أركان العقد في القانون المدني

كتابة:
أركان العقد في القانون المدني

أركان العقد في القانون المدني

هل تختلف أركان العقد في التشريعات المدنية للدول العربية عامّة؟

العقد هو عبارة عن اتحاد إرادتين اتحادًا يظهر أثره في المعقود عليه، وعليه لابد لانعقاده من توافر تراضي الطرفين، كما ويجب أن ينصب هذا التراضي على محل قابل لترتيب أثر العقد عليه، وبالتالي فإن التراضي تعبيرًا عن إرادة أطراف العقد، وهذه الإرادة لا تصدر إلا عن إنسان عاقل ومدرك، وأخيرًا لابد من أن تتجه هذه الإرادة إلى إحداث أمر معين ومحدد بذاته.[١] ولهذا فإن أركان العقد في القانون هي: "التراضي، وهو الإرادة"، "والسبب، وهو الغاية المشروعة للعقد"، "والمحل، وهو ما يحدده طرفي العقد، والذي يجب أن يكون مستوفيًا لجميع الشروط المنصوص عليها في القانون".[٢]


وعليه فإن هذه الأركان الثلاثة التي ينعقد بها العقد قانونًا، كانت محل اختلاف على مستوى فقهاء القانون المدني، أما على مستوى التشريعات المدنية فهي من حيث الأساس كانت واحدة، ولكن يختلف كل قانون عن آخر في بعض الجزيئات البسيطة.

التراضي

يعد ركن الرضا في العقد الركن الأول من أركانه، ويتوافر التراضي متى ما توافرت إرادتين متوافقتين، فإذا كان وجود هاتين الإرادتين يكفي لنشوء العقد، فإنه لا يكفي لصحته، بل لكي يكون العقد صحيحًا لابد من أن يكون رضا كل من المتعاقدين صحيحًا لا تشوبه أي شائبة.[٣]


وعليه فالتراضي هو: "تطابق إرادتي الإيجاب والقبول من أجل إحداث أثر قانوني، سواء كان هذا الأثر إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهائه"، لذلك يعد التراضي الأساس الذي يقوم عليه العقد، وعليه يجب أن تصدر هذه الإرادة من شخص حائزًا للأهلية، ولا يعتد القانون بتصرفات بعض الأشخاص، إذ ما شاب تصرفاتهم عيب منعيوب الرضا، كما هو الحال بالطفل غير المميز أو المجنون، كما ولا يعتد بالإرادة التي لا تتجه إلى إحداث أثر قانوني محدد.[٤]

وجود التراضي

التراضي لغة: "اتحاد إرادتين أو أكثر على أمر معين"، وقانونًا: "اتحاد إرادتين أو أكثر على أحداث أثر قانوني معين"، لذلك يجب لوجود التراضي أن توجد الإرادة، وهذه الإرادة تكون متجهة إلى إحداث أثر قانوني محدد، كما ويجب أن تكون هنالك إرادة أخرى مطابقة لها بحيث يحصل التوافق بينهما، حتى ينشأ العقد صحيحًا قانونًا، وقد لا يصل المتعاقدان إلى مرحلة العقد النهائي إلا بعد المرور بمرحلة تمهديه هي مرحلة الاتفاق الابتدائي، أو العربون، كما وقد ينعقد العقد بإرادة صادرة عنالنائب في التعاقد عن المتعاقد الأصيل، وهو ما نصت عليه المادة 1/99 من القانون المدني الأردني لعام 1976.[١]

صحة التراضي

يلاحظ أن وجود التراضي لا يكفي لتكوين العقد، بل لابد من صحة هذا التراضي، لكي ينعقد العقد صحيحصا، أن يكون صادرًا من شخصين يتمتعان بالأهلية اللازمة للتعاقد، وأن يكون رضا كل منهما سليمًا، أي خاليًا من العيوب التي من الممكن أن تشوب الرضا في بعض الحالات.[٣]


لقراءة المزيد عن هذا الركن، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: ما هي عيوب الرضا في القانون.

المحل

وهو الركن الثاني من أركان العقد، ومحل العقد هو:"عبارة عن الإداء الذي يجب على المدين أن يقوم به لمصلحة الدائن"، والمحل إما أن يكون نقل حق عيني، أو القيام بعمل، أو الامتناع عن القيام بعمل ما، ولكل التزام محل أيا كان مصدره، فمحل عقد البيع على سبيل المثال: التزام البائع بنقل ملكية الشي المباع، ومحل التزام المشتري هو دفع الثمن، ويشترط في المحل أن تتوافر فيه ثلاثة شروط هي:[١]

المحل موجود أو ممكن

لما كان محل الالتزام نقل حق عيني أو القيام بعمل يتعلق بشيء معين، فإنه في هذه الحالة إذا كان محل الالتزام نقل حق عيني؛ كنقل ملكية شيء معين، أو القيام بعمل يتعلق بشيء معين؛ كالتزام المؤجر من تمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، فيجب في هذه الحالة أن يكون موضوع الحق، والذي تم التعاقد عليه موجودًا وقت إبرام العقد، فإذا لم يكن موجود فيعتبر العقد باطلًا، وإذا كان الشيء موجود وقت التعاقد، ولكنه هلك بعد إبرام العقد فإننا نكون أمام استحالة تنفيذ للعقد.[١]

المحل معين أو قابل للتعيين

إذا كان محل الالتزام نقل حق عيني فهنا يجب التميز بين الأشياء القيمية والأشياء المثلية، فإذا كان محل الالتزام من الأشياء القيميات، فيجب أن تكون معينة تعيينًا كافيًا، كما لو أن محل الالتزام بيع أرض للغير فيجب هنا أن تٌعين هذه الأرض بالموقع والمساحة والحدود على وجه لا لبس فيه، إما إذا كان محل الالتزام من المثليات"المقدرات" فيجب أن يتم تعين نوعها ومقدارها كبيع طن واحد من الحنطة الوطنية.[١]

المحل قابل للتعامل فيه

لا بد من أن يكون محل العقد من الأشياء القابلة للتعامل فيها أي مشروعة، والأصل إن جميع الأشياء صالحة لأن تكون محل للحقوق المالية، إن لم تخرج من التعامل بطبيعتها أو بحكم القانون، فالأشياء التي تخرج عن التعامل بطبيعتها مثل ماء البحار والهواء وأشعة الشمس، لا يمكن تملكها أو نقل ملكيتها، إلا في حالة حصرها وإفرازها ووفق الشروط التي ينص عليها القانون، وإلا جاز الطعن بالعقد لعدم مشروعية محل العقد.[١]


إما فيما يتعلق بالأشياء التي تخرج عن دائرة التعامل بحكم القانون، مثل الأملاك العامة، فلا يجوز التصرف فيها بالبيع أو بالتقادم، أو بأي تصرف قانوني آخر، وكذلك الاتجار بالبشر والمخدرات والنقود المزيفة والأسلحة غير المرخصة، أو بكل ما يخالف النظام العام والآداب العامة، فمثل هذه الأشياء تعد من قبيل مبطلات العقد لأنها بالأصل أشياء لا يجوز التعامل بها.[١]

السبب

وهو الركن الثالث من أركان العقد، وهو وثيق الصلة بالإرادة لذا لا يتصور أن تتحرك الإرادة دون أن يكون هنالك سببًا ما، وعليه فالسبب هو: "الواقعة القانونية التي أنشأت الالتزام"، ويترتب على عدم مشروعية السبب بطلان العقد، كبطلان عقد الإيجار لعدم مشروعية السبب الذي بُني عليه هذا العقد، كأن يكون الهدف من الاستئجار ممارسة أعمال منافية للآداب العامة، وهو ما نصت عليه المادة 166/1 من القانون المدني الأردني لعام 1976، والتي جاء فيها" لا يصح العقد إذا لم تكن فيه منفعة مشروعة لعاقديه".[٢].

أنواع السبب

يميز الفقه القانوني بين نوعين من أنواع السبب:[٣]

  • السبب القصدي: وهو: "الغرض المباشر المجرد الذي يقصد الملتزم الوصول إليه من وراء التزامه"، فعلى سبيل المثال: في عقد البيع يكون السبب العقدي للبائع هو الحصول على الثمن، في حين يكون السبب العقدي للمشتري هو الحصول على المبيع، لذلك فالسبب وفقًا لهذا الاتجاه عنصر موضوعي يتم البحث عنه داخل العقد نفسه.
  • الباعث إلى التعاقد: وهو: "الغرض البعيد أو الغاية البعيدة التي أراد المتعاقد تحقيقها من وراء التزامه"، فعلى سبيل المثال: في عقد البيع السبب الذي يدفع البائع للتعاقد هو إنفاق الثمن لأغراض معيشته، أو في الدراسة أو في التعليم، والباعث الدافع للمشتري يكون الحصول على المبيع لغرض التجارة أو لغرض السكن، أو لأي سبب آخر.

نظرية السبب في القانون الحديث

وهي النظرية التي سعى القضاء إلى وضعها، والتي تقوم على أساس الأخذ بفكرة الباعث الدافع للتعاقد، واشترطت هذه النظرية آمرين مهمين فيما يتعلق بسبب العقد في القانون، وهما: [٥]

  • أن يكون الباعث لإبرام العقد عند طرفي العقد مشروعًا وإلا كان التصرف باطلًا.
  • لما كان الباعث أمر  شَخْصِيًّا خارج عن نطاق العقد ويصعب في كثير من الأحيان الوصول إليه بشكل دقيق، لذلك أشترط القضاء أن يكون الطرف الآخر الذي لم يقم لديه الباعث غير المشروع أنه كان على علم به، أو كان من السهل عليه التثبت من الباعث غير المشروع لدى الطرف الآخر، وذلك رغبة من القضاء في استقرار المعاملات بين الناس.

مثال على هذه الحالة: إذا ما اقترض شخص ما مبلغ من المال من شخص آخر، وذلك لشراء منزل بهدف أقامت مشروع منافي للأخلاق، فالباعث لدى "المقترض" هنا بالأصل غير مشروع، ومع ذلك يعد عقدالقرض صحيحًا، إذا كان الطرف الآخر"المقرض" يجهل هذا الباعث، وعلى العكس يعد باطلًا إذا كان "المقرض" يعلم به أو كان من السهل عليه معرفته.[١]

إثبات السبب

إذا ذكر السبب في العقد أعتبر أنه هو السبب الحقيقي، حتى يقوم الدليل على عكس ذلك، إما في حالة لم يذكر السبب في العقد يفترض القانون وجوده حكمًا، والقرينة هنا بسيطة وقابلة لإثبات العكس، كما ويجوز إثبات العكس بكافة طرق الإثبات التي نص عليهاالقانون، كالبينة والقرائن، لأن إخفاء عدم المشروعية في العقد الذي تم إبرامه، غش يجوز إثباته بجميع الطرق الإثبات المنصوص عليها في القانون.[١]

البطلان

لما كان للعقد ثلاثة أركان:" الرضا والمحل والسبب"، وكما أسلفنا سابقًا، فإنه إذا ما انعدم أي ركن من هذه الأركان أو أختل فإن القانون يقرر جزاء لهذه الحالة يطلق عليه البطلان، الذي يعد بمثابة الوسيلة الأكثر فعالية بيد قاضي المحكمة المختصة لكي يتمكن من الحكمببطلان العقد، بعد أن يثبت لديه وبالدليل القاطع الإخلال بشروط العقد المنصوص عليها في القانون.[٦]، وحقيقة يفرق القانون بين نوعين من البطلان للعقود القانونية، وعلى النحو الآتي:

العقد الباطل بطلانًا مطلقًا

هو العقد الذي لا يصح أصلًا باعتبار ذاته أو بوصف من أوصافه، إذا ما لحقه خلل في ركن من أركانه كسقوط الإيجاب أو صدور الإيجاب والقبول ممن ليس أهلًا للتعاقد، أو أن المحل غير قابل لحكم العقد أو أن سبب العقد غير مشروع، وتجدر الإشارة هنا إلى أنه عقد لا تلحقه الإجازة أي التصحيح لأنه عقدًا معيبًا.[١]

العقد الباطل بطلان نسبي

العقد الباطل بطلان نسبي يمر بمرحلتين: المرحلة الأولى: قبل أن يتقرر مصيره النهائي سواء بالأبطال أو الإجازة، وهنا حكمه حكم العقد الصحيح، فيكون منتج لآثاره القانونية، أما المرحلة الثانية: أي بعد أن يتقرر مصيره، فإذا ما تمت أجازته فيعد عقدًا صحيحًا ومنتج لجميع آثاره، وإذا تم أبطاله فتزول جميع آثاره، وبأثر رجعي فيعد عقدًا باطلًا من الأساس.[٧]


وعليه فإن أركان العقد في القانون هي ثلاثة أركان التراضي والمحل والسبب، بوجدها جميعًا يصبح العقد صحيحًا ومنتجًا لجميع آثاره القانونية، وعلى العكس من ذلك تخلف ركن من هذه الأركان يجعل من العقد باطلًا، ويمكن الطعن بعدم صحته أمام المحكمة المختصة، وتضيف بعض التشريعات المدنية كالقانون المدني الفرنسي ركنًا رابعًا للعقد هو الشكل وخاصة في العقود الشكلية.

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر حسن علي الذنون (1970)، شرح القانون المدني اصول الالتزام، بغداد:مطبعة المعارف، صفحة 34. بتصرّف.
  2. ^ أ ب عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني نظرية الالتزام بوجه عام، بيروت:دار إحياء التراث العربي، صفحة 170. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت عبد المجيد الحكيم و عبد الباقي البكري ومحمد طه البشير (1980)، الوجيز في نظرية الالتزام في القانون المدني العراقي، بغداد:وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، صفحة 31، جزء 1. بتصرّف.
  4. أنور سلطان (1998)، الموجز في النظرية العامة للالتزام (الطبعة 1)، الإسكندرية:دار المطبوعات الجامعية، صفحة 57. بتصرّف.
  5. عبد الباسط جاسم محمد، المفيد في شرح القانون المدني العراقي، العراق:كلية القانون جامعة الانبار، صفحة 5. بتصرّف.
  6. علي فيلالي (2007)، الالتزامات النظرية العامة للعقد (الطبعة 2)، الجزائر:موفم للنشر والتوزيع، صفحة 250. بتصرّف.
  7. سامي عدنان (2013)، نظرية العقد لدى الشيخ مصطفى الزرقا دراسة فقهية مقارنة، فلسطين:جامعة الازهر غزة، صفحة 83. بتصرّف.
24525 مشاهدة
للأعلى للسفل
×