبْتُ - آخَرَ، فاغْفِرْهُ لِي، فقالَ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاثًا، فَلْيَعْمَلْ ما شاءَ".[١]
شرح الحديث
يبين الحديث الشريف حال العبد المذنب عندما يعود تائبًا إلى ربه في حال ارتكابه ذنبًا فيستغفره على ما فعل خوفًا من عقابه ورجاءً في مغفرته، فالله تبارك وتعالى يفرح بأنَّ هذا العبد اعترف بذنبه وعلم به وعاد إلى ربِّه ليغفر له، واعترافه بهذا الذنب وإقراره به وعلمه بأن الله تعالى هو من يغفر الذنوب جميعًا هو ما جعل الله تعالى يغفر له، فما دام العبد يذنب ويستغفر ويتوب فإن الله تعالى يغفر له.[٢]
والمقصود هنا بالعودة إلى الذنب بعد التوبة هو غلبة النفس والطبع لارتكاب الذنب بسبب ما يزينه الشيطان له وليس فعل الذنب من باب الإصرار عليه فذلك ذنبٌ أعظم، ففي كل مرة يذنب العبد ويعترف بذنبه ويستغفر ربه، فإن الله تعالى يغفر له، قال القرطبي مُعلقًا على هذا الحديث: "يدل هذا الحديث على عظيم فائدة الاستغفار، وعلى عظيم فضل الله، وسعة رحمته، وحلمه، وكرمه".[٢]
ولا يكون الاستغفار مجرد نطقٍ باللسان بل يجب أن تكون توبةً لله تعالى بعدم العودة إلى الذنب ويكون الاستغفار من القلب واللسان، مع ندمٍ على الفعل وهذا ما شهدت له أحاديث أخرى بالسنة النبوية فالمراد في الحديث هي التوبة وإقلاع العبد عن الذنب وليس الاستغفار فقط.[٢]
العبرة المستفادة
إن الله تعالى يغفر للعبد ما فعل من ذنب في كل مرة طالما عاد إلى ربه واستغفره وتاب إليه، على أن تكون توبةً نصوحًا فيقلع عن ذنبه ويعزم على عدم العود إليه ويندم على فعله.[٢]
حديث: يا عبادي إنَّكم تخطئون بالليل والنّهار
متن الحديث
عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- عَنِ النبيِّ -صَلَّى اللَّه عليه وسلّم- فِيما يرويه عن ربه:
"يا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ، إلَّا مَن أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ، إلَّا مَن كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يا عِبَادِي إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يا عِبَادِي إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي، فَتَنْفَعُونِي، يا عِبَادِي لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ، ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، ما نَقَصَ ذلكَ ممَّا عِندِي إلَّا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ البَحْرَ، يا عِبَادِي إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ، فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ.وفي روايةٍ: إنِّي حَرَّمْتُ علَى نَفْسِي الظُّلْمَ وعلَى عِبَادِي، فلا تَظَالَمُوا".[٣]
شرح الحديث
يُقدس الله تعالى نفسه عن الظلم، ويحرمه على نفسه ويجعله محرمًا بين عباده وينهاهم عنه، ثم يدعو الله تعالى عباده للتوجُّه إليه بالدعاء وطلب الهداية والرزق والستر منه فإنه مجيبٌ لهم ، والرزق بيده تعالى فهو يرزق من يشاء.[٤]
ثم يخبر الله تعالى بحال البشر جميعهم وهو صدور الخطأ منهم في الليل والنهار، فبنو آدم جميعهم يخطئون والله تعالى هو من يغفر الذنوب جميعها أيًا كانت إلا ذنب الشرك به، وقد خصَّص هذا في قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}،[٥] فيعود الله تعالى ليذكرهم بدعائهم إياه وطلب المغفرة منه تعالى ليغفر لهم، فإن الله تعالى يحب عودة عبده المذنب إليه تائبًا طالبًا منه المغفرة.[٤]
ثم يبين الحديث الشريف أن الله تعالى منزهٌ عن الحاجة لأحد أو حاجته لنفعٍ من أحد أو أن يلحق به أحد ضرر أو غير ذلك، فهو الغني والعبد فقير إليه ولو آمنت الخلائق كلها لا يزيد شيء في ملك الله تعالى، ولو جحدت الخلائق كلها ما نقص من ملك الله تعالى شيء، وكل عمل بني آدم يحصيه الله تعالى له وكل إنسان يرى نتيجة عمله.[٤]
العبرة المستفادة
إن الله تعالى يغفر لعباده ذنوبهم جميعها حتى وإن كانت عظيمة إذا عادوا إليه تائبين ومستغفرين.[٦]
حديث: إنَّكَ ما دعوتني ورجوتني غفرت لك
متن الحديث
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه: "يا ابنَ آدمَ إنَّكَ ما دعَوتَني ورجَوتَني غفَرتُ لَكَ على ما كانَ فيكَ ولا أُبالي ، يا ابنَ آدمَ لو بلغَت ذنوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثمَّ استغفرتَني غفرتُ لَكَ ولا أبالي ، يا ابنَ آدمَ إنَّكَ لو أتيتَني بقِرابِ الأرضِ خطايا ثمَّ لقيتَني لا تشرِكُ بي شيئًا لأتيتُكَ بقرابِها مغفرةً".[٧]
شرح الحديث
مهما بلغت ذنوب العبد وخطاياه، حتى وإن كانت تملأ ما بين الأرض والسماء من كثرتها ثمّ استغفر الله تعالى، يغفر الله له جميع خطاياه دونَ أن يبالي تعالى بكثرتها، فمن طلب المغفرة من الله تعالى يغفر له سواءً كانت ذنوبه قليله أو كثيرة.[٨]
العبرة المستفادة
ما دام العبد يدعو ربه ويرجو مغفرته ولا يقنط من رحمته فالله تعالى يغفر له ذنوبه حتى وإن كثرت ودون مبالاة منه بكثرتها.[٩]
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:7507، حديث صحيح.
- ^ أ ب ت ث عبد الله بن محمد الغنيمان، شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري، صفحة 396. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:2577، حديث صحيح.
- ^ أ ب ت الطوفي، كتاب التعيين في شرح الأربعين، صفحة 183-189. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية:48
- ↑ ابن عثيمين، شرح الأربعين النووية، صفحة 240. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في السلسة الصحيحة، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:127، حديث حسن.
- ↑ ناصر الدين البيضاوي، تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة، صفحة 74. بتصرّف.
- ↑ الطيبي، شرح المشكاة، صفحة 1845. بتصرّف.