محتويات
ما يجب عند الطهارة من الحيض
يجب على المرأةِ المسلمة الاغتسال بعد الانتهاء من الحيض، والغُسل لايكون صحيحاً إلَّا بعد انقطاع الدّم؛[١] وذلك بخروجِ جميع الدّم الذي يكون في فترةِ الحيض من رحمِ المرأة،[٢] والغُسل واجبٌ وثابتٌ في القرآن الكريم في قول الله -تعالى-: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ)،[٣] ويتّضح من الآية الكريمة أنّه لا يجوز للرّجل أن يَطَأَ زوجته الحائض إلّا بعد شرطين هما: انقطاع الدّم، وهو المراد بقول الله في الآية: "حتّى يطهُرن"، ثمّ الاغتسال بعده؛ لقول الله -تعالى-: "فإذا تطهّرن"؛ أيّ اغتسلن.[٤]
ويُستدلّ أنّ الغسل واجبٌ بعد انقطاع دم الحيض؛ وِفقاً للقاعدة الفقهيّة: (ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجبٌ)، كما دلّت السّنّة النبوية على وجوب الغُسل، قال رسول الله -صّلى الله عليه وسلّم- للصّحابيّة التي سألت عن الحيض: (دَعِي الصّلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلّي)،[٥] والأمر في قوله "اغتسلي" يُفيد الوجوب، كما أنّ الاغتسال من الحيض ثابتٌ بإجماعِ جميع الفقهاء.[٤]
ما يحرم بالحيض ويجوز عند الطهر
هناك عدّة أمورٍ تحرُم على الحائض خلال فترة حيضها، وتجوز بعد طهرها، وبيانها فيما يأتي:
- أمور متّفق على حرمتها: وهي فيما يأتي:
- الصلاة: إنّ ممّا لا خلاف فيه أنّ المرأة الحائض لا تُصلّي طيلة فترة حيضها، ولا يلزمها قضاء الصّلوات الفائتة في زمنِ الحيض،[٦] قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لفاطمة بنت أبي جُحيش: (إذا كان دمُ الحيضةِ فإنه أسودُ يعرفُ فإذا كان ذلك فأمسِكي عنِ الصلاةِ).[٧][٨]
- الصّوم: أجمع الفقهاء أنّ الحائضَ لا تصوم في فترةِ حيضها، سواء كان صيام فريضة؛ كصيام شهر رمضان، أو صيام نافلة، لكنّها تقضي الأيام التي فاتتها من صيامِ الفريضة بعد أن تَطهُر، حتّى ولو لم تغتسل، على عكس الصّلاة؛ لأنّ الصّلوات الفائتة في فترة الحيض كثيرة، وقضاؤها جميعها مدعاةٌ للمشقّة والتّعب.[٩]
- الطّواف: يَحرُم على الحائض الطّواف ببيتِ الله الحرام، سواءً للحجّ أو العمرة أو للتّطوع؛[٦] وذلك لأنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أَذِنَ لعائشة أمّ المؤمنين عندما حاضت في الحجّ أن تقومَ بكلّ أعمال الحجّ إلّا الطّواف.[١٠]
- الجِماع: يعدّ الجماع في فترةِ الحيض من الأمور المتّفق على حرمتها، فيَحرُم على الزّوجين في فترة الحيض الوطء المُباشر، أو الاستمتاع بأيّ شكلٍ ما بين السرّة والرّكبة، فعن عبد الله بن سعد الأنصاري -رضيَ الله عنه- أنَّه سأل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: ما يحلُّ لي من امرأتي وهي حائضُ؟ فقال -عليه السلام-: (لَكَ مَا فّوقَ الإِزَارِ)،[١١] والإزار هو الثوب الذي يستر وسط الجسم وما دون، ويكون غالباً ما بين السرة إلى الركبة.[١٢]
- مسّ المصحف: ذهب الفقهاء إلى أنّ الحائض لا يجوز لها لمس المصحف؛ لقول الله -تعالى-: (لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ).[١٣][٦]
- المكث في المسجد: ذهب الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعية والحنابلة إلى حرمة دخول الحائض إلى المسجد، مستدلّين على ذلك بأنّ الله -تعالى- منع الجُنب من الاقتراب من الصّلاة، والحائض يُلحق حكهما بحكم الجُنب، كما أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- منع الحائض من الطّواف ببيت الله الحرام كما أسلفنا، مما يدلّ على أنّه منعها من دخول المسجد بشكلٍ عام، لكن أجاز ابن حزم الظّاهري للحائضِ أن تدخل المسجد، بدليل أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أذِنَ للمرأة السّوداء أن تُنظّف المسجد وتخدمه، وهي كسائر النّساء تحيض في كلّ شهر.[١٤][١٥]
- أمّا إن اضطرّت الحائض المرور من المسجدِ دون الجلوس فيه فيجوز لها ذلك، شريطة أن تتأكّد من عدم تلويثه من مرورها.[١٦] إذ إنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال لزوجته عائشة -رضيَ الله عنها-: (ناوِلِينِي الخُمْرَةَ مِنَ المَسْجِدِ، قالَتْ فَقُلتُ: إنِّي حائِضٌ، فقالَ: إنَّ حَيْضَتَكِ ليسَتْ في يَدِكِ)،[١٧][١٨] والمقصود بالخُمرة هي السّجّادة أو الحصيرة التي يسجد عليها المُصلّي،[١٠] فاستدلّ الفقهاء من هذا الحديث على أنّه يجوز للحائض العبور في المسجد لتناول شيءٍ أو لحاجةٍ ما، بشرط التأكّد من خلوّ جسدها من النّجاسة، أمّا الجلوس فيه والمكث لوقت فهو من الأمور المحرّمة عليها.[١٩]
- ما اختُلف فيه مما يحرم على الحائض و يجوز عند الطهر: تعدّدت آراء الفقهاء في حكم قراءة القرآن الكريم للحائض، فذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشافعيّة والحنابلة إلى أنّ قراءة القرآن الكريم للمرأةِ الحائض مُحرّمة،[٢٠][٢١] مستدلّين بقول النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا تقرأُ الحائضُ ولا الجُنبُ شيئًا مِنَ القرآنِ)،[٢٢][٢١] بينما أجاز المالكيّة للحائضِ أن تقرأ القرآن الكريم.[٢٣]
معنى الطهارة من الحيض وعلاماتها
أصلُ الطّهر يعني النظّافة والنّقاء من النّجاسات،[٢٤] والطّهارة من الحيض: هي ارتفاع وزوال النّجاسة عن المرأةِ الحائض، ويُسمّى الحيض حدثاً أكبر، ويوجب الغُسل.[٢٥]
وتوجد العديد من العلامات التي يُعرف بها الطّهر للحائض، وهي:
- العلامة الأولى: انقطاع دم الحيض، فإذا انقطع الدّم عن المرأة تماماً وتأكدّت من الجفاف، فهذا يُعدّ طُهراً عند جمهور الفقهاء؛ وذلك لأنّ الله -تعالى- ذكر في آية الحيض: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ)،[٣] فوَصَف المَحيض بأنّه أذى، ويدلّ على أنّ زوال هذا الأذى عن المرأة يعني زوال الحيض قوله -تعالى-: "حتّى يطهرن"، أي بمجرد انقطاع الدّم عنها تكون طاهرة، دون أن تَنتظر نزول علامة أخرى.[٢٦]
- العلامة الثّانية: رؤية القَصَّة البيضاء عند مَن تعتاد على رؤيتها، أيّ أنّ من النّساء مَن اعتادت أن ينزل منها بعد انتهائها من الحيض ما يُسمّى بالقَصّة البيضاء، وهي: ماءٌ سائلٌ أبيض، يَخرج من مكان الحيض، وتعرفه المرأة، فقد كانت نساء الصّحابة يسألن السّيدة عائشة أمّ المؤمنين -رضيَ الله عنها- عن الطّهر فتُجيب: (لا تَعْجَلْنَ حتى تَرَيْنَ القَصَّةَ البيضاءَ)،[٢٧][٢٤] وعليه فإنّ من ترى هذا السّائل في آخر أيام حيضها تكون قد طهُرت، أمّا من لا تراه فيكون طهرها عند انقطاع الدم والجفاف المطلق، وتتأكّد من ذلك بوضع قطنة أو نحوه في مكان الحيض، فإن خرجت نظيفة، فتكون علامة طُهر.[٢٨]
المراجع
- ↑ كوكب عبيد (1986م)، فقه العبادات على المذهب المالكي (الطبعة الأولى)، دمشق: مطبعة الإنشاء، صفحة 82. بتصرّف.
- ↑ أبو المعالي الجويني (2007م)، نهاية المطلب في دراية المذهب (الطبعة الأولى)، دار المنهاج، صفحة 148، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب سورة البقرة، آية: 222.
- ^ أ ب دبيان الدبيان (2005م)، موسوعة أحكام الطهارة (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الرشد، صفحة 325-326، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 325، صحيح.
- ^ أ ب ت محمد السرخسي (1993م)، المبسوط، بيروت : دار المعرفة، صفحة 152، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ رواه شعيب الأرناووط، في تخريج شرح السنة، عن فاطمة بنت أبي حبيش، الصفحة أو الرقم: 2/143، إسناده حسن.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (1992م)، الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار القلم، صفحة 79، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (1992م)، الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار القلم، صفحة 81، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين (1992م)، الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار القلم، صفحة 80، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبد الله بن سعد الأنصاري، الصفحة أو الرقم: 212، سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح].
- ↑ مجموعة من المؤلفين (1992م)، الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار القلم، صفحة 81، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة الواقعة، آية: 79.
- ↑ محمد عبد الغفار، تيسير أحكام الحيض، صفحة 1-4، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ "المُكث في المسجد، والمرورُ منه"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-3-2021. بتصرّف.
- ↑ عبد المحسن العباد، شرح سنن أبي داود للعباد، صفحة 34، جزء 119.بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 298، صحيح.
- ↑ نور الدين الهيثمي (2001م)، غاية المقصد فى زوائد المسند (الطبعة الاولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 163، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ شريف مراد، إرشاد العابد، صفحة 16. بتصرّف.
- ↑ محمد ساعي (2007م)، موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي (الطبعة الثانية)، مصر: دار السلام، صفحة 108، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب دبيان الدبيان (2005م)، موسوعة أحكام الطهارة (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الرشد، صفحة 47-49، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 131، لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 35، جزء 33. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد المختار الشنقيطي (2007م)، شرح زاد المستقنع (الطبعة الأولى)، الرياض: الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، صفحة 394. بتصرّف.
- ↑ مجلة البحوث الإسلامية، مجلة البحوث الإسلامية، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، صفحة 164، جزء 55. بتصرّف.
- ↑ دبيان الدبيان (2005م)، موسوعة أحكام الطهارة (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الرشد، صفحة 37-39، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في إرواء الغليل، عن أم علقمة بن أبي علقمة، الصفحة أو الرقم: 198، صحيح.
- ↑ محمد التويجري (2009م)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، بيت الأفكار الدولية، صفحة 376، جزء 2. بتصرّف.