إفشاء السلام في الإسلام

كتابة:
إفشاء السلام في الإسلام

تحية الإسلام ولفظها

تحية الإسلام هي التحية التي شرعها النبيّ الكريم لأمته؛ وهي إرث أبيه آدم -عليه السلام- التي علّمها الله -سبحانه وتعالى- له، وأمره بإلقائها على الملائكة أول لقائه لهم في الجنة؛ لتكون تحيته وتحية ذريته من بعده، وقد واظب النبي -عليه الصلاة والسلام- عليها وحث أصحابه على إفشائها.

وقد وردت تحية الإسلام بلفظ: "السلام عليكم"، وبلفظ: "السلام عليكم ورحمة الله"، وبلفظ: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"؛ فعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: (كنت رَديفَ أبي بكرٍ، فيمرُّ على القومِ فيقول: السلامُ عليكم، فيقولون: السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ، ويقول: السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ، فيقولون: السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، فقال أبو بكرٍ: فضلَنا الناسُ اليومَ بزيادةٍ كثيرةٍ).[١]

ومعنى تحية الإسلام: الدعاء بالسلامة؛ فأنت تدعو لمن تُلقي عليه السلام بأن يُسلّمه الله من كل آفة؛ أي من الأمراض والشرور والمعاصي ومن عذاب النار،[٢] ولذلك قيل للجنة دار السلام؛ لأنها دار السلامة من كل مكروهات النفس،[٣] قال الله -تعالى-: (لَهُم دارُ السَّلامِ عِندَ رَبِّهِم وَهُوَ وَلِيُّهُم بِما كانوا يَعمَلونَ)،[٤]

والسلام أيضاً تحية أهل الجنة فيما بينهم، وبها تُحيّيهم الملائكة الكرام، وهي تُطمئنهم بأنّه لن يصيبهم أيّ مكروهٍ بإذن الله. والسلام اسم من أسماء الله الحسنى. وقال رسول -الله صلى الله عليه وسلم-: (الْمُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ)،[٥] كما أمر الإسلام بإفشاء السلام لفظاً يردده المسلمون، فتنتشر معاني السلام بينهم وتتنزل عليهم الرحمات والبركات.

حكم إلقاء السلام والرد عليه

يجدر بالذكر أنّه يُشترط في ابتداء السلام وجوابه رفع الصوت بحيث يحصل الاستماع، (فعن ابنِ عمرَ: إذا سلَّمْتَ فأسمعْ فإنها تحيةٌ من عندِ اللهِ).[٦][٧] ويختلف حكم إلقاء السّلام عن حكم ردّ السلام عند العلماء، وفيما يأتي بيان لذلك:

  • حكم إلقاء السلام

إنّ حكم إلقاء السلام عند جمهور العلماء سُنّة، وهو سنة عين على المنفرد، وسنة كفاية على الجماعة، والأفضل السلام من جميعهم لتحصيل الأجر، ودليل الإستحباب حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حتَّى تُؤْمِنُوا، ولا تُؤْمِنُوا حتَّى تَحابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ علَى شيءٍ إذا فَعَلْتُمُوهُ تَحابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بيْنَكُمْ).[٨][٧]

  • حكم ردّ السلام

إنّ حكم رد السلام فرضٌ بالإجماع، فإن كان السلام على واحد فهو: فرض عينٍ في حقه، وإن كان على الجميع فهو فرض كفاية، فإذا أجاب واحدٌ منهم أجزأ عن البقيّة، وسقط الحرج عن جميعهم،[٧] ودليل الوجوب قوله -تعالى-: (وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا).[٩]

فضل إفشاء السلام

إن لإفشاء السلام بين الناس فضائل وثمرات كثيرة، نذكر منها:[١٠]

  • إفشاء السلام سبيلٌ لنشر معاني المحبة والتوادِّ والألفة بين المسلمين

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حتَّى تُؤْمِنُوا، ولا تُؤْمِنُوا حتَّى تَحابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ علَى شيءٍ إذا فَعَلْتُمُوهُ تَحابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بيْنَكُمْ).[٨]

  • إفشاء السلام سببٌ لنيل الأجر الكبير الذي وعد به النبي -صلى الله عليه وسلم-

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- (أنَّ رجلًا مرَّ علَى رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلَى آلِه وسلَّمَ- وَهوَ في مجلسٍ فقالَ: السَّلامُ عليكم فقالَ عشرُ حسَناتٍ فمرَّ رجلٌ آخرُ فقالَ: السَّلامُ عليكُم ورحمةُ اللَّهِ فقالَ عِشرونَ حسنةً فمرَّ رجلٌ آخرُ فقالَ السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللَّهِ وبرَكاتُهُ فقالَ ثلاثونَ حسنةً).[١١]

  • إفشاء السلام سببٌ لسلامة الصدر من الأحقاد والضغائن

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أفشو السَّلامَ تَسلَمُوا).[١٢]

  • إفشاء السلام خير الأعمال التي يُتقرّب بها إلى الله -تعالى-

عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-: (أنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: أيُّ الإسْلَامِ خَيْرٌ؟ قالَ: تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وتَقْرَأُ السَّلَامَ علَى مَن عَرَفْتَ ومَن لَمْ تَعْرِفْ).[١٣]

  • إفشاء السلام سببٌ لمغفرة الذنوب

لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أنَّ مِن موجِباتِ المَغفرةِ بذلُ السَّلامِ، وحُسْنُ الكلامِ).[١٤]

  • إفشاء السلام سببٌ لدخول الجنة

لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يا أيها الناسُ أَفشُوا السلامَ، وأطعِموا الطعامَ، وصَلُّوا بالليلِ والناسُ نيامٌ؛ تدخُلوا الجنَّةَ بسلامٍ).[١٥]

آداب رد السلام

إن لرد السلام آداب بيّنها العلماء، نذكُر بعضها فيما يأتي:[١٦]

  • بسط الوجه وانشراح الصدر أثناء ردّ السلام

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعروفِ شيئًا، ولو أنْ تَلْقَى أخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ)،[١٧] وإدخال السرور على المسلمين من الأمور المُستحبة التي يؤجر عليها المسلم.

  • أن يكون الرد على التحية بمثلها أو بأحسن منها

قال الله -تعالى-: (وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا).[٩]

  • أن يُسلّم الصغير على الكبير، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير

لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ علَى الكَبِيرِ، والمارُّ علَى القاعِدِ، والقَلِيلُ علَى الكَثِيرِ).[١٨]

  • أن يكون السلام بصوتٍ مسموعٍ وواضح وغير مزعج.

الأماكن التي يكره فيها السلام

هناك حالات يُكره فيها إلقاء السلام، ومنها:[١٩]

  • السلام على من يؤذّن أو يقيم الصلاة.
  • السلام على المُنشغل بالقراءة والذكر والتلبية.
  • السلام على المُنشغل بالأكل.
  • السلام على من يقضي حاجته أو في مكان قضاء الحاجة -أي بيت الخلاء-.
  • السلام في حال خُطبة الجمعة.

ملخّص المقال: إفشاء السلام من تعاليم دين الإسلام الحنيف التي تدعو إلى نشر المحبة والألفة في المجتمع، وهو دعاء بالسلامة من كل شر ومرض وذنب، وهو سبيلٌ لتكفير السيئات والخطايا وسبب ميسر لنيل الأجر الكبير والفوز بالجنة، وعلى المسلم أن يكون حصيفاً؛ فيتأدب بآداب السلام التي بيّنها علماؤنا، ويتحرى الأماكن التي يُكره فيها إلقاء السلام؛ ليكون متمثلاً بهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-.

المراجع

  1. رواه شعيب الأرناووط، في تخريج شرح السنة، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:257، إسناده صحيح.
  2. محمد بن صالح بن محمد العثيمين، شرح رياض الصالحين، الرياض:دار الوطن للنشر، صفحة 380، جزء 4. بتصرّف.
  3. محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي، التحرير والتنوير، تونس:الدار التونسية للنشر، صفحة 64، جزء 8.
  4. سورة الأنعام، آية:127
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:41، صحيح.
  6. رواه ابن حجر العسقلاني، في فتح الباري لابن حجر، عن ثابت بن عبيد، الصفحة أو الرقم:11/20، إسناده صحيح.
  7. ^ أ ب ت "حكم إلقاء السلام والرد عليه"، إسلام ويب، 15-2-2004، اطّلع عليه بتاريخ 26-9-2021.
  8. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:54، صحيح.
  9. ^ أ ب سورة النساء، آية:86
  10. "إفشاء السلام"، صيد الفوائد.
  11. رواه الوادعي، في الصحيح المسند، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1431، صحيح.
  12. رواه الألباني، في صحيح الأدب المفرد، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم:750، حسن.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:12، صحيح.
  14. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن أبي شريح العدوي خويلد بن عمرو، الصفحة أو الرقم:2699، صحيح.
  15. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عبدالله بن سلام، الصفحة أو الرقم:2697، صحيح.
  16. محمد بن صالح بن محمد العثيمين، لقاء الباب المفتوح، صفحة 1-7، جزء 145. بتصرّف.
  17. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:2626، صحيح.
  18. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:6231، صحيح.
  19. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، الكويت:وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، صفحة 162-164. بتصرّف.
4841 مشاهدة
للأعلى للسفل
×