الإعجاز التشريعي في آيات الحدود

كتابة:
الإعجاز التشريعي في آيات الحدود

الإعجاز التشريعي في آيات الحدود

يُقصد بالإعجاز التشريعي: احتواء القرآن الكريم على تشريعات وأحكام تضمن للفرد والمجتمع السعادة والطمأنينة، وتسمو بهما نحو الرقي والكمال، ويمكن تلمُّس نتائجها العظيمة من خلال التقييم الموضوعي للتطبيق الجادِّ المخلص لتلك التشريعات عبر التاريخ.[١]

الإعجاز التشريعي في آية حد الحرابة

قال -تعالى-: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).[٢]

تتحدَّث الآية عن حكم قاطعي الطريق الذين يُروِّعون الناس الآمنين في سفرهم؛ فيقتلونهم ويسرقون أموالهم، والآية لم تحثّ على العفو عنهم؛ لئلا يتجرأ على مثل فعلتهم أمثالهم مِن قُطّاع الطرق، فلولا هذا الحدّ لبقيت عادة قطع الطرق لغاية الآن.[٣]

أراد الله -تعالى- بذلك القصاص وسدّ الذريعة، وكم مِن عصبة مُفسدة تسلب الأمان والاطمئنان لأهل ولاية كبيرة، فالتشديد في سدّ الذرائع ركن من أركان السياسة لا تزال جميع الدول تحافظ عليه.[٣]

الإعجاز التشريعي في آية حد السرقة

قال -تعالى-: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)،[٤]هذه وسيلة لحماية المجتمع من سرقة أموال الأبرياء، ولا أفضل مِن قطع اليد للسارق، وهذا الحكم يفضح صاحبه ويَسمه بوسم العار والخزي.[٥]

ولا يشك عاقل بأنَّ هذه العقوبة أجدر عقوبة تمَّ تطبيقها لمنع السرقة، وتأمين الناس على أموالهم وأرواحهم؛ فحماية الأرواح قد تكون تبعاً لحماية الأموال، وخاصَّة إذا قاوم أهلها السارقين، فهذه العقوبة جاءت مناسبةً وتوافق الحكمة التي شرعت لأجلها.[٥]

الإعجاز التشريعي في آية حد الزنا

قال -تعالى-: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)،[٦]أمر الله -تعالى- بجلَد الزانيين، وأن يحضر الجلد جماعة من المؤمنين؛ ليشهدوا الحدَّ كما يستغفرون للمجلودين ويدعون لهم بالهداية، ولتشتهر فضيحتهم بين صالحي المجتمع.[٧]

ويحصل بذلك أكبر الخزي والارتداع لكُلِّ المجتمع، كما أنَّ في مشاهدة تطبيق أحكام الشرع؛ ما يقوِّي عِلم عامة الناس بها ويستقرُّ به فهمهم، ويكون أقرب لإصابة الحاكم والجالد للصواب، فلا يُزاد في الجلد ولا يُنقص.[٧]

الإعجاز التشريعي في آية حد القذف

قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ* إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)،[٨]الذي يتهم العفيفة بالزنا عليه عقوبات ثلاث وهي: الجلد وعدم قبول شهادته والحكم بفسقه، صحيح أنَّ في جلده ألماً وشدَّة؛ ولكن فيه رحمة بالمجتمع.[٩]

أعراض الناس وكراماتهم من الأمور الجوهرية في الحياة الاجتماعية، ويترتب على القذف نتائج خطيرة شخصية وأسرية واجتماعية،[٩] أمَّا عدم قبول شهادته؛ فلأنَّه لمَّا قذف بدون إثباتٍ، دلَّ على تساهله في الشهادة، فكان حقيقاً بأن لا يؤخذ بشهادته.[١٠]

المراجع

  1. مصطفى مسلم، مباحث في إعجاز القرآن، صفحة 238. بتصرّف.
  2. سورة المائدة، آية:33
  3. ^ أ ب محمد رشيد رضا، تفسير المنار، صفحة 293. بتصرّف.
  4. سورة المائدة، آية:38
  5. ^ أ ب أحمد المراغي، تفسير المراغي، صفحة 114. بتصرّف.
  6. سورة النور، آية:2
  7. ^ أ ب عبد الرحمن السعدي، تيسير الكريم الرحمن، صفحة 561. بتصرّف.
  8. سورة النور، آية:4-5
  9. ^ أ ب محمد عزة دروزة، التفسير الحديث، صفحة 371. بتصرّف.
  10. ابن عاشور، التحرير والتنوير، صفحة 159. بتصرّف.
4587 مشاهدة
للأعلى للسفل
×