محتويات
قصيدة نهر الأحزان
يقول نزار قباني:
- عيناك كنهري أحـزان
- نهري موسيقى.. حملاني
- لوراء، وراء الأزمـان
- نهري موسيقى قد ضاعا
- سيدتي.. ثم أضاعـاني
- الدمع الأسود فوقهما
- يتساقط أنغام بيـان
- عيناك وتبغي وكحولي
- والقدح العاشر أعماني
- وأنا في المقعد محتـرقٌ
- نيراني تأكـل نيـراني
- أأقول أحبك يا قمري؟
- آهٍ لـو كان بإمكـاني
- فأنا لا أملك في الدنيـا
- إلّا عينيـك وأحـزاني
- سفني في المرفأ باكيـةٌ
- تتمزق فوق الخلجـان
- ومصيري الأصفر حطمني
- حطـم في صدري إيماني
- أأسافر دونك ليلكـتي؟
- يا ظـل الله بأجفـاني
- يا صيفي الأخضر ياشمسي
- يا أجمـل.. أجمـل ألواني
- هل أرحل عنك وقصتنا
- أحلى من عودة نيسان؟
- أحلى من زهرة غاردينيا
- في عتمة شعـرٍ إسبـاني
- يا حبي الأوحد.. لا تبكي
- فدموعك تحفر وجـداني
- إني لا أملك في الدنيـا
- إلا عينيـك.. وأحزاني
- أأقـول أحبك يا قمـري؟
- آهٍ لـو كـان بإمكـاني
- فأنـا إنسـانٌ مفقـودٌ
- لا أعرف في الأرض مكاني
- ضيعـني دربي.. ضيعـني
- اسمي.. ضيعـني عنـواني
- تاريخـي! ما لي تاريـخٌ
- إنـي نسيـان النسيـان
- إنـي مرسـاةٌ لا ترسـو
- جـرحٌ بملامـح إنسـان
- ماذا أعطيـك؟ أجيبيـني
- قلقـي؟ إلحادي؟ غثيـاني
- ماذا أعطيـك سـوى قدرٍ
- يرقـص في كف الشيطان
- أنا ألـف أحبك.. فابتعدي
- عني.. عن نـاري ودخاني
- فأنا لا أمـلك في الدنيـا
- إلا عينيـك.. وأحـزاني
قصيدة أمي
يقول عبد الله البردوني:
تـركـتني هـا هـنا بـين الـعذاب
- ومـضت، يا طول حزني واكتئابي
تـركـتني لـلـشقا وحــدي هـنا
- واسـتراحت وحـدها بـين الـتراب
حـيـث لا جــور ولا بـغي ولا
- تـنـبي وتـنـبي بـالـخراب
حــيـث لا سـيـف ولا قـنـبل
- حـيث لا حـرب ولا لـمع حـراب
حـيـث لا قـيـد ولا ســوط ولا
- ألـم يـطـغى ومـظلوم يـحابي
خـلّـفتني أذكــر الـصـفو كـما
- يـذكـر الـشـيخ خـيالات الـشباب
ونــأت عـنّـي وشـوقي حـولها
- الماضي وبي – أوّاه – ما بي
ودعـاهـا حـاصـد الـعمر إلـى
- حـيث أدعـوها فـتعيا عـن جوابي
حـيـث أدعـوهـا فــلا يـسمعني
- غـير صـمت الـقبر والقفر اليباب
مـوتـها كــان مـصـابي كـلّـه
- وحـيـاتي بـعدها فـوق مـصابي
أيــن مـنّي ظـلّها الـحاني وقـد
- ذهـبـت عـنّي إلـى غـير إيـاب
سـحـبت أيّـامـها الـجرحى عـلى
- لـفـحة الـبيد وأشـواك الـهضاب
ومـضت فـي طـرق الـعمر فـمن
- مـسلك صـعب إلـى دنـيا صـعاب
وانـتهت حـيث انـتهى الـشوط بها
- فـاطـمأنّت تـحت أسـتار الـغياب
آه "يــا أمّـي" وأشـواك الأسـى
- تـلهب الأوجـاع فـي قـلبي المذاب
فـيـك ودّعــت شـبابي والـصبا
- وانـطوت خـلفي حـلاوات التصابي
كـيـف أنـسـاك وذكـراك عـلى
- سـفـر أيّـامي كـتاب فـي كـتاب
إنّ ذكـــراك ورائــي وعـلـى
- وجـهتي حـيث مـجيئي وذهـابي
كــم تـذكّـرت يـديـك وهـمـا
- فـي يـدي أو فـي طعامي وشرابي
كـــان يـضـنيك نـحـولي وإذا
- مـسّـني الـبـرد فـزنـداك ثـيابي
وإذا أبـكـانـي الـجـوع ولــم
- تـملكي شـيئاً سـوى الـوعد الكذّاب
هـدهـدت كـفـاك رأســي مـثلما
- هـدهـد الـفجر ريـاحين الـرّوابي
كــم هـدتـني يـدم الـسمرا إلـى
- حقلنا في الغول في قاع الرحاب
وإلــى الـوادي إلـى الـظلّ إلـى
- حـيث يـلقي الـروض أنفاس الملاب
وسـواقـي الـنـهر تـلقي لـحنها
- ذائـبًا كـاللطف فـي حـلو الـعتاب
كـــم تـمـنّينا وكــم دلّـلـتني
- تـحت صمت اللّيل والشهب الخوابي
كــم بـكـت عـيـناك لـمّا رأتـا
- بـصري يـطفا ويطوي في الحجاب
وتـذكّـرت مـصـيري والـجوى
- بـين جـنبيك جـراح فـي الـتهاب
هــا أنــا يـا أمّـي الـيوم فـتى
- طـائـر الـصـيت بـعيد الـشهاب
أمــلأ الـتـاريخ لـحـنًا وصـدى
- وتـغـني فـي ربـا الـخلد ربـابي
فـاسمعي يـا أمّ صـوتي وارقـصي
- مـن وراء الـقبر كـالحورا الـكعاب
هــا أنــا يـا أمّ أرثـيك وفـي
- شـجو هـذا الشعر شجوي وانتحابي
قصيدة قد أعرب الدمع عن وجدي وكتماني
يقول ابن دنينير في قصيدته:
قد أعرب الدمع عن وجدي وكتماني
- وأعجم القلب في صبري وسلواني
وقابلت أدمُعي فبمن كفت به
- يوم التفرّق والتوديع نيراني
أشكو الهوى وفؤادي يستلذّ به
- وغير شاني الذي أبدى لكم شاني
بنتم فما زلت مع وجد أكابده
- مستوحشاً لكم سرّي وإعلاني
والبعد في النار أكفاني وموقدها
- من بعد وشك نواكم دمعي القاني
لا كان سهم نوى أصمى فؤادي من
- عوجا وتين بمرنان ومذعان
لو زارني الطيف سلّيت الهموم به
- ولو تغشى رقادي كان يغشاني
لم يطرق النوم أجفاني ولا عجب
- من بعد فرقتكم أنى تجافاني
ما صحّ كتمان سرّي إذ جفيت وقد
- أصبحت ما بين أحشاء وأجفان
فدمع عيني طليق بعد بعدكم
- لكن فوادي المعنّى فيكم دعان
ما استعذبت عذبات الرند بعدكم
- روحي ولا بان منّى رغبة البان
تحمّلت منكم ريح الصبا أرجا
- أزرى على نشر يبرين ونعمان
ما خلت أني وإن ساء الزمان بنا
- فعلًا أفارق أحبابي وخلان
ولا علمت بأن الدهر يبدلني
- من بعد تشتيت إخواني بخوّان
يا ظاعنين وقلبي نحوهم أبداً
- يحدى من الشوق فيما بين أظعان
بنتم فما لذّ لي عيش لبعدكم
- ولا فرحت بأوطارى وأوطاني
أورثتموني شبحاً باق تردّدهُ
- لبعدكم ي سويد القلب أشجاني
أنّى ذكرتكم فالشوق من وله
- جمر الفضا بفنا الأوطان أوطاني
إن خانني زمني فيكم فليس له
- بدع إذا ما رمى حرّا بحرمان
أو كان بغيته خفضى فقد رفعت
- يد الفضائل بين الناس بنياني
جلّيت عند فتاء السن من أدبي
- أوفى شيوخ بني الدنيا وشبّان
وطلت هذا الورى بالفضل أجمعهم
- لكنما الرزق لم يحرز بإمكان
قصيدة تحت الشبابيك العتيقة.. الجرح القديم
يقول محمود درويش:
- واقفٌ تحت الشبابيك
- على الشارع واقفْ
- درجات السّلم المهجور لا تعرف خطوي
- لا ولا الشبّاك عارفْ.
- من يد النخلة أصطادُ سحابه
- عندما تسقط في حلقي ذبابه
- وعلى أنقاض إنسانيتي
- تعبرُ الشمسُ وأقدامُ العواصفْ
- واقفٌ تحت الشبابيك العتيقة
- من يدي يهرب دوريُّ وأزهار حديقة
- اسأليني: كم من العمر مضى حتى تلاقى
- كلُّ هذا اللون والموت، تلاقى بدقيقة؟
- وأنا أجتازُ سرداباً من النسيان
- والفلفل، والصوت النحاسي
- من يدي يهرب دوريٌّ..
- وفي عيني ينوب الصمت عن قول الحقيقة!
- عندما تنفجر الريح بجلدي
- وتكفُّ الشمسُ عن طهو النعاسْ
- وأُسمّي كل شيء باسمه
- عندها أبتاع مفتاحاً وشباكاً جديداً
- بأناشيد الحماس!
- أيها القلبُ الذي يُرم من شمس النهار
- ومن الأزهار والعيد، كَفانا!
- علمونا أن نصون الحب بالكره!
- وأن نكسو ندى الورد.. غبار!
- أيها الصوتُ الذي رفرف في لحمي
- عصافير لهبْ
- علّمونا أن نُغني، ونحب
- كلَّ ما يطلعه الحقلُ من العُشْب
- من النمل، وما يتركه الصيفُ على أطلال دارِ
- علّمونا أن نُفني، ونداري
- حبَّنا الوحشيَّ، كي لا
- يصبح الترنيم بالحب مملاَّ!
- عندما تنفجر الريحُ بجلدي
- سأسمي كلَّ شيء باسمه
- وأدق الحزن والليل بقيدي
- يا شبابيكي القديمة..!
قصيدة أقول لأصحابي وقد طلبوا الصلا
يقول قيس ابن الملوح:
أَقولُ لِأَصحابي وَقَد طَلَبوا الصِلا
- تَعالوا اِصطَلوا إِن خِفتُمُ القُرَّ مِن صَدري
فَإِنَّ لَهيبَ النارِ بَينَ جَوانِحي
- إِذا ذُكِرَت لَيلى أَحَرُّ مِنَ الجَمرِ
فَقالوا نُريدُ الماءَ نَسقي وَنَستَقي
- فَقُلتُ تَعالوا فَاِستَقوا الماءَ مِن نَهري
فَقالوا وَأَينَ النَهرُ قُلتُ مَدامِعي
- سَيُغنيكُمُ دَمعُ الجُفونِ عَنِ الحَفرِ
فَقالوا وَلِم هَذا فَقُلتُ مِنَ الهَوى
- فَقالوا لَحاكَ اللَهُ قُلتُ اِسمَعوا عُذري
أَلَم تَعرِفوا وَجهاً لِلَيلى شُعاعُهُ
- إِذا بَرَرَت يُغني عَنِ الشَمسِ وَالبَدرِ
يَمُرُّ بِوَهمي خاطِرٌ فَيَؤُدُّها
- وَيَجرَحُها دونَ العِيانِ لَها فِكري
مُنَعَّمَةٌ لَو قابَلَ البَدرَ وَجهُها
- لَكانَ لَهُ فَضلٌ مُبينٌ عَلى البَدرِ
هِلالِيَّةُ الأَعلى مُطَلَّخَةُ الذُرا
- مُرَجرَجَةُ السُفلى مُهَفهَفَةُ الخَصرِ
مُبتَلَّةٌ هَيفاءُ مَهضومَةُ الحَشا
- مُوَرَّدَةُ الخَدَّينِ واضِحَةُ الثَغرِ
خَدَلَّجَةُ الساقَينِ بَضٌّ بَضيضَةٌ
- مُفَلَّجَةُ الأَنيابِ مَصقولَةُ العُمرِ
فَقالوا أَمَجنونٌ فَقُلتُ مُوَسوِسٌ
- أَطوفُ بِظَهرِ البيدِ قَفراً إِلى قَفرِ
فَلا مَلَكُ المَوتِ المُريحِ يُريحُني
- وَلا أَنا ذو عَيشٍ وَلا أَنا ذو صَبرِ
وَصاحَت بِوَشكِ البَينِ مِنها حَمامَةٌ
- تَغَنَّت بِلَيلٍ في ذُرا ناعِمٍ نَضرِ
عَلى دَوحَةٍ يَستَنُّ تَحتَ أُصولِها
- نَواقِعُ ماءٍ مَدَّهُ رَصَفُ الصَخرِ
مُطَوَّقَةٌ طَوقاً تَرى في خِطامِها
- أُصولَ سَوادٍ مُطمَئِنٍّ عَلى النَحرِ
أَرَنَّت بِأَعلى الصَوتِ مِنها فَهَيَّجَت
- فُؤاداً مُعَنّى بِالمَليحَةِ لَو تَدري
فَقُلتُ لَها عودي فَلَمّا تَرَنَّمَت
- تَبادَرَتِ العَينانِ سَحّاً عَلى الصَدرِ
كَأَنَّ فُؤادي حينَ جَدَّ مَسيرُها
- جَناحُ غُرابٍ رامَ نَهضاً إِلى الوَكرِ
فَوَدَّعتُها وَالنارُ تَقدَحُ في الحَشا
- وَتَوديعُها عِندي أَمَرُّ مِنَ الصَبرِ
وَرُحتُ كَأَنّي يَومَ راحَت جِمالُهُم
- سُقيتُ دَمَ الحَيّاتِ حينَ اِنقَضى عُمري
أَبيتُ صَريعَ الحُبِّ دامٍ مِنَ الهَوى
- وَأُصبِحُ مَنزوعَ الفُؤادِ مِنَ الصَدرِ
رَمَتني يَدُ الأَيّامِ عَن قَوسِ غِرَّةٍ
- بِسَهمَينِ في أَعشارِ قَلبي وَفي سَحري
بِسَهمَينِ مَسمومَينِ مِن رَأسِ شاهِقٍ
- فَغودِرتُ مُحمَرَّ التَرائِبِ وَالنَحرِ
مُنايَ دَعيني في الهَوى مُتَعَلِّقاً
- فَقَد مِتُّ إِلّا أَنَّني لَم يُزَر قَبري
فَلَو كُنتِ ماءً كُنتِ مِن ماءِ مُزنَةٍ
- وَلَو كُنتِ نَوماً كُنتِ مِن غَفوَةِ الفَجرِ
وَلَو كُنتِ لَيلاً كُنتِ لَيلَ تَواصُلِ
- وَلَو كُنتِ نَجماً كُنتِ بَدرَ الدُجى يَسري
عَلَيكِ سَلامُ اللَهِ يا غايَةَ المُنى
- وَقاتِلَتي حَتّى القِيامَةِ وَالحَشرِ
قصيدة جزعت ولم أجزع من البين
يقول امرؤ القيس:
جَزَعتُ وَلَم أَجزَع مِنَ البَينِ مَجزَع
- وَعَزَّيتُ قَلباً بِالكَواعِبِ مولَعا
وَأَصبَحتُ وَدَّعتُ الصِبا غَيرَ أَنَّني
- أُراقِبُ خُلّاتٍ مِنَ العَيشِ أَربَعا
فَمِنهُنَّ قَولي لِلنَدامى تَرَفَّقوا
- يُداجونَ نَشّاجاً مِنَ الخَمرِ مُترَعا
وَمِنهُنَّ رَكضُ الخَيلِ تَرجُمُ بِالفَنا
- يُبادِرنَ سِرباً آمِناً أَن يُفَزَّعا
وَمِنهُنَّ نَصُّ العيسِ وَاللَيلُ شامِلٌ
- تَيَمَّمُ مَجهولاً مِنَ الأَرضِ بَلقَعا
خَوارِجَ مِن بَرِّيَّةٍ نَحوَ قَريَةٍ
- يُجَدِّدنَ وَصلاً أَو يُقَرِّبنَ مَطمَعا
وَمِنهُنَّ سَوفُ الخودِ قَد بَلَّها النَدى
- تُراقِبُ مَنظومَ التَمائِمِ مُرضَعا
تَعِزُّ عَلَيها رَيبَتي وَيَسوؤُه
- بُكاهُ فَتَثني الجيدَ أَن يَتَضَوَّعا
بَعَثتُ إِلَيها وَالنُجومُ طَوالِعٌ
- حِذاراً عَلَيها أَن تَقومَ فَتُسمَعا
فَجاءَت قُطوفَ المَشيِ هَيّابَةَ السُرى
- يُدافِعُ رُكناها كَواعِبَ أَربَعا
يُزَجِّينَها مَشيَ النَزيفِ وَقَد جَرى
- صُبابُ الكَرى في مُخِّها فَتَقَطَّعا
تَقولُ وَقَد جَرَّدتُها مِن ثِيابِها
- كَما رُعتَ مَكحولَ المَدامِعِ أَتلَعا
وَجَدِّكَ لَو شَيءٌ أَتانا رَسولُهُ
- سِواكَ وَلَكِن لَم نَجِد لَكَ مَدفَعا
فَبِتنا تَصُدُّ الوَحشُ عَنّا كَأَنَّنا
- قَتيلانِ لَم يَعلَم لَنا الناسُ مَصرَعا
تُجافي عَنِ المَأثورِ بَيني وَبَينَه
- وَتُدني عَلَيَّ السابِرِيَّ المُضَلَّعا
إِذا أَخَذَتها هِزَّةُ الرَوعِ أَمسَكَت
- بِمَنكِبِ مِقدامٍ عَلى الهَولِ أَروَعا