ابن أبي حجلة التلمساني (شاعر عباسي)

كتابة:
ابن أبي حجلة التلمساني (شاعر عباسي)

التَّعريف بابن أبي حَجَلة التَّلمساني

ابن أبي حَجَلة التَّلمساني شاعر عباسي عاش ما بين عامي (1325م - 1375م)، وهو من أهل تلمسان وإليها نسبه المؤرخون، وقد كان عَلمًا من أعلام الصوفية لكنّه كان يَحمل على البعض من كبارها، مثل: ابن الفارض الَّذي كان يُؤمن بوحدة الوجود، وقد ترك التلمساني أثرًا كبيرًا من بَعده حيث جعل من شعره أداةً لنشر ما يعتقد به وقد عُرف عنّه الزُّهد.[١]

تعليم ابن أبي حَجَلة التَّلمساني

بدأ تعليم ابن أبي حَجَلة التَّلمساني في تلمسان كعادة كل الفتية الَّذين يلتحقون بالكتاتيب ليتعلموا القراءة والكتابة وبعض الأشعار والسُّور القرآنية، وحدث أنْ سافر مع أهله لأداء فريضة الحج، ولكنَّ القدر شاء أنْ يَخْطف الموت عائلته ويبقى هو، ليتجه إلى دمشق التي كانت قبلة العلم في ذلك الزمان، نشأ التلمساني في دمشق وتعلم عاداتها وثنى ركبتيه عند شيوخها.[٢]

بدأ نجمه بالسُّطوع في دمشق وعُرف فيها وصار النّاس يَلتفون حوله، ولكنّ طموحه لم يَكن ليَقف عند دمشق، بل انتقل فيما بعد إلى القاهرة الَّتي كانت حاضرةً للمماليك وكان فيها العلم بأوج ازدهاره، فنهل منها ما شاء الله له أن ينهل، ولمَّا لَمس النّاس عِلمه وعرفوا أدبه وفهمه تولى مشيخة الصُّوفية في صهريج منجك، وكان السلطان وقتها الحسن بن ناصر قلاوون.[٢]

مقامات ابن أبي حَجَلة التَّلمساني

إنّ مقامات التَّلمساني من مؤلفاته التي ضاع منها الكثير، ولكن بَقي منها ما يُمكن أنْ يُوصل فكرةً واضحةً عن أسلوبه وطريقة تعبيره وأفكاره، وتفصيلها فيما يأتي:[٢]

  • أهميتها

كان لها أهمية كبيرة حيث استطاعت أنْ تُصور المجتمع المصري واستطاعت أنْ تَكون بمثابة الأرشيف التَّاريخي والاجتماعي والسِّياسي لمصر في ذلك الوقت.

  • شهرتها

لقد حازت مقامات التَّلمساني على شهرة واسعة في عصره، وقد اشتهرت بعضها أكثر من غيرها، مثل: مقامة الزَّعفرانيَّة وقد أثنى على مقاماته أكثر علماء عصره منهم القلقشندي وابن حُجر.

  • أقسامها

قُسمت مقامات التَّلمساني إلى قسمين: القسم الأول أُطلق عليه اسم مقامات المقام وهي المقامات التي عارض فيها مقامات الحريري، وأمّا القسم الثاني الّذي لم يَكن بهدف المعارضة أُطلق عليه اسم مقامات أُخرى.

  • دافع كتابتها وعددها

الدَّافع لكتابة القسم الأول من مقاماته أنّه كان يَقرأ مقامات الحريري على مسامع السلطان قلاوون ويَشرح له غريبها ويُبين معانيها، فأمره السُّلطان أنْ يُعارضها فتلقى الأمر بصدر رحب، وقد بلغ عددها سبع وعشرون مقامةً، أمّا مقاماته من القسم الثَّاني: فمنها ما لم يكن له مناسبة ومنها ما كانت مناسباتها متفرقة.

  • بطلها

إنّ البطل في مقامات التَّلمساني هو السَّاجع بن حَمام.

  • مناسباتها

لمقامات ابن أبي حَجَلة مناسبات كثيرة تَختلف باختلاف المقامة، ومن أبرزها ما يأتي:

1. مقامة العين السَّاهرة فيمن حل بالسَّاهرة

لقد كّتب التَّلمساني هذه المقامة إثر ضَرْبِ الطَّاعون لبلاد الشَّام ومصر في تلك الآونة، وكان قد أهلك العباد والحرث والنَّسل.

2. مقامة واقعة الواقعة

لقد كَتب هذه المقامة إثر سقوط المأذنة على مدرسة السلطان قلاوون، وقد وصف في هذه المقامة الحادثة الأليمة وكيف راح ضحيتها بِضْعٌ من الأطفال اليتامى.

3. المقامة الزرزوريَّة

لقد كانت هذه المقامة حديثًا حول بَغْلَتِه زرزورة الَّتي كان السُّلطان قلاوون قد أهداه إيَّاها.

4. مقامة الخيمة

في هذه المقامة وصف خيمة السُّلطان قلاوون الَّتي أُعجب النّاس بها كثيراً لشدة جمالها وإتقان صُنعها.

5. المقامة المردينيَّة

وتُسمى أيضًا بِاسم مقامة الشَّطرنجي، وقد وصف في هذه المقامة قلعة ماردين، وقد أدرج في هذه المقامة مصطلحات الشَّطرنج.

6. المقامة الزعفرانيَّة

تُعد هذه القامة من أكثر مقاماته شهرةً، وقد حاكها التَّلمساني إثر فيضان نهر النِّيل، وقد نسبها إلى خليج الزعفران قرب المطرية في القاهرة.

7. المقامة الجيزيَّة

حكى في هذه المقامة عن حادثة جرف البحر، وما كان رائجًا من فُسْقٍ وفُجورٍ لدى أهل الجيزة بتلك الآونة.

8. المقامة الإسكندرانيَّة

نسج هذه المقامة إثر هجوم القبارصة على الإسكندرية والفتك بأهل الإسكندرية وأسرهم وتشريدهم.

أسلوب ابن أبي حَجَلة التَّلمساني

لقد عُرف عن أبي حَجَلة التَّلمساني أسلوبه الخفيف اللطيف في الكتابة الأدبية، حيثُ لم يأتِ على المُتقعر من الكلام ولا الغريب بل كان يأتي بألفاظ رقيقة قريبة من الفهم سهلة هينة يفهمها القارئ العامي، وقد كان يمتاز برشاقة التَّعبير وخفة ظلِّ قَلمه فيَطربُ السَّامع لأدبه، وهذا ما برز كثيرًا في مقاماته وفي أشعاره الَّتي جُعلت في ديوان خاص به.[٣]

مؤلفات ابن أبي حَجَلة التَّلمساني

لقد أسفرت حياة ابن أبي حَجَلة التَّلمساني عن مجموعة من المؤلفات، لعل من أبرزها ما يأتي:[٤]

  • ديوان الصَّبابة.
  • منطق الطير.
  • سكردان السُّلطان.
  • السَّجع الجليل فيما جرى في النِّيل.
  • مواصيل المقاطيع.
  • أصل الطيب.
  • نحر أعداء البحر.
  • التذكرة.

وفاة ابن أبي حَجَلة التَّلمساني

تُوفي ابن أبي حَجَلة التَّلمساني في عام 1375 ميلادي، ولم تأتِ المصادر على ذكر سبب وفاته واكتفوا بذكر الشَّهر الَّذي تُوفي فيه وهو في ذي الحجة في يوم الخميس وكان قد بلغ من العمر واحد وخمسين عامًا.[٥]

شواهد من شعر ابن أبي حَجَلة التَّلمساني

استفاض ابن أبي حجلة التلمساني في كتابة المقامات والشعر فمنها ما ضاع ومنها ما بقي في متفرقات بين كتبه، ومن قصائد التي وصلت إلى هذا العصر ما يأتي:

  • قصيدة تبادره بالبدر منه بوادره:

تبادرَه بالبدرِ منهُ بوادرُه

وتَحلُو لهُ عندَ المرورِ نوادرُه

ففيهِ لهُ في كلّ يومٍ وليلة

حبيبٌ ملمٌ أو نديمٌ يُسامره

ولي فيه نَظمٌ أنْ تضوّع نشرُه

ففي طيّه حلوُ الكلامِ ونادرُه

ولي فيه منثورُ غدا في مَقامه

وعرفٌ سناهُ مشرقُ الروضِ عاطرُه

ولي فيه من سحرِ البيانِ رسائل

إذا ما جَفاني أحورُ الطرفِ ساحره

ولي فيه أسرارُ الحُروف لأنه

ينقطهُ دَمعي فتبدُو سرائره

فنثورُ دَمعي مثلَ نظيمِ سطوره

خُدودي إذا ما خطَّ فيها دفاتره

تمد مِداد الدَّمع أقلام هديه

فدَمعي حبري والسَّواد محابرُه

خدمتُ بديوانِ الصّبابة عاملا

فباشَر قتلي من سباتي ناظرُه[٦]
  • قصيدة فلولا الهوى ما مات مثلي عاشقٌ:

فلولا الهَوى ما مَات مثلي عاشقٌ

ولا عمَّرت بالعامريّ مقابرُه

وفي غزلي ذكرُ الغزالِ ومَربع

تُطارُ حتَّى فيه الحَديث جآذره

أنزِّهه عن وصفِ خدرِ عنيزة

ومنزلُ قفرٍ سرنَ عنه أباعره

تَجرّ قوافيهِ معالٍ غدا بها

جريرًا كعبد وثَّقته جرائره

يشيبُ بِها فودُ الوليد لأنه

يسيرُ وجنح الليل سود ضفائره

ولست أرى يوماً بدارة جُلجُلِ

سوى شاعرٌ دارت عليه دوائره

إذا ما نسي ذكر حبيبٍ ومنزلِ

فإنّي لمن أهواه ما عشت ذاكره[٦]
  • قصيدة وإن رمت منها وهي غضبى التفاتة:

وإن رُمْتُ منهَا وهي غَضبَى التفاتةً

ثنَت عواطفها نحوَ الغزالِ تشاوره

أيبردُ ما ألقاهُ من حرّ هجرِه

وقد حميَت يوماً عليَّ هواجره

تحصَّنت في حصنِ الهَوى من عوَاذلي

وباتَ لقَلبي جيشُ همٍّ يحاصره

ولو لَم يكن أَعمى البَصيرة عاذلي

لما عَميت عمَّن هوَيت نواظره

يشبِّهها بالغصنِ والغصنُ عندها

يشاهدُُها يغضي ويطرقُ ناظره

ألغصنِ خدٍ كالشَّقيق إذا بدا

وشعرٌ كجُنح الليل سودٌ غدائره[٦]

المراجع

  1. منير البعلبكي، معجم أعلام المورد، صفحة 16. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت عبد القادر قهلوز ، ابن أبي حجلة التلمساني وما بقي من مقاماته، صفحة 231 - 240. بتصرّف.
  3. أبي بكر محمد بن جعفر بن سهل، تلال القلوب في أخبار العشاق والمحبين، صفحة 21. بتصرّف.
  4. عبد الكريم بليل، التصوف والطرق الصوفية، صفحة 231. بتصرّف.
  5. أبي العباس تقي الدين أحمد بن علي، السلوك لمعرفة دول الملوك، صفحة 381. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت ابن أبي حجلة، ديوان الصبابة، صفحة 4 - 5.
5477 مشاهدة
للأعلى للسفل
×