اقصر خطبة جمعة في الإسلام

كتابة:
اقصر خطبة جمعة في الإسلام





أقصر خطبة جمعة في الإسلام

يوم الجمعة هو أفضل أيَّام الأسبوع لدى المسلمين؛ وذلك لكونه اليوم الذي تؤدَّى فيه فريضةٌ لا تؤدَّى في غيره وهي فريضة صلاة الجمعة، وذلك يكون بصلاة ركعتين بشروطٍ معيَّنةٍ ومخصوصةٍ وبإقامة خطبة الجمعة، وفي هذا المقال بيانٌ لأقصر خطبةِ جمعةٍ والمنسبوبةُ لعبد القادر الجيلاني، وأقصر خطبةِ جمعةٍ في العصر الحديث، وأقصر خطبةٍ في زمن الصَّحابة -رضوان الله عليهم-، ويلي ذلك الحديث عن طول خطبة الجمعة وقصرها.



أقصر خطبة جمعة المنسبوبة لعبد القادر الجيلاني

يُنسَب للشيخ عبد القادر الجيلاني -رحمه الله- أنَّه قال في إحدى خطب الجمعة: "لقمة في بطن جائع خير من بناء ألف جامع، وخير ممن كسا الكعبة وألبسها البراقع، وخير ممن قام لله راكع، وخير ممن جاهد للكفر بسيف مهند قاطع، وخير ممّن صام الدّهر والحر واقع، وإذا نزل الدقيق في بطن جائع له نور كنور الشمس ساطع، فيا بشرى لمن أطعم جائع"، إلَّا أنّ العلماء المُعتَبرين الثِّقات كانوا قد نَفَوا نسبة هذا الكلام للشيخ -رحمه الله-.[١]



وتجدر الإشارة إلى أمرين هامين هنا، نُوردهما على النحو الآتي:[١]

  • أوّلهما: أنَّ الجزء الأوَّل من الخطبة المُشار إليها مُسبقاً وهو:(لقمة في بطن جائع خير من بناء ألف جامع) يُنسَب على أنَّه حديثٌ لرسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وهو ليس كذلك، وقد ذكر هذا الشيخ العجلوني في كتابه كشف الخفاء، والشيخ محمود درويش في كتابه أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب.
  • ثانيهما: أنَّ المُفاضلة والموازنة بين الأجور المُترتِّبَة على الأعمال لا يصحُّ منها شيءٌ سوى ما ثبت بالدَّليل الشَّرعيِّ.


أقصر خطبة جمعة في العصر الحديث

كان الشَّيخ محمد الطاهر بن عاشور -رحمه الله- قد خطب إحدى خطب الجمعة في جامع الزَّيتونة فقال في الخطبة الأُولى: "نساء شَكون إلي في الأسواق"، ثمَّ كرَّرها ثانيةً، وكان المُصلُّون في حالةٍ من الصَّمت والهُدوء، ثمَّ جلس الشَّيخ -رحمه الله- جلسةً خفيفةً وقام إلى الخطبة الثَّانية قائلاً: "لا خير في صلاتكم ونساؤكم عَرايا"، ثمَّ طلب -رحمه الله- من الإمام إقامة الصَّلاة.[٢]



أقصر خطبة في زمن الصحابة

تُعدُّ خطبة عمر بن الخطَّاب وخطبة عثمان بن عفان -رضي الله عنهما- أقصر خطبتين من الخطب التي أُقيمت في زمن الصَّحابة -رضي الله عنهم-، وذلك عندما أصبح كلاً منهما خليفةً للمسلمين، أمَّا خطبة عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- فقد كانت بعد أن صعد المنبر وقال: "ما كان الله ليراني أرى نفسي أهلا لمجلس أبي بكر"، فما كان منه -رضي الله عنه- إلَّا نزل عن مجلس أبي بكر -رضي الله عنه- درجةً ومِرقاةً، ثمَّ افتتح خطبته بحمد الله -تعالى- والثَّناء عليه.[٣]



ثمَّ بعد ذلك قال -رضي الله عنه-: "إقرؤوا القرآن تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله. إنه لم يبلغ حق ذي حق أن يُطاع في معصية الله. ألا وإني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة والي اليتيم: إن استغنيت عففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف تقرم البهمة الأعرابية"،[٣] أمَّا عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فإنَّه عندما تولَّى الخلافة خطب في النَّاس بعد أن جلس على ذروة المنبر وافتتح خطبته بحمد الله -تعالى- والثَّناء عليه، ثمَّ قال -رضي الله عنه-: "إنَّ أول مركب صعب، وإن مع اليوم أياماً، وما كنا خطباء، وإن نعش لكم تأتكم الخطبة على وجهها إن شاء الله تعالى".[٤][٥]



طول خطبة الجمعة وقصرها

هناك العديد من الأحاديث النَّبويَّة التي حثَّت على إطالة صلاة الجمعة وإقصار خطبتها ومنها ما يأتي:[٦]

  • ما ثبت عن عمار بن ياسر -رضي الله عنه- قال: (إنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: إنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ، مَئِنَّةٌ مِن فِقْهِهِ، فأطِيلُوا الصَّلَاةَ، وَاقْصُرُوا الخُطْبَةَ، وإنَّ مِنَ البَيَانِ سِحْرًا).[٧]
  • ما ثبت عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: (كُنْتُ أُصَلِّي مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا، وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا).[٨]



لذا اتَّفق جمهور العلماء على استحباب كون خطبة الجمعة تميل إلى القِصَر وعدم الإطالة، إلَّا أنَّ ابن حزم قد كان له رأيٌ آخر في ذلك؛ فقال بوجوب إقصار الخطبة وحرمة مخالفة ذلك، وتجدر الإشارة إلى انتفاء وجود دليلٍ شرعيٍّ يُثبت حدّاً مُعيَّناً للخطبة، الأمر الذي أدَّى إلى تعدُّد آراء العلماء في فهم معنى إقصار الخطبة وذلك كما يأتي:[٦]

  • إقصار الخطبة يكون بمقارنتها مع الصَّلاة وبالنِّسبة إليها؛ بحيث تكون الخطبة أقصر من الصَّلاة.
  • إقصار الخطبة ليس له حدٌّ معيَّنٌ؛ فلا يُقارَن مع الصَّلاة وبالنِّسبة إليها.
  • إقصار الخطبة يكون وفق كونها خطبةٌ لها فكرةٌ معيَّنةٌ وموضوعٌ معيَّنٌ يسعى الخطيب لإيصاله للسَّامعين بطريقةٍ تُعطي الموضوع حقَّه ولا تُنقص منه شيئا.



ومن سُبل التَّوفيق والجمع بين آراء العلماء في فهم معنى إقصار الخطبة هو القول بأنَّ الله -تعالى- ترك تحديد مقدار الكلام والزَّمن المُعتَبرَين في إقصار الخطبة لفتح المجال أمام الخطباء للاجتهاد والإتيان بما فيه منفعةٌ للنَّاس على اختلاف أحوالهم وأماكنهم وأزمانهم، مع مراعاة الأصل العام في الخطبة وهو التَّخفيف الذي لم يُجعل له أيضاً حدّاً مُعيَّناً، وممَّا يدلُّ على أنَّ عدم تحديد الإقصار أمرٌ مقصودٌ لله -تعالى- أنَّ النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قد مكث وعاش في المدينة المنوَّرة عشر سنواتٍ، خطب خلالها ما يُقارب الخمسمائة خطبةٍ أوالثلاثمائة خطبةٍ على أقلِّ تقديرٍ بسبب خروجه لغزواته وأسفاره.[٦]



وقد كان كبار الحفظة من الصَّحابة -رضي الله عنهم- يحضرون خطبه، وهم الذين كانوا يحفظون أقواله وأفعاله -صلَّى الله عليه وسلَّم- مهما كانت طويلةً، كجابر بن عبدالله -رضي الله عنه- الذي روى حجَّة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم- من بدايتها إلى نهايتها، وكعب بن مالك -رضي الله عنه- الذي روى قصَّة توبته كاملةً، وعائشة -رضي الله عنها- التي روت حادثة الإفك بتفاصيلها، ورغم ذلك لم يتمَّ نقل خطبة جمعة كاملة لرسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-؛ ممَّا يؤكِّد أنَّ ذلك ما كان إلَّا لحكمةٍ ربَّانيةٍ؛ وهي ترك مقدار إقصار الخطبة بما يناسب ويلائم أحوال النَّاس وظروفهم.[٦]

المراجع

  1. ^ أ ب "ما صحة هذا الكلام: "لقمة في بطن جائع خير من بناء ألف جامع..."، إسلام ويب، 28-12-2015، اطّلع عليه بتاريخ 21-6-2021. بتصرّف.
  2. "أقصر خطبة صلاة جمعة في تاريخ الإسلام"، نور الاسلام، 21-10-2020، اطّلع عليه بتاريخ 21-6-2021. بتصرّف.
  3. ^ أ ب عبد الله الدينوري (1418)، عيون الأخبار، بيروت:دار الكتب العلمية، صفحة 255، جزء 2. بتصرّف.
  4. أحمد صفوت، جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة، بيروت:المكتبة العلمية، صفحة 271، جزء 1. بتصرّف.
  5. عبد الرب آل نواب (1425)، تدريب الدعاة على الأساليب البيانية (الطبعة 128)، المدينة المنورة:الجامعة الاسلامية، صفحة 365. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت ث ابراهيم الحقيل (15-2-2010)، "خطبة الجمعة بين الإطالة والإقصار"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 21-6-2021. بتصرّف.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمار بن ياسر، الصفحة أو الرقم:869 ، صحيح.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن سمرة، الصفحة أو الرقم:866 ، صحيح.
4100 مشاهدة
للأعلى للسفل
×