أكل مال الناس بغير حق

كتابة:
أكل مال الناس بغير حق

أكل مال الناس بغير حق 

ورد في القرآن الكريم آيات قرآنيّة دالّة على النهي عن أكل أموال النّاس بالباطل، أو التعرّض لها والتعامل بها على غير الوجه المشروع، وهو أهم ما تطرّق إليه القرآن الكريم فيما يتعلّق بالمعاملات الماليّة.[١]

وقد جاء النهي عن القيام بذلك من الله؛ ذلك لأنّ أكل مال الناس يُؤدي إلى نزع قوة المجتمع، وتفرقته، وشيوع المشاكل فيه،[٢] وفي ذلك روت خولة الأنصاريّة -رضيَ الله عنها- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فقالت: (سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يقولُ: إنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ في مَالِ اللَّهِ بغيرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَومَ القِيَامَةِ).[٣][١]

نهي الإسلام عن أكل أموال الناس بغير حق

قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)،[٤] وقد عدّ الله ما يُؤخذ من الغير على غير وجه التجارة، أو الصدقة، أو الإرث، أو العمل، أو النفقة؛ فهو في غير وجهه المشروع ويعدّ حراماً.[٥]

وهو محرّم سواء قام به بالأكل أو الشرب، أو اشترى به لباساً أو فرشاً، أو بنى فيه بيتاً، وقد قال الله -تعالى-: (إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)،[٤] فالتاجر يشتري السلعة بسعر معيّن ويبيعها بأكثر من ذلك السعر، ولا يكون حراماً.[٥]

صور أكل أموال الناس بغير حق 

لا يقتصر أكل أموال النّاس بغير حقٍّ على صورة محدّدة، وإنّما يشمل الكثير من الصور والعديد من المجالات المختلفة، ومن هذه الصور ما يأتي:

أكل مال اليتيم

يُعدّ الاعتداء على مال اليتيم من صور أكل أموال النّاس بغير حق، إضافةً إلى ما فيه من الظلم الواقع على اليتيم، وإنّما الأمر في معاملة اليتيم أن تقوم على العدل، فمن تجاوزه إلى الظلم فقد طغى وتعدّى، فقد قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا).[٦][٧]

فالذي يفعل ذلك فإن ما يأخذه سيكون ناراً تشتعل وتحترق في بطنه، وقيل إنّ ذلك سيكون سبباً لأن تكون النّار مصيرهم ومقرّهم يوم القيامة، ولا يكون الأخذ من مال اليتيم ظلماً إن كان أخذاً بحق؛ كأن يكون وليّه فقيراً، فيأخذ من أمواله بالمعروف بما يعينه في الإنفاق عليه، قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ).[٨][٧]

وروى أبي برزة -رضيَ الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (يُبعَثُ يومَ القيامةِ قومٌ مِن قبورِهم تَأَجَّجُ أفواهُهم نارًا، فقيل: مَن هم يا رسولَ اللهِ؟ قال: ألم ترَ اللهَ يقولُ: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا)).[٩][١٠]

الرشوة

نهى الله -عزّ وجلّ- عن الرّشوة، فقال -تعالى-: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)،[١١] ومن المعاني التي اقتضاها لفظ الإثم في الآية: الرّشوة؛ والتي تُعدّ من أشرّ أنواع أكل أموال النّاس بغير حق، ومنها ما يقوم الرّاشي به من دفع المال للقاضي أو الحاكم ليحكم له بغير الحق، ويقوم بإثباتها بشهادة الزور، أو اليمين الكاذبة.[١٢]

وقد لعن الله كل من له يد في الرّشوة، وشمل هذا اللّعن الرّاشي؛ وهو معطي الرشوة، والمرتشي؛ وهو آخذها، والرائش؛ وهو الوسيط الذي أخذ الرشوة من الرّاشي وسلّمها للمرتشي.[١٣]وقد أجمعت الأُمة على تحريم الرّشوة؛ لما لها من آثار سلبية وأضرار على الأفراد والمجتمع، ولما تؤدي إليه من الفساد في الأرض،[١٣] كما حرّم الإسلام كل ما يشبه الرشوة، ونهت عنه نهياً شديداً، وحذّرت منه.[١٤]

شهادة الزور

تتحقّق شهادة الزّور بأن يشهد الشخص على شيءٍ مع علمه أنّه كاذب فيه، وتكون هذه الشهادة مقابل مالٍ أو منفعةٍ، يُقدّمها لقريبٍ، أو صديقٍ، أو شخصٍ من معارفه، وقد نهى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن شهادة الزّور.[١٥]

فقد ثبت عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (أَلا أُنَبِّئُكُمْ بأَكْبَرِ الكَبائِرِ قُلْنا: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: الإشْراكُ باللَّهِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ، وكانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فقالَ: ألا وقَوْلُ الزُّورِ، وشَهادَةُ الزُّورِ، ألا وقَوْلُ الزُّورِ، وشَهادَةُ الزُّورِ فَما زالَ يقولُها، حتَّى قُلتُ: لا يَسْكُتُ).[١٦]

حيث حذّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منها، وأنبأ عن كثرتها وانتشارها بين النّاس حين أكثر من ترديدها،[١٥] وتدخل شهادة الزّور تحت صور أكل أموال النّاس بغير حق إن كانت شهادةً على مال.[١٧]

صور أخرى لأكل أموال الناس بغير حق

من الصور الأخرى لأكل أموال النّاس بالباطل ما يأتي:[١٨]

  • مَن أخذ أموالاً على سبيل الدَّيْن من غيره، ثمّ أنكر ما أخذه.
  • مَن حلف يميناً كاذبةً على أموالٍ ما.
  • ثمن بيع الخمر والخنزير وغيرها من الأمور المحرّمة.
  • الغش، والتدليس، والمقامرة، والاحتكار.[١٩]

عقوبة أكل أموال الناس بغير حق

أوجب الله -سبحانه وتعالى- النّار على كل من يأكل أموال النّاس بغير حق؛ ذلك لأنّه يُعدّ من الظلم العظيم، فقال الله -تعالى-: (وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرًا)،[٢٠][٢١]

وينبغي على من أكل أموال النّاس بغير حقٍّ؛ أن يتوب إلى الله توبةً نصوحاً، ويُرجع المال إلى صاحبه إن تمكّن من ذلك، وإن كان ما أخذه قد تعرّض للتلف؛ فينبغي عليه أن يدفع قيمته لصاحبه، وإن لم يتوافر المالك الحقيقي لهذا المال يقوم بدفعه إلى ورثته، فإن تعذّر الدفع للورثة يقوم بالتبرع بالمال لجهةٍ من جهات الخير لتقوم بصرفه والتبرع به؛ مثل جهات البرّ التي تتكفّل بالإنفاق على الفقراء والمساكين.[٢٢]

المراجع

  1. ^ أ ب ياسر الحمداني (2008)، جواهر من أقوال الرسول، مصر :دار الحرمين ، صفحة 237. بتصرّف.
  2. محمد أبو زهرة ، المعجزة الكبرى القرآن، القاهرة :دار الفكر العربي، صفحة 349. بتصرّف.
  3. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن خولة بنت قيس الأنصارية، الصفحة أو الرقم:3118، صحيح .
  4. ^ أ ب سورة النساء ، آية:29
  5. ^ أ ب أبو بكر الجزائري (2001)، نداءات الرحمن لأهل الإيمان (الطبعة 3)، المدينة المنورة :مكتبة العلوم والحكم، صفحة 55. بتصرّف.
  6. سورة النساء ، آية:10
  7. ^ أ ب سليمان اللاحم (2003)، حقوق اليتامى كما جاءت في سورة النساء (الطبعة 1)، المملكة العربية السعودية:دار العاصمة، صفحة 93. بتصرّف.
  8. سورة النساء ، آية:6
  9. رواه ابن حبان ، في صحيح ابن حبان ، عن أبي برزة ، الصفحة أو الرقم:5566، أخرجه في صحيحه .
  10. ناصر الدين الألباني (2003)، التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (الطبعة 1)، المملكة العربية السعودية :دار با وزير، صفحة 136، جزء 8. بتصرّف.
  11. سورة البقرة ، آية:188
  12. أبو بكر الجزائري (2003)، أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير (الطبعة 5)، المدينة المنورة :مكتبة العلوم والحكم، صفحة 169، جزء 1. بتصرّف.
  13. ^ أ ب عبد الرحيم الهاشم (1426)، الهدايا للموظفين/ أحكامها وكيفية التصرف فيها (الطبعة 1)، المملكة العربية السعودية :دار ابن الجوزي، صفحة 26. بتصرّف.
  14. عطية سالم ، شرح بلوغ المرام، صفحة 1، جزء 201. بتصرّف.
  15. ^ أ ب عبد الله الغنيمان ، شرح فتح المجيد، صفحة 17، جزء 74. بتصرّف.
  16. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أبو بكرة نفيع بن الحارث، الصفحة أو الرقم:5976، صحيح .
  17. محمد صدقي آل بورنو (2003)، موسوعة القواعد الفقهية (الطبعة 1)، بيروت :مؤسسة الرسالة، صفحة 264، جزء 12. بتصرّف.
  18. محمد صدقي آل بورنو (2003)، موسوعة القواعد الفقهية (الطبعة 1)، بيروت :مؤسسة الرسالة، صفحة 264، جزء 12. بتصرّف.
  19. مجموعة من المؤلفين (2009)، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 3627، جزء 9. بتصرّف.
  20. سورة النساء ، آية:30
  21. محمد المقدم ، سلسلة الإيمان والكفر، صفحة 10، جزء 9. بتصرّف.
  22. مجموعة من المؤلفين (2009)، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 9798، جزء 12. بتصرّف.
4208 مشاهدة
للأعلى للسفل
×