محتويات
وجهة رحلة الشتاء والصيف
كان تجّار قريش في مكة يذهبون إلى رحلات للتجارة، وهما رحلتان في كل عام؛ رحلة في الشتاء، وأخرى في الصيف، وقد ذكرهما الله في سورة قريش، قال -تعالى-: (لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ* إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ* فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ).[١][٢]
والمقصود من هذه الآيات هو أمر الله -تعالى- قريشاً أن تعبد ربّ هذا البيت، وألا يشركوا به شيئاً، وهو الذي أطعمهم ولم يجعلهم جياعاً، وجعلهم آمنين لا يشعرون بالخوف، فألهمهم ومنّ عليهم برحلة الشتاء والصيف التي تعود بالخير عليهم، وقد كانت وجهتهم في رحلة الشتاء إلى اليمن، وكانت وجهتهم في رحلة الصيف إلى الشام، وإيلافهم تعني ما ألفوه واعتادوا عليه.[٢]
سبب رحلة الشتاء والصيف
إن معنى الرحلة هو السفر، وفيها يرتحل الشخص من مكانه إلى مكانٍ آخر؛ لكسب المال والتجارة،[٣] وقد كان أشراف قريش يرتحلون مرّتين في العام: مرّة في الشتاء ومرة في الصيف للتجارة والكسب، فقد كانوا يختارون بلاد ذات جو معتدل؛ لتهوّن عليهم مشقة السفر، وقد اختاروا اليمن في الشتاء لأنها أكثر دفئاً.[٤]
واختاروا الشام في الصيف لبرودة طقسها، فقد كانوا يُحضرون ما يحتاجه أهل مكة من طعام وثياب في رحلاتهم، وكانوا يربحون المال أيضاً من هذه الأسفار؛ لأنّ الملوك في تلك النواحي يعظّمون أهل مكة؛ لما لهم من عز، فهم يسكنون في الحرم وهم جيران بيت الله، وكانوا يسمّونهم أهل الله.[٤]
أول من سنّ رحلة الشتاء والصيف
إن أول من سنّ رحلة الشتاء والصيف هو أحد سادات قريش وهو هاشم بن عبد مناف، واسمه الأصلي هو عمرو، وسمّي بهاشم؛ لأنه أول من هَشم الثَريد لقومه وأطعمهم، والثريد هو الخبز المخلوط في مرق اللحم، أي قطَّع الخبز وخلطه بالمرق، وكان رجلاً ذا شرف كبير، غنياً موسر الحال.[٥]
وتولّى كذلك أمر السقاية وهي جمع الماء من آبار مكة وتحليته بالتمر أو بالزبيب ووضعه بالقرب من الحجاج حتى يشربوا منه، والرفادة وهي طعام يوضع للحجاج على سبيل الضيافة، في البيت الحرام من بني عبد مناف عندما تقاسم كلٌ من بني عبد الدار وبني عبد مناف المناصب في مكة بينهما، وقد كان يطعم الحجاج مرّات عديدة قبل التروية في مكة، وفي عرفة، ومنى، والمزدلفة.[٥]
وقد كتب فيه الزبعري أبيات شعر واصفاً كرمه:
عَمْرُو الذِي هَشَمَ الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ
:::ورِجَالُ مَكَّةَ مُسْنِتُونَ عِجَافُ
سُنَّتْ إلَيْهِ الرِّحْلَتَانِ كِلَاهُمَ
:::سَفَرُ الشِّتَاءِ ورِحْلَةُ الأصْيَافِ
وانتقلت السقاية والرفادة إلى عبد المطلب بن عبد مناف، وهو جد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وهو شقيق هاشم بن عبد مناف، فقد أوصى هاشم بن عبد مناف بعد موته بالسقاية والرفادة إلى عبد المطلب بن عبد مناف، وقد كان عبد المطلب ذا شرفٍ في قومه ومعروفاً بكرمه وسخائه، فقد كانت قريش تسميه بالفيض؛ لشدّة كرمه.[٥]
المراجع
- ↑ سورة قريش، آية:1-4
- ^ أ ب مساعد الطيار، تفسير جزء عم للشيخ مساعد الطيار، صفحة 235. بتصرّف.
- ↑ ابن عبد السلام، تفسير العز بن عبد السلام، صفحة 492. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد الأمين الهرري، تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن، صفحة 353. بتصرّف.
- ^ أ ب ت موسى بن راشد العازمي، كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون، صفحة 49. بتصرّف.