أقل عدد مصلين لإقامة صلاة الجمعة

كتابة:
أقل عدد مصلين لإقامة صلاة الجمعة

صلاة الجمعة

يوم الجمعة: مشتقٌ من اجتماع الناس للصلاة، وقيل: لجمعه الجماعات، وقيل: لجمع طين آدم- عليه السلام- فيه، وقال بعضهم: لأن آدم -عليه السلام- جُمع خلقه فيه، وقيل: لأن آدم -عليه السلام- اجتمع مع حواء في الأرض في هذا اليوم، وأوّل من سمَّاه يوم الجمعة كعب بن لؤي، وكان يُسمّى قديماً يوم العروبة، وهو أفضل أيام الأسبوع،[١] وقد دلَّ القرآن، والسنة، والإجماع على أصل فرضية صلاة الجمعة، أمَّا القرآن فقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّـهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ)،[٢] فأمر الله -تعالى- بالسَّعي؛ أي الذهاب إلى الصلاة، والأمر يقتضي الوجوب، ولا يجب السعي إلا إلى الواجب، ونهى كذلك عن البيع؛ حتى لا يشغله عن الصلاة، ولو لم تكن الصلاة واجبة لما نهى عن البيع من أجلها، وأمَّا من السنة، فعن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لَيَنْتَهينَّ أقْوامٌ عن ودْعِهِمُ الجُمُعاتِ، أوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ علَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكونُنَّ مِنَ الغافِلِينَ)،[٣] وقد أجمع المسلمون على وجوب الجمعة.[٤]


أقل عدد مصلين لإقامة صلاة الجمعة

اختلف الفقهاء في أقلّ عددٍ من المصلّين حتى تُقام صلاة الجمعة، وبيان اختلافهم على النحو الآتي:

  • الحنفية: قال الإمام أبو حنيفة ومحمد: أقل عددٍ تنعقد به صلاة الجمعة ثلاثة مصلّين سوى الإمام، وقال أبو يوسف: أقلّه اثنان سوى الإمام، وقد رُوي أن مصعب بن عمير -رضي الله عنه- أقام الجمعة في المدينة المنورة باثني عشر رجلاً، ولأن الثلاثة تساوي ما بعدها في كونها جمعاً.[٥]
  • المالكية: ذهب المالكية إلى أن أقل عددٍ يجوز بهم إقامة صلاة الجمعة هو اثنا عشر رجلاً أحراراً مستوطنين غير الإمام، ويبقون مع الإمام من أوّل الخطبة بحيث لا تفسد صلاة أحد منهم حتى نهاية الصلاة بالتسليم.[٦]
  • الشافعية والحنابلة: ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن أقل عددٍ تُقام به صلاة الجمعة هو أربعون رجلاً من أهل وجوبها مع الإمام؛ وذلك لقول كعب بن مالك: (أوَّلُ من جمَّعَ بنا في هزمِ النَّبيتِ من حرَّةِ بني بياضةَ في نقيعٍ يقالُ لَهُ نقيعُ الخضمات قلتُ: كم أنتم يومئذٍ قالَ أربعون).[٧][٨][٩]


شروط صلاة الجمعة

تنقسم شروط صلاة الجمعة إلى ثلاثة أقسام، وهذه الأقسام على النحو الآتي:[١٠]

  • شروطٌ للصحة والوجوب معاً: وهي الشروط التي يلزم من فقدها بطلان الصلاة، وعدم المطالبة بفعلها، وتنحصر في ثلاثة شروط، وهي كالآتي:
    • البلدة الجامعة: اشترط الحنفية أن يكون المكان الذي تُقام صلاة الجمعة فيه مِصراً من الأمصار، والمِصر: هو كل بلدةٍ عُيِّن فيها قاضٍ تُرفع إليه الدعاوى والخصومات، ويلحق بالمِصر ما حوله من القُرى المنتشرة والمتّصلة به والمعدودة من مصالحه، بشرط قربها من المِصر حتى يتمكّن أهلها من حضور صلاة الجمعة، وأمَّا المالكية فاشترطوا أن تُقام في مكانٍ صالحٍ للاستيطان، فتصحّ إقامتها في مناطق الأبنية، ولا تصحّ في مناطق الخيم، وذهب الشافعية إلى اشتراط إقامتها في خُطَّة أبنية سواء كانت في بلدة أو قرية، وأمَّا الحنابلة فقد نقل صاحب المغني عدم اشتراط إقامة صلاة الجمعة في البنيان، ويجوز إقامتها فيما قارب البنيان من الصحراء.
    • إذْن السلطان: ذهب الحنفية إلى اشتراط إذْن السلطان بإقامة صلاة الجمعة، أو حضوره الصلاة، أو حضور نائبٍ رسميٍّ عنه؛ إذ هكذا كان شأنها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدين من بعده، وذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة إلى عدم اشتراط إذن السلطان، أو حضوره، أو حضور نائبه.
    • دخول الوقت: ذهب الجمهور من الحنفية، والمالكية، والشافعية إلى أن وقت صلاة الجمعة هو وقت صلاة الظهر، فلا يثبت وجوب صلاة الجمعة ولا يصحّ أدائها إلا بدخول وقت الظهر، ويستمرّ وقتها إلى دخول وقت العصر، فإذا خرج وقت الظهر سقطت الجمعة، واستبدل بها الظهر؛ لأن صلاة الجمعة لا تُقضى إذا فاتت، ويُشترط دخول وقت الظهر من ابتداء الخطبة، فلو ابتدأ الخطيب الخطبة قبل وقت الظهر لم تصحّ الجمعة، وإن وقعت الصلاة داخل الوقت، وذهب الحنابلة إلى أن أول وقتٍ لصلاة الجمعة هو أول وقت لصلاة العيد.
  • شروط الوجوب فقط: وهي الشروط التي يلزم من فقدها عدم المطالبة بالفعل فقط، وتثبت صحة الفعل، وتنحصر هذه الشروط في خمسة أمور، مع اعتبار الشروط التي يتوقف عليها أهليَّة التكليف بصورة عامَّة، كالعقل والبلوغ، وهذه الشروط على النحو الآتي:
    • الإقامة في البلد: فلا تجب صلاة الجمعة على المسافر، ولا فرق في الإقامة بين أن تكون على سبيل الاستيطان أو دون ذلك، فمن تجاوزت أيام إقامته في بلدة ما الفترة التي يُشرع له فيها قصر الصلاة، وجبت عليه الجمعة؛ وذلك لأن المسافر تلحقه المشقة بدخول البلدة، وحضور الجمعة.
    • الذكورية: فلا تجب صلاة الجمعة على النساء.
    • الصِّحة: أي السلامة من الأمراض، والمقصود سلامة الجسد من الأمراض التي يصعب معها عرفاً حضور الجمعة في المسجد، كمن به مرضٌ وألمٌ شديد.
    • الحرِّية: فلا تجب صلاة الجمعة على العبد المملوك؛ وذلك لا نشغاله بخدمة سيّده.
    • السَّلامة: والمراد بها سلامة المصلّي من العاهات المُقعِدة، أو المُتعِبة له في الخروج إلى صلاة الجمعة، كالشيخوخة المُقعِدة والعمى، ولكن إن وجد الأعمى شخصاً يقوده سواء تبرّعاً أو بأجرة معتدلة، فقد وجبت عليه الجمعة عند الجمهور من المالكية، والشافعية، والحنابلة؛ لأن الأعمى بواسطة القائد يُعتبر قادراً، وخالفهم في ذلك الإمام أبو حنيفة، فذهب إلى عدم وجوب الجمعة عليه، وتجب صلاة الجمعة على الأعمى إذا أُقيمت الجمعة وهو في المسجد متطهّرٌ متهيئٌ للصلاة، أو كان الأعمى ممن يملك مهارةً في المشي في الأسواق دون الحاجة إلى أي كُلفة.
  • شروط الصحة فقط: وهي الشروط التي يلزم من فقدها بطلان الصلاة، مع استمرار المطالبة بأدائها، وهي أربعة شروط، وبيانها على النحو الآتي:
    • الخطبة: من شروط صلاة الجمعة أن تتقدّم الخطبة على الصلاة، وذهب الحنفية إلى أن الخطبة هي كل ذكرٍ يُسمّى في عرف الناس خطبة، فمتى أتى الإمام بذلك بعد دخول الوقت تأدّى الشرط وصحّة الخطبة، سواءٌ كانت خطبةً واحدة أو خطبتين، وقرأ فيها قرآناً أم لا، وذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة إلى اشتراط خطبتين، واعتبر الشافعية للخطبة خمسة أركان، ثلاثٌ منها في الخطبتين، وهي: حمد الله، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، والوصية بتقوى الله، وقراءة آية من القرآن في إحدى الخطبتين، والدعاء للمؤمنين في الخطبة الثانية، واشترط الحنابلة قراءة آية من القرآن.
    • الجماعة: من شروط صحّة صلاة الجمعة أن تؤدّى جماعة، ودليل ذلك أن هذه الصلاة تُسمّى جمعة، فلا بد من لزوم معنى الجمعة فيها، ولم يصلّي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الجمعة إلا جماعة، وقد أجمع العلماء على ذلك، فيجب حضور العدد المعتبر لإقامة صلاة الجمعة، ويكون حضور العدد المعتبر من أول الخطبة إلى انتهاء الصلاة، والجماعة في صلاة الجمعة شرط أداءٍ عند الحنفية، وهو الصحيح عند المالكية، والشافعية، ولا يتحقّق الأداء إلا بوجود الأركان كاملة، وهي: القيام، والقراءة، والركوع، والسجود، فلو تفرّقت الجماعة قبل سجود الإمام بطلت الجمعة، وتُصلّى ظهراً، وظاهر كلام الإمام أحمد إن تفرّقت الجماعة قبل انتهاء الصلاة لم يجز إتمامها جمعة.
    • إقامة الجمعة في مكانٍ بارزٍ معلوم: اشترط الحنفية أن تؤدّى صلاة الجمعة بإذنٍ عامٍّ مشهور، وذلك يحصل بإقامة الصلاة في مكانٍ بارزٍ معلومٍ لمختلف فئات الناس، مع فتح الأبواب للقادمين إلى الصلاة؛ وذلك لأن الله -تعالى- شرع النداء لصلاة الجمعة، والنداء للاشتهار، ولذا تُسمّى جمعة؛ لاجتماع جموع المسلمين فيها، فاقتضى ذلك أن تكون الجماعات قد أُذِن لها بالحضور إذناً عاماً.
    • عدم تعدّد الجمعة: أي أن لا تتعدد الجمعة في البلدة الواحدة مطلقاً، فذهب مالك في المشهور عنه، والشافعي، وأحمد إلى منع التعدّد في البلدة الواحدة، سواءٌ كانت كبيرة أو صغيرة إلا لحاجة، وهو مذهب أبو حنيفة أيضاً، وذهب محمد صاحب أبي حنيفة إلى جواز إقامتها في موضعين أو ثلاثة.


المراجع

  1. منصور البهوتي، كشاف القناع عن متن الإقناع، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 20-21، جزء 2. بتصرّف.
  2. سورة الجمعة، آية: 9.
  3. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 865، صحيح.
  4. ابن قدامة (1968)، المغني، القاهرة: مكتبة القاهرة، صفحة 218، جزء 3. بتصرّف.
  5. أبو بكر الكاساني (1986)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 268، جزء 1. بتصرّف.
  6. محمد ابن عليش (1989)، منح الجليل شرح مختصر خليل، بيروت: دار الفكر، صفحة 430، جزء 1. بتصرّف.
  7. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن كعب بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1069، حسن.
  8. الخطيب الشربيني (1994)، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 545-546، جزء 1. بتصرّف.
  9. منصور البهوتي (1993)، دقائق أولي النهى لشرح المنتهى (الطبعة الأولى)، الرياض: عالم الكتب، صفحة 312، جزء 1. بتصرّف.
  10. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1992)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 195-204، جزء 27. بتصرّف.
7253 مشاهدة
للأعلى للسفل
×