أويس القرني والإعجاز النبوي

كتابة:
أويس القرني والإعجاز النبوي

الإعجاز لغة واصطلاحًا

الإعجاز في اللغة مصدر للفعل أعجز، يُعجز فهو مُعجز، والإعجاز هو السبق والمعجزة في شيء، والإعجاز أمر خارق للطبيعة، لا يستطيع الإتيان به كلُّ البشر، وما في الاصطلاح فهو أن يخبر القرآن الكريم أو أن تخبر السنة النبوية المباركة بأشياء وأمور وحقائق لم تكن معروفة في الوقت الذي جاء فيه النص الديني من قرآن وسنة، وقد اشتهر الإعجاز في القرآن الكريم والسنة النبوية شهرة كبيرة في الآونة الأخيرة مع اهتمام عدد من أهل العلم به، وهذا المقال سيتناول الحديث عن قصة أويس القرني والإعجاز النبوي.

الإعجاز في السنة النبوية

يُعرَّف الإعجاز النبوي في السنة النبوية المباركة على أنَّه إخبار رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في الأحاديث الشريفة بحقائق وأشياء لم تكن معروفة في تلك الفترة، وإنَّما يُعدُّ هذا الإعجاز إشارة واضحة ودليلًا دامغًا على صدق الرسالة النبوية التي حملها رسول الله -صلَّى الله عليه وسلّم- للناس أجمعين، ولأن رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- معصوم عن الخطأ كان لا بدَّ من تحليل كلامه وتفصيله ومعرفة خباياه، قال تعالى في سورة النجم: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ}[١]، وتجب الإشارة إلى أنَّ الإعجاز النبوي في السنة لا يقتصر على الإعجاز العلمي بل يتجاوز ذلك ليكون إعجازًا علميًا وبلاغيًا وغيبيًا أيضًا، فعلى سبيل المثال أخبر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم- بالفتن التي ستحدث وبالكثير من القضايا التي لم يكن الصحابة الكرام على علم بها، ومن هذه الأمور قصة أويس القرني والإعجاز النبوي العظيم الذي تجسَّد في حديث رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- والذي سيتم التفصيل فيه في هذا المقال.[٢]

نبذة عن أويس القرني

هو أويس بن عامر بن جَزء بن مالك بن عمرو بن سعد بن عَصوان ابن قَرَن بن ردمان بن ناجية بن مُراد، تابعي جليل من خيرة التابعين، عاش أويس في زمن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ولكنه لم يقابله ولم يره، فقد وُلد أويس القرني في اليمن في ديار قومه بني مراد، وعاش حياته يطلب العلم ويتعلم على يد الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- فكان إمامًا زاهدًا تقيًا ورعًا، حسن الخلق، اشتهر ببرِّه بوالدته، وقد شهد رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- لأويس القرني بالإيمان والهداية والصلاح، فقد جاء عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "إنَّ خير التابعين رجل يقال له أويس القرني.."[٣]، عاش أويس في الكوفة فترة طويلة، وعندما قامت الفتنة بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، وقف أويس في صف علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وقاتل معه في معركة صفين وقُتل فيها سنة 37 للهجرة، والله أعلم.[٤]

أويس القرني والإعجاز النبوي

إنَّ قصة أويس القرني والإعجاز النبوي في هذه القصة ينبع بداية من كون رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- مؤيد بالوحي وليس عالمًا بالغيب، فعلم الغيب يختص به الله وحده، وإنَّما أيد الله تعالى رسوله بالوحي فأخبر رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- صحابته الكرام ببعض الغيبيات، ومنها قصة أويس، فقد رود في صحيح الإمام مسلم عن أسير بن جابر -رضي الله عنه- قال: "كانَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ إذَا أَتَى عليه أَمْدَادُ أَهْلِ اليَمَنِ، سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بنُ عَامِرٍ؟ حتَّى أَتَى علَى أُوَيْسٍ، فَقالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بنُ عَامِرٍ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: مِن مُرَادٍ ثُمَّ مِن قَرَنٍ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَكانَ بكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ منه إلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: لكَ وَالِدَةٌ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- يقولُ: يَأْتي علَيْكُم أُوَيْسُ بنُ عَامِرٍ مع أَمْدَادِ أَهْلِ اليَمَنِ، مِن مُرَادٍ، ثُمَّ مِن قَرَنٍ، كانَ به بَرَصٌ فَبَرَأَ منه إلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، له وَالِدَةٌ هو بهَا بَرٌّ، لو أَقْسَمَ علَى اللهِ لأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لكَ فَافْعَلْ فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَاسْتَغْفَرَ له، فَقالَ له عُمَرُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قالَ: الكُوفَةَ، قالَ: أَلَا أَكْتُبُ لكَ إلى عَامِلِهَا؟ قالَ: أَكُونُ في غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إلَيَّ، قالَ: فَلَمَّا كانَ مِنَ العَامِ المُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِن أَشْرَافِهِمْ، فَوَافَقَ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ عن أُوَيْسٍ، قالَ: تَرَكْتُهُ رَثَّ البَيْتِ، قَلِيلَ المَتَاعِ، قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- يقولُ: يَأْتي علَيْكُم أُوَيْسُ بنُ عَامِرٍ مع أَمْدَادِ أَهْلِ اليَمَنِ مِن مُرَادٍ، ثُمَّ مِن قَرَنٍ، كانَ به بَرَصٌ فَبَرَأَ منه، إلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ له وَالِدَةٌ هو بهَا بَرٌّ، لو أَقْسَمَ علَى اللهِ لأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لكَ فَافْعَلْ فأتَى أُوَيْسًا فَقالَ: اسْتَغْفِرْ لِي، قالَ: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بسَفَرٍ صَالِحٍ، فَاسْتَغْفِرْ لِي، قالَ: اسْتَغْفِرْ لِي، قالَ: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بسَفَرٍ صَالِحٍ، فَاسْتَغْفِرْ لِي، قالَ: لَقِيتَ عُمَرَ؟ قالَ: نَعَمْ، فَاسْتَغْفَرَ له، فَفَطِنَ له النَّاسُ، فَانْطَلَقَ علَى وَجْهِهِ. قالَ أُسَيْرٌ: وَكَسَوْتُهُ بُرْدَةً، فَكانَ كُلَّما رَآهُ إنْسَانٌ قالَ: مِن أَيْنَ لِأُوَيْسٍ هذِه البُرْدَةُ"[٥].

يعتبر هذا الحديث النبويُّ الشريف دليلًا من دلائل الإعجاز في السنة النبوية المباركة، فقد أخبر رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بحال أويس وأخباره وهو لم يره ولم يلتقِ به أبدًا، وقد وصف رسول الله في حديثه علامات دقيقة عن أويس كإصابته بمرض البصر وشفائه منه إلا موضع درهم وبرِّ أويس بأمه وغير ذلك، ولكن رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- عرف هذه الأمور الغيبية بوحي من الله العليم الحكيم، فكان هذا الحديث من أحاديث الإعجاز الغيبي في السنة، والله تعالى أعلم.[٦]

فوائد من حديث رسول الله عن أويس

بعد الحديث عن ما جاء من إعجاز غيبي في حديث رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- السابق عن التابعي أويس، سوف يتم تسليط الضوء على أبرز الحكم والعبر والدروس المستفادة من هذا الحديث العظيم، فقليل من التمعن في سطور هذا الحديث يؤدي إلى كثير من الفوائد النبوية العظيمة التي يجب عل كلِّ مسلم أن يعرفها ويستفيد منها، ومن هذه الفوائد ما يأتي:[٧]

  • يؤكد الحديث النبوي الشريف على أنَّ برَّ الوالدين من أهم أسباب رضا الله -سبحانه وتعالى-.
  • يبين الحديث أنَّ برَّ الوالدين سبب رئيس من أسباب استجابة دعاء العبد.
  • بيَّن الحديث قيمة التابعي الجليل أويس ومكانته العظيمة في الإسلام حيث اختصَّه الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- بحديث نبوي شريف.
  • أكَّد الحديث على أنَّ النبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- لا ينطق عن الهوى وأن قوله الحق والصدق دون شك.
  • ويعتبر الحديث دليلًا على أنَّ التابعيّ أويس القرني من أفضل التابعين، والله أعلم.

المراجع

  1. سورة النجم، آية: 1-5.
  2. "الإعجاز العلمي في السنة النبوية"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 22-05-2019. بتصرّف.
  3. رواه الوادعي، في صحيح دلائل النبوة، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 497، على شرط مسلم.
  4. "أويس القرني المرادي"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 22-05-2019. بتصرّف.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أسير بن جابر، الصفحة أو الرقم: 2542 ، صحيح.
  6. "أُوَيْس الْقَرَنِيّ والإعجاز النبوي"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-05-2019. بتصرّف.
  7. "وقفات مع حديث: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-05-2019. بتصرّف.
4710 مشاهدة
للأعلى للسفل
×