الأدلة العقلية على وجود الله
يحتاج بعض الناس لأدلة عقلية تُثبت وجود الله -عز وجل- وتفرّده بالخلق والعبادة، لأنّ الفِطر تلوثت، فاحتجنا لهذه الأدلة حتّى تعود هذه المعرفة الفطرية، مع التنبيه على ضرورة أن يكون الدليل صحيحاً؛ لكي يقوّي الحق ولا يضعفه، ولأنّ الحق لا يحتاج لكثرة عدد الأدلة، بل إلى صحتها وقوتها.[١]
وقد تنوّعت أدلة وجوده -سبحانه وتعالى- ابتداءً من فطرة الإنسان إلى كلِّ ذرة في هذا الكون، فجميع ما في هذا الكون يشهد أنّ له خالقًا ومدبراً، وأشار القرآن إلى أنّ الفطرة السليمة تشهد بوجود خالق،[٢] في قوله -سبحانه وتعالى-: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).[٣]
وكان يكفي الوقوف عند دليل الفطرة لإثبات وجود الله -سبحانه وتعالى-، ولكن نشهد في زماننا انحرافًا فكريًا أدّى لقول أقوام أنّه لا يوجد خالق، وانتشرت هذه الأقوال وأُلّفت فيها كتب، لذلك كان لا بدّ من التوسع في الأدلة لتشمل الأدلة العقلية.[٤]
وتعتمد الطرق العقلية على مبدأ السببية وهو أنه يوجد سبب وراء وجود كل شيء في هذا الكون، الذي يقوم عليه دليل الخلق والإيجاد، ودليل الإحكام والإتقان الآتي تفصيلهم،[٥] ومما يقرر مبدأ السببية في القرآن، قوله -سبحانه وتعالى-: (وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ).[٦]
دليل الخلق والإيجاد
يقوم هذا الدليل على الاستدلال بحدوث الكون بعد أن لم يكن على وجود خالق عظيم أحدث هذا الكون، فالكون حادث له بداية خُلق فيها وانتقل فيها من العدم إلى الوجود، وكل حادث لا بد له من مُحدث،[٧] قال -سبحانه وتعالى-: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ).[٨]
وفي هذه الآية، يقرر الله خلق الإنسان، ويدعو لإعمال العقل والتفكير، فهل خلقوا من غير خالق؟ هذا أمر ممتنع عقلًا، أم هل خلقوا أنفسهم؟ وهذا أشد امتناعًا من خلقهم دون خالق، فكان لا بد من وجود خالق خلقهم وهو الله -سبحانه وتعالى-، وذُكرت الآية بصيغة الاستفهام الاستنكاري، ليبين أن قضية وجود الخالق هي قضية بديهية لا يمكن لأحد إنكارها.[٩]
مثلًا لو رأينا حجراً تحرك من أسفل البناية لأعلاها، نعلم أنه لم يتحرك بنفسه، فلا بدّ من وجود شخص حرّكه وغيّر مكانه، والعجيب أن البعض يؤمن بهذا، ولكنه في نفس الوقت ينكر وجود مُحدث وصانع لهذا الكون، رغم أن الكون أشد تعقيدًا وأعظم خلقة،[١٠] قال -سبحانه وتعالى-: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ).[١١]
ومن المواطن التي جاء التنبيه فيها على دليل الخلق والإيجاد في القرآن الكريم، قوله -سبحانه وتعالى-: (أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا)،[١٢] وقوله -سبحانه وتعالى-: (قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا).[١٣]
دليل الإحكام والإتقان
يتحقق هذا الدليل بأن ما في هذا الكون من إتقان وإحكام في التفاصيل الدقيقة المذهلة، إلى درجة تصل في العقول إلى حالة من الانبهار، لا بدّ له من فاعل يتصف بالحكمة والقدرة والعلم، ويسمى هذا الدليل بدليل النظام، لأنّ المخلوقات أُحكمت بنظام دقيق تسير وفقه لا ينخرم ولا يتغير.[١٤]
وللدليل مقدمتين، أولاهما أنّ الكون مُتقن ومُحكم ورُكب في صورة معقدة يستحيل نسبتها إلى الصدفة، وثانيهما أنّ هذا الإحكام والإتقان لا بدّ له من فاعل، فالسماء مرفوعة كالسقف بلا أعمدة، والأرض مبسوطة كالبساط، والنجوم منضودة كالمصابيح، والحيوان مسخر للمراكب.[١٥]
والنظر الدقيق في موجودات هذا الكون لا تدل فقط على وجود خالق، بل تدل على عظمته وقدرته العظيمة، وكل هذا الكون يدل على الصانع الخالق العظيم، إذا ما أعمل الإنسان عقله وتفكر،[١٦] وأشار القرآن لذلك بقوله -سبحانه وتعالى-: (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ*وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ*وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ*وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ).[١٧]
ويشهد بهذا الإتقان العظيم للكون علماء وباحثين كبار، منهم هيرشل عالم الفلك الإنجليزي الذي قال أنّ العلم كلما اتسع، زادت البراهين القوية الدالة على وجود خالق أزلي لا حد لقدرته، فالفلكيون والرياضيون والجيولوجيون قد تعاونوا لتشييد صرح العلم وهو في الواقع صرح عظمة الله وقدرته وحده.[١٨]
المراجع
- ↑ "الدلائل العقلية التي يقوم عليها الإيمان بالله"، تبيان، 7/5/2017، اطّلع عليه بتاريخ 6/3/2022. بتصرّف.
- ↑ "أدلة إثبات وجود الله"، اسلام ويب، 26/7/2003، اطّلع عليه بتاريخ 6/3/2022. بتصرّف.
- ↑ سورة الروم، آية:30
- ↑ عمر الأشقر، العقيدة في الله، صفحة 72. بتصرّف.
- ↑ أسماء بنت محمد توفيق بن بركات، آراء الصاوي في العقيدة والسلوك، صفحة 143. بتصرّف.
- ↑ سورة ابراهيم، آية:32
- ↑ "الدلائل العقلية التي يقوم عليها الإيمان بالله"، تبيان، اطّلع عليه بتاريخ 6/3/2022. بتصرّف.
- ↑ سورة الطور، آية:35
- ↑ اسماء بنت محمد توفيق بن بركات ، آراء الصاوي في العقيدة والسلوك، صفحة 144. بتصرّف.
- ↑ عمر الأشقر، العقيدة في الله، صفحة 74. بتصرّف.
- ↑ سورة غافر، آية:57
- ↑ سورة مريم، آية:67
- ↑ سورة مريم، آية:9
- ↑ "دليل الإحكام والإتقان"، المحاورون، اطّلع عليه بتاريخ 6/3/2022. بتصرّف.
- ↑ "الدلائل العقلية التي يقوم عليها الإيمان بالله"، تبيان، 7/5/2017، اطّلع عليه بتاريخ 6/3/2022. بتصرّف.
- ↑ محمد أمان الجامي، العقل والنقل عند ابن رشد، صفحة 83. بتصرّف.
- ↑ سورة الغاشية، آية:17-20
- ↑ وزارة الأوقاف السعودية، العقيدة، صفحة 17. بتصرّف.