أنواع التقادم في القانون

كتابة:
أنواع التقادم في القانون

أنواع التقادم في القانون

ماذا يعني مصطلح التقادم في القانون؟

التّقادم هو نظام قانوني يُشكّل فيه الزمن عنصرًا  أَسَاسِيًّا، ولقد أخذت به معظم التشريعات القانونية؛ وذلك لاعتبارات عديدة تتعلق بالمصلحة العامة، ووجوب احترام الأوضاع المستقلّة والتي مرّ عليها مدة زمنية معينة، وكذلك من أجل التخفيف عنالمدين عبء إثبات براءة ذمته من دين سكت عنه الدائن مدة طويلة من الزمن، وعليه فإن نظام التقادم يحقق الثقة بين الناس، كما يؤدي إلى استقرار المعاملات؛ لأنه يقوم بالأساس على مبدأ احترام الأوضاع المستقرة، والتي مر عليها فترة زمنية طويلة، والتقادم في اللغة يعني: "تقادم العهد؛ أي قدم وطال زمانه"[١]

أما قانونًا فهو لا يخرج عن هذا المعنى اللغوي، فالتقادم في القانون وبسبب مضي المدة الزمنية أصبح يعد سبب من أسباب اكتساب الملكية، كما ويعد وسيلة لانقضاء الالتزام [٢]، وأصبح أيضًا التقادم وسيلة لانقضاء الحق الذي لم يُطالب به صاحبه لمدة زمنية معينة، وفي هذا المقال سيتم بيان ماهية التقادم المسقط والمكسب.[٣]


التقادم المسقط

ما هي الأموال التي لا يمكن كسبها بالتقادم؟

التقادم بصورة عامة هو مرور مدة زمنية محددة في القانون تختلف باختلاف الحقوق، لاكتساب الحائز للحق الذي حازه خلال هذه المدة دون أن يُعرف له مالك أو يطالب به أحد ما، كما وهو يبرئ المدين من الدين الذي التزم به طالما كان الدائن ساكتًا عن المطالبة به خلال المدة التي يُحددها المشرع في القانون، وتميز التشريعات القانونية بين نوعين من التقادم: الأول هو التقادم المُسقط وهو: "النوع الذي يفرض وضعًا سلبيًا يتمثل في عدم مطالبة الدائن بحقه أو عدم استعماله للحق المقرر له بموجوب القانون"، في حين النوع الثاني هو التقادم المكسب والذي يفرض وضع إيجابي على عكس النوع الأول والمتمثل بأمر مهم ألا وهو الحيازة.[٤]

والتقادم المسقط يعد سببًا من أسباب انقضاء الالتزام، وذلك من خلال مضيّ المدة القانونية المحددة بموجب القانون على استحقاق هذا الالتزام، أي أن التقادم المسقط سوف يسقط الحق طالما أن الدائن لم يطالب المدين به عند استحقاقه، وعلى هذا الأساس فإن التقادم المسقط يؤدي إلى انقضاء الحقوق الشخصية والعينية ما عدا حق الملكية، إذ لم يبادر صاحب الحق إلى استعمال حقه أو المطالبة به خلال المدة المحددة قانونًا، كذلك فإن التقادم المسقط لا يعتد فيه حسن النية، ويعد المشرع القانوني أن التقادم المسقط سببًا من أسباب انقضاء الالتزام شأنه في ذلك شأن الوفاء بالالتزام.[٥]

هنالك بعض الأموال والعقارات غير قابلة لأن تكون محلًّا للتقادم من حيث الأصل؛ والسبب في ذلك يعود إلى ارتباطها بالنظام العام، كالحق في طلب قسمة مال شائع أو في المجرى أو في السيل، كما لا يرد التقادم على أموال وعقارات تعود ملكيتها للدولة أو للدوائر والهيئات الحكومية التابعة لها، كذلك من غير المتصور أن تكون أموال الأوقاف التي تخصص لخدمة الناس، والجمعيات الخيرية ذات النفع العام والطابع الخيري من الأموال التي يمكن كسبها بالتقادم ،فلا يقر القانون لمن يضع يده على هذا النوع من الأموال أيّ حق، حتى وإن طالت المدة الزمنية التي جرت خلالها عملية وضع اليد أو الاستحواذ عليها.[٦]


مدة التقادم

تجب الإشارة إلى أن مطالبة الدائن للمدين بأداء ما في ذمته له هو ليس حق مطلق، على العكس من ذلك فهو حق مقيد بفترة زمنية معينة يتم تحديدها بموجب القانون، ولعلّ السبب وراء ذلك هو رغبة المشرع في أن يكون هنالك استقرار في المعاملات الاقتصادية والاجتماعية، وهي في أغلب التشريعات الوضعية لا تتجاوز الخمسة عشرة سنة، عدا بعض الحالات الخاصّة التي ينصّ عليها القانون، وفي حقيقة الأمر هي مدة مناسبة فهي ليست بالطويلة فترهق المدين، ولا هي بالقصيرة بحيث تباغت الدائن.[٧]


سريان التقادم

لا يبدأ سريان التقادم فيما لم يرد به نصّ خاص إلا من اليوم الذي يصبح فيه الدين مستحق الأداء، أي من الوقت الذي يستطيع فيه الدائن المطالبة بدينه، وعلى هذا الأساس إذا كان الدين مٌعلقًا على شرط واقف أو كان مضافًا إلى أجل معين، يبدأ سريان التقادم من تاريخ تحقق الشرط الواقف أو انتهاء الأجل، وبالنسبة لضمان الاستحقاق فلا يسري إلّا من تاريخ ثبوت الاستحقاق، ولكن هٌناك استثناء يرد على هذه الحالة، وهو عندما يتوقف تحديد موعد الوفاء بالدين على إرادة الدائن، كما هو الحال لو اتفق الطرفان على أن يردّ المقترض مبلغ القرض عند المطالبة به من قبل المُقرض.[٨]


شروط التقادم المسقط

لكي يتحقّق التقادم المسقط لا بُدّ من توفر العديد من الشروط، وممّا لا شك فيه أنَّ الحق أو الدعوى يجب أن يكونا من الأمور التي يُسمح لسريان نظام التقادم عليهما في الأصل، أمّا الشروط الأخرى التي ينبغي توفرها فهي كما يأتي:[٩]


  • أن يكون الحق أو الدعوى مما يسري عليه نظام التقادم المسقط في الأصل، وكذلك لابد من مضي أو انتهاء المدة الزمنية التي حددها القانون،وكذلك جميع الدعاوي الناشئة عنها، دون أن يقوم صاحب الحق بالمطالبة بحقه أو باستعماله مع مراعاة مبدأ سريان التقادم والعوارض التي قد تؤثر فيه.
  • يشترط لتحقق التقادم المسقط سكوت الدائن صاحب الحق عن المطالبة بحقه طول المدة المقررة لذلك، ويجب أن يكون هذا السكوت من غير عذر، كما يشترط ألّا يصدر خلال سريان مدة التقادم أي إجراء قاطع له، سواء من الدائن أم المدين.


الاعتبارات التي يقوم عليها التقادم المسقط

التّقادم المسقط ما هو إلا وسيلة أوجدها المشرع القانوني رغبة منه في حفظ واستقرار التعاملات داخل المجتمع، خاصة في مواجهة الدائن الذي لم يتخذ أي إجراء للمطالبة بحقه خلال مدة معينة من الزمن، وعليه يترتب على ذلك سقوط حقه في المطالبة، خاصّة إذا ما تمسك بالتقادم من له مصلحة فيه، والتقادم المسقط في حقيقة الأمر يقوم على العديد من الاعتبارات المهمة، وهي:[١٠]


  • استقرار الحقوق بعد مرور فترة زمنية معينة، حيث يتصل التقادم المسقط بمصلحة عامة تهدف إلى استقرار التعامل المتعلق بالحقوق التي يمر عليها فترة زمنية معينة، بحيث يكفي للاطمئنان من أنّها تعود إلى المدين، إذ لو أن لها صاحبًا آخر لكان استخدم سلطته وحقه في المطالبة بها.
  • أساس وجوهر الحقّ هنا هو إعطاء سلطة للدائن في مواجهة المدين للمطالبة بحقه، فإذا ما سكت الدائن مدة طويلة من الزمن سكوت غير مبرر ودون عذر مشروع، فإنّ هذا يدل على براءة ذمّة المدين، أمّا لمسامحته في الدين، أو لأن الدائن كان قد حصل على حقه من المدين.


التقادم المكسب

على ماذا يقع التقادم المكسب؟

هو التّقادم الذي يتطلّب توفّر أمرين: أحدهما الحيازة والآخر مضي مدة معينة، ولما كانت الحيازة لا ترد إلا على شيء مادي، فإن التقادم المكسب هنا يُعدّ وسيلة لكسب الحقوق العينية لا الحقوق الشخصية، وخير مثال على التقادم المكسب: لو قام شخص بوضع يده على أرض بور غير صالحة للزراعة وعمل بجهد كبير على استصلاحها لمدة زمنية طويلة ولم يطالب بها أحد خلال هذه الفترة، فليس من العدالة أن تضيع جهوده الكبيرة التي بذلها طوال هذه المدة ويحرم من ثمار عمله المجهد والطويل، لذلك فإنّه متى ما استقرت حيازته للأرض حيازة هادئة لم يعكر صفوها؛ أي مطالبة من الغير زال أثر الغصب عنها.[١١]

التقادم المكسب وكما أقره القانون تقترن به الحيازة للشّيء، وعليه فإنه يؤدي إلى اكتساب الحائز ملكية ما حازه من حقوق عينية فقط دون الحقوق الشخصية، خاصة إذا ما استمرت حيازته للشيء المدة التي حدّدها القانون حيازة هادئة لم يعكر صفوها أيّة مطالبة من الغير، كذلك فإن التقادم المكسب يمكن التمسك به عن طريق الدفع وعن طريق الدعوى معًا، كما أنّ التقادم المكسب يعتد به مبدأ حسن النية، فالحائز للشيء لا بُدّ أن يكون منذ البداية حسن النية، وعليه فإن هذا النوع من التقادم كمبدأ عام يتماشى مع مبادئ وقواعد العدالة.[١٢]


حساب مدة التقادم

إنّ حساب مدة التقادم تتم على أساس التقويم الميلادي، وتُحتسب المدة بالأيام لا بالساعات، بسبب صعوبة معرفة أية ساعة على وجه الدّقة بدأ سريان التقادم، ولا يدخل في حساب التقادم ما يتخلل هذه المدة من عطل أو أعياد رسمية، ولكن إذا ما صادف آخر يوم عطلة من أيام التقادم، الأمر الذي يتعذر معه القيام بأيّ إجراء رسمي، فإن نهاية مدة التقادم تمتد إلى اليوم التالي تعويضًا للدائن عن اليوم الأخير المفقود، ولكي يتسنى له القيام بالإجراء القانوني المطلوب، وإذا ما انتقل الحق إلى الخلف العام أو الخاص فإن المدّة التي انقضت من التقادم في زمن السلف تضم إلى المدة السارية في عهد الخلف لاستكمال مدة التقادم.[١٣]


انقطاع مدة التقادم

ينقطع التقادم المكسب من خلال القيام بإجراء معين، حيث يقوم هذا الإجراء على إصرار الدائن على المطالبة بحقه، أو من خلال إقرار المدين بهذا الحق، ممّا يؤدي إلى قطع التقادم، بالإضافة إلى زوال المدة السابق سريانها وبدء سريان تقادم جديد بذات المدة، ويُقصد بالمطالبة هنا: "مطالبة الدائن بدينه أمام القضاء وبالحقّ الذي له بذمة المدين، وعليه لا بُدّ هما من المطالبة القضائية بالحق ذاته"، أي أنّه وفي حال قيام الدائن برفع دعوى أمام الجهات القضائية المُختصّة، توقف مدّة التقادم بقوة القانون، وبمجرّد زال سبب الإيقاف يتمّ إكمال المدة حيثما توقفت.[١٤]

المراجع

  1. "تعريف و معنى تقادم في معجم المعاني الجامع معجم عربي عربي"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-09-07.
  2. عبد المنعم البدراوي (1950)، أثر مضي المدة في الالتزام، مصر:مطبعة فؤاد الأول، صفحة 424، جزء 2. بتصرّف.
  3. عبد المنعم فرج الصدة (1954)، نظرية الالتزام، صفحة 149. بتصرّف.
  4. حسين محمود عبد الدايم (2009)، التقادم وأسقاطه دراسة مقارنة، صفحة 19. بتصرّف.
  5. عبد الرزاق أحمد السنهوري (1964)، الوسيط في القانون المدني، صفحة 1130. بتصرّف.
  6. رمضان جمال كمال، التقادم المسقط في التقنين المدني، صفحة 32. بتصرّف.
  7. رمضان جمال كامل، التقادم المسقط في التقنين المدني، صفحة 31. بتصرّف.
  8. أمل شربا (2018)، القانون المدني، سوريا:الجامعة الأفتراضية السورية، صفحة 203. بتصرّف.
  9. هاشم راشد عياش (2018)، التقادم المسقط في التشريعات الفلسطينية، فلسطين:جامعة النجاح، صفحة 126. بتصرّف.
  10. أمل شربا (2018)، القانون المدني، سوريا:الجامعة الأفتراضية السورية، صفحة 197. بتصرّف.
  11. محمد أحمد عابدين (1995)، التقادم المكسب والمسقط في القانون، صفحة 9. بتصرّف.
  12. ماجدة نور الدين حسين، سقوط الحق بالتقادم دراسة مقارنة، السودان:جامعة الخرطوم كلية القانون، صفحة 75. بتصرّف.
  13. عبد المجيد الحكيم وأخرون، القانون المدني وأحكام الالتزام، العراق:وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، صفحة 319، جزء 2. بتصرّف.
  14. عبد المجيد الحكيم وأخرون، القانون المدني وأحكام الالتزام، العراق بغداد:وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، صفحة 319، جزء 2. بتصرّف.
4835 مشاهدة
للأعلى للسفل
×