أسباب قلة الرزق وكثرة الديون

كتابة:
أسباب قلة الرزق وكثرة الديون

التواكل وعدم الأخذ بالأسباب

المسلم مأمور بالتوكل على الله تعالى في كل أموره، ولكن بعض الناس عندهم مفهوم سلبي عن ذلك وهو التواكل، أي ترك الأمور إلى الله تعالى من غير أخذٍ بالأسباب، وهذا المفهوم ينافي ما أمرَ الله به عباده من العمل وبذل الجهد والكد في سبيل تحصيل الرزق، وقد عمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على تصحيح هذا المفهوم، كما جاء في حديث عمر بن الخطاب أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو أنّكمْ تتَوكّلونَ على اللهِ حقَّ تَوَكُّلِهِ لرَزَقَكُم كَما يَرزقُ الطيرَ تَغدُو خِماصًا وتروحُ بِطانا"،[١] فالتوكُّل على الله لا ينافي العمل والجهد والأخذ بالأسباب, فمن أراد الرزق الحلال الوفير فعليه بالعمل والجهد.[٢]


عدم التخطيط الكافي للكسب الصحيح

أمر الإسلام كلَّ مسلم أن يأخذ بالأسباب الماديَّة لكسب الرزق ويخطط لها أفضل تخطيط، ومن ذلك أن يختار الإنسان العمل المناسب له ويخطِّط بشكل كافٍ ومناسب لعمله، فلا يمكن للإنسان أن ينجح في عمل لا يحبُّه أو غير مناسب له، وقد مرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بشاب عاطل عن العمل لا يجد عملًا مناسبًا له، فقال له -صلى الله عليه وسلم- مؤدبًا ومعلمًا: "لأن يَحتطبَ أَحَدُكمْ حُزمةً على ظَهرهِ, خيرٌ لهُ منْ أنْ يَسألَ أحداً فيُعطِيَه أو يَمنعه"،[٣] فهذا الشاب لم يتقن اختيار ما يناسبه فعلَّمه النبي -صلَّى الله عليه وسلم- كيف يبذل جهده في شيء يستطيعه ليكسب رزقه.[٤]


الذنوب والمعاصي

إن من أكبر أسباب منع الرزق والبركة فيه ارتكاب الذنوب والمعاصي، فالله تعالى يبتلي من عصاه ليعود إليه، وقد قال الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ[٥] فالمعاصي التي هي من كسب الإنسان سبب في فساد الحال ومنه ضيق الرزق، وقد قال العباس بن المطلب: "ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة"، فالله تعالى يبتلي عباده ليردَّهم إليه، وقد قال الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ* وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ}،[٦] فالذنوب سبب من أسباب حجب الرزق، وفي الحديث: "إنَّ الرجلَ ليُحرمُ الرِّزقَ بالذنبِ يُصيبُهُ".[٧][٨]


أكل الربا

إنَّ أكل الربا من أسباب ضيق الرزق، وهو من السبع الكبائر كما ورد عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ وما هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، والسِّحْرُ، وقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحَقِّ، وأَكْلُ الرِّبا، وأَكْلُ مالِ اليَتِيمِ، والتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وقَذْفُ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ الغافِلاتِ"،[٩] وإنَّ الربا يذهب البركة في الرزق كما قال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ[١٠]فالله تعالى قد توعَّد من أكل الربا بالحرب وبأنَّه سيمحق رزقه ويذهِب البركة منه.[١١]


ترك الفرائض

أمر الله عز وجل عباده بطاعته وافترض عليهم عبادات وأعمال وطلب منهم الامتثال لأوامره، مثل الصلوات الخمس وصيام رمضان وزكاة المال وبر الوالدين، ومن لا يلتزم بالعبادات التي شرعها الله فإنَّ الله تعالى يمنع عنه الخير والرزق جراء ذلك، قال تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوفَ يَلقَونَ غَيًّا* إِلّا مَن تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحًا فَأُولـئِكَ يَدخُلونَ الجَنَّةَ وَلا يُظلَمونَ شَيئًا}،[١٢] وطاعة الله -عزَّ وجل- واتباع أمره سبب من أسباب البركة في الرزق، فكيف يطلب الرزق من لا يطيع أوامر الله تعالى.[١٣]


أكل حقوق الآخرين

نهى الله تعالى عن أكل حقوق الناس وأخذها ظلمًا، وتوعَّد من يأكل أموال الناس بعذاب شديد في الدنيا والآخرة, قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا* وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرًا}،[١٤] فالمؤمن لا يأكل أموال الناس، ومن يفعل ذلك لا بدَّ له من عقاب في الدنيا قبل الآخرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن أخَذَ أمْوالَ النَّاسِ يُرِيدُ أداءَها أدَّى اللَّهُ عنْه، ومَن أخَذَ يُرِيدُ إتْلافَها أتْلَفَهُ اللَّهُ".[١٥][١٦]


الحسد وبغض الآخرين

إن الحسد من الآفات التي حذر منها الإسلام لتفشيه بين الأقران ولما يحدثه بين الأصحاب والإخوة من إفساد وضغينة، فيحدث شرخًا في العلاقات وبغضًا كبيرًا وينزع البركة من الأرزاق، فيضيق صدر الحاسد عندما يرى نعمة عند غيره فلا يتمنَّى له الخير، ولا تجد المؤمن حاسدًا كما روى أنس بن مالك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كاد الحسدُ أن يسبِقَ القدرُ وكادَتِ الحاجةُ أن تكونَ كفرًا[١٧]وقد روي عن معاوية بن أبي سفيان أنه قال: "كل الناس أستطيع أن أرضيه إلا حاسد نعمة فإنه لا يرضيه إلا زوالها".[١٧][١٨]


عدم تأدية زكاة المال المفروضة

إنَّ المال الذي آتاه الله تعالى للإنسان وديعة وأمانة سيردُّها المسلم إلى صاحبها الحقيقي وهو خالق الكون، وقد فرض الله تعالى على من امتلك المال زكاة يطهر بها نفسه من حب المال، وتكون سببا في بركة الرزق، ومن يترك الزكاة يحرم نفسه من هذا الخير، قال تعالى: {وَالَّذينَ يَكنِزونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنفِقونَها في سَبيلِ اللَّـهِ فَبَشِّرهُم بِعَذابٍ أَليمٍ* يَومَ يُحمى عَلَيها في نارِ جَهَنَّمَ فَتُكوى بِها جِباهُهُم وَجُنوبُهُم وَظُهورُهُم هـذا ما كَنَزتُم لِأَنفُسِكُم فَذوقوا ما كُنتُم تَكنِزونَ}.[١٩][٢٠]


عقوق الوالدين

إن عقوق الوالدين من الكبائر والسبع الموبقات، كما ورد في الحديث السابق، وهو من الأعمال التي يعجل الله تعالى بها الجزاء في الدنيا قبل الآخرة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: "كلُّ الذُّنوبِ يُؤخِّرُ اللهُ منها إلى يومِ القيامةِ إلَّا عقوقَ الوالدَيْن فإنَّ اللهَ يُعجِّلْه لصاحبِه في الحياةِ قبل المماتِ[٢١] فقد توعَّد النبي الذي يعقُّ والديه بالجزاء العادل في الدنيا، ومن ذلك ضيق الرزق، وبالمقابل فإنَّ برَّ الوالدين من أسباب سعة الرزق.[٢٢]


قطيعة الرحم

جعل الإسلام صلة الرحم سببًا من أسباب البركة في الرزق والعمر، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، أوْ يُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ[٢٣] وكذلك فإنَّ قطيعة الرحم من أسباب منع وتضييق الرزق، فهي سنة ربانية, وقد يتعذر بعض من يقطعون الرحم بأن أرحامهم تقطعهم من الصلة، فهذا ليس سببًا وجيهًا لقطيعة الرحم، بل على المسلم أن يحرص على صلة الرحم حتى لو قطعه من يصلهم من الأقارب والأرحام، فقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "ليسَ الواصِلُ بالمُكافِئِ، ولَكِنِ الواصِلُ الذي إذا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وصَلَها".[٢٤][٢٥]


الكذب والاحتكار

من العادات المنتشرة بين الناس خاصَّة عند التجار كثرة الكذب والحلف الكاذب ليتم البيع وإنفاق السلع مع أن ذلك سبب في محق البركة من البيع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحلف مُنفِقةٌ للسِلعة مُمحقةٌ للبركةِ"،[٢٦] فمن يظن أنه بكثره الحلف سيزيد ربحه فهو مخطئ، كما أن احتكار السلع من الأعمال المنهي عنها في التجارة والبيع، كما روى معاذ بن جبل -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "سأَلْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ الاحتكارِ ما هو قال إذا سَمِعَ بِرُخْصٍ ساءَهُ وإِذَا سمِعَ بِغَلاءِ فَرِحَ بِئْسَ العبدُ المحتَكِرُ إنْ أَرْخَصَ اللهُ الأسعارَ حزِنَ 

وإِنْ أغْلَاها فَرِحَ".[٢٧][٢٨]


الزنا

الزنا كبيرة من الكبائر التي نهى الله تعالى عنها وغلَّظ العقوبة لفاعلها، لشدة خطرها على المجتمع، قال تعالى: {وَلا تَقرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبيلًا}،[٢٩] وقد حذَّر منها النبي -صلَّى الله عليه وسلم- في أحاديث كثيرة منها حديث السبع الموبقات، ومن فعلها فقد ارتكب محرمًا وعصى الله ورسوله وعليه أن يبادر بالتوبة منها فورًا، فهي من موانع الرزق وسبب في محق الخير والبركة، وقد روي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنَّه قال: "إياك والزنا فإنَّه يورث الفقر".[٣٠]



والخلاصة: إن موضوع الرزق من أكثر المواضيع التي تقلق الناس فتجدهم في سعي دائم للبحث عن كسبهم ورزقهم، ولكن الله تكفَّل بتدبير الأرزاق فقال: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ* فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ}،[٣١] وطلب منهم الأخذ بالأسباب, وأن يتوكلوا عليه لأنَّ مفاتيح الأرزاق بيده وحده يوسعها بتقديره وحكمته.[٣٢]


المراجع

  1. رواه الامام احمد، في المسند، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:205، صحيح.
  2. محمد متولي الشعراوي، الرزق (الطبعة 1)، القاهرة:دار اخبار اليوم، صفحة 35، جزء 1.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن ابو هريرة، الصفحة أو الرقم:2074، صحيح.
  4. محمد الكلباسي، خير الاعمال لزيادة الرزق والمال (الطبعة 1)، العراق:الأعلمي للمنشورات، صفحة 22، جزء 1.
  5. سورة الروم، آية:41
  6. سورة الشورى، آية:31-32
  7. رواه المنذري، في صحيح الترغيب والترهيب، عن ثوبان مولى رسول الله، الصفحة أو الرقم:294، صحيح.
  8. عبد الملك القاسم (2007)، الرزق أبوابه ومفاتحه (الطبعة 1)، الرياض:دار القاسم، صفحة 66، جزء 1.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن ابو هريرة، الصفحة أو الرقم:2766، صحيح.
  10. سورة البقرة، آية:278-279
  11. أنور النبراوي، 30 بابا لجلب الرزق (الطبعة 1)، طنطا:الحصري للنشر، صفحة 45، جزء 1.
  12. سورة مريم، آية:59-60
  13. موسى الحجاوي، زاد المستقنع (الطبعة 2)، بيروت:دار ابن الجوزي، صفحة 110، جزء 1.
  14. سورة النساء، آية:29-30
  15. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن ابو هريرة، الصفحة أو الرقم:2387، صحيح.
  16. سعيد عبد العظيم، كيف تحقق الغنى وسعة الرزق (الطبعة 1)، القصيم:دار الايمان ، صفحة 63، جزء 1.
  17. ^ أ ب رواه الهيثمي، في مجمع الزوائد، عن انس بن مالك ، الصفحة أو الرقم:81، حسن.
  18. أحمد بن سالم، أسباب الرزق الوفير (الطبعة 1)، القاهرة:دار الحضارة، صفحة 140، جزء 1.
  19. سورة التوبة، آية:34-35
  20. عبدالله ساجا (2004)، 10 أسباب لزيادة الرزق (الطبعة 1)، بيروت:دار العلم، صفحة 55، جزء 1.
  21. رواه المنذري، في صحيح الترغيب والترهيب، عن أبو بكرة بن نافع، الصفحة أو الرقم:302، حسن.
  22. عصام عبد ربه (2006)، أسباب الرزق (الطبعة 2)، دمشق:دار اليمان، صفحة 80، جزء 1.
  23. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن انس بن مالك، الصفحة أو الرقم:5986، صحيح.
  24. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:5991، صحيح.
  25. د. فضل إلهي (1992)، مفاتيح الرزق في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة 2)، دمشق:مؤسسة الريان، صفحة 126، جزء 1.
  26. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن ابو هريرة، الصفحة أو الرقم:2087، صحيح.
  27. رواه الهيثمي، في مجمع الزوائد، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم:104، حسن.
  28. السيد عطية، مفاتيح الرزق (الطبعة 2)، القاهرة:مكتبة جزيرة الورد، صفحة 73، جزء 1.
  29. سورة الاسراء، آية:32
  30. محمود المصري، مفاتيح الفرج (الطبعة 1)، القاهرة:مكتبة هاشم، صفحة 30، جزء 1.
  31. سورة الذاريات، آية:22
  32. د حسين الجنابي (2007)، الرزق في القران الكريم (الطبعة 1)، العراق:ديوان الوقف السني، صفحة 120، جزء 1.
5613 مشاهدة
للأعلى للسفل
×