أقسام اليمين

مفهوم اليمين

اليمين في اللغة لها معاني متعددة، فمن معانيها القوة النافذة، وذلك كما في قول الله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ}،^[١] وتأتي بمعنى اليد اليمنى، كما جاء في القرآن الكريم من قول الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ}،^[٢] واليمين في الشرع: تأكيد الفعل أو الترك أو الإخبار بذكر الشيء المعظم في النفس الذي يشعر الحالف نحوه بالتعظيم والخشية والخوف إن خالف ما حلف عليه، ولا يجوز الحلف إلّا بالله -تعالى- أو صفة من صفاته، لأن الحلف يكون بمثابة التعظيم المطلق وهذا لا يكون إلّا له سبحانه، وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه، حيث قال: "أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَالَ: مَن كانَ حَالِفًا، فَلْيَحْلِفْ باللَّهِ أوْ لِيَصْمُتْ"،^[٣] والحلف بغير الله -تعالى- يُعد من الشرك الأصغر، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه، حيث قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "منْ حلفَ بغيرِ اللهِ فقدْ أشركَ".^[٤][٥]

أقسام اليمين

يترتب على اليمين الذي ينطقه المرء بلسانه أحكام متعددة في الشريعة الإسلامية، وتختلف هذه الأحكام تبعًا لنوع اليمين، وكذلك منها ما هو جائز ومنها ما هو محرم، وتُقسم أقسام اليمين إلى الأقسام التالية:

يمين لغو

يمين اللغو: هي اليمين التي ينطقها اللسان بلا قصد ومن غير أنّ يعقد القلب عليها، فاليمين اللغو تجري على اللسان لكن دون إرادة وقصد، فقد قال الشافعية: " الْيَمِينُ اللَّغْوُ هِيَ الَّتِي يُسْبَقُ اللِّسَانُ إِلَى لَفْظِهَا بِلاَ قَصْدٍ لِمَعْنَاهَا، كَقَوْلِهِمْ لاَ وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ فِي نَحْوِ صِلَةِ كَلاَمٍ أَوْ غَضَبٍ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي الْمَاضِي أَمِ الْحَال أَمِ الْمُسْتَقْبَل"، وأضاف بعض العلماء أنّ اليمين اللغو الحلف على أمر وهو يظن أنّه كذلك ثم يتبين أنّه خلاف ما ظنه، وقد بيّن الله -تعالى- في القرآن الكريم أنّه لا يؤاخذ المرء بيمين اللغو، فليس عليه الأثم والكفارة، فقد قال سبحانه: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ}،^[٦] وعلى المسلم انّ يبتعد عن كثرة الحلف، فقد قال الله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.^[٧][٨]

يمين منعقدة

اليمين المنعقدة قسم من أقسام اليمين وهي: ما يحلف على أمر ما في المستقبل أنّ يفعله أو لا يفعله، وتسمى اليمين المنعقدة كذلك باليمين المؤكدة و اليمين المعقودة، وهذه اليمين تجب فيها الكفارة عند الحنث، وذلك لقول الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَان}،^[٦] ومن حلف على ترك واجب أو فعل معصية فعليه الحنث في يمينه ودفع الكفارة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، حيث قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "من حلف على يمين، فرأى غيرها خيراً منها، فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه"،^[٩] أما إذا حلف على فعل طاعة أو خير فعليه الوفاء بيمينه، فعن عائشة رضي الله عنها، حيث قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "مَنْ نذر أنْ يُطِيعَ اللهَ ، فلْيُطِعْه ، و مَنْ نذر أنْ يَعْصي اللهَ فَلا يَعصِه"،^[١٠] وإذا كان اليمين على أمرٍ مباح فالأفضل أن يفعل ما حلف عليه ويبتعد عن الحنث، وقد قال الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}،^[١١] ولا كفارة ولا حنث على غير المكلف كالمجنون والصبي والنائم، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حيث قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ : عن الصبيِّ حتى يبلغَ وعن المجنونِ حتى يفيقَ وعن النائمِ حتى يستيقظَ".^[١٢][١٣]

يمين الغموس

من أقسام اليمين يمين الغموس، واليمين الغموس: اليمين الكاذبة التي تؤكل بها الحقوق أو يقصد بها الغش والخيانة، وهي من كبائر الذنوب، وسُميت بالغموس لأنها تغمس صاحبها في نار جهنم، ولا كفارة في اليمين الغموس؛ وذلك لأنها أكبر من أنّ تُكفر، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، حيث قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "خمسٌ ليسَ لهنَّ كفَّارةٌ: الشِّركُ باللهِ، وقَتلُ النَّفسِ بغيرِ حقٍّ، وبُهْتُ المؤمنِ، والفِرارُ من الزَّحفِ، ويمينٌ صابرةٌ يُقْتَطَعُ بها مالًا بغيرِ حقٍّ"،^[١٤] واليمين الغموس من أكبر الذنوب وأخطرها في الإسلام، فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، حيث قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "الكَبائِرُ: الإشْراكُ باللَّهِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ، وقَتْلُ النَّفْسِ، واليَمِينُ الغَمُوسُ"،^[١٥] ومما يُدل على خطورة اليمين الغموس أنّ يقرن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بينها وبين الإشراك بالله -تعالى- وعقوق الوالدين.^[١٦]

كفارة اليمين

فقط اليمين المنعقدة هي التي بها الكفارة من أقسام اليمين، ويُخيّر من لزمته الكفارة بين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم باللباس أو تحرير رقبة مؤمنة، ومن كان فقيرًا ولا يملك المال فيصوم ثلاثة أيام لتكفير يمينه، ولا يجوز تقديم الصيام إلّا عند العجز عن القيام بالأمور الثلاثة السابقة، فقد قال الله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}،^[٦] ومن حلف على أنّ لا يفعل الشيء ثم فعله جاهلًا أو ناسيًا أو أو مكرهًا فلا يكون بذلك حانثًا ليمينه وليس عليه دفع الكفارة، والله تعالى أعلم.^[١٧]

المراجع

1. ↑ سورة الحاقة، آية:44 45
2. ↑ سورة الحاقة، آية:19
3. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:2679، حديث صحيح.
4. ↑ رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:3251، سكت عنه وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح.
5. ↑ "الإيمان والنذور"، al-maktaba.org، 2020-05-12، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-12. بتصرّف.
6. ^ ^{أ ب ت} سورة المائدة، آية:89
7. ↑ سورة البقرة، آية:224
8. ↑ "اليمين اللغو"، al-maktaba.org، 2020-05-12، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-12. بتصرّف.
9. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1650، حديث صحيح.
10. ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:6565، حديث صحيح.
11. ↑ سورة النحل، آية:91
12. ↑ رواه النووي، في الخلاصة، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:250، إسناده صحيح.
13. ↑ "اليمين المنعقدة أو المعقودة أو المؤكدة"، al-maktaba.org، 2020-05-12، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-12. بتصرّف.
14. ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3247، حديث حسن.
15. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:6675، حديث صحيح.
16. ↑ "اليمين الغموس وحكمها"، al-maktaba.org، 2020-05-12، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-12. بتصرّف.
17. ↑ "كفارة اليمين: يخير من لزمته كفارة يمين بين"، al-maktaba.org، 2020-05-12، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-12. بتصرّف.