ابراهيم ناجي الاطلال

كتابة:
ابراهيم ناجي الاطلال

شرح قصيدة الأطلال لإبراهيم ناجي

إبراهيم ناجي واحد من الشعراء المعروفين، ولد عام 1898م في القاهرة وتوفي فيها، اضطرّ للسفر خارج البلاد لدراسة الطبّ، وبعد عودته عرف أنّ محبوبته قد تزوّجت، فكتب قصيدة الأطلال بعد قصة حب لم يستطع أن يكون فيها بطلًا سعيدًا ولم تكن البطلة كذلك.[١]


نسج هذه القصيدة لتكون مرجعًا للعشق الأبدي وميلادًا له، نظمها على عدّة بحورٍ وقوافٍ متعدّدة، يبدأها بأبيات على بحر الرمل، أحد بحور الشعر العربيّ، وتقع القصيدة في نحو مئة وأربعة وثلاثين بيتًا، وقد كتبها في مطلع القرن العشرين،[١] جاءت هذه القصيدة في ديوان "ليالي القاهرة" ويقول فيها:[٢]


شرح الأبيات من (1 - 4)

يا فؤادي رحم الله الهوى

كان صرحًا من خيال فهوى

اسقني واشرب على أطلاله

واروِ عني طالما الدمع روى

كيف ذاك الحب أمسى خبرًا

وحديثًا من أحاديث الجَوى

وبساطًا من ندامى حلم

هم تواروا أبدًا وهو انطوى

يقف الشاعر على أطلال معركة الحب التي كان يخوضها في قلبه ومشاعره مع تلك المرأة، وهو يتساءل كيف أصبح ذلك الصرح الشاهق من الحب رمادًا يتحسّر الإنسان عليه، في هذه اللحظات يقف في مواجهة مع ذاكرته الحيّة وكأنّه يُخاطب إنسانًا أمامه من فرط الوجد والهُيام.


فلا يجد سلواه سوى في الشراب ليتابع حلمه القديم الذي لم يكن سوى بساطًا من الأمل طوي وانتهى أمره، هذا هو الحل الذي علّق في روحه ونفسه.


  • رحم الله الهوى

جعل الشاعر الهوى كأنّه إنسانًا يُترحّم عليه، حيث جعل للهوى صفة من صفات الإنسان، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه وهو استعارة مكنية.[٢]

  • الدمع روى

جعل الدمع كالشراب الذي يروي أو الماء، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه وهو استعارة مكنية.[٢]


المفردة
معنى المفردة
الهوى
فرط الحب والعشق والهيام.[٣]
الجوى
العشق الشديد الذي يورث الحزن والغم.[٤]


شرح الأبيات من (5 - 8)

يا رياحًا ليس يهدأ عصفها

نضب الزيت ومصباحي انطفا

وأنا أقتات من وهم عفا

وأَفِيْ العمر لناسٍ ما وفى

كم تقلّبت على خنجره

لا الهوى مالَ ولا الجفنُ عفا

وإذا القلب على غفرانه

كلما غار به النصل عفا

يتذكر الشاعر محبوبته في هذه اللحظات، ويُشبهها بالرياح العاتية التي تأتي على الشيء فلا تُبقي منه ولا تذر، الآن الشاعر لم يعد يملك أي شيء، فاستعمل الكناية في قوله نضب الزيت وكأنّه يقول لم أعد أقوى على أي شيء، حتى إنّ مصباح أملي انتهى وقوده وانطفأ.


بعد أن انتهى الأمل صار الشاعر يقتات على الوهم كي يتمكن من إكمال هذه الحياة، كم مرت الأيامُ وهو يتقلب على لظى العشق وجمر الحياة وهو يتمنى أن تتغير هذه الأحوال عليه، ولكن هيهات يكون ذلك.


لا الهوى مال عن تعذيبه ولا القلب انتهى عمّا فيه من العشق والهيام، وكأنّ العشق يُشبه حد النصل الذي كلما تعاقبت الأيام غار في القلب ليخرقه أكثر مما فعل قبلًا.


  • نضب الزيت

تعدّ هذه الصورة استعارة تصريحية؛ حيث حذف المشبه وهي الهمة والنشاط، وأبقى على المشبه به وهو الزيت.[٢]

  • الهوى مال

شبه الهوى بالإنسان الذي يميل؛ أي أطلق عليه صفة من الصفات الإنسانية حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه، وبذلك يكون استعارة مكنية.[٢]


المفردة
معنى المفردة
عصف
العصف في اللغة هو صوت الرياح القوية.[٥]
النصل
الحديدة الموجودة في أعلى الرمح أو السهم أو السكين.[٦]


شرح الأبيات من (9- 13)

يا غرامًا كان مني في دمي

قدرًا كالموت أوفى طعمه

ما قضينا ساعة في عرسه

وقضينا العمر في مأتمه

ما انتزاعي دمعةً من عينه

واغتصابي بسمة من فمه

ليت شعري أين منه مهربي

أين يمضي هاربٌ من دمه

يتحدث الشاعر في هذه الأبيات أنّه لم يلق من ذلك الحب سوى العذابات والآهات، هو لم يجن منه ثمرة ينعة ولا ساعة هانئة على العكس من ذلك فقد جنى منه الحزن والأم والفراق واللوعة والعذابات.


لم يستطع أن يقضي في ذلك الشعق ساعة هنيئة، بل كل الساعات كانت تشبه مجالس العزاء، ولكن هل يتمكّن الإنسان من الهروب من حبه ووجده، لا والله فإنّ ذلك كالإنسان الذي يهرب من روحه ودمه وهيهات يكون ذلك.


  • انتزاعي دمعة

جعل الدمعة كالشيء القاسي الذي يُنتزع، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه، وبذلك تعدّ هذه الصورة استعارة مكنية.[٢]

  • أين منه مهربي

جعل الحب كالإنسان الذي يُلاحق الآخر والأول يُريد الهروب منه، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه استعارة مكنية.[٢]


المفردة
معنى المفردة
المأتم
هو اجتماع النّاس في مكان واحد من أجل التعزية بالميت.[٧]
اغتصاب
هو الأخذ بالعنوة والإكراه وغير الرضا.[٨]


شرح الأبيات من (14- 21)

لستُ أنساكَ وقد أغريتني

بفمٍ عذبِ المناداة رقيق

ويدٍ تمتد نحوي كيدٍ

من خلال الموج مُدّت لغريق

آه يا قِبلة أقدامي إذا

شكت الأقدام أشواك الطريق

وبريقًا يظمأ الساري له

أين في عينيك ذياك البريق

لستُ أنساكَ وقد أغريتني

بالذرى الشمّ فأدمنتُ الطموح

أنتَ روح في سمائي وأنا

لك أعلو فكأني محضُ روح

يا لها من قممٍ كنّا بها

نتلاقى وبسرَّيْنا نبوح

نستشف الغيب من أبراجها

ونرى الناس ظلالًا في السفوح

يتذكّر الشاعر الآن محاسن المراة التي عشقها واعطاها روحه ودمه، وكيف أنّها هي التي أوقعته في شراك ذلك الحب حين أغوته بلساتنها العذب اللطيف، فكانت يدها دافئة منقذة كاليد التي تمتدد للإنسان الغريق.


كأن الشاعر ومحبوبته كالأبراج العالية التي تُناطح عنان السماء، فلا أحد إلاهما في هذا الكون وصل إلى ما وصلوا إليه في هذا اليوم، وكل النّاس في الأرض أشباح لا يعنوهم بأي شيء فهم وحدهم في تلك القمم التي يستشفون منها مستقبلهم الزاهر الجميل.


  • بفم عذب

شبه الفم بالماء العذب اللذيذ، لذا فإنّ نوع هذا التشبيه بليغ؛ حيث حذف وجه الشبه وأبقى على المشبه والمشبه به.[٢]

  • أنت روح

تشبيه بليغ، حيث بقي المشبه وهو لفظة أنت، والمشبه به وهو لفظة روح، وحُذف وجه الشبه وهو الحياة والإشراق، وأداة التشبيه كذلك قد حذفت.[٢]


المفردة
معنى المفردة
البريق
الضوء الخافت الذي يكون شعاعًا.[٩]
الطموح
الرغبة الشديدة من أجل الوصول لأمر ما.[١٠]
السفوح
الصخور ذاات الملمس اللين المنزلق.[١١]


شرح الأبيات من (22- 27)

أنتِ حُسْنٌ في ضحاه لم يَزَل

وأنا عنديَ أحزانُ الطِّفَل

وبقايا الظل من ركبٍ رحَل

وخيوط النور من نجمٍ أفل

ألمح الدنيا بعيني سئمٍ

وأرى حولي أشباح الملل

راقصاتٌ فوق أشلاء الهوى

مُعْوِلاتٌ فوق أجداثِ الأمَل

ذهب العمر هباءً فاذهبي

لم يكن وعدك إلا شبحًا

صفحة قد ذهب الدهر بها

أثبت الحب عليها ومحا


يحكي الشاعر الآن عن صفات محبوبته وهي المرأة التي ضاها جمالها جمال الدنيا كلها في وقت الضحى، ولكنّه في ذات اللحظة كان ينكفئ على نفسه كالطفل الذي يألم من الأحزان؛ لأنّه يعلم في قرارة نفسه أن ليس نصيب من ذلك الضحى الجميل.


أيتها الجميلة لم تكن وعودك لي سوى نوعًا من الأشباح التي قضيت عمري في مطاردتها، ولكنّي الآن أعلنت عن عرس الحزن الذي سببته لي، فالكل يرقص على بقايا الأمل عندي، والدهر بنفسه قد طوى صفحة حبنا، نعم هناك في زاوية صفحات الزمان قضت الحياة أن تُكتب قصتنا ثم تُطوى كأنّها لم تكن.


  • ذهب العمر

شبه العمر بالإنسان الذي يذهب، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه استعارة مكنية.[٢]

  • أشلاء الهوى

شبّه الهوى بالإنسان الذي له أشلاء تتطاير هنا وهناك، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه استعارة مكنية؛ لأنّه أسبغ على الهوى صفة من صفات الإنسان.[٢]


المفردة
معنى المفردة
أفل
غاب واستتر كأنّه لم يكن.[١٢]
هباء
هو الغبار الذي يطير مع الريح والهواء ثم يلتصق بالأشياء.[١٣]


شرح الأبيات من (28- 35)

انظري ضِحكي ورقصي فرحًا

وأنا أحمل قلبًا ذبحا

ويراني الناس روحًا طائرًا

والجَوى يطحنني طحن الرحى

كنت تمثال خيالي فهوى

المقادير أرادت لا يدي

ويحها لم تدرِ ماذا حطَّمَتْ

حطَّمَتْ تاجي وهدت معبدي

يا حياة اليائس المنفرد

يا يبابًا ما به من أحد

يا قفارًا لافحاتٍ ما بها

من نجيٍّ يا سكون الأبد

أين من عينيّ حبيبٌ ساحرٌ

فيه نبلٌ وجلالٌ وحياء

الظواهر لا تُعبر عن دواخل الإنسان على الإطلاق، صحيح أنني الآن أضحك وأرقص وقد يحسدني النّاس على السعادة الملحقة بي لكنني صدقيني أحمل في دواخلي قلبًا مفطورًا من الحزن والألم، يتطلع النّاس إليّ ويشبهونني بالطائر الفرح ولا يعلمون أنّ الأشواق تطحنني كما تطحن الرحى حبة القمح.


لقد كنت الصرح الجميل التي أعشقه ولكنّه هوى وتساقط وانتهى أمره، صدقيني لست أنا مَن أراد ذلك، لكنّ القدر هو الذي حكم على كلينا أن نعيش هذه المأساة، آه على عينيك التي كانت تحمل في دواخلها حبًا وسحرًا وعشقًا لا ينتهي.


  • الجوى يطحنني

شبه الشاعر الشوق بالإنسان الذي يطحن، استعارة مكنية؛ فقد أضفى على الحب صفة من صفات الإنسان فقد حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.[٢]

  • المقادير أرادت

جعل للمقادير إرادة مثل إرادة الإنسان، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه فهي استعارة مكنية.[٢]


المفردة
معنى المفردة
الرحى
هي الأداة التي يطحن الإنسان بها عادة القمح.[١٤]
القفار
هو المكان الخالي من الناس والماء والكلأ.[١٥]


شرح الأبيات من (36- 43)

واثق الخطوة يمشي ملكًا

ظالم الحُسن شهي الكبرياء

عبقُ السحرِ كأنفاسِ الربى

ساهمُ الطرفِ كأحلامِ المساء

مشرقُ الطلعة في منطقه

لغةُ النور وتعبير السماء

أين منّي مجلسٌ أنت به

فتنَةً تمت سناء وسنى

وأنا حب وقلب ودم

وفراش حائر منك دنا

ومن الشوق رسول بيننا

ونديم قدم الكأس لنا

وسقانا فانتفضنا لحظة

لغبارٍ آدمي مسنا


يأتي الشاعر الآن على وصف محاسن المحبوبة الجميلة ذات الطلعة البهية والبرياء الجميل الذي يُخالطه السحر فيكون آية لوحده، صاحب الطلة البهية التي تبادلت الحب مع الشاعر وسقيا معًا كأسًا فاكتملت لوحة العشق الآن بينهما، حتّى أنّهما صارا من عالم الأرواح فلم يعودا إلا بالكأس التي قدمها الآدمي.


  • عبق السحر كأنفاس الربى

تشبيه مُجمل، ذكر فيه المشبه وهو عبق السحر والمشبه به وهو أنفاس الربى وأداة التشبيه الكاف وحذف وجه الشبه وهو النقاء والصفاء.[٢]

  • أنا حب

تشبيه بليغ، ذكر المشبه وهو "أنا" والمشبه به وهو "حب"، وحذف وجه الشبه وأداة التشبيه وهو الصدق والطهر والنقاء والصفاء.[٢]


المفردة
معنى المفردة
النديم
الصاحب الذي يتقاسم الإنسان الشراب معه.[١٦]
الكبرياء
الاستعلاء والأنفة والعظمة والاعتداد بالنفس.[١٧]


شرح الأبيات من (44 - 51)

قد عرفنا صولة الجسم التي

تحكم الحي وتطغى في دماه

وسمعنا صرخة في رعدها

سوط جلاد وتعذيب إله

أمرتنا فعصينا أمرها

وأبينا الذل أن يغشى الجباه

حكَمَ الطاغي فكنا في العصاه

وطردنا خلف أسوار الحياه

يا لمنفيين ضَلَّا في الوعور

دمِيا بالشوك فيها والصخور

كلما تقسو الليالي عرفا

روعة الآلام في المنفى الطهور

طردا من ذلك الحلم الكبير

للحظوظ السود والليل الضرير

يقبسان النور من روحيهما

كلما قد ضنت الدنيا بنور


بعد أن تبادل الشاعر ومحبوبة الحب بينهما وكان في خمرة العشق تغيرت الأحوال واختلفت الطوار، الآن وجد الشاعر نفسه في عداد المنفيين بعد أن شمله غضب المحبوبة عليه، ذلك كلّه لأنّه كان من العاصيين الذين لم يحنوا رؤوسهم وأرادوا أن يكونوا من أصحاب الرأي والحديث.


  • أسوار الحياة

جعل للحياة أسوارًا، حذف المشبه به وهي الحديقة وأبقى على شيء من لوازمه استعارة مكنية.[٢]

  • تقسو الليالي

شبه الليالي بالإنسان الذي يقسو ويرحم، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه استعارة مكنية.[٢]


المفردة
معنى المفردة
الطاغي
المتجبر الذي لا يخاف غضب الله.[١٨]
الضرير
الأعمى الذي لا يرى شيء.[١٩]


شرح الأبيات من (52 - 60)

أنت قد صيرت أمري عجبًا

كثرت حوليَ أطيار الربى

فإذا قلت لقلبي ساعة

قم نغرد لسوى ليلي أبى

حجبت تأبى لعيني مأربًا

غير عينيك ولا مطلبا

أنتِ من أسدلها لا تدعي

أنّني أسدلتُ هذي الحجبا

ولكم صاح بي اليأس انتزعها

فيرد القدرُ الساخر دعها

يا لها من خطة عمياء لو

أنّني أبصرُ شيئًا لم أطعها

وليَ الويل إذا لبيتها

ولي الويل إذا لم أتبعها

قد حنت رأسي ولو كل القوى

تشتري عزة نفسي لم أبعها

يا حبيبًا زرتُ يومًا أيكه

طائر الشوق أغني ألمي


الآن يعيش الشاعر في دواخله اضطرابًا عظيمًا فهو لا يعرف ما يتصرف ولا يعلم ما يمكن أن يفعله، فلو أطاع حبيبته لظلم نفسه ولو تركها لزاد في ظلم نفسه، كل المتضادات التي دوّنت منذ الأزل حتى هذه اللحظة تتفنن في إضعاف ذلك العاشق الهائم على وجهه الذي لا يدري ما يفعله في تلك المحنة التي تعرض لها.


ذلك الحب الذي صيره ضعيفًا بعد أن كان عزيز النفس رابط الجأش.


  • صاح بي اليأس

جعل اليأس كالإنسان الذي يصيح، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه، استعارة مكنية.[٢]

  • تشتري عزة نفسي

جعل عزة النفس كالشيء الذي يُباع ويشترى، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه، وهي استعارة مكنية.[٢]


المفردة
معنى المفردة
الويل
كلمة تعني حلول الأمور السيئة والشرور.[٢٠]
مأرب
الغاية الملحة.[٢١]


شرح الأبيات من (61 - 68)

لك إبطاء الدلال المنعم

وتجني القادر المحتكم

وحنيني لك يكوي أعظمي

والثواني جمرات في دمي

وأنا مرتقبٌ في موضعي

مرهف السمع لوقع القدم

قدم تخطو وقلبي مشبه

موجة تخطو إلى شاطئها

أيها الظالم بالله إلى كم

أسفح الدمع على موطئها

رحمةٌ أنتَ فهل من رحمةٍ

لغريبِ الروح أو ظامئها

يا شفاء الروح روحي تشتكي

ظلم آسيها إلى بارئها


يتابع الشاعر الحديث عن آهاته التي يُعانيها في سبيل ذلك العشق الذي لم يعد يعرف كيف يُداويه، وهو يستجدي الرحمة والعطف من تلك المحبوبة التي تأبى إلا أن تكون جلادًا عليه.


  • الثواني جمرات

تشبيه بليغ، حذف وجه الشبه وأداة التشبيه وأبقى على المشبه والمشبه به.[٢]

  • روحي تشتكي

جعل الروح كالإنسان الذي يشتكي من الظلم، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه فهي استعارة مكنية.[٢]


المفردة
معنى المفردة
مرهف
الشيء الرقيق.[٢٢]
ظامئ
الإنسان الذي يعاني من العطش الشديد.[٢٣]


شرح الأبيات من (69 - 77)

أعطني حريتي أطلق يديّ

إنّني أعطيت ما استبقيت شيّا

آه من قيدك أدمى معصمي

لِمَ أبقيه وما أبقى عليّ؟

ما احتفاظي بعهودٍ لم تصنها

وإلامَ الأسرُ والدنيا لديّ؟

ها أنا جفت دموعي فاعفُ عنها

إنّها قبلك لم تبذل لحي

وهبْ الطائر عن عشك طارا

جفت الغدران والثلج أغارا

هذه الدنيا قلوب جَمَدت

خبت الشعلة والجمر توارى

وإذا ما قبس القلب غدا

من رماد لا تسله كيف صارا

لا تسل واذكر عذاب المصطلي

وهو يذكيه فلا يقبس نارا

لا رعى الله مساءً قاسيًا

قد أراني كل أحلامي سدى


يطلب الشاعر الآن من حبيبته أن تعفو عنه وأن تطلق عنانه للحرية التي يطوق، فهو لم يعد يطوق الآن عذابات الأسر فقد دمى معصماه، ها هي الدموع تملأ قلبه وروحه كيف لا وهو الذي ما تمنى إلا أن يكون حبيبًا لها وقد صار الآن عبدًا بين يديها.


انظري أيتها المحبوبة إلى الحال التي آلت إليها الآن، والقلب قد أنهك من عذابات العشق والألم، ثم يتبع الشاعر وصف آلامه وشتم المساء الذي يتذكر فيها محبوبته فيعود إلى بوتقة الحزن والألم والأسى.


  • لا رعى الله مساء

جعل المساء كالإنسان الذي يحتاج إلى الرعاية، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه استعارة مكنية.[٢]

  • ما احتفاظي بعهود لم تصنها

جعل العهود كالإنسان الذي يحتاج إلى الحماية والصيانة، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه استعارة مكنية.[٢]


المفردة
معنى المفردة
العهود
الوعد الذي يقطعه كل إنسان على نفسه.[٢٤]
تصنها
الحفظ والوقاية من الإفساد.[٢٥]


شرح الأبيات من (78 - 87)

وأراني قلب من أعبده

ساخرًا من مدمعي سخر العدا

ليت شعري أيّ أحداثٍ جرت

أنزلت روحك سجنًا موصدا

صدئت روحك في غيهبها

وكذا الأرواح يعلوها الصدا

قد رأيت الكون قبرًا ضيقًا

خيّم اليأس عليه والسكوت

ورأت عيني أكاذيب الهوى

واهياتٍ كخيوط العنكبوت

كنت ترثي لي وتدري ألمي

لو رثى للدمع تمثال صموت

عند أقدامك دنيا تنتهي

وعلى بابك آمال تموت

كنت تدعونيَ طفلًا كلما

ثار حبي وتندت مقلي

ولك الحقّ لقد عاش الهوى

فيّ طفلًا ونما لم يعقل

ورأى الطعنة إذ صوبتها

فمشت مجنونة للمقتل


يحكي الشاعر الآن عن الأطوار المؤلمة التي ملّ فيها، كان كالطفل في علاقته مع المحبوبة وهو دائم الحزن معها كالطفل مع أمه، عيونه لا تفتأ تغرق في الدموع الساخنة بعد كلطعنة توجهها له المحبوبة، الآمال كلها تكون مزروعة عند قلب الجبيب وسرعان ما تغيب وتنتهي عند رفضه، ذلك الرفض كان بمناسبة الطعنة القاتلة للعشق.


  • صدئت روحك

شبه الروح بالشيء الذي يصدأ أي كالحديد، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه استعارة مكنية.[٢]

  • آمال تموت

جعل الآمال شيئًا يحيا ويموت مثل مخلوقات الله تعالى، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه استعارة مكنية.[٢]


المفردة
معنى المفردة
واه
ضعيف ومهترئ وغير قوي.[٢٦]
مقلي
هي الشحمة التي تجمع ما بين السواد والبياض.[٢٧]


شرح الأبيات من (88 - 96)

رمت الطفل فأدمت قلبه

وأصَابت كبرياء الرجل

قلتُ للنفس وقد جزنا الوصيدا

عجلي لا ينفع الحزم وئيدا

ودعي الهيكل شبت ناره

تأكل الركع فيه والسجودا

يتمنّى لي وفائي عودة

والهوى المجروح يأبى أن نعودا

لي نحو اللهب الذاكي به

لفتة العود إذا صار وقودا

لست أنسى أبدًا

ساعة في العمر

تحت ريح صفقت

لارتقاص المطر

نوّحت للذكر

وشكت للقمر

وإذا ما طربت

عربدت في الشجر


الآن حان وقت الرحيل بعد كل تلك الطعنات التي وجهتها المحبوبة لقلب الشاعر، مع أنّ وفاء الشاعر يشده للوراء لكنّ قلبه المجروح المُلطخ بالدماء يأبى عليه ان يعود، الطبيعة تشارك الشاعر دائمًا في أفراحه وأتراحه حتى المطر والريح والقمر والشجر.


  • لارتقاص المطر

شبه المطر بالإنسان الذي يرق

4712 مشاهدة
للأعلى للسفل
×