يبحث الأشخاص ضمن العلاقة بين الزوجين على شخص يستوفي المعايير التي وضعوها لأنفسهم ومنها: المظهر, الصفات, الطبع وغيرها, ولكن في الطريق تحدث أمور إضافية.
يبحث كل إنسان عن شريك لحياته, يوفر له إحتياجاته الأساسية, التي لا يعيها هو نفسه. وعلى ما يبدو، فإن الحاجة الأساسية والأولية للإنسان هي العثور على شخص يعتني به ويشفي جراح طفولته. يحمل الشريك الذي يقع الإختيار عليه مواصفات قريبةً من مواصفات الأهل, ولذلك فإن اللاوعي يصنف الشريك على أنه مسؤول عن وجوده, تماماً مثل الأب المسؤول عن وجود طفله. وهذا الأمر يوضح لنا التبعية في العلاقة بين الزوجين من جهة, والحساسية الكبيرة بين الزوجين, عندما يقوم أحدهما بإهانة, إيذاء أو جرح مشاعر الأخر من جهة اخرى. فهو لم يجرحه فقط, بل بما أنه يمثل شخصية الأب/ الأم بالنسبة إليه، فقد زعزع ثقة الطفل (الشريك) بنفسه. يحاول اللاوعي في العلاقة بين الزوجين ، بمساعدة الشريك, أن يخلق، من جديد, الظروف التي ترعرع فيها, لكي يحل كل المسائل العالقة التي يحملها معه منذ الطفولة.
وثمة حاجة أساسية أخرى هي العثور على الأنا الضائع. يولد الإنسان كمخلوق كامل, ولكن مع نموه وتطوره الإجتماعي, يحصل من الأهل ومن البيئة المحيطة به على ردود فعل بخصوص تصرفاته وسلوكياته. يبدأ الإنسان بالإكتشاف أن هنالك عواطف ممنوعة وتصرفات غير مقبولة. يتعلم الإنسان كيف يكبت هذه الأجزاء من شخصيته, ويكون هنالك ثمن لرضوخه لمتطلبات البيئة المحيطة به - فقدانه لذاته أو "الأنا".
عندما تنشأ علاقة عاطفية بينه وبين إنسان آخر يحمل صفات تكمل الصفات التي قام هو بكبتها, يشعر بأنه يكون إنسانا كاملا إلى جانب هذا الشريك, ذلك أن كليهما يندمجان ليشكّلا أنا أكبر وأكثر كمالية. نستطيع العثور على المفهوم القائل بأن الزوجين نصفان ويشكلان معاً كيانا واحدا كاملا, في المراجع التاريخية للحضارات القديمة. فالتاريخ يدل على أن الإنسان قد أدرك إنه ليس مستحسنا أن يبقى إنساناً هادئاً, وإنما عليه أن يبحث دائماً عن عمل. فقد شجعه أهله على ذلك, وهو يشعر الآن بأنه غير كامل, لذلك يقرر أن يبحث عن إمرأة تتسم بما لا يملكه هو, الهدوء والسكينة, وهي صفة كانت قد كبتها في طفولته, حينما تعلم من ردود فعل البيئة المحيطة به أن هذه الصفات غير محبذة. وعلى العكس من ذلك, فقد ترعرعت المرأة في بيت تم فيه كبت شخصيتها ومنعها من أن تعبر عن رأيها, ولذلك فإن الأنا خاصتها يكون جزئياً, وعندما تعثر على شريك يتيح لها التعبير عن شخصيتها ويقوي من قدرتها على التطور, فسوف تشعر بأنها كاملة.
يكون الزوجان محملين بالكثير من التوقعات, من بينها أن يحب أحدهما الآخر, كما لم يشعرا بالحب من قبل آبائهما وأمهاتهما. من المفترض ان يلبي الشريك إحتياجات الطفولة التي لم يقم الأهل بتلبيتها, كما يتوقع منه ضمن العلاقة بين الزوجين, بأن يكمل الأجزاء الضائعة من الأنا الخاص بنا, أن يهتم بنا على الدوام بكل حب, وأن يكون متفرغاً لنا, في كل مرة نحتاج فيها إليه. بعد أن تنتهي المرحلة الأولى من الزواج، أو ما يطلق عليها "مرحلة شهر العسل", تبدأ مرحلة لا تكفي فيها الوعود والتوقعات لتلبية إحتياجات الشريك, وإنما يبدأ الشريك في هذه المرحلة بالمطالبة بتحقيق الوعود على أرض الواقع. ويتوقع كل من الطرفين تلبية إحتياجاته العاطفية, ولكنه يفتقر إلى الدافع لتحقيق تطلعات شريكه. هذه هي بداية مرحلة تدعى "مرحلة صراع القوى".تطرأ في هذه الفترة تغييرات إضافية على الزوجين, إذ يبدأ الطرفان باكتشاف الصفات السلبية لدى بعضهما البعض. حتى إذا كانت هذه الصفات تعجب الشريك في السابق, فقد تضحي مصدراً للإزعاج بالنسبة له (على سبيل المثال, إذا كان طموح الزوج وأهدافه التي يبغي تحقيقها في حياته مدعاةً لإعجاب الزوجة في السابق, وكانت تعتقد بأن ذلك يكملها, فهي تبدأ الآن بالتركيز على الثمن الذي ستدفعه بسبب هذه الصفات: الآمال والتوقعات التي لا تتحقق, الأمر الذي يسبب الإكتئاب, خيبة الأمل والغضب. كثيراً ما تذكرنا الصفات السلبية لدى الشريك بصفات سلبية لدى الوالدين, الأمر الذي يكون بمثابة رشّ الملح على الجروح القديمة التي لم تلتئم بعد. إذا كانت المرأة قد عانت في طفولتها من نوبات غضب أبيها, فقد إختارت لها زوجاً يحمل نفس الصفة (الغضب), ولكن هذه المرة لكي يحبها كما هي دون أن ينفجر غضباً، كما كان يفعل والدها, مما يساهم في شفائها من جراح الطفولة (كل هذه العملية تتم تحت تأثير اللاوعي). تثير هذه الحالة القلق بين الزوجين, أحياناً وتكون النتيجة أن ينظر الشريكان إلى بعضهما، في مرحلة صراع القوى, نظرة انتقادية فينتقدون أموراً يكرهونها وينكرونها, وهي نفس الأمور التي كانوا يكرهونها لدى آبائهم وأمهاتهم.
قد تكون مشاكل التواصل في العلاقة بين الزوجين نابعة من عوامل في اللاوعي, إذ كثيراً ما تنشأ النزاعات بين الزوجين ويتم توجيه وتبادل الإنتقادات ويطفو على السطح غضب وتوتر, بينما تكون جميع هذه العواطف نابعة من اللاوعي- من توقعات لم يتم تحقيقها على أرض الواقع, ومن حاجات لم يقم الشريك بتلبيتها. جميع هذه العوامل تجعل الإنسان يدرك بأنه، وللأسف, ليس إنه لن تتم تلبية حاجاته, فقط، بل أن شريكه قد يجرحه بنفس الطريقة التي جرحت بها مشاعره بواسطة والده/ والدته في الماضي.
يطلق على الحل إسم "الزواج الواعي". بموجب هذه الطريقة, يكون الإنسان المتزوج واعياً لحاجاته ولحقيقة وجود توقعات وحاجات لشريكه أيضاً. في إطار هذا الحل, يكون الزوجان مسؤولين عن التعبير عن إحتياجاتهما بشكل مباشر, وليس عن طريق توجيه الإنتقادات. إضافة إلى ذلك, يتعلم الزوجان طرقاً وتقنيات فعالة لتلبية إحتياجاتهم، بدلاً من اللجوء إلى صراع القوى وتوجيه الإتهامات الواحد نحو الآخر. كما يتعلم كل واحد من الزوجين كيفية التواصل بشمل موجه وكيفية التحكم بردود الفعل الصادرة عنه, بحيث يفكر الواحد منهم قبل أن يقوم برد فعل معين.