أين غلبت الروم

كتابة:
أين غلبت الروم

مكان غلبة الروم

قال الله -تعالى-: (الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ)،[١] فقول الله "في أدنى الأرض" يعني: في أخفض بقعة على الأرض، وقال العلماء إن المقصود هو أخفض وأدنى مكان عن مستوى سطر البحر، وهو البحر الميّت، وممّا يؤكّد ذلك قول ابن عبّاس -رضي الله عنه-، حيث قال إنّ هذه المعركة وقعت في الأردن وفلسطين.[٢]


وقيل إن معنى "أدنى الأرض" أي أقربها للعرب، أي أنّهم غُلبوا في أقرب أرضٍ منهم؛ وهي أطراف الشام، أو في أقرب أرضٍ لعدوّهم، وقيل المكان هو أذرعات؛ لأنّه أدنى أرض الروم إلى مكة،[٣] وقال مجاهد: هي الجزيرة؛ لأنها أقرب أرض الروم لفارس، وقال عكرمة: هي أذرعات وكَسْكَر، وقال السّدّي: هي الأردن وفلسطين.[٤]


وقال بعض العلماء: إنّ كلمة "أدنى" لها معنيان؛ الأول: الأقرب، وهو مستبعد كون الكرة أرضية، والثاني: الأسفل، ثمّ قال محمّد راتب النابلسي: "وقد أجْمَعَ المؤرخون على أنّ المعركة التي انْتصرَ فيها الرُّوم على الفُرْس تحقيقاً لِوَعد الله عز وجل في بضْع سِنين كانت في الأغْوار، في أغوار فلسطين"، وهو البحر الميّت، فهو أخفض نقطة في الأرض.[٥]


قصة غلبة الروم

احتدمت المعركة ذات يومٍ بين فارس والرّوم، فهُزم فيها الروم، وفرح مشركو أهل مكّة لذلك فرحاً شديداً، فقد كانت فارس يعبدون الأصنام والأوثان، فعلم أبو بكر بذلك، وذهب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال له النبيّ إنّه سيأتي يوماً تغلبهم فيه الروم، وأنزل الله -سبحانه- قوله: (غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ)،[٦] فسأل المشركون أبا بكر عن صدق ذلك، فقال لهم: صَدَق، فمضت سبع سنين ولا زال الأمر كما هو، ففرح المشركون لذلك، ثم لم تنتهِ السّنتان حتى غلبت الروم فارس كما جاء في القرآن، ففرح المسلمون بذلك.[٧]


سبب حزن الرسول والصحابة لغلبة الروم

حزن الرسول والمسلمون لغلبة الرّوم لأنّهم من أهل الكتاب، أمّا المشركون فقد فرحوا بهزيمتهم وبانتصار فارس عليهم، وأظهروا الشماتة للمسلمين، لأنّ أهل فارس ليسوا أهل كتاب، ويعبدون الأوثان والأصنام،[٨] فالفرق بين أهل الكتاب وبين المشركين؛ هو أنّ أهل الكتاب يؤمنون بإلهٍ وكتابٍ سماويّ ورسول، فهم في ذلك أقرب للإيمان، أما المشركون فهم يكفرون بالله، أو يجعلون له شركاء، لذلك عبّر القرآن الكريم عن فرح المسلمين عند غلبة الروم لأهل فارس في المرة الثانية، فقال -سبحانه-: (لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ).[٩][١٠]


ملخّص المقال: قيل إنّ المكان الذي غُلبت فيه الروم في أدنى الأرض يعني في أخفض نقطة في الأرض، وهو البحر الميّت، وقيل هي أقربها للعرب؛ وهي أطراف الشام، وقيل هي أذرعات، وفي البداية غلبت فارس الروم، فحزن النبي والمسلمون لذلك لأن الروم أهل كتاب وهم الأقرب للإيمان، بينما أهل فارس فهم يعبدون الأوثان، وقد فرح المشركون لذلك وأظهروا السخرية والشماتة، ثم مرّت بضع سنين فغلبت الروم فارس كما جاء في القرآن، ففرح المسلمون لتحقيق وعد الله.


المراجع

  1. سورة الروم، آية:1-3
  2. مساعد الطيار (1433)، الإعجاز العلمي إلى أين (الطبعة 2)، صفحة 188، جزء 1. بتصرّف.
  3. ابن عجيبة (1419)، البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، القاهرة:الدكتور حسن عباس زكي، صفحة 323، جزء 4. بتصرّف.
  4. ابن الجوزي (1422)، زاد المسير في علم التفسير (الطبعة 1)، بيروت:دار الكتاب العربي، صفحة 416، جزء 3. بتصرّف.
  5. محمّد راتب النابلسي (2005)، موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة (الطبعة 2)، سورية:دار المكتبي، صفحة 61، جزء 2. بتصرّف.
  6. سورة الروم، آية:2-4
  7. السيوطي، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، بيروت:دار الفكر، صفحة 479، جزء 6. بتصرّف.
  8. إسماعيل الأصبهاني (1995)، إعراب القرآن للأصبهاني (الطبعة 1)، صفحة 302، جزء 1. بتصرّف.
  9. سورة الروم، آية:4
  10. الشعراوي، تفسير الشعراوي، صفحة 5021، جزء 8. بتصرّف.
4587 مشاهدة
للأعلى للسفل
×