أشعار صوفية

كتابة:
أشعار صوفية

الشعر العربي

كثيرة هي تعريفات الشعر العربيّ، فقيل في تعريفه إنَّه كلام موزون مقفًّى، وعرَّفه الجرجاني في قوله: "إنَّ الشعر علمٌ من علوم العرب يشترك فيه الطبعُ والرّواية والذكاء"، وقد اعتنتِ العرب بالشعر بشكل كبير، فهو ديوان العرب في الجاهلية، حيث قدموه على الخطابة، فكان الشاعر لسان قبيلته، يذود عن قبيلته ويهاجم شعراء القبائل الأخرى ويردُّ هجائياتهم، ومن الجدير بالذكر إنَّ الشعر العربي تناول عبر العصور أغراضًا شعرية مختلفة، كالهجاء والرثاء والغزل والمديح، واختلفت توجهات الشعر العربي أيضًا باختلاف المذاهب والعقائد، فكُتب الشعر الصوفي وشعر المديح النبوي وغيره، وهذا المقال سيسلِّط الضوء على التصوف في الشعر وعلى أبرز ما ورد من أشعار صوفية في شعر العرب.[١]

التصوف في الشعر

قبل تسليط الضوء على أبرز ما ورد من أشعار صوفية، لا بدَّ من تعريف التصوف في الشعر، والتصوف هو الشوق إلى الله تعالى، وهو حالة من الحب الإلهي الذي لا يكون لأي غرض من الأغراض، بل هو حب مجرَّد ومنزَّه من كلِّ مكسب أو مطلب، غايته الأسمى الحب ولا شيء غيره، ويتحقق هذا الحب من خلال مجاهدة النفس وإدخالها في حالة من الزهد المطلق، فالزهد مرحلة أولى من التصوف، وهو أول مراتب التصوف، ومن الجدير بالذكر إنّ الشعر الصوفي ظهر في العصر الأندلسي ونضج فيه، فالأندلس هي البيئة التي تشكلت فيها ملامح القصيدة الصوفية والمكان الذي نما فيه معجم الشعراء الصوفيين، فالقصيدة الصوفية تميَّزت بمعجم لغوي خاصٍّ بها، تدور ألفاظه حول مناسك الصوفية من حضرات ومجالس ذكر، ومن أبرز ألفاظ المعجم الصوفي: المدامة، الكأس، الساقي، النشوة، الخمر، الحضرة، الحب، الهُيام.[٢]

وقد اشتهرت في تاريخ الشعر العربي أشعار صوفية كثيرة، كان أبرزها شعر ابن الفارض الذي لُقِّب بسلطان العاشقين، كما يُعدُّ السهروردي أحد أبرز الشعراء الصوفيين في تاريخ الشعر العربي، كما عُرف محي الدين ابن عربي أيضًا بشعره الصوفي والحلاج وغيرهم من الشعراء الصوفيين الذين أثروا تاريخ الشعر الصوفي بأجمل وأبلغ القصائد.[٣]

أشعار صوفية

بعد ما جاء من تعريف التصوف في الشعر، لا بدَّ من المرور على أبرز ما جاء في تاريخ الشعر العربي من أشعار صوفية كتبها شعراء صوفيون، فخلَّدوا الشعر الصوفي في ذاكرة الأدب العربي، وقد تميَّز ما وردَ من أشعار صوفية بمعجم لغوي خاص يشي بانتماءات شاعرها الصوفية، وفيما يأتي أبرز ما جاء من أشعار صوفية في تاريخ الشعر العربي:

  • مما جاء من أشعار صوفية قصيدة لابن الفارض يقول فيها:[٤]

قلبي يُحَدّثني بأَنّكَ مُتْلِفِي

روحي فِداكَ عرَفْتَ أمَ لم تَعْرِفِ

لم أَقْضِ حَقّ هَواكَ إن كُنتُ الذي

لم أقضِ فيِه أسًى ومِثليَ مَنْ يَفي

ما لي سِوَى روحي وباذِلُ نفسِهِ

في حُبّ مَن يَهْواهُ ليسَ بِمُسرِف

فلَئِنْ رَضِيتَ بها فقد أسعَفْتَني

يا خَيبَة المَسْعَى إذا لم تُسْعِفِ

يا مانِعي طيبَ المَنامِ ومانِحي

ثوبَ السّقامِ بِهِ ووَجْدِي المُتْلِفِ

عَطفًا على رَمقي وما أبقَيتَ لي

منْ جسميَ المُضْنى وقلبي المُدَنَفِ

فالوَجْدُ باقٍ والوِصَالُ مُماطلي

والصّبْرُ فانٍ واللّقاء مُسَوّفي

لم أَخلُ من حَسَدٍ عليك فلا تُضِعْ

سَهَري بتَشْنِيع الخَيالِ المُرجِفِ

واسأَلْ نجومَ اللّيلِ هل زارَ الكَرَى

جَفني وكيف يزورُ مَن لم يَعْرِفِ

لا غَرْوَ إن شَحّتْ بغُمْضِ جُفُونها

عيني وسَحّتْ بالدّموعِ الذّرّفِ

وبما جرَى في موقفِ التوديعِ مِنْ

ألمِ النّوَى شاهدتُ هَولَ الموقفِ

إن لم يكنْ وصلٌ لدَيْكَ فعِدْ به

أَمَلي وَمَاطِلْ إنْ وَعَدْتَ ولا تفي

فالمَطْلُ منكَ لدَيّ إنْ عزّ الوفا

يحلو كوَصَلٍ من حبيبٍ مُسْعِفِ

أهْفُو لأنفاسِ النّسِيمِ تَعِلّةً

ولوَجْه مَن نقَلَتْ شَذَاهُ تشوّفي

فلَعَلّ نارَ جوانحي بهُبُوبِها

أن تنطَفي وأوَدّ أن لا تنطَفي

يا أهلَ وُدّي أنتم أَمَلي ومَن

نَادَاكُمُ يا أَهْلَ وُدّي قد كُفي

عُودوا لِما كُنْتُم عليه من الوفا

كَرَمًا فإنّي ذَلِكَ الخِلّ الوَفي

وحياتِكُمْ وحياتِكُمْ قَسَمًا وفي

عُمري بغيرِ حياتِكُمْ لم أحْلِف

لو أَنّ رُوحي في يدي وَوَهَبْتُها

لمُبَشّري بِقُدُومكمْ لم أُنْصِف

لا تحسَبُوني في الهوى مُتَصَنّعًا

كَلَفي بِكُمْ خُلُقٌ بغيرِ تكلُّف

أخفَيتُ حُبّكُمُ فأخفاني أسًى

حتى لعَمري كِدْتُ عني أختفي

وكتمْتُهُ عنّي فلو أبدَيْتُهُ

لوَجَدْتُهُ أخفى منَ اللُّطْف الخَفي

ولقد أَقولُ لِمَنْ تحَرّشَ بالهوى

عرّضْتَ نفسَكَ للبَلا فاستهدف

أنتَ القَتِيْلُ بأيّ مَنْ أحبَبْتَهُ

فاختر لنَفْسِكَ في الهوى من تصطفي

قُلْ للعذولِ: أطلْتَ لومي طامعًا

إنَّ الملامَ عن الهوى مُستوقِفي

بَرَحَ الخَفاء بحُبّ مَنْ لَوْ في الدّجى

سَفَرَ اللّثامَ لقُلْتُ يا بدرُ اختَفِ

وإن اكتفى غَيري بطَيفِ خيالِهِ

فأنا الّذي بوِصالِهِ لا أكتَفي

وهَواهُ وهْوَ أليّتي وكَفَى بِه

قَسَمًا أكادُ أُجِلّهُ كالمُصْحَفِ
  • ومما جاء من أشعار صوفية أيضًا:[٥]

والله ما طلعتْ شمسٌ ولا غربت

إلا و حبّـكَ مقـرونٌ بأنفاسي

ولا خلوتُ إلى قومٍ أحدّثهــمْ

إلا وأنت حديثي بين جلاسِي

ولا ذكرتك محزونًا ولا فَرِحًا

إلا وأنت بقلبي بين وسواسي

ولا هممتُ بشربِ الماء من عطشٍ

إلا رَأَيْتُ خيالًا منك في الكاْسِ

ولو قدرتُ على الإتيان جئتُكم

سعيًا على الوجهِ أو مشيًا على الرَّاْسِ

ويا فتى الحيّ إن غّنيت لي طربًا

فغَنّني أسفًا من قلبك القاسِي

ما لي وللنَّاس كم يلحوننِي سفهًا

دينِي لنفسي ودينُ النَّاس للنَّاسِ
  • ومما ورد من أشعار صوفية قول الحلاج أيضًا:[٥]

يا نسيم الرُّوح قولي للرَّشَا

لم يزدنِي الـِورْد إلا عطشَا

لي حبيبٌ حبّه وسط الحشَا

إن يشَا يمشي على خدّي مشَى

روحه روحِي وروحِي روحُهُ

إن يشا شئتُ وإن شئتُ يشَا...

وقد كان قلبي خاليًا قبل حبكم

وكان بذكر الخلق يلهو ويمزحُ

فلمَّا دعا قلبي هواك أجابه

فلستُ أراه عن فنانك يبرحُ

رُميت ببينٍ منكَ إن كنت كاذبًا

إذا كنت في الدنيا بغيرك أفرحُ

وإن كان شيءٌ في البلاد بأسرها

إذا غبت عن عيني بعيني يلمحُ

فإن شئت واصلْني وإن شئتَ لا تصلْ

فلستُ أرى قلبي لغيرك يصلحُ
  • ومما ورد من أشعار صوفية قصيدة ابن الفارض التي يقول فيها:[٧]

شَرِبْنَا على ذكْرِ الحبيبِ مُدامَةً

سكِرْنَا بها من قبل أن يُخلق الكَرْمُ

لها البدرُ كأسٌ وهيَ شمسٌ يُدِيرُهَا

هلالٌ وكم يبدو إذا مُزِجَتْ نَجمُ

ولولا شذَاها ما اهتدَيتُ لِحانِها

ولولا سَناها ما تصَوّرها الوَهْمُ

ولم يُبْقِ منها الدّهْرُ غيرَ حُشاشَةٍ

كأنّ خَفاها في صُدور النُّهى كتْمُ

فإن ذُكرَتْ في الحَيّ أصبحَ أهلُهُ

نَشاوى ولا عارٌ عليهمْ ولا إثم

ومِنْ بينِ أحشاء الدّنانِ تصاعدتْ

ولم يَبْقَ منها في الحقيقة إلاّ اسمُ

وإن خَطَرَتْ يومًا على خاطرِ امرىءٍ

أقامتْ به الأفراحُ وارتحلَ الهمّ

ولو نَظَرَ النُّدْمَانُ خَتمَ إنائِها

لأسكَرَهُمْ من دونِها ذلكَ الختم

ولو نَضحوا منها ثرَى قبرِ مَيّتٍ

لعادتْ اليه الرّوحُ وانتَعَشَ الجسمُ

ولو طَرَحُوا في فَيءِ حائطِ كَرْمِها

عليلًا وقد أشفى لفَارَقَهُ السّقمُ

ولو قَرّبُوا من حانِها مُقْعَدًا مشَى

وتنطِقُ من ذِكْرَى مذاقتِها البُكْمُ

ولو عَبِقَتْ في الشرق أنفاسُ طِيبِها

وفي الغربِ مزكومٌ لعادَ لهُ الشَّمُّ

ولو خُضِبت من كأسِها كفُّ لامسٍ

لمَا ضَلّ في لَيْلٍ وفي يَدِهِ النجمُ

ولو جُليتْ سِرًّا على أَكمَهٍ غَدا

بَصيرًا ومن راووقِها تَسْمَعُ الصّم

ولو أنّ رَكْبًا يَمّموا تُرْبَ أرْضِهَا

وفي الرّكبِ ملسوعٌ لمَا ضرّهُ السّمّ

ولو رَسَمَ الرّاقي حُرُوفَ اسمِها على

جَبينِ مُصابٍ جُنّ أبْرَأهُ الرسمُ

وفوْقَ لِواء الجيشِ لو رُقِمَ اسمُها

لأسكَرَ مَنْ تحتَ اللّوا ذلك الرّقْم

تُهَذّبُ أخلاقَ النّدامى فيهْتَدي

بها لطريقِ العزمِ مَن لا لهُ عَزْم

ويكرُمُ مَن لم يَعْرِف الجودَ كَفُّه

ويحلُمُ عند الغيظ مَن لا لهُ حِلمُ

ولو نالَ فَدْمُ القومِ لَثْمَ فِدَامِها

لأكْسبَهُ مَعنى شمائِلها اللّثْمُ

يقولونَ لي صِفْهَا فأنتَ بوَصفها

خبيرٌ، أَجَلْ عِندي بأوصافها عِلمُ

صفاءٌ ولا ماءٌ، ولُطْفٌ ولا هَوًى

ونورٌ ولا نارٌ وروحٌ ولا جِسْمٌ

تَقَدّمَ كُلَّ الكائناتِ حديثُها

قديمًا ولا شكلٌ هناك ولا رَسمُ

وقامت بها الأشياءُ ثَمّ لحكمَةٍ

بها احتَجَبَتْ عن كلّ من لا له فَهْمُ

فَخَمْرٌ ولا كرْم وآدَمُ لي أبٌ

وكَرْم ولا خَمْر ولي أُمُّها أُمّ

ولُطْفُ الأواني في الحقيقة تابعٌ

لِلُطْفِ المعاني والمَعاني بها تَنْمُو

وقد وَقَعَ التفريقُ والكُلّ واحد

فأرواحُنا خَمْرٌ وأشباحُنا كَرْمُ

ولا قبلَها قبل ولا بَعْدَ بَعْدَهَا

وقَبْليُّة الأبْعادِ فهْي لها حَتْمُ

وعَصْرُ المَدى من قَبله كان عصرَها

وعهْدُ أبينا بَعدَها ولها اليُتم

محاسِنُ تَهدي المادِحينَ لوَصْفِهَا

فَيَحْسُنُ فيها منهُمُ النّثرُ والنّظم

ويَطْرَبُ مَن لم يَدْرِهَا عند ذِكْرِهَا

كَمُشْتَاقِ نُعْمٍ كلّما ذُكرَتْ نُعمُ

وقالوا شَرِبْتَ الإِثمَ كلاّ وإنّما

شرِبْتُ التي في تركِها عنديَ الإِثم

هنيئًا لأهلِ الدّيرِ كمْ سكِروا بها

وما شربوا منها ولكِنّهم هَمّوا

وعنديَ منها نَشْوَةٌ قبلَ نشأتي

معي أبدًا تبقى وإنْ بَليَ العَظْم

عليكَ بها صِرْفًا وإن شئتَ مَزْجَها

فَعَدْلُكَ عن ظَلْم الحبيب هو الظُّلمُ

فما سكنَتْ والهمَّ يومًا بموضعٍ

كذلك لم يسكُنْ مع النَّغَم الغَمُّ

وفي سكرةٍ منها ولَوْ عُمْرُ ساعةٍ

تَرَى الدَّهْرَ عبدًا طائعًا ولك الحُكْمُ

فلا عَيْشَ في الدُّنْيا لمَن عاشَ صاحيًا

ومَن لم يَمُتْ سُكْرًا بها فاته الحزمُ

على نفسِهِ فليَبْكِ مَن ضاع عُمْرُهُ

وليسَ لهُ فيها نَصيبٌ ولا سَهمُ
  • ومما ورد من أشعار صوفية قصيدة ابن الفارض التي يقول فيها:[٨]

ما بَيْنَ مُعْتَركِ الأحداقِ والمُهَجِ

أنا القَتِيلُ بلا إثمٍ ولا حَرَجِ

ودّعتُ قبل الهوى روحي لما نَظَرْتَ

عينايَ مِنْ حُسْنِ ذاك المنظرِ البَهجِ

للَّهِ أجفانُ عَينٍ فيكَ ساهِرةٍ

شوقًا إليكَ وقلبٌ بالغَرامِ شَجِ

وأضلُعٌ نَحِلَتْ كادتْ تُقَوِّمُها

من الجوى كبِدي الحرّا من العِوَجِ

وأدمُعٌ هَمَلَتْ لولا التنفّس مِن

نارِ الهَوى لم أكدْ أنجو من اللُّجَجِ

وحَبّذَا فيكَ أسْقامٌ خَفيتَ بها

عنّي تقومُ بها عند الهوى حُجَجي

أصبَحتُ فيكَ كما أمسيَتُ مكْتَئِبًا

ولم أقُلْ جَزَعًا: يا أزمَةُ انفَرجي

أهْفُو إلى كلّ قَلْبٍ بالغرام لهُ

شُغْلٌ وكُلِّ لسانٍ بالهوى لَهِجِ

وكُلِّ سَمعٍ عن اللاحي به صَمَمٌ

وكلِّ جَفنٍ إلى الإِغفاء لم يَعُجِ

لا كانَ وَجْدٌ بِه الآماقُ جامدةٌ

ولا غرامٌ به الأشواقُ لم تَهِجِ

عذّب بما شئتَ غيرَ البُعدِ عنكَ تجدْ

أوفى محِبّ بما يُرضيكَ مُبْتَهجِ

وخُذْ بقيّةَ ما أبقَيتَ من رمَقٍ

لا خيرَ في الحبّ إن أبقى على المُهجِ

مَن لي بإتلاف روحي في هوَى رَشَإٍ

حُلْوِ الشمائل بالأرواحِ مُمتَزِجِ

مَن ماتَ فيه غَرامًا عاشَ مُرْتَقِيًا

ما بينَ أهلِ الهوَى في أرفع الدّرَجِ

مُحَجَّبٌ لو سَرى في مِثلِ طُرَّتِهِ

أغنَتْهُ غُرّتُهُ الغَرّا عن السُّرُجِ

وإن ضَلِلْتُ بلَيْلٍ من ذوائِبهِ

أهدى لعيني الهدى صُبحٌ من البَلجِ

وإن تنَفّس قال المِسْكُ مُعْترفًا

لعارفي طِيبِه مِن نَشْرِهِ أَرَجي

أعوامُ إقبالِهِ كاليومِ في قِصَرٍ

ويومُ إعراضِه في الطّول كالحِججِ

فإن نأى سائرًا يا مُهجَتي ارتحلي

وإن دَنا زائرًا يا مُقلتي ابتهِجي

قُل للّذي لامني فيه وعنّفَني

دعني وشأني وعُد عن نُصْحك السمِجِ

فاللّوْمُ لؤمٌ ولم يُمْدَحْ بِهِ أحَدٌ

وهل رأيتَ مُحِبًّا بالغرام هُجي

يا ساكِنَ القلبِ لا تنظُرْ إلى سكَني

وارْبَحْ فؤادك واحذَرْ فتنةَ الدّعجِ

يا صاحبي وأنا البَرّ الرّؤوفُ وقد

بذَلْتُ نُصْحِي بذاكَ الحيّ لا تَعُجِ

فيه خَلَعْتُ عِذَاري واطّرَحْتُ بِهِ

قَبولَ نُسْكيَ والمقبولَ من حِججي

وابيَضّ وجهُ غَرامي في محَبّتِهِ

واسْوَدّ وجْهُ ملامي فيه بالحُجَجِ

تبارَكَ اللَّهُ ما أحلى شمائلَهُ

فكمْ أماتَتْ وأحْيَتْ فيه من مُهَجِي

هوي لذِكْرِ اسمه مَنْ لَجّ في عَذَلِي

سَمعي وإن كان عَذلي فيه لم يَلِجِ

وأرحَمُ البرْقَ في مَسراهُ مُنْتَسِبًت

لثَغْرِهِ وهوَ مُسْتَحيٍ من الفلَجِ

تراهُ إن غابَ عنّي كُلُّ جارحةٍ

في كلّ مَعنى لطيفٍ رائقٍ بَهجِ

في نغْمَةِ العودِ والنّايِ الرّخيم إذا

تَألّقا بينَ ألحانٍ من الهَزَجِ

وفي مَسَارحِ غِزْلاَنِ الخمائلِ في

بَرْدِ الأصائلِ والإِصباحِ في البلَجِ

وفي مَساقط أنْداء الغَمامِ على

بِساط نَوْر من الأَزهارِ مُنْتَسِجِ

وفي مساحِب أذيالِ النّسيم إذا

أهْدى إليّ سُحَيْرًا أطيَبَ الأرَجِ

وفي التِثاميَ ثَغْرَ الكاسِ مُرْتَشِفًَا

ريقَ المُدامة في مُسْتَنْزَهٍ فَرِجِ

لم أدرِ ما غُرْبَةُ الأوطان وهو معي

وخاطري أين كنّا غيرُ مُنْزَعِجِ

فالدّارُ داري وحُبّي حاضرٌ ومتى

بدا فمُنْعَرَجُ الجرعاء مُنْعَرَجي

ليَهْنَ رَكْبٌ سَرَوا ليلًا وأنتَ بهم

بسَيرِهم في صباحٍ منكَ مُنْبَلِجِ

فلْيَصْنَع الرّكْبُ ما شاؤوا بأنفسهِم

هم أهلُ بدرٍ فلا يخشونَ من حرَجِ

بحَقّ عِصيانيَ اللّاحي عليك وما

بأضلُعي طاعةً للوَجْدِ من وهَجِ

انْظُر إلى كبِدٍ ذابت عليكَ جَوًى

ومُقْلَةٍ من نجيعِ الدّمع في لُجَجِ
  • ومما ورد من أشعار صوفية قول الحلاج:[٩]

حويتُ بكـُلّي كلّ حُبِّك يا قـُدْسي

تكاشفني حتـّى كأنـّك في نفسـي

أُقلّب قلبي في سواك فــلا أرى

سوى وحشتي منه ومنكَ به أُنْسي

فها أنا في حَبس الحياةِ مجمَّــعٌ

من الأنس فاقبضْني إليكَ من الحبْسِ
  • ومما ورد من أشعار صوفية أيضًا:[١٠]

للعلم أهلٌ و للإيمان ترتيـبُ

وللعلوم وأهلِيها تجاريبُ

والعلمُ علمان منبوذٌ ومكتســبٌ

والبحرُ بحران مركوبٌ ومرهوبُ

والدَّهر يومان مذمومٌ وممتــدحٌ

والنَّاس إثنان ممنوحٌ ومسلــوبُ

فاسَمعْ بقلبكَ ما يأتيكَ عن ثقةٍ

وانظرْ بفهمكَ فالتَّمييزُ موهــوبُ

إنِّي ارتقيتُ إلى طودٍ بلا قَدمٍ

له مَراقٍ على غيري مصاعيـبُ

و خُضْتُ بحرًا و لم يرسبْ بهِ قدمي

خاضَتْهُ روحي وقلبي منه مرغـوبُ

حَصْبَاؤُه جوهرٌ لم تَدْنُ منـهُ يدٌ

لكنَّه بِيَدِ الإفهامِ منهوبُ

شربتُ من مائــه رَيًّا بغيرِ فــمٍ

والماء قد كان بالأفواهِ مشـــروبُ

لأن روحي قديماً فيه قدْ عطشــتْ

و الجسمُ ما ماسَهُ من قبل تركيــبُ

إنِّـي يتيمٌ ولي أبٌّ أَلوُذ بهِ

قلبي لِغيْبَتِهِ ما عشْتُ مكروبُ

أعمًى بَصيرٌ وإنِّـي أبْلَه فَطِنٌ

ولي كلامٌ إذا ما شئتُ مقلوبُ
  • ومما جاء من أشعار صوفية قول الحلاج:[١١]

عجبتُ منك ومنِّي

يا مُنْيَةَ المُتَمَنِّي

أدنيتَني منك حتَّى

ظننتُ أنّك أنِّي

وغبتُ في الوجد حتَّى

أفنيتنَي بك عنّي

يا نعمتِي في حياتِي

وراحتي بعد دفنِي

ما لي بغيرك أُنسٌ

من حيث خوفي وأمنِي

وإن تمنيْت شيْئًا

فأنتَ كلُّ التمنِّي
  • ومما جاء من أشعار صوفية قول السهروردي:[١٢]

أَبداً تَحنُّ إِلَيكُمُ الأَرواحُ

وَوِصالُكُم رَيحانُها وَالراحُ

وَقُلوبُ أَهلِ وِدادكم تَشتاقُكُم

وَإِلى لَذيذ لقائكم تَرتاحُ

وَا رَحمةً للعاشِقينَ تَكلّفوا

ستر المَحبّةِ وَالهَوى فَضّاحُ

بِالسرِّ إِن باحوا تُباحُ دِماؤُهم

وَكَذا دِماءُ العاشِقينَ تُباحُ

وَإِذا هُم كَتَموا تَحَدّث عَنهُم

عِندَ الوشاةِ المَدمعُ السَفّاحُ
  • ومما جاء من أشعار صوفية قول السهروردي أيضًا:[١٣]

رَقّ الزُّجاجُ وَرَقَّتِ الخَمْرُ

فَتشابَها فَتَشاكلَ الأَمرُ

فَكَأَنَّها خَمرٌ وَلا قَدحٌ

وَكَأَنَّها قَدحٌ وَلا خَمرُ
  • ومما جاء من أشعار صوفية قول السهروردي أيضًا:[١٤]

وَلمّا وَرَدنا ماءَ مَدينَ يَستقي

عَلى ظَمأ بِتنا إِلى موقف النَجوى

نَزَلنا عَلى حيٍّ كرامٍ بيوتهم

مُقَدّسة لا هِندَ فيها وَلا عَلوى

وَلاحَت لَنا نارٌ عَلى البُعد أضرمَت

وَجَدنا عَلَيها مِن تحبُّ وَمَن تَهوى

سَقانا وَحيّانا فَأَحيا نُفوسَنا

وَأَسكَرَنا مَن راح إِجلاله التَقوى

المراجع

  1. "شعر عربي"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 05-11-2019. بتصرّف.
  2. "التصوف في الشعر"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 05-11-2019. بتصرّف.
  3. "الأدب الصوفي من الشعر إلى الرواية"، www.ida2at.com، اطّلع عليه بتاريخ 05-11-2019. بتصرّف.
  4. "قلبي يحدثني بأنك متلفي"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 05-11-2019.
  5. ^ أ ب "مختارات (31- 34)"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 05-11-2019.
  6. "وكان قلبي خالياً قبل حبكم"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 05-11-2019.
  7. "شربنا على ذكر الحبيب مدامة"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 05-11-2019.
  8. "ما بين معترك الأحداق والمهج"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 05-11-2019.
  9. "مختارات (25-30)"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 05-11-2019.
  10. "جواب في حقيقة الإيمان"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 05-11-2019.
  11. "عجبت منك ومني"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 05-11-2019.
  12. "أَبداً تَحنُّ إِلَيكُمُ الأَرواحُ"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 05-11-2019.
  13. "رَقّ الزُّجاجُ وَرَقَّت الخَمرُ"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 05-11-2019.
  14. "وَلمّا وَرَدنا ماءَ مَدينَ يَستقي"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 05-11-2019.
4842 مشاهدة
للأعلى للسفل
×