أحكام أكل لحم الخنزير

كتابة:
أحكام أكل لحم الخنزير

حدود الله

أمر الله -تعالى- البشر بعبادته وطاعته، والعمل بما أمر به، والابتعاد عمّا نهى عنه من المحرمات وكبائر الذنوب، وجعل في ذلك حدودًا من شأنها الحفاظ على مصالح العباد، وقد وعد الله جلّ وعلا من أطاع أوامره واجتنب نواهيه بسعادة الدنياوجنة الآخرة ونعيمها، وتوعّد من عصى أوامره واقترب مما حرّم الله بشقاء الدنيا وعذاب جهنم في الآخرة، ولكنّه فتح التوبة والاستغفار أمام المذنبين، ولكنّه جعل لمن أصرّ على ذنبه ومعصيته وتجاوز حدود الذنب فتعدى على أعراض غيره حدّ الله لردعه وردع غيره، ومما نهى الله تعالى عباده عنه أكل لحم الخنزير وسيتحدث هذا المقال عن أحكام أكل لحم الخنزير.[١]

أحكام أكل لحم الخنزير

في الحديث عن أحكام أكل لحم الخنزير، فمن أكل من لحم الخنزير عمدًا وهو يعلم أنّه مُحرّم ولم يجبره أحد على أكله فهو مسلم آثم وعاصٍ ولا بدّ له من التوبة إلى الله تعالى بما اقترفت يداه، فلحم الخنزير مُحرّمٌ بالنصّ القرآني، وكان ذلك في قوله تعالى في سورة المائدة: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ}،[٢] كما ثبت تحريمه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ حَرَّمَ الخَمرَ وثَمَنَها، وحَرَّمَ المَيتةَ وثَمَنَها، وحَرَّمَ الخِنزيرَ وثَمَنَه"،[٣] فأكل الخنزير من أقبح الذنوب،[٤] وأمّا من أكل لحم الخنزير وهو يجهل أنّه لحم خنزير فهو غير آثم باتفاق العلماء، والدليل على ذلك قول الله تعالى فيسورة الأحزاب: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}،[٥] وكذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ تجاوَز عنْ أُمَّتي الخطأَ والنِّسيانَ وما استُكرِهوا عليه"،[٦] وإن علم أنّه لحم خنزير بعد أكله واستطاع التقيؤ فليفعل.[٧]

ومن أحكام أكل لحم الخنزير ما يخصّ أكل عظم الخنزير فهناك دلائل على تحريم أكل كل أجزاء جسد الخنزير وكراهتها جميعًا، فقي حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم: "من لعِبَ بالنَّردَ فَكأنَّما غمس يدَهُ في لحمِ خنزيرٍ ودمِهِ"،[٨] فساوى رسول الله بين لحم الخنزير ويده في الكراهة وهذا دليل على كراهة كل أجزاء جسد الخنزير، كما أنّه هنالك إجماع من العلماء والأئمة على تحريم سائر أجزاء جسد الخنزير عن الأكل، ومن الأقوال في ذلك قول الفخر الرازي: "أجمعت الأمة الإسلامية على أن الخنزير بجميع أجزائه محرم وإنما ذكر الله تعالى اللحم لأن معظم الانتفاع يتعلق به"، وقول القرطبي: "أجمعت الأمة على تحريم شحم الخنزير"، وقول ابن حزم: "لا يحل أكل شيء من الخنزير لا لحمه ولا شحمه ولا جلده ولا عصبه ولا غضروفه ولا حشوته ولا مخه ولا عظمه ولا رأسه ولا أطرافه ولا لبنه ولا شعره الذكر والأنثى الصغير والكبير سواء"، فيكون أكل عظم الخنزير مُحرمًا لحرمة أكل لحمه.[٩]

ومن أحكام أكل لحم الخنزير حكم أكله لمن ألجأته ضرورة إلى ذلك، وهذا الحكم لا يختصّ بلحم الخنزير خاصّة بل هو لكل الأطعمة والأشربة المُحرمة، فمن كان مضطرًا لذلك فمن المُباح له أن يأكل أو أن يشرب ما هو مُحرّم عدا السُّم، وذلك خشية ضرره إذا لم يأكل منه، أو أنّه لم يجد ما يسدّ به جوعه غيره، فإنّ عرف المسلم المُضطر بهلاكه فمن الواجب عليه أن يأكل من الأكل المحرم سواء لحم الخنزير أو غيره إذا كان فيه نجاته، وإن امتنع عن أكله فمات فقد أثم، فقد كان السبب في قتل نفسه وكن باستطاعته انقاذها، وقد جاء ذلك في قوله تعالى فيسورة البقرة: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}،[١٠] فقد حرّم الله تعالى الذهاب بالنفس للتهلكة.[١١]

ومن أحكام أكل لحم الخنزير ما جاء عن حكم صلاة من تناول شرابًا فيه شيء من مشتقات الخنزير، وبدايةً فتناول أيّ مشروب يحتوي على مشتقات الخنزير هو مُحرّم لأنّه يعدّ شرابًا متنجسًا وقد جاء باتفاق العلماء أنّ تناول الأكل المتنجس أو استخدامه حرام، أمّا فيما يخصّ الوضوء فلا ينتقضالوضوء بمجرد شرب أو أكل النجاسة فلم يرد دليل على ذلك، أمّا حكم الصلاة في ذلك الحال فقد قال بعض العلماء بعدم صحتها ما دامت النجاسة المأكولة أو المشروبة ما تزال في بطن المُصلي ويستطيع تقيؤها فشرط سلامة البدن من النجاسة من شروط صحة الصلاة الأساسية، أمّا إن لم يستطع تقيؤها فتصح صلاته بسبب عجزه، والله تعالى أعلم.[١٢]

الحكمة من تحريم أكل لحم الخنزير

بعد معرفة أحكام أكل لحم الخنزير بشكلٍ مفصّل، من الجيد التعريج على الحكمة من وراء تحريم أكل لحم الخنزير، وهو سؤال قد يأتي على أذهان الكثير من المسلمين وغير المسلمين، والأصل هو طاعة أوامر الله تعالى بحرفيتها سواء بتنفيذ أوامره أو اجتناب نواهيه سواء أكانت الحكمة منها ظاهرة أو غير ظاهرة، فمن غير الجائز التوقف عن طاعة الله في عمل ما لعدم ظهور الحكمة منه، وقد جاء معنى الطاعة المطلقة في قوله تعالى فيسورة النور: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}،[١٣] ولحم الخنزير مُحرّم بالنص القرآني، لكن لم يرد تعليل خاص لحرمة لحم الخنزير في الشريعة الإسلامية، وإنّما جاء التعليل عامًا بتعليل تحريم الخبائث التي تضرُّ بصحة الإنسان ولحم الخنزير هو أحد هذه الخبائث، وقد أكدت الكثير من الدراسات العلمية الحديثة أنّ لحم الخنزير هو مخزن للجراثيم التي تضرّ بصحة الإنسان وتسبب له الأمراض البكتيرية والطفيلية والفيروسية كذلك، وذلك دليل على أنّ تحريم أكل لحم الخنزير جاء لحكمة جليلة وهي الحفاظ على صحة الإنسان، والله أعلم.[١٤]

المراجع

  1. "حدود الله"، www.al-eman.com، 2020-04-28، اطّلع عليه بتاريخ 2020-04-28. بتصرّف.
  2. سورة المائدة، آية:3
  3. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج سنن أبي داود، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3485، حديث إسناده صحيح.
  4. "حكم أكل لحم الخنزير ممن يعلم أنه محرم"، www.islamweb.net، 2020-04-28، اطّلع عليه بتاريخ 2020-04-28. بتصرّف.
  5. سورة الأحزاب، آية:5
  6. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:7219، حديث أخرجه في صحيحه.
  7. "حكم أكل لحم الخنزير ممن يجهل أنه لحم خنزير"، www.islamweb.net، 2020-04-28، اطّلع عليه بتاريخ 2020-04-28. بتصرّف.
  8. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن بريدة، الصفحة أو الرقم:5873، حديث صحيح.
  9. "حكم أكل عظم الخنزير"، www.saaid.net، 2020-04-28، اطّلع عليه بتاريخ 2020-04-28. بتصرّف.
  10. سورة البقرة، آية:173
  11. "حكم أكل المضطر من الطعام المحرم"، www.al-eman.com، 2020-04-28، اطّلع عليه بتاريخ 2020-04-28. بتصرّف.
  12. "حكم وضوء وصلاة من تناول شرابا يحتوي على مشتقات الخنزير"، www.islamweb.net، 2020-04-28، اطّلع عليه بتاريخ 2020-04-28. بتصرّف.
  13. سورة النور، آية:51
  14. "ما هو سبب تحريم لحم الخنزير ؟"، islamqa.info، 2020-04-28، اطّلع عليه بتاريخ 2020-04-28. بتصرّف.
4835 مشاهدة
للأعلى للسفل
×