الإعجاز القرآني عند عبد القاهر الجرجاني

كتابة:
الإعجاز القرآني عند عبد القاهر الجرجاني


الإعجاز القرآني عند الجرجاني

اهتمّ العلماء والمفسّرون بمسألة الإعجاز القرآني، وصنّفوا فيها مؤلَّفاتٍ عدَّةً، ومن العلماء من أبرز ظاهرة الإعجاز القرآني من خلال توظيف آيات القرآن الكريم والتمثيل عليها في التدليل على الإعجاز وبيان وجوه البلاغة مستشهدًا بالقرآن الكريم، ومن أبرز هؤلاء العلماء: عبد القاهر الجرجاني، حيث تناول مفهوم البلاغة بالبيان من خلال نظريّة النظم.[١] 

وقد كشف الجرجاني في مباحث كتابه: "دلائل الإعجاز" عن دقائق وأسرارٍ لغويَّةٍ بلاغيَّةٍ تنمّ عن عقليَّةٍ فذَّةٍ وموضوعيَّةٍ تتّسم بالعمق، حيث وضع الجرجاني أوّل كتابه مقدِّمةً يوضِّح فيها حقيقة فهمه للإعجاز من خلال بيانه لمفهوم النظم، فيقول: "معلوم أن ليس النظم إلا تعليق الكلم بعضها ببعض، وجعل بعضها بسبب بعض".[١] 

ثمّ يوضح عبد القاهر الجرجانيّ معنى الكلم بأنّه: اسمٌ وفعلٌ وحرفٌ، وقد ركّز الجرجاني في بحثه في الإعجاز على موضوع النّظم، وجعله أساسًا ينطلق من خلاله لفهم الإعجاز القرآني، فيقول عن العرب الذين نزل عليهم القرآن أوّل ما نزل: "فقيل لنا: قد سمعنا ما قلتم، فخبرونا عنهم عماذا عجزوا؟ أعن معانيه؟ أم عن ألفاظ مثل ألفاظه؟ فإذا قلتم عن الألفاظ؛ فماذا أعجزهم من اللفظ؟ أم ما بهرهم منه؟".[٢]

ويُبيِّن الجرجاني في حديثه حول ما الذي أعجز العرب الأوائل؟ هل أعجزهم لفظ القرآن أم أعجزهم معناه؟ فذكر أنّ الإعجاز هو في تلاقي اللفظ والمعنى وتلاؤمهما معًا، وعدّ التقاء الألفاظ وملاءمتها من أسس الإعجاز في القرآن الكريم وفي اللغة العربيّ لغة القرآن الكريم.[٣]

وعلى هذا فاللفظة لا تستمدّ مكانتها من ذاتها، ولو كان الأمر كذلك لتَسَاوى الكُتَّاب، ولكنّ الإعجاز يقع في القدرة على إيجاد الملاءمة بين اللّفظة واللّفظة التي تليها، وتناسق معانيها.[٣]

ويتّضح مفهوم الجرجاني لفكرة الإعجاز بأنّ مردّها جميعًا إلى مسألة النَّظم، فهو يطلب من المتدبّر في إعجاز القرآن الكريم أن يُعمل عقله؛ ليصل عن طريق ذلك إلى المزايا والخصائص التي امتاز بها نَظم القرآن الكريم ويقف عليها بنفسه بإحساسه وتذوّقه، لا أن يقلّد غيره ويسير مع السائرين.[٤]

مثال على الإعجاز القرآني عند الجرجاني

يضرب الجرجاني العديد من الأمثلة ليوضّح من خلالها معنى النّظم في الإعجاز القرآني، ومن الأمثلة التي ذكرها للتمثيل على الإعجاز قوله -تعالى-: (وَاشتَعَلَ الرَّأسُ شَيبًا)،[٥] يقول: ومن دقيق ذلك أنك ترى الناس إذا ذكروا قوله تعالى: (وَاشتَعَلَ الرَّأسُ شَيبًا)، تساءلوا عن ارتباط الاشتعال بالشيب، والسبب في ذلك هو أنّ السياق القرآني أراد أن يصل معنى شيوع الشيب مع لمعانه في كلّ الرأس، وأنّه قد استغرقه كلّه حتى لم يبق من السواد شيء.[٣]

ويوضّح الجرجاني أنّ الإعجاز وبلاغة النظم تكمن في قوله تعالى: (وَاشتَعَلَ الرَّأسُ شَيبًا)، بخلاف لو قيل: "اشتعل شيب الرأس" أو "اشتعل الشيب في الرأس"؛ فذلك يُشعر بظهور الشيب في بعض الرأس خلافاً لدقّة الوصف المراد في الآية، إذ يوحي للسّامع أنّ الشيب قد غطّى الرأس، كلّ الرأس.[٣]

تعريف بعبد القاهر الجرجاني

هو عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني، أبو بكر: واضع أصول البلاغة، كان من أئمة اللغة الكبار، وله مؤلَّفاتٌ عديدةٌ من أبرزها: "أسرار البلاغة، ودلائل الإعجاز، والجُمل، والتتمّة، والمغني في شرح الإيضاح، والعمدة في تصريف الأفعال، والعوامل المئة"، وتوفي -رحمه الله- سنة ٤٧١هـ.[٦]


المراجع

  1. ^ أ ب عبد القاهر الجرجاني، كتاب دلائل الإعجاز، صفحة 7.
  2. عبد القاهر الجرجاني، كتاب دلائل الإعجاز، صفحة 36. بتصرّف.
  3. خطأ استشهاد: وسم غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة f1dcd0b9_43f3_460b_b92b_a48ae0294c4d
  4. مجموعة من المؤلفين، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، صفحة 9-14. بتصرّف.
  5. سورة مريم، آية:4
  6. خير الدين الزركلي، الأعلام، صفحة 48-49. بتصرّف.
4713 مشاهدة
للأعلى للسفل
×