الأحاديث النبوية الصحيحة عن الاستغفار

كتابة:
الأحاديث النبوية الصحيحة عن الاستغفار

محتويات

حديث: رب اغفر لي وتُبْ علي

متن الحديث

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- إنّه قال: "كنَّا لنعدُّ لرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في المَجلِسِ الواحدِ مائةَ مرَّةٍ: ربِّ اغفر لي، وتُب عليَّ، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحيمُ".[١]


صحة الحديث

قال الإمام الألباني في تحقيقه بأنّه حديثٌ صحيح،[٢] وقال الإمام النووي بما نقله عن الترمذي بأنّه حديث حسن صحيح.[٣]


شرح الحديث

من كثرةِ استغفار النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في مجلِسه كان يعدّ له الصحابة -رضي الله عنهم- في المجلس الواحد استغفاره الذي يصل لمئة مرة، وهو موافقٌ لما رواه النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عنه نفسه بأنّه كانَ يستغفر الله في اليوم مئة مرة وكثرة استغفار النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- دليلٌ على فضل الاستغفار وعِظم أجره وليعلّم المؤمنين فضل الاستغفار.[٤]



العبرة المستفادة

إن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- كانَ من أكثر النّاس استغفارًا مع أنه معصوم من الخطأ ومغفور الذنب.[٤]



حديث من قال: أستغفر اللَّه الذي لا إله إلَّا هو

متن الحديث

عن زيد بن الحارثة -رضي الله عنه- عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- إنّه قال: "من قال أستغفر اللهَ الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيومَ وأتوب إليه غُفِرَ له وإن كان فرَّ من الزَّحفِ".[٥]


صحة الحديث

قال محمد بن إسماعيل البخاري بأنه حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه،[٦] قال الإمام الألباني في تحقيقه بأنّه حديثٌ صحيح لغيره.[٧]


شرح الحديث

يشير الحديث إلى دعاء ذو فضلٍ عظيم يحث النبي -صلى الله عليه وسلم- على قوله، فمن قاله غفر الله له ذنوبه حتى وإن كانَ قد فرّ من الزحف أي من القتال في المعارك، وقد جاء ذكر الفرار من الزحف على وجه الخصوص لإضافة معنى آخر هو وصف الفرار من الزحف بأنّه من الكبائر وهي الذنوب العظيمة وإلا فسياق الحديث قد جاء في الاستغفار وإنما جاء هذا الوصف للمبالغة في فضل الاستغفار في محو الذنوب حتى وإن كانت من الذنوب الكبيرة.[٨]


وقد ذكر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في حديثٍ آخر أن الفرار من الزحف هو إحدى الموبقات السبع، التي يستحق فاعلها العذاب من الله تعالى ويكون معنى الحديث أنّه من تاب من جميع ذنوبه حتى وإن كان ذنبه هو الفرار من الزحف واستغفر الله على ذلك غفر الله له ذنوبه، وإلا فالاستغفار من غير توبة ومع الإصرار على الذنب لا ينفع صاحبه، فلا يصلُح الاستغفار باللسان دون القلب فيجب أن يتوب القلب عن الذنوب ويعزمَ على عدم العودة إلى الذنب ويستغفر الله تعالى على ما كان منه من معصية.[٩]


العبرة المستفادة

إن للاستغفار فضل عظيم فهو يغفر أعظم الذنوب إذا صاحبهُ توبة صادقة وندم على الذنب.[٩]



حديث: والله إنّي لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم

متن الحديث

عنأبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- إنّه قال: "واللهِ إنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ وأَتُوبُ إلَيْهِ في اليَومِ أكْثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّةً".[١٠]


صحة الحديث

حديث صحيح أخرجه الإمام البخاري في صحيحه.[١١]



شرح الحديث

يبين الحديث الشريف أن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كانَ كثير الاستغفار والتوبة لله تعالى مع أنّ الله حفظه في أفعاله وأقواله، وفي إجهاره وإسراره وباعد الله بينه وبين الذنوب، ولكنّ استغفاره كان ليعلّم أمته ذلك ويجعله منهاجًا لهم فلا يأت بعده أحد ويترك الاستغفار والاستعانة بالله تعالى على غفران ذنوبه وهذا دليلٌ على فضل الاستغفار وذكر العدد سبعون؛ لأنَّ ذلك العدد هو أكبر ما كان معروفًا من الأعداد في قول العرب.[١٢]



العبرة المستفادة

يجب على المسلم أن يحرص على استغفار الله تعالى فهو فعلُ النبي صلّى الله عليه وسلّم.[١٢]



حديث: فاغفر لي من عندك مغفرة

متن الحديث

رويَ عن أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه: "أنَّهُ قالَ لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: عَلِّمْنِي دُعَاءً أدْعُو به في صَلَاتِي، قالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، ولَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ، فَاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً مِن عِندِكَ، وارْحَمْنِي إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ".[١٣]


صحة الحديث

هو حديث صحيح متفق عليه أخرجه الشيخان بخاري ومسلم.[١٤]



شرح الحديث

يعلم النبي -صلّى الله عليه وسلّم-أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- دعاء يظهر فيه الافتقار لله تعالى الخالق المنعم والاعتراف بالحاجة لله تعالى ليردِدّه في صلاته، ويبدأ الدعاء بالاعتراف بالظلم للنفس ليكون العبد قد تطهر من ظلمه لنفسه ورحِمَه الله وغفر له ويصبح جاهزًا ليقدم طلبه بين يدي الله تعالى فلا يعارضه أي حاجز من حواجز منع العطاء كالظلم مثلًا سيما وأنّه ورد شيء من النصوص يدل على أن الظلم يحول من إجابة الدعاء حيث قال الله تعالى: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}.[١٥][١٦]


وطلب المغفرة ومحو الذنب من الله تعالى أهم وأولى من أي طلبٍ غيره، فأراد النبي -صلّى الله عليه وسلم- أن يخبر أن من دعا بهذا الدعاء لم يتبقى بعدها حواجز بين العبد وإجابته من الله تعالى، ونسب المغفرة لله تعالى بقول مغفرة من عندك لتبقى وتستمر لأنها من الله الباقي الذي لا يفنى فكل ما يأتي من عنده دائم ولا يفني أما ما يأتي من غيره فهو قصير غير دائم كحال البشر وغيرهم فمصيرهم إلى الفناء، وطلب الرحمة بعد المغفرة حتى يمحو الله السيئة ويطيب أثرها.[١٦]



العبرة المستفادة

إن من أفضل ما يدعو به العبد هو طلب المغفرة من الله تعالى، فإن غفران الذنوب سببٌ في إجابة الدعاء.[١٦]



حديث: سبحانك اللهم ربَّنا وبحمدك اللهم اغفرْ لي

متن الحديث

عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُكْثِرُ أنْ يَقُولَ في رُكُوعِهِ وسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي يَتَأَوَّلُ القُرْآنَ".[١٧]


صحة الحديث

هو حديث صحيح متفق عليه أخرجه الشيخان بخاري ومسلم.[١٨]


شرح الحديث

يبين هذا الحديث أنه يجوز في الركوع والسجود إلى جانب الذكر الوارد قوله في الصلاة الدعاء لله تعالى، ولكن الدعاء في السجود له فضلٌ عظيم فلا بأس من إكثار الدعاء فيه، والركوع الأفضل فيه هو تعظيم الله تعالى والثناء عليه، وقد خصّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- السجود في حديث آخر حيث قال: "فأمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فيه الرَّبَّ عزَّ وجلَّ، وأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا في الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ".[١٩][٢٠]


وأما معنى يتأول القرآن فهو تنفيذ ما جاء في آيات سورة النصر من أمر الله -تعالى- لنبيه باستغفاره وذكره؛ ولهذا كان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- كلمّا صلى صلاة من بعد ما نزلت عليه سورة النصر إلا قال في الركوع والسجود: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي"، وفي هذا دليل على قول عائشة عندما كانت تقول عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان خُلُقُه القرآن، أي كان دائمًا ملتزمًا بأوامره.[٢٠]


العبرة المستفادة

يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بأن يغفر له ذنوبه في ركوعه وسجوده من الصلاة، إلا أنه من الأفضل في الركوع تعظيم الله، وفي السجود الإكثار من الدعاء.[٢٠]



حديث: لو لم تذنبوا لذهب اللهُ بكم

متن الحديث

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- إنه قال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لو لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لهمْ".[٢١]


صحة الحديث

حديث صحيح أخرجه الإمام مسلم في صحيحه،[٢٢] وقد ورد في صحيح مسلم والمسند عن أبي هريرة رضي الله عنه.[٢٣]



شرح الحديث

كل إنسان معرض للوقوع في الذنب أو الخطأ وهذه هي طبيعة البشر، والله -تعالى- هو الغفور الرحيم الذي يصفح عن عباده ويعفو عنهم، إذ لكل إنسانٍ حظه من الذنوب والمعاصي، وشأن ابن آدم هو التوبة والإنابة بعد الذنب إلى ربه تبارك وتعالى.[٢٤]


وقد بين رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه لو لم تكن هذه الأمة كذلك لاستبدلها الله تعالى بأمةٍ غيرهم يتوبون لله -تعالى- ويستغفرونه بعدَ وقوعهم في الذنوب والمعاصي فالله تعالى يحب العبد الذي يعود إليه تائبًا مستغفرًا بعد ما يذنب، وهو الرحيم بهم والغفور الذي يمحو ذنب عباده.[٢٤]



العبرة المستفادة

إن الله -تعالى- كتب على نفسه الرحمة والمغفرة والوقوع في الذنب أمر جُبلت عليه البشرية فيجب على الإنسان في حال صدور خطأ منه أن يتوب لله تعالى ويستغفره وهو الغفور الرحيم الذي يغفر ذنب عباده ويرحمهم.[٢٤]



حديث: باستغفار ولدك لك

متن الحديث

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- إنّه قال: "إنَّ الرجُلَ لَتُرْفَعُ درجتُهُ في الجنةِ فيقولُ: أنَّى لِي هذا؟ فيُقالُ: بِاستغفارِ ولَدِكَ لَكَ".[٢٥]


صحة الحديث

قال الإمام الألباني في تحقيقه بأنّه حديثٌ صحيح،[٢٦] وذكر الإمام السيوطي هذا الحديث في كتابه الجامع الصغير وزيادته وقال بأنه حديث صحيح.[٢٧]


شرح الحديث

يبين الحديث الشريف أن الإنسان المؤمن وهو في الجنة يرفع الله درجاته فلمّا يتعجب من رفع درجاته دون عملٍ منه يسأل عن ذلك فتجيبه الملائكة أنّه من استغفار ابنه له من بعد وفاته، وهذا دليلٌ على أن الاستغفار يرفع درجات العبد ويمحو ذنوبه ومن عِظمِ فضل الاستغفار أنّه لا يرفع درجة قائله وحسب بل يرفع درجات من يُستغفر له، وهذا من فضل الله تعالى على عباده فالابن حين يستغفر لأبيه يرفع الله درجة أبيه في الجنة.[٢٨]


وقيل أن الابن إن كانت منزلته في الجنة أعلى من منزلة أبيه طلب من الله تعالى أن يرفع أبيه إلى منزلته، وإن كان الأب منزلته أعلى طلب من الله أن يرفع درجة ابنه وهذا معنى قول الله تبارك وتعالى: {لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا}.[٢٩][٢٨]



العبرة المستفادة

أن للاستغفار فضلٌ عظيم فهو يحط الخطايا ويرفع الدرجات.[٢٨]



حديث: استأذنت ربي في أن أستغفر لها

متن الحديث

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- إنّه قال: "زَارَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَن حَوْلَهُ، فَقالَ: اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي في أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ في أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا القُبُورَ فإنَّهَا تُذَكِّرُ المَوْتَ".[٣٠]


صحة الحديث

حديث صحيح أخرجه الإمام مسلم.[٣١]


شرح الحديث

في فتح مكة لمّا زار النبي -صلّى الله عليه وسلّم- منطقة الأبواء التي فيها قبر والدته آمنة بنت وهب فقام عن القبر وهو يبكي، فلمّا سأله أصحابه -رضي الله عنهم- عن سبب بكائه أخبرهم بانّه كان قد استأذن الله تعالى في زيارة قبر أمه فأذن له، ثمّ استأذن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ربه في أن يستغفر لها فلم يأذن الله تعالى له وأنزل تعالى قوله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى}،[٣٢] ثمّ أمر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بزيارة القبور لأنها تجعل الإنسان يزهد في دنياه وتذكره بالموت، والدار الآخرة التي هي عقبى لأي ابن آدم.[٣٣]



العبرة المستفادة

أنّه لا يجوز الاستغفار للأموات إلا إذا كانوا مؤمنين، وحتى ولو كانوا ذوي قربى.[٣٣]



حديث: فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت

متن الحديث

عن شداد بن أوس -رضي الله عنه- عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- إنه قال: "سَيِّدُ الِاسْتِغْفارِ أنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا علَى عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي فاغْفِرْ لِي، فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ قالَ: ومَن قالَها مِنَ النَّهارِ مُوقِنًا بها، فَماتَ مِن يَومِهِ قَبْلَ أنْ يُمْسِيَ، فَهو مِن أهْلِ الجَنَّةِ، ومَن قالَها مِنَ اللَّيْلِ وهو مُوقِنٌ بها، فَماتَ قَبْلَ أنْ يُصْبِحَ، فَهو مِن أهْلِ الجَنَّةِ".[٣٤]


صحة الحديث

حديث صحيح أخرجه الإمام البخاري.[٣٥]



شرح الحديث

يُعلّم النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أمته أفضل الاستغفار وأشرفه وأحسنُ دعاء يدعو به العبد ربه ليغفر له ويتوب عليه، ففي الدعاء افتقار لله تعالى في اللسان والقلب، وتذلل من العبد الضعيف إلى خالقه وفيه رضا بإرادة الله وقَدَرِه وإقرار من العبد بالميثاق والعهد الذي بينه وبين الله تعالى، كما فيه استعاذة ولجوء لله -تعالى- واعتراف بالنعمة التي أسبغها الله على عباده، وبعدها يتبع هذا طلب المغفرة منه فهو الغفور بعباده الرحيم بهم.[٣٦]


وأخبر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه من التزمَ بقول هذا الدعاء في كُل صباح وهو متيقنٌ ومؤمنٌ به ومات في نفس اليوم قبل أن يُمسي دخل الجنة، ومن قاله في مسائه بيقينٍ وإيمان ومات بعدها قبل أن يصبح دخل الجنة، وفي هذا الحديث دليلٌ على فضل الاستغفار بالعموم، وفضل استغفار العبد في كل صباح ومساء على وجه الخصوص، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يحث أمته على طلب المغفرة من الله تعالى في كل صباح ومساء.[٣٦]


العبرة المستفادة

يجب على المسلم المحافظة على قول ذلك الدعاء الذي حث عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كل صباح ومساء لنيل المغفرة من الله -تعالى- والفوز بجنانه، وذلك وعد الله الذي لا يخلف الميعاد.[٣٦]



حديث: أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك

متن الحديث

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- إنه قال: "مَن جلسَ في مجلِسٍ فَكَثرَ فيهِ لغطُهُ، فقالَ قبلَ أن يقومَ من مجلسِهِ ذلِكَ: سُبحانَكَ اللَّهمَّ وبحمدِكَ، أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا أنتَ أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ، إلَّا غُفِرَ لَهُ ما كانَ في مجلِسِهِ ذلِكَ".[٣٧]

صحة الحديث

قال الترمذي بأنّه حديث حسن صحيح.[٣٨]


شرح الحديث

يبين النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وجوب الاستغفار لله -تعالى- بعد الانتهاء من المجلس لما في المجالس من كلام ولغو كثير، فقال بعدها: "سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك"، إلا غفر الله له ذنوبه ولغطه في مجلسه والمقصود باللغط هنا كثرة الكلام والانشغال بالحديث الذي لا فائدة منه عن ذكر الله تبارك وتعالى، وليس الكلام الذي فيه معصية لله تعالى كالغيبة والشتم وغيرها أو أن تصدر إساءة ممن هم في المجلس دون أن ينهاه أحدٌ عن المنكر، ولو سمع الجالس تلك الإساءة وسكت عنها فالسكوت على ذلك عليه كفارة وهذا الدعاء هو كفارة المجلس.[٣٩]



العبرة المستفادة

يلزم المسلم بعد قيامه من مجالسه التي فيها لغو ولغط وضياع للوقت أن يستغفر الله -تعالى- بقوله كفارة المجلس وهي: "سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك".[٤٠]



حديث: من لزم الاستغفار جعل اللَّه له من كل ضيق مخرجًا

متن الحديث

عن عبد الله بن عباس-رضي الله عنه- عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- إنه قال: "مَن لَزِمَ الاستغفارَ جعل اللهُ له من كلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا. ومن كلِّ هَمٍّ فَرَجًا، ورزقه من حيثُ لا يَحْتَسِبُ".[٤١]



صحة الحديث

ذكره الألباني في كتاب ضعيف الجامع الصغير وزيادته وقال بأنّه حديثٌ ضعيف،[٤٢] قال المناوي في إسناده الحكم بن مصعب ولا يحتج به.[٤٣] وقال أبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء بأنه حديث غريب من حديث محمد بن علي عن أبي عن جده تفرد به عنه الحكم بن مصعب.[٤٤]


شرح الحديث

وإن كانَ هذا الحديث ضعيف إلا أنّ معناه صحيح فقد وردَ ما يفيد ذلك في القرآن الكريم حيث قال الله تعالى: {وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ}،[٤٥] وقال الله تعالى أيضًا: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ}،[٤٦] وكما تمّ بيانه في الأحاديث السابقة أن الاستغفار يمحو الذنوب.[٤٧]


ومتى محا الله الذنب وغفر لصاحبِه رزقه الله -تعالى- وفرّج همه فالله تعالى بيده الرزق والمغفرة فمعنى هذا الحديث صحيح وإن كان إسناده ضعيف فمن حرص على رضا الله تعالى واستغفر وتاب إليه غفر الله له ورزقه وأزال كل ما همه وغمه.[٤٧]


العبرة المستفادة

وجوب المداومة على الاستغفار والمحافظة عليه فهو سببٌ في محو الذنوب وكثرة الاستغفار سبب في الرزق ونيل المغفرة وتفريج الهم والغم.[٤٧]



حديث: اللهم اغفرْ لي ما قدمت وما أخّرت

متن الحديث

عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، أنَّهُ كانَ إذَا قَامَ إلى الصَّلَاةِ آخِرِ ما يقولُ بيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وَما أَخَّرْتُ، وَما أَسْرَرْتُ وَما أَعْلَنْتُ، وَما أَسْرَفْتُ، وَما أَنْتَ أَعْلَمُ به مِنِّي، أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لا إلَهَ إلَّا أَنْتَ".[٤٨]


صحة الحديث

حديث صحيح اخرجه الإمام مسلم،[٤٩] وقال الإمام الألباني بأنه حديث صحيح.[٥٠]



شرح الحديث

يخبر الحديث الشريف عن دعاء النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بين التشهد والتسليم من الصلاة فهذا الموضع هو من مواضع الدعاء في الصلاة ويكون موضعه بعد التشهد وقبل التسليم، ومعنى دعاء النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بأن يغفر له الله تعالى ما قدّم من الذنوب أي الذنوب التي تقدمت منه أو تقديم أمر كان الأحق به التأخير، ومعنى ما أخرت أي ما يؤخره العبد من الذنوب أو تأخير ما كان أحق به التقديم.[٥١]


وما أسررت وأعلنت أي الذنوب التي ظهرت أمام الخلق والذنوب التي يخفيها العبد في نفسه فلا يعلم بها أحد إلا الله تعالى، والمعنى هو أن يسأل الله غفران جميع الذنوب التي حدثت في السر والعلن.[٥٢]


وما أسرفت أي الإسراف في النعم التي يمن بها الله تعالى على عباده وقيل بأن الإسراف مجاوزة الحد، وما أنت أعلم به مني أي ذنب يعلمه الله تعالى ويعلم بفعل العبد له والعبد لا يعلمه عن نفسه، وقيل أعلم بذنب العبد وأعلم في إسرافه في أمره، أنت المقدم أي أن الله تعالى أي المقدم بطاعته وأنت المؤخر أي المؤخر عن طاعته وهذا وفق مشيئة الله تعالى وحكمته فهو المعزّ لمن يشاء والمذلّ لمن يشاء فيقدم من يشاء بأن يجعله من أوليائه الصالين، ويؤخر من يشاء عن ذلك لحكمة منه مثل فرعون وأبا جهل وغيرهم.[٥٣]



العبرة المستفادة

يُشرع للمسلم أن يدعو الله تعالى بطلب المغفرة منه أو استغفاره بين التشهد والتسليم أُسوةً بالنبي صلّى الله عليه وسلّم.[٥٣]



حديث: اللهمَّ اغفرْ لي خطيئتي وجهلي

متن الحديث

عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنَّهُ كانَ يَدْعُو بهذا الدُّعَاءِ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي وَجَهْلِي، وإسْرَافِي في أَمْرِي، وَما أَنْتَ أَعْلَمُ به مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي جِدِّي وَهَزْلِي، وَخَطَئِي وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذلكَ عِندِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وَما أَخَّرْتُ، وَما أَسْرَرْتُ وَما أَعْلَنْتُ، وَما أَنْتَ أَعْلَمُ به مِنِّي، أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ".[٥٤]


صحة الحديث

هو حديث صحيح متفق عليه أخرجه الشيخان بخاري ومسلم في صحيحهما.[٥٥]



شرح الحديث

ومن أدعية الاستغفار التي كان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يدعو الله تعالى بها، أن يغفر له أمره كله، فدعا ربه أن يغفر له ذنبه الذي فعله وهو يعلمه والمقصود من الدعاء الاستغفار عن الذنب الذي يفعله الإنسان عن قصد وإصرار، والذنب الذي فعله دون أن يعلم به، أي ما يفعله الإنسان بجهلٍ منه في الحكم ومعنى إسرافي في أمري أي مجاوزة الحدود المشروعة فعلًا وتركًا، ثم دعا الله تعالى أن يغفر له كل ذنب هو أعلم به فهو أعلم بالعباد من أنفسهم وهو أعلم بكل شيء.[٥١]


ثم يتابع النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في دعائه لربه بأن يغفر الله تعالى له جميعه ذنبه جِدًّا كانت أو هزلًا أي على سبيل اللهو والسخرية، وإن كان ذنبًا متعمدًا أم بدون قصد إليه، وما كان في علنه وظهرَ للنّاس وما لم يعلم به أحد إلا الله تعالى، ثم أثنى على الله تعالى بأسمائه وصفاته، والدعاء بأسماء الله تعالى والتوسل به وبأسمائه له فضلٌ عظيم في إجابة الدعاء.[٥١]


قال الإمام القرطبي إن المقصود من دعاء الله تعالى باسمه المقدم أن الله تعالى يقدم من شاء بالولاية والطاعة وبتوبته عليه، وهو المؤخر أيضًا فيؤخر بمشيئته من يشاء ويبعده عنه، والله تعالى هو مقدم كل مقدّم في الآخرة وفي الدنيا، وهو مؤخر لكل مؤخر في الدنيا والآخرة، ويعدان هذان الاسمان من أسماء الله الحسنى أسماءً مزدوجة أي أنّها لا تقال إلا سويةً ومزدوجة فهي جاءت في كتاب الله تعالى وسنة نبيه كذلك حتى أنه قال بعض العلماء بعدم جواز قول أحد هذه الأسماء منفردًا إلا بضم الاسم الذي جاء معه إليه مثل أن يقال يا خافض ويسكت.[٥١]


وكذلك فقد ورد كثير من أسماء الله الحسنى المزدوجة كالباسط والقابض والخافض والرافع والضار والنافع وكذلك الأول والآخر والمبدئ والمعيد.[٥١]



العبرة المستفادة

أنه يجب على المسلم أن يدعو الله تعالى بأن يغفر له ذنوبه جميعها أُسوةً بالنبي صلّى الله عليه وسلّم.[٥١]


المراجع

  1. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1516، حديث صحيح.
  2. الألباني، صحيح وضعيف سنن أبي داود، صفحة 2. بتصرّف.
  3. مجموعة من المؤلفين، روضة المحدثين، صفحة 115. بتصرّف.
  4. ^ أ ب عبد المحسن العباد، شرح سنن أبي داود، صفحة 7. بتصرّف.
  5. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن زيد بن حارثة، الصفحة أو الرقم: 3576، حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
  6. صدر الدين المناوي، كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح، صفحة 295. بتصرّف.
  7. الألباني، صحيح الترغيب والترهيب، صفحة 272. بتصرّف.
  8. المناوي، فيض القدير، صفحة 57. بتصرّف.
  9. ^ أ ب عبد المحسن العباد، شرح سنن أبي داود، صفحة 9. بتصرّف.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:6307، حديث صحيح.
  11. أبو عبد الله التبريزي، مشكاة المصابيح، صفحة 719. بتصرّف.
  12. ^ أ ب ابن هُبيرة، الإفصاح عن معاني الصحاح، صفحة 292. بتصرّف.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي بكر الصديق، الصفحة أو الرقم: 834، حديث صحيح.
  14. أبو عبد الله التبريزي، مشكاة المصابيح، صفحة 297. بتصرّف.
  15. سورة البقرة، آية:124
  16. ^ أ ب ت ابن هُبيرة، الإفصاح عن معاني الصحاح، صفحة 51. بتصرّف.
  17. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أم المؤمنين عائشة، الصفحة أو الرقم:817، حديث صحيح.
  18. أبو عبد الله التبريزي، مشكاة المصابيح، صفحة 275. بتصرّف.
  19. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:479، حديث صحيح.
  20. ^ أ ب ت عبد المحسن العباد، شرح سنن أبي داود، صفحة 11. بتصرّف.
  21. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2749، حديث صحيح.
  22. أبو عبد الله التبريزي، مشكاة المصابيح، صفحة 721. بتصرّف.
  23. السيوطي ، جامع الأحاديث، صفحة 412. بتصرّف.
  24. ^ أ ب ت أحمد حطيبة، شرح الترغيب والترهيب للمنذرى، صفحة 3. بتصرّف.
  25. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1617، حديث صحيح.
  26. الألباني، صحيح الجامع الصغير وزيادته، صفحة 334. بتصرّف.
  27. السيوطي، الجامع الصغير وزيادته، صفحة 2497. بتصرّف.
  28. ^ أ ب ت المناوي، فيض القدير، صفحة 339. بتصرّف.
  29. سورة النساء، آية:11
  30. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:976، حديث صحيح.
  31. أبو عبد الله التبريزي، مشكاة المصابيح، صفحة 552. بتصرّف.
  32. سورة التوبة، آية:113
  33. ^ أ ب محمد الأمين الهرري، الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم، صفحة 282. بتصرّف.
  34. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن شداد بن أوس، الصفحة أو الرقم:6306، حديث صحيح.
  35. أبو عبد الله التبريزي، مشكاة المصابيح، صفحة 722. بتصرّف.
  36. ^ أ ب ت ابن عثيمين، شرح رياض الصالحين، صفحة 717. بتصرّف.
  37. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3433، حديث صحيح.
  38. مجموعة من المؤلفين، روضة المحدثين، صفحة 39. بتصرّف.
  39. أحمد حطيبة، شرح رياض الصالحين، صفحة 9. بتصرّف.
  40. ابن عثيمين، شرح رياض الصالحين، صفحة 359. بتصرّف.
  41. رواه أبي داود، في سنن أبي داود، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1518، سكت عنه.
  42. الألباني، ضعيف الجامع الصغير وزيادته، صفحة 841. بتصرّف.
  43. مرتضى الزبيدي، تخريج أحاديث إحياء علوم الدين، صفحة 767. بتصرّف.
  44. أبو نعيم الأصبهاني، حلية الأولياء، صفحة 211. بتصرّف.
  45. سورة هود، آية:3
  46. سورة هود، آية:52
  47. ^ أ ب ت ابن عثيمين، نور على الدرب، صفحة 2. بتصرّف.
  48. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:771، حديث صحيح.
  49. أبو عبد الله التبريزي، مشكاة المصابيح، صفحة 256. بتصرّف.
  50. ناصر الدين الألباني، التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان، صفحة 398. بتصرّف.
  51. ^ أ ب ت ث ج ح محمد الأمين الهرري، الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم، صفحة 118. بتصرّف.
  52. محمد الأمين الهرري، الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم، صفحة 71.
  53. ^ أ ب محمد الأمين الهرري، الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم، صفحة 72. بتصرّف.
  54. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم:2719، حديث صحيح.
  55. صدر الدين المناوي، كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح، صفحة 343. بتصرّف.
5600 مشاهدة
للأعلى للسفل
×