القلوب بين يدي الله
الله يأبى أن تكون أفعال المرء إلّا وفق إرادته جلَّ وعلا، فقد يحول الله بين المسلم والكفر، كما أنّه ربما يمنع الكافر عن الإيمان، وكلّ ذلك لحكمةٍ أرادها الله، وقد يتردد المسلم بين الطاعة والمعصية؛ فالقلوب بين يدي الرحمن يُقلبهما كيف يشاء، ويُعزز ذلك ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص أنّه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: {إنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِن أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ، ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا علَى طَاعَتِكَ}،[١] وفي هذه المقالة سيتم الحديث حول أسباب قسوة القلب وبعده عن الطاعة وغير ذلك مما يتعلق بأسباب قسوة القلب.[٢]
أسباب قسوة القلب
ذكر العلماء العديد من الأمور التي تظهر من خلالها أسباب قسوة القلب، وقد اختصرها الإمام ابن القيم بقوله: "مفسدات القلب خمسة: كثرة الخلطة، وركوب بحر التمني، والتعلق بغير الله، وكثرة الطعام، وكثرة النوم"، وفيما يأتي بيان بعض أسباب قسوة القلب:[٣]
- الإكثار من فعل المعاصي وانتهاك حرمات الله: فإنّ المعصية تتبعها المعصية حتى يبدأ المرء لا يُبالي بعصيانه، فيضعف تعظيم الله في قلبه، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ العبدَ إذا أخطأَ خطيئةً نُكِتت في قلبِهِ نُكْتةٌ سوداءُ، فإذا هوَ نزعَ واستَغفرَ وتابَ سُقِلَ قلبُهُ، وإن عادَ زيدَ فيها حتَّى تعلوَ قلبَهُ، وَهوَ الرَّانُ الَّذي ذَكَرَ اللَّه: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}".[٤]
- الغفلة: فمن يصل إلى مرحلة الغفلة؛ انغلقت عليه أبواب الهداية، وقسى قلبه، ولم تنفعه الموعظة، حيث قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}.[٥]
- الانشغال بالدنيا وملذاتها والتعلُّق بها: حيث قال الإمام الجيلاني: "القلبُ يصدأ، فإن تداركه صاحبه بما وصف النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا انتقل إلى السواد؛ يسودُّ لبُعْده عن النور، يسودُّ لحبه الدنيا والتحويز عليها مِن غير ورع؛ لأنه من تمكَّن مِن قلبه حبُّ الدنيا، زال وَرَعُه، وزال حياؤه من ربه عز وجل".
- عدم ذكر الموت ونسيانه: ونسيان أهوال ما يأتي بعده في القبر.
علاج قسوة القلب
ينبغي على المسلم أن يتجنًّب الوصول إلى مرحلة الغفلة، وذلك من خلال معرفة أسباب قسوة القلب والبعد عنها كما جرى بيانه في الفقرة السابقة، فإن وصل إلى تلك المرحلة من قسوة القلب؛ فينبغي عليه القيام بعدة أمور لعلاج ما أصابه من قسوة القلب، وفيما يأتي بيان ذلك:[٦]
- ذكر الله والمداومة على الاستغفار، حيث قال تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.[٧]
- أن يطلب العبد من الله الهداية، فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو قائلًا: "اللَّهُمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي".[٨]
- المداومة على فعل الفرائض وإتمامها في وقتها، حيث قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ}.[٩]
- أن يتحرى العبد في مطعمه ومشربه الحلال ويؤدي الأمانة إلى أهلها.
- الإكثار من فعل النوافل لقول الله -تعالى- في الحديث القدسي: "وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ".[١٠]
- الإحسان إلى العباد.
- ذكر الموت وزيارة المقابر.
- المداومة على حضور مجالس العلم ومجالس الذكر وسماع المواعظ لما لها من أثرٍ في خشوع القلب.
- الإكثار من الاستغفار والتوبة والرجوع عن الذنب وعدم الإصرار عليها.
- مطالعة سير العلماء ومصاحبة أهل الصلاح والتُّقى.
- الزهد فيما يرى من زينة الدنيا والتأمل في تغير أحوالها في مقابل ما عند الله من النعيم.
- عيادة المرضى ومن به آفةٌ جسدية، ومتابعة أحوال الموتى في فترة احتضارهم.
المراجع
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 2654، حديث صحيح.
- ↑ "الله تعالى يقلب القلوب كيف يشاء"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-2-2020. بتصرّف.
- ↑ "قسوة القلب مظاهرة أسبابة وعلاجة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-2-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 3334، حديث حسن.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 179.
- ↑ "علاج قسوة القلب"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-2-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة الرعد، آية: 28.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 2725، حديث صحيح.
- ↑ سورة العنكبوت، آية: 45.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 6502 ، حديث صحيح.