أحكام الشكوى

كتابة:
أحكام الشكوى

مفهوم الشكوى

إنَّ مفهوم الشكوى حسب معجم المعاني في اللغة العربية هو الألم والتوجع وجميع ما يُشتكى منه، ويُقال فلانٌ يشتكي من فلان أي يتألم منه ويدعي عليه، وفلان شكا فلانًا إلى القاضي أي أخبره بسوء عمله وادَّعى عليه، وربما تكون الشكوى خطّية أو شفوية ولا بدَّ أن تكون الشكوى من ألمٍ وتوجَّع إذ يكون هو السبب الرئيس في توجه الشَّاكي لتقديم شكواه، وتتنوع أشكال الشكوى وأنواعها فمنها ما تكون مقدّمةً من عبدٍ إلى آخر لطلب حلِّها أو للتذمر والتَّعبير عن ضيق الحال، وربما تكون مقدَّمةً من العبد إلى ربه، ولذلك لا بدَّ من الوقوف على مقالٍ يتمُّ الحديث فيه عن أحكام الشكوى في الإسلام.[١]

أحكام الشكوى

الأصل في الشكوى هي طلب زوال الضرر من الشَّخص الذي يُشتكى إليه، أو ربما تأخذ بابًا آخر هي إظهار الألم والحزن والتوجع وتقديم الحال الذي وصل إليه الشَّاكي، وقد يكون ذلك ما بين المخلوق والآخر أو ما بين المخلوق وخالقه، ولا بدَّ أن يتمَّ تبيين أحكام الشكوى في هذه الفقرة فيما يخصُّ الخالق والمخلوق:

حكم الشكوى للمخلوق

وأمَّا حكم الشكوى للمخلوق فهو الأمر الذي يتنافى مع كمال الصَّبر الذي أمر الله به؛ لأنَّ الشكوى قد تحمل سخطًا من المخلوق على خالقه ورجاءً بغيره تعالى، فالأصل في الشكوى أن تكون للقادر على إزالة أسبابها وهو ما لا يستطيعه إلا الله، يقول في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والصبر الجميل صبر بلا شكوى قال يعقوب -عليه الصلاة والسلام- إنما أشكو بثي وحزني إلى الله مع قوله فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون"، والشكوى تضرُّ بالصَّبر الصحيح الذي يُرجى منه الثَّواب ويُتوخَّى بفضله العقاب، يقول ابن القيم رحمه الله: "لما كان الصبر حبس اللسان عن الشكوى إلى غير الله، والقلب عن التسخط، والجوارح عن اللطم وشق الثياب ونحوها كان ما يضاده واقعًا على هذه الجملة، فمنه الشكوى إلى المخلوق فإذا شكا العبد ربه إلى مخلوقٍ مثله فقد شكا من يرحمه إلى من لا يرحمه"، وبذلك تكون الشكوى من المخلوق إلى الآخر مكروهة لا خير فيها، وقد تصل إلى درجة التَّحريم إن كان فيها تسخطٌ على الله وقضائه، وأمَّا النَّوع الآخر من الشكوى الذي يُقصد منه الاستعانة بآخر لإزالة الضرر وتصحيح الأمور فلا بأس به واحتُجَّ لذلك بقوله تعالى في سورة الكهف: {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا}،[٢] ويُضيف ابن الجوزي رحمه الله: "وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَكْرَهُونَ الشَّكْوَى إِلَى الْخَلْقِ، وَالشَّكْوَى وَإِنْ كَانَ فِيهَا رَاحَةٌ إِلا أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى ضَعْفٍ وَذُلٍّ وَالصَّبْرُ عَنْهَا دَلِيلٌ عَلَى قُوَّةٍ وَعِزٍّ"، وفي ذلك تبيينٌ لحكم الشكوى للمخلوق والله هو أعلى وأعلم.[٣]

حكم الشكوى للخالق

الأصل في الشكوى أن تكون من الفقير إلى الغني ومن الضعيف إلى القوي ومن الذليل إلى العزيز وبذلك تكون من العبد إلى ربه، حيث قال تعالى في كتابه العزيز: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ}،[٤] وهذا دأب الصالحين والأنبياء في توجههم بشكواهم إلى رب العباد، يقول تعالى في سورة الأنبياء مبينًا نداء أيوب في ضرره: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}،[٥] فاستجاب له رب الأرض والسموات فقال: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}،[٦] وفي ذلك تبيينٌ لإباحة واستحباب الشكوى إلى الخالق وبيان أثرها في كشف الضر عن ابن آدم، والله في ذلك هو أعلى وأعلم.[٧]

كيف تكون الشكوى لله تعالى

والشكوى لله تعالى هي دأب كلِّ أنبيائه سبحانه وهم قدوة للعالمين، وتكون الشكوى بالدُّعاء والتَّضرع إليه وحده دون الاستعانة بالمخلوقين، وأعلى مراتب الشكوى إلى الله هي المثول بين يديه وإظهار الضعف عنده، حيث قال تعالى في سورة المجادلة: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}،[٨] يقول ابن القيم رحمه الله: "بل أراد منه أن يستكين له، ويتضرع إليه، وهو -تعالى- يَمقُت مَن يشكوه إلى خلقه، ويحب مَن يشكو ما به إليه، وقيل لبعضهم: كيف تشتكي إليه ما ليس يخفى عليه، فقال: ربِّي يرضى ذل العبد إليه"، وقد رفع سيد الخلق شكواه إلى ربه في محنته، والدُّعاء هو رأس الشكاية إلى الله ففيه تبيينٌ لحال العبد إلى ربه مع علمه السابق بها سبحانه، وفي ذلك تبيينٌ لأحكام الشكوى والله في ذلك هو أعلى وأعلم.[٩]

المراجع

  1. "شكوى"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-04-30. بتصرّف.
  2. سورة الكهف، آية:62
  3. "أحوال الشكوى إلى المخلوق وحكم مقولة الشكوى لغير الله مذلة"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-04-30. بتصرّف.
  4. سورة يوسف، آية:86
  5. سورة الأنبياء، آية:83
  6. سورة الأنبياء، آية:84
  7. "فقه الشكوى"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-04-30. بتصرّف.
  8. سورة المجادلة، آية:1
  9. "فقه الشكوى"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-04-30. بتصرّف.
4328 مشاهدة
للأعلى للسفل
×