أحكام الصلاة الخاصة بالنساء فقط

كتابة:
أحكام الصلاة الخاصة بالنساء فقط

الصلاة

الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وقد جاء ترتيبها كذلك في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بُنيَ الإسلامُ على خَمسةٍ شَهادةِ أن لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ وصومِ رمضانَ وحجِّ البيتِ منِ استطاعَ إليهِ سبيلًا"،[١] والصلاة واجبة على كل مسلم ومسلمة بالغَين عاقلَين، وقد فرضها الله تعالى على رسوله في مكة المكرمة قبل أن يهاجر وأصحابه إلى المدينة المنورة وذلك في السنة الثانية قبل الهجرة، وكان فرضها في الإسراء والمعراج، وتؤدّى الصلاة في اليوم خمسً مرات، إضافةً إلى ما فرضه الله تعالى من الصلوات في مناسبات دينية متفرقة، كصلاة الجنازة وصلاة الاستسقاء وصلاة العيدين وهناك أحكام خاصّة بعبادة الصلاة،[٢] والصلوات الخمس هي صلاة الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء، وهناك شروط يجب توافرها لصحة الصلاة كالإسلام والتمييز والطهارة واستقبال القبلة وستر العورة ودخول وقت الصلاة والعلم بفرضها وألا يعتقد فرضها بأنّه من السنّة، وسيتحدث المقال عن أحكام الصلاة الخاصة بالنساء.[٣]

أحكام الصلاة الخاصة بالنساء فقط

الصلاة هي عمود الدين، وهي أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة، وقد جاء في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "العَهدُ الذي بَينَنا وبَينَهُم الصلاةُ، فمن تَرَكَها فَقَد كَفَرَ"،[٤] وهذا دليل على عظم أمرها وخطورة التهاون بها أو بشيء من أحكامها، وفيما يأتي أحكام الصلاة الخاصة بالنساء فقط والتي لا بدّ لكل مسلمة أن تكون على دراية تامّة بها:

صلاة المرأة في المسجد

في الحديث عن صلاة المرأة في المسجد فقد جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنَعوا إماءَ اللهِ مساجدَ اللهِ وليخرُجْنَ تَفِلاتٍ"،[٥] ومعنى التفلات أيّ غير واضعات العطر ولا متزينات، كما كانت النساء في عهد النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يشهدن معه الصلوات جميعها في المسجد النبويّ، وقد تحدثت السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن ذلك، كما ككان النبيّ يأمر الرجال بعدم الانصراف من المسجد حتى تنصرف النساء أولًا، وكان النساء يصلين في الصفوف الخلفية من المسجد والرجال في الصفوف الأمامية وحتى في زمن الخلفاء الراشدين ظلّ الحال هكذا من دون وجود ساتر بين الرجال والنساء في المسجد، ولم تكن المرأة تخشى ضياع شيء في منزلها، كما كانت لا تخرج متبرجة أو متعطرة، إذن فهي لم تخش الفتنة في طريقها للمسجد، بل كانت تشهد كل صلواتها فيه وتسمع الدروس والمواعظ، وعلى ذلك فكانت صلاة المرأة في المسجد محببة ومباحة ومباركة، أمّا إذا خشيت المرأة على نفسها الفتنة في أثناء خروجها في المنزل فصلاتها في بيتها خير من الصلاة في المسجد وصلاتها في حجرة بداخل منزلها خير لها من صلاتها في مسجد بيتها، والله تعالى أعلم،[٦] وجاء في حكم خروج النساء لصلاة الجماعة في المسجد بأنّ صلاة الجماعة لم تُفرض على النساء لا في المسجد ولا في بيتها ولكن لو صلتها النساء فلا حرج في ذلك، وخروج المرأة لصلاة الجماعة في المساجد مباحة بشروط وأهمها أمن الفتنة ولهذا فإنّ خروج المرأة للصلاة في المسجد مكروه في المذهب الشافعيّ، والأصل في خروج المرأة لصلاة الجماعة أن تأخذ إذن زوجها، مع تحرّي الستر.[٧]

قراءة المرأة في الصلاة

في الحديث عن قراءة المرأة في الصلاة الجهرية فعلى الرجل والمرأة أن يتحرّيا سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهي الجهر في القراءة في صلاة العشاء والفجر والمغرب، والسرّ في الظهر والعصر، ولكنّ المرأة لا تجهر في قراءتها في صلاتها إلّا إذا أمنت وجود أحد من غير محارمها، فإذا كان الحاذرون من محارمها فتجهر في صلاتها ولا شيء في ذلك، أمّا إذا كان من غير محارمها فترفع صوتها قليلًا في محل الجهر، فتلك سنّة للجميع رجالًا ونساءً،[٨] وجاء في حكم جهر المرأة في صلاتها الجهرية أيضًا إن كان من حولها من الرجال الأجانب عنها فالأفضل أن عدم الجهر في صلاتها، كما هو الحال في التلبية في الحج والعمرة،[٩] وجاء أيضًا في حكم آخر أنّ جهر المرأة للقراءة في صلاتها مكروه ولكنّه لا يبطل صلاتها في حال فعله، وهو مكروه في حضور الرجال أجانب عنها، فإذا ما صلّت في حضور رجال أجانب أسرّت قراءتها في نفسها، وكذلك بالنسبة لقول "آمين" فلها حكم القراءة الجهرية في الصلاة وتُسرّ في حال وجود الرجال الأجانب، والله أعلم.[١٠]

صلاة المرأة في الأماكن العامة

في الحديث عن حكم صلاة المرأة في الأماكن العامة وكيفيتها، فقد جاء في ذلك أنّ الصلاة فريضة وهي ركن من أركان الإسلام فلا تسقط عن المسلم أو المسلمة إلّا في حال عجزه التامّ عن تأديتها لأسباب خارجة عن استطاعتهما، لذلك فيجب على المرأة أداء صلاتها ولو كانت في مكان عام وأمام الرجال الأجانب عنها، ولكنّ ذلك يتم بحجابها الشرعيّ الكامل أثناء تأديتها لصلاتها، ويُستحب أن تقوم المرأة بضمّ بعضها إلى بعض عند ركوعها وسجودها على سبيل المبالغة في التستّر، وذلك في قول أغلب أهل العلم، ولا صحة لقول الذي يُفتي بصلاتها جالسة في هذه الحالة،[١١] وجاء في الحديث عن حكم صلاة المرأة في الأماكن العامّة في حال وجود الرجال الأجانب عنها، أنّه إن لم تجد مكانًا يسترها وخشيت ضياع الصلاة فلا حرج في تأديتها للصلاة ولكن لا بدّ لها من أن تستتر بشكلٍ تامّ، وذلك بدليل شهود النساء لصلاة العيد في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ورد في الصحيحين قولٌ لأم عطية رضي الله عنها: "يَخْرُجُ العَوَاتِقُ وذَوَاتُ الخُدُورِ، أوِ العَوَاتِقُ ذَوَاتُ الخُدُورِ، والحُيَّضُ، ولْيَشْهَدْنَ الخَيْرَ، ودَعْوَةَ المُؤْمِنِينَ، ويَعْتَزِلُ الحُيَّضُ المُصَلَّى"،[١٢] ومعلوم أنّ صلاة العيد في زمن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- كانت تؤدّى في مكان عام في خارج المدينة المنورة وكانت النساء يصلين خلف الرجال غير مختلطين بهم.[١٣]

صلاة المرأة جالسة

في الحديث عن صلاة المرأة وهي جالسة لمجرد أنّها في مكان عام ويراها الرجال الأجانب، فالأصل ألّا تخرج المرأة من بيتها إلّا لضرورة أو حاجة ملحّة فصلاتها في منزلها خير لها من الصلاة حتى في المسجد، وإذا ما حُملت مضطرّة على الخروج من المنزل ودخل وقت الصلاة وضاق عليها بحيث إنّها لن تتمكن من إدراكها في المنزل فلا حرج عليها من الصلاة في مكان عام شريطة أن يكون طاهرًا وأن يكون آمنًا من عيون الرجال الأجانب قدر المستطاع، وإن لم تجد فلتصلّ أمام الرجال الأجانب ساترةً جميع بدنها، ولا بدّ لها من تأدية صلاتها كما هي فتقوم وتركع وتسجد ولا يصحّ لها الصلاة وهي جالسة فالقيام ركن أساسي من أركان الصلاة ولا تجوز صلاة المسلم بدونه، ولا يجوز تركه إلّا في حال كان المُصلي لا يستطيع القيام، كما لا يجوز للمرأة أن تجمع صلوتها في هذه الحالة لسبب رؤية الرجال الأجانب لها فقط بل يجب أن تصليها على وقتها ولكن بالشروط التي ذكرت سابقًا.[١٤]

وجاء في قول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- عندما سُئل عن حكم صلاة المرأة التي تعاني من آلام في قدميها وهي جالسة بأنّه في حال شعور المسلم بالألم إذا ما صلّى قائمًا-سواء كان رجلًا أو امرأة- فلا ضير من صلاته جالسًا في حال منعه الوقوف في الصلاة من الشعور بالخشوع، وذلك بدليل قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلم لعمران بن الحصين: "صَلِّ قَائِمًا، فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ"،[١٥] وقوله تعالى في سورة البقرة: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، [١٦] وصلاة المرأة وهي جالسة بعذر لها الأجر كاملًا وهذا الحال في صلاة الفريضة، أمّا في حال صلاة النافلة فيستطيع المسلم الصلاة جالسًا مع قدرته على القيام ولكن يكون له نصف أجر صلاة الفريضة.[١٧]

إمامة المرأة في الصلاة

تُستحبُ صلاة الجماعة للمرأة كما للرجل، وذلك في حال صلاتها مع جماعة من النساء، وعند ذلك فإمامتها لهنَّ في الصلاة مستحبّة أيضًا فالنساء كما الرجال يستطعنَّ تحصيل ثواب صلاة الجماعة وإقامة صلاة الجماعة مع بعضهنّ ولوحدهنّ كما يقيمها الرجال لوحدهم،[١٨] وقد جاء جواز إمامة المرأة للنساء في الصلاة في رأي الجمهور من أهل العلم كالمذهب الشافعي والمذهب الحنفي والحنبلي وقول طائفة كبيرة من السلف على سبيل الإجماع، وذلك بدليل حديث أم ورقة بن نوفل -رضي الله عنها- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ يزُورُها في بيتِها، وجعلَ لها مؤذنًا كانَ يؤذنُ لها، وأمرَها أنْ تَؤُمَّ أهلَ دارِهَا"،[١٩] وقد ورد في الأثر أنّ السيدة عائشة -رضي الله عنها- أمّت مجموعة من النساء في صلاة المغرب وجهرت بالقراءة في الصلاة،[٢٠] كما لا يمكن أن تؤم امرأة الرجال في الصلاة على الإطلاق سواءً كانت صلاة نافلة أو فريضة والله أعلم.[٢١]


وجاء أيضًا في إمامة المرأة للصلاة أنّه من الجائز أن تصلي المرأة بالنساء ولكنّها لا تتقدمهنّ بل تقف في منتصف الصف الأول معهنّ في حال أمّت المرأة بمجموعة من النساء، أمّا إن أمّت المرأة بواحدة فقط من النساء فتقف المرأة المأمومة على يمين من تؤم بها، وهذا القول الراجح للعلماء في إمامة المرأة للنساء ولكن هناك من العلماء من منع ذلك فجاء في قول الإمام ابن قدامة في كتاب المغني: "اختلفت الرواية هل يستحب أن تصلي المرأة بالنساء جماعة، فروي أن ذلك مستحب، وممن روي عنه أن المرأة تؤم النساء: عائشة وأم سلمة وعطاء والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو ثور، وروي عن أحمد رحمه الله - أن ذلك غير مستحب، وكرهه أصحاب الرأي وإن فعلت أجزأهن. قال الشعبي والنخعي وقتادة لهنَّ ذلك في التطوع دون المكتوبة، وقال الحسن وسليمان بن يسار: لا تؤم في فريضة ولا نافلة، وقال مالك: لا ينبغي للمرأة أن تؤم أحداً"، كما جاء في قول الإمام ابن رشد في بداية المجتهد: "واختلفوا في إمامتها النساء، فأجاز ذلك الشافعي، ومنع ذلك مالك"، وبناءً على ذلك تكون إمامة المرأة لغيرها من النساء جائزة.[٢٢]

أذان المرأة وإقامتها للصلاة

في الحديث عن حكم أذان المرأة وإقامتها للصلاة فإنّ كان المراد من إقامتها لصلاة الرجال فهذا غير جائز بإجماع علماء الدين ومن غير خلاف، أمّا إن كانت إقامتها للصلاة مع النساء أو مع نفسها فهو مستحبّ ولا مانع منه، ولكن هناك منعه بعض أهل المذهب الحنفي، أمّا إن كانت الصلاة في حضور رجال أجانب فقد كُره رفع صوتها في الإقامة، وجاء في قول الدكتور عبد الكريم زيدان أنّه لم تفرض على النساء إقامة أو أذان وأنّه في قول ابن حزم الظاهري رحمه الله: "إن أذن وأقمن، فحسن، لأن الأذان ذكر الله تعالى، والإقامة كذلك، فهما في وقتهما فعل حسن، ورويناه عن عطاء قال: تقيم المرأة لنفسها، وقال طاووس: كانت عائشة تؤذن وتقيم"، وذلك على المذهب الحنبلي، وقد جاء في بعض آراء المذهب الشافعي أنّ الإقامة جائزة ولا بأس من تركها، أمّا في رأي المذهب المالكي فمن الحسن إقامة المرأة لصلاتها لنفسها، وقالوا بوجود فرق بين الإقامة والأذان وبأنّ الأذان لم يُطلب من المرأة وقد شُرع من أجل الإعلام بأنّ وقت الصلاة قد دخل أمّا الإقامة فهي مشروعة من أجل إعلام النفس بالاستعداد للصلاة، فبذلك فإنّ الأذان من اختصاص الرجال، أمّا الإقامة فهي مشروعة للنساء والرجال، وهذا قول الغالب من أهل العلم، إذ يستحب للمرأة الإقامة دون الأذان، فالأذان يحتاج لرفع الصوت أمّا الإقامة فلا تحتاج لذلك، وفي رأي الحنفية فيجب على النساء الصلاة بغير أذان أو إقامة، وجاء في قول الشيخ عطية صقر أحد أهم العلماء في الأزهر الشريف: "يكره للمرأة رفع صوتها بالأذان إذا سمعه رجل أجنبي، فإن كانت تؤذن لنساء فلا مانع بحيث لا يسمعه أجنبي، وكذلك لو أذنت لنفسها والله تعالى أعلم.[٢٣]


وقد جاء أيضًا أنّه يحرم للمرأة دعوة الناس للصلاة بالأذان واختلفت الأقوال في المذاهب الأربعة بين التحريم والكراهة، فقال الكاساني الحنفي: "فيكره أذان المرأة باتفاق الروايات؛ لأنها إن رفعت صوتها فقد ارتكبت معصية، وإن خفضت فقد تركت سنة الجهر"، وأمّا رأي المالكية فقد نقل صاحب مواهب الجليل عن صاحب الطراز: "أن ظاهر المذهب كراهة التأذين للمرأة، ونقل عن صاحب القوانين أن أذانهنَّ حرام، وعن ابن فرحون أن الأذان ممنوع في حقهن"، وفي الفواكة الدواني: "فأذانها بحضرة الرجال حرام، وقيل مكروه" وقول الشافعي في الأم: "ولا تؤذن امرأة، ولو أذنت لرجال لم يجز عنهم أذانها"، وقول الشافعي في المغني: "ولا يعتد بأذان المرأة؛ لأنها ليست ممن يشرع له الأذان"، وقد رُجح من الأقوال أن أذان المرأة حرام وذلك لما فيه من الفتنة، فقد جاء في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أضَرَّ علَى الرِّجالِ مِنَ النِّساءِ"،[٢٤] واختلف العلماء في حال أذنت المرأة فهل يصحّ أذانها، وهناك قولان في ذلك أولهما يقول بعدم صحة الأذان على المطلق وهم جمهور الشافعية والحنابلة والمالكية وثانيهما يقول بصحة الأذان على الكراهة وهو مذهب الأحناف، فعند الأخناف إذا ما أذنت المرأة يُستحبّ أن يُعاد الأذان، والراجح والصحيح أنّه لا يجب على المرأة أن تؤذن فتلك محدثة وبدعة وكل بدعة ضلالة، كما أنّ الأذان يحتاج إلى صوت مرتفع وقد نُهيت المرأة عن ذلك، والله تعالى أعلم.[٢٥]

هيئة جلوس المرأة في الصلاة

فصّل النبي -صلى الله عليه وسلم- في أفعال الصلاة وكيفيتها ولا فرق في التأسي بتلك الأفعال بين الرجل والمرأة إلا ببعض الهيئات المُستحبّة مثل الافتراش عند جلسة التشهد، وهناك خلاف على ذلك فقد ذكر بعض الفقهاء أنّه من المستحب للرجل أن يجافي أي يباعد بين بطنه وركبتيه وبين إبطيه ومرفقيه وبين رجليه في السجود وفي الركوع وذلك بخلاف المرأة حيث يستحب لها عكس ذلك وهو أن تضم في ذلك كلّه فهو أستر لها.


وجاء في قول النووي في المجموع في الفقه الشافعي: "قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْمُخْتَصَرِ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي عَمَلِ الصَّلَاةِ، إلَّا أَنَّ الْمَرْأَةَ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَضُمَّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ، وَأَنْ تُلْصِقَ بَطْنَهَا بِفَخِذَيْهَا فِي السُّجُودِ كَأَسْتَرِ مَا يَكُونُ، وَأُحِبُّ ذَلِكَ لَهَا فِي الرُّكُوعِ وَفِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ، وَأَنْ تُكَثِّفَ جِلْبَابَهَا وَتُجَافِيهِ رَاكِعَةً وَسَاجِدَةً لِئَلَّا تَصِفَهَا ثِيَابُهَا، وَأَنْ تَخْفِضَ صَوْتَهَا"، كما جاء في الإكليل والتاج في قول خليل في مختصر الفقه المالكي: "َمُجَافَاةُ رَجُلٍ فِيهِ بَطْنَهُ فَخِذَيْهِ وَمَرْفِقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ مِنْ فَضَائِلِ الصَّلَاةِ وَمُسْتَحَبَّاتهَا"، على ذلك فإنّه في مذهب الشافعية والمالكيّة لا فرق في الجلوس للتشهد بين المرأة والرجل، أمّا في مذهب الأحناف فإنّه على المرأة أن تتورك في جلوسها للتشهد على عكس الرجل، وعند الحنابلة فمذهبهم أن المرأة تُخيّر في الجلوس متربعة وفي سدل رجليها وجعلها على يمينها، وقد ورد في الموسوعة الفقهية: "وَأَمَّا هَيْئَةُ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ فَالِافْتِرَاشُ لِلرَّجُلِ، وَالتَّوَرُّكُ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى أَمْ الْأَخِيرَةِ . وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ هَيْئَةُ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ التَّوَرُّكُ . وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلْقُعُودِ هَيْئَةٌ لِلْإِجْزَاءِ، فَكَيْفَمَا قَعَدَ فِي جَلَسَاتِهِ أَجْزَأَهُ، لَكِنَّ السُّنَّةَ فِي جُلُوسِ آخِرِ الصَّلَاةِ التَّوَرُّكُ وَفِي أَثْنَائِهَا الِافْتِرَاشُ . وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّ هَيْئَةَ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُلِ هِيَ الِافْتِرَاشُ، وَفِي الثَّانِي التَّوَرُّكُ . وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي أَنْ تَجْلِسَ مُتَرَبِّعَةً، لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ يَأْمُرُ النِّسَاءَ أَنْ يَتَرَبَّعْنَ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ أَنْ تَسْدُلَ رِجْلَيْهَا فَتَجْعَلَهُمَا فِي جَانِبِ يَمِينِهَا، وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ السَّدْلَ أَفْضَلُ، لِأَنَّهُ غَالِبُ فِعْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها، وَلِأَنَّهُ أَشْبَهَ بِجِلْسَةِ الرَّجُلِ"، والله تعالى أعلم.[٢٦]


وجاء أيضًا أنّ صلاة المرأة كصلاة الرجل ولكن جعل علماء الدين الاستثناء للمرأة في جلوسها لأنّه أستر للنساء، فقال البعض بأنّها يمكن أن تتربع وقال البعض الآخر أنّها يمكن أن تسدل قدميها وذهب آخرون من أهل العلم أنّها يمكن أن تجلس كجلوس الرجل وقد جاء في قول ابن قدامة أيضًا: "الأصل أن يثبت في حق المرأة من أحكام الصلاة ما يثبت للرجال؛ لأن الخطاب يشملها, غير أنها خالفته في ترك التجافي لأنها عورة، فاستحب لها جمع نفسها ليكون أستر لها, فإنه لا يؤمن أن يبدو منها شيء حال التجافي، وكذلك في الافتراش"، والله تعالى أعلم.[٢٧]

صلاة المرأة مع زوجها

في الحديث عن صلاة المرأة مع زوجها فمن الجائز للزوج أن يؤم زوجته في الصلاة سواء كانت صلاةً مفروضة أو صلاة نافلة، والسنّة أن تقف خلفه في الصلاة لا أن تقف على يمينه أو يساره، فقد جاء في صحيح البخاري ومسلم عن أنس بن مالك أنّه قال: "صففتُ أنا واليتيمُ وراءَهُ والعجوزُ من ورائنا فصلَّى بنا ركعتينِ ثمَّ انصرفَ"،[٢٨] ويدل الحديث على أنّ النساء يجب تأخيرهن في الصلاة عن الرجال.[٢٩] وجاء ايضًا أنّه يجب على المرأة الوقوف دائمًا خلف الرجل في الصلاة سواءً كان من محارمها أو لم يكن، ومعلوم أنّه لا تجوز الصلاة بالمرأة التي من غير المحارم إذا ما كانت لوحدها، اللهم إلا إذا كان ذلك في المسجد بأن يدخل الإمام المسجد وفيه امرأة واحدة فلا بأس بالصلاة بها حتّى يجتمع الناس وذلك قد يحدث في قيام الليل في رمضان، أيّ أنّ موقف المرأة يكون خلف الرجل في الصلاة سواء أكان من محارمها كأن يكون زوجها أو كان من غير محارمها،[٣٠] وجاء عن الشيخ ابن باز -رحمه الله- أنّ صلاة الفريضة واجبة على الرجل مع إخوانه في بيوت الله، أمّا الصلوات النافلة كالضحى أو قيام الليل فلا بأس من أن يصليها الرجل مع أهل بيته أو زوجته، ولو فاته صلاة الفريضة في المسجد فلا بأس من صلاتها مع زوجته في البيت، ولا بدّ أيضًا من أن تصليّ خلفه سواءً أكان إمامًا أو مأمومًا بأحد من الرجال.[٣١]

صلاة الجنازة للمرأة

جاء عن الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى أنّ صلاة الجنازة مشروعة للنساء والرجال وقد تتم صلاة الجنازة في المسجد أو في البيت ولا بأس في ذلك، وذلك بدليل صلاة السيدة عائشة وجمع من النساء على الصحابي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أيّ أن صلاة الجنازة مشروعة للنساء ولكن نُهي عن ذهابها لزيارة القبور أو اتباعها للجنازة حتّى المقبرة، أمّا صلاة المرأة على الميت فلا حرج فيها سواءً في مصلى في المسجد أو في البيت،[٣٢] وقد جاء في حديث لأ عطية -رضي الله عنها- والحديث وارد في الصحيحين أنّها قالت: "نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، ولَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا"،[٣٣] والله تعالى أعلم،[٣٤] وقد ورد أيضًا أن ّ الصلاة على الميت هي فرض كفاية على المسلمين من النساء والرجال فإنّ أداها نفر من المسلمين سقطت عن البقيّة، ولا بدّ للمرأة أن تكون على دراية بكيفية تأديتها فربما كانت المرأة معتمرة في بيت الله الحرام وشهدت فيه الصلوات المفروضة جميعها، والتي غالبًا ما تكون متبوعة بصلاة الجنازة، وستحضرها المرأة، فصلاة الجنازة عبارة عن تكبيرة الإحرام ثم قراءة سورة الفاتحة بعدها ثم ثلاثة تكبيرات متتالية بعدها تُرفق بأدعية للميت وللنفس وللمسلمين والمسلمات.[٣٥]

صلاة الاستسقاء للمرأة

في الحديث عن صلاة الاستسقاء للمرأة، فمن المعلوم أنّ صلاة الاستسقاء تؤدّى في جماعة وقد اختلف الفقهاء في حكم صلاة الجماعة للنساء فكان قول الشافعية على الاستحباب، كما روي عن الإمام أحمد قولان بأنّها مستحبّة وغير مستحبّة، فإن قمن بها فلهنّ الأجر والجزاء، والراجح أنّ صلاة النساء في جماعات خاصّة دون الرجال جائز سواءٌ كانت هذه الصلاة فرضًا أو نافلة، إلّا ما كانت من الصلوات لها شرط الخطبة كصلاة الجمعة فلا تصحّ أن تصليها النساء بغير الرجال، وقد قال الفقهاء بأنّ صلاة الاستسقاء من السنن التي تصح لكل أحد نساءً ورجالًا وعلى ذلك فتستطيع النساء أن تصلين الاستسقاء لوحدهنّ أو خلف جماعة الرجال وقد جاء النص على ذلك في كتاب مطالب أولي النهى للحنابلة: "وتسن الجماعة لمقضية وكسوف واستسقاء وتروايح لعموم الأخبار، وتسن لعبيد وصبيان وخناثى تحصيلا للفضيلة، وتسن أيضا لنساء منفردات عن رجال في دورهن، لفعل عائشة وأم سلمة ذكره الدارقطني، وأمر صلى الله عليه وسلم أم ورقة بأن تجعل لها مؤذنا يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها، وسواء كان منهن إمامهن أو لا، لأنهن من أهل الفرض أشبهن الرجال"، والله تعالى أعلم.[٣٦]

صلاة المرأة بثياب الرجل

في الحديث عن حكم صلاة المرأة بثياب الرجل، فهو غير جائز شرعًا، ولا يمكنها أن تلبسه لقضاء أيّ حاجة من حوائجها، فهو من أبواب التشبه بالرجال المحرّمة، فعلى المرأة أن تقوم بجميع أعمالها بلباسها، فلا تقوم بأي عمل من أعمالها في لباس الرجال لا في صلاة ولا غيرها، فقد جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعَن رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الرَّجُلَ يلبَسُ لِبسةَ المرأةِ والمرأةَ تلبَسُ لِبسةَ الرَّجُلِ"،[٣٧] ولا بدّ من أن يكون لباسها للصلاة هو الحجاب الشرعي الذي فُرض على النساء، والله تعالى أعلم.[٣٨]

المراجع

  1. رواه ابن عساكر، في معجم الشيوخ، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:23، حديث صحيح.
  2. "الصلاة في الإسلام"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-07. بتصرّف.
  3. "صلاة (إسلام)"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-07. بتصرّف.
  4. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن بريدة بن الحصيب الأسلمي، الصفحة أو الرقم:2621، حديث صحيح.
  5. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2214، حديث صحيح.
  6. "حكم صلاة المرأة في المسجد "، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-07. بتصرّف.
  7. "حكم خروج المرأة للصلاة جماعة"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-07. بتصرّف.
  8. "كيفية قراءة المرأة في الصلاة الجهرية"، binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-07. بتصرّف.
  9. "حكم جهر المرأة بالقراءة في الصلاة الجهرية"، binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-07. بتصرّف.
  10. "صفة الصلاة"، www.aliftaa.jo، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-07. بتصرّف.
  11. "صلاة المرأة في الأماكن العامة"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-07. بتصرّف.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أم عطية نسيبة بنت كعب، الصفحة أو الرقم:324، حديث صحيح.
  13. "صلاة المرأة في حديقةٍ عموميَّة "، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-07. بتصرّف.
  14. "إذا صلَّت أمام الرجال فهل تصلي جالسة؟ وهل تجمع؟"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-07. بتصرّف.
  15. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمران بن الحصين، الصفحة أو الرقم:1117، حديث صحيح.
  16. سورة البقرة، آية:286
  17. "ما حكم صلاة المرأة وهي جالسة؟ "، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-07. بتصرّف.
  18. "إمامة المرأة للنساء في الصلاة"، www.dar-alifta.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-07. بتصرّف.
  19. رواه ابن القيم، في أعلام الموقعين، عن أم ورقة بنت عبدالله بن الحارث، الصفحة أو الرقم:274، حديث صحيح.
  20. "حُكمُ إمامةِ المرأةِ للنِّساءِ"، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-07. بتصرّف.
  21. "إمامة المرأة في الصلاة"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-07. بتصرّف.
  22. "حكم إمامة المرأة"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-15. بتصرّف.
  23. "إقامة المرأة الصلاة بصوت مرتفع"، fatwa.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-07. بتصرّف.
  24. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أسامة بن زيد، الصفحة أو الرقم:5096، حديث صحيح.
  25. "مذاهب الفقهاء في أذان المرأة"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-07. بتصرّف.
  26. "مذاهب الفقهاء في هيئة جلوس التشهد للرجل والمرأة"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-07. بتصرّف.
  27. "صفة جلوس المرأة في الصلاة"، www.ahlalhdeeth.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-07. بتصرّف.
  28. رواه ابن العربي، في عارضة الأحوذي، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:288، حديث صحيح.
  29. "أين تقف النساء إذا صلى الرجل إماما في أهل بيته؟"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-07. بتصرّف.
  30. "كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين "، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 28/02/2021. بتصرّف.
  31. "مكان الزوجة مع زوجها في الصلاة مؤتمة به"، binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-15. بتصرّف.
  32. "حكم صلاة المرأة على الجنازة"، binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-07. بتصرّف.
  33. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أم عطية نسيبة بنت كعب، الصفحة أو الرقم:1278، حديث صحيح.
  34. "هل المرأة ممنوعة من صلاة الجنازة؟"، binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-07. بتصرّف.
  35. "الصَّلاة على الميِّت (للنِّساء)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-07. بتصرّف.
  36. "حكم أداء النساء منفردات صلاة الاستسقاء جماعة "، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-07. بتصرّف.
  37. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:5751، حديث صحيح.
  38. "هل يجوز للمرأة أن تصلي بثوب الرجل؟"، binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-07. بتصرّف.
4328 مشاهدة
للأعلى للسفل
×