محتويات
تعريف حول قسطنطين
قسطنطين هو أحد أهم الشخصيات التي تولت الحكم في الإمبراطورية الرومانية التي تركت أثرًا عميقًا في تاريخها بشكل خاص وتاريخ أوروبا بشكل عام، ويعدّ أحد الأباطرة العظام في تاريخ هذه الدولة[١] وله يعود الفضل في الاعتراف بالمسيحية كإحدى الديانات القائمة في الإمبراطورية، ويعد أول من قام ببناء مدينة القسطنطينية التي أصبحت بمثابة النواة للإمبراطورية البيزنطية التي افتتحها عام 315م [٢]، أما أهم المعلومات الخاصة بالإمبراطور قسطنطين فهي على النحو الآتي:
الاسم الكامل | فلافيوس فالريوس أوريليوس قسطنطينيوس الملقب (بقسطنطين الأكبر) |
تاريخ الميلاد | 27/ 2/ 272 م أو 17/2/ 280م (في بعض المراجع) |
تاريخ الوفاة | توفي عام 337م. |
مكان الميلاد | مدينة نيسوس (نيش في صربيا) في إقليم البيريا |
بلد الأصل | الدولة الرومانية |
العصر | ينتمي الإمبراطور قسطنطين إلى العهد الإمبراطوري الثاني الذي يبدأ من عهد دقلديانوس (284 - 305م) |
المنصب | أحد أباطرة الحكم في الدولة الرومانية |
نشأة قسطنطين
الإمبراطور الروماني قسطنطين هو في الأصل ابن غير شرعي للقيصر قسطنطيوس كلوروس من خليلته هيلينا، والتي تعرف في المصادر العربية باسم هيلانة، حيث التقى بها والده في مدينة بيثينيا وكانت تعمل نادلة في إحدى الحانات، بعد ذلك هجرها في عام 289م ليتزوج من ثيودورا ابنة الإمبراطور ماكسيميانوس، نشأ قسطنطين وهو يحمل شخصية مميزة ذات عقلية راجحة منذ الصغر، تمتع بسيرة حميدة، وكان يسعى إلى تحقيق كل ما يطمح إليه بعزيمة وإصرار، فعُرِف عنه حكمته البالغة التي أهّلته ليصبح سياسيًّا وعسكريًّا بارعًا.[٣]
أرسله والده إلى نيقوميديا عاصمة الإمبراطورية الرومانية ليتعلم، وقد نشأ قسطنطين نشأة ملكية بين أروقة القصر الإمبراطوري، حيث كان بمقدوره الاطلاع على الكثير من أسرار ذلك القصر، وكان شاهدًا على الكثير من الأحداث الجارية في تلك الفترة في الإمبراطورية، وعلى الرغم أنه لم يحظ بمستوى عالٍ من التعليم إلا أنه كان يشجع طلاب العلم على المزيد من التعلم، شهد عصره نهضة علمية كبيرة في كثير من المجالات العلمية.[٣]
التحق قسطنطين بالجيش وهو في سن الخامسة عشر وأظهر الكثير من الشجاعة والحنكة والدراية بفنون القتال والحرب، وفي سن الثامنة عشر رقّي إلى رتبة قائد، وخلال تلك الفترة استقال ديوقليتيانوس وتولى غلاريوس مكانه، ففصل هذا الأخير قسطنطين من الجيش ولكنه أبقاه معه لعدة أسباب منها أنه كان محبوبًا بين صفوف الجنود، وكانوا على استعداد لفعل الكثير من أجل قسطنطين، ولتخوفه من النتائج التي يمكن أن تؤول إليها تلك السيطرة، وقد حاول غلاريوس التخلص من قسطنطين مرتين؛ في المرة الأولى جعله يصارع أسدًا، والثانية جعله يصارع أحد الجبابرة، ولكن قسطنطين نجا من المحنتين، ذلك التحق قسطنطين بوالده عندما تولى حكم الغالة وإسبانيا وبريطانيا.[٤]
أسرة قسطنطين
للإمبراطور قسطنطين أسرة كبيرة، فوالده قسطنطنيوس كلوروس الذي كان قيصرًا على غالة، وأمه هي هيلينا التي أصبحت فيما بعد قديسة في الدين المسيحي، زوجة والده هي ثيودورا ابنة أغسطس الغرب ماكسيميانوس، ولقسطنطين ثلاثة أخوة هم: (يوليوس ودلماشيوس وهانيباليانوس) ومن الأخوات ثلاثة هنّ: (أنسطاسيا وأوتروبيا وقسطنطنيا) وله أخت من أبيه هي أناستاسيا.[٥]
تزوج الإمبراطور قسطنطين في حياته مرتين، الأولى من منرفينا، وقد كان حينَها شابًا، له ولد واحد من هذا الزواج هو (كرسبس) وابنان هما: (قسطنطينيا وهيلينا)، بعد ذلك تزوج للمرة الثانية من الأميرة فاوستا ابنة الإمبراطور ماكسيميانوس، أنجبت له ثلاثة أولاد حملوا أسماء متشابهة هم: (قسطنطين الثاني وقسطانز الأول وقسطنطيوس الثاني) وهم اللذين تولوا الحكم بعد وفاة أبيهم الإمبراطور قسطنطين، على النحو الآتي: [٥]
- سيطر قسطنطين الثاني على غرب الإمبراطورية الرومانية.
- سيطر قسطانز الأول على الجزء الأوسط لإليريا والجزء الأوسط من شمال إفريقيا.
- سيطر قسطنطيوس الثاني على الجزء الشرقي من الإمبراطورية الرومانية.
حركات التمرد والحروب الأهلية
شهدت الإمبراطورية الرومانية الكثير من حركات التمرد والحروب الداخلية والخارجية، فكان لا بد من تمييزها بمرحلتين مهمتين على النحو الآتي:
حركات التمرد والحروب الأهلية في عهد الأب قسطنطيوس كلوروس
شهدت الإمبراطورية الرومانية الكثير من الهجمات والغزوات على النحو التالي:
- هجمات قبائل البيكت الجرمانية التي كانت تهدد منطقة النفوذ الروماني في شبه الجزيرة البريطانية، الأمر الذي استوجب تحرك القوات الرومانية الموجودة في غالة من أجل صد تلك الهجمات، فاستدعى الإمبراطور قسطنطيوس ابنه قسطنطين الشاب لمساعدته في حماية الحدود الشمالية للإمبراطورية، وكانت تلك الحروب هي أولى الحروب التي شارك فيها قسطنيطن. [٣]
- استطاع قسطنطين وأبوه التوجه إلى بريطانيا والقضاء على جميع الهجمات على حدود الإمبراطورية، وفي عام 306م عاد قسطنطيوس كلوروس إلى مدينة يورك حيث توفي هنالك، وفور ذلك تمت مبايعة الأمير الشاب قسطنطين محل والده الراحل ليُصبح مشاركًا في حكم الإمبراطورية الرومانية ذات الحكم الرباعي.[٣]
حركات التمرد والحروب الأهلية بعد وفاة الأب قسطنطيوس كلوروس
تولى قسطنطين عرش الإمبراطورية الرومانية إثر وفاة والده قسطنطيوس كلوروس وكان ذلك عام 306م[٦]، من ثم اندلعت الحرب الأهلية والتي استمرت حتى حلول عام 310م، وقد كان هناك ثلاثة من الزعماء يتنازعون على السلطة في داخل الدولة الرومانية وهم:
تمكن قسطنطين من القضاء على ماكسنيتيوس في موقعة جسر ملفيان، وأصبح ملكًا على منطقة الغرب بأكملها، وقد تقاسم قسطنطين السلطة مع لكينيوس حاكم الشرق خلال عامي (312- 324م)[٧]، ولكن في نهاية عام 324م تمكّن قسطنطين من هزيمة حاكم الشرق الذي سبق وأن تقاسم معه الحكم، وبهذا تمكن من توحيد الإمبراطورية الرومانية مرة أخرى.[٨]
إنجازات قسطنطين
شهد عصر قسطنطين العديد من الإنجازات -لا سيما في المجال السياسي والعسكري- وكذلك في العديد من المجالات الأخرى.
إنجازات قسطنطين السياسية
سار الإمبراطور قسطنطين على نهج الإمبراطور دقلديانوس في أمور السياسة وإدارة البلاد، فأكمل ما بدأ به هذا الأخير، لذا من بين أهم إنجازاته في المجال السياسي هي: [٧]
- الفصل بين السلطتين الحربية والمدنية: وقد ظهرت هذه التفرقة واضحة وجلية في حكم الولايات، إذ أصبح حاكم الولاية مسؤولًا عن شؤونها المدنية فقط، في حين اختصّ قائد آخر الإشراف على النواحي الحربية العسكرية الخاصة بالولاية.
- إلغاء النظام الرباعي في الحكم: الذي وضعه الإمبراطور دقلديانوس، إذ إنّ الإمبراطورية الرومانية كانت على الدوام تحكم من قبل أربعة أشخاص وهذا النظام لم يعد معمولًا به في عهد الإمبراطور قسطنطين.
- إدخال نظام الحكم الوراثي على الإمبراطورية الرومانية: حيث أصبح المنصب الإمبراطوري في عهده وراثيًّا، وبالتالي ورثت العرش أسرته بعد وفاته.
- اعتماد قسطنطين ومن بعده من أسرته على أمرين أساسيين في حكم الإمبراطورية هما: تأييد الجيش، والدعامة الدينية القائمة على تأييد الكهنة ورجال الدين.
إنجازات قسطنطين العسكرية
قام الإمبراطور قسطنطين بالعديد من الإنجازات في المجال العسكري في الإمبراطورية الرومانية، ومن هذه الإنجازات: [٧]، ولكن في نهاية عام 324م تمكّن قسطنطين من هزيمة حاكم الشرق الذي سبق وأن تقاسم معه الحكم، وبهذا تمكن من توحيد الإمبراطورية الرومانية مرة أخرى.[٨]
- إنقاص عدد أفراد الفرق العسكرية: على عكس الإمبراطور دقلديانوس الذي توسع كثيرا في هذا المجال.
- فتح الباب أمام الشعب الجرماني للتطوع: والعمل ضمن صفوف الجيش حيث سمح لهم بالعمل كجند نظاميين في صفوف الجيش الإمبراطوري.
إنجازات قسطنطين في المجالات الأخرى
شهد عهد قسطنطين العديد من الإنجازات الكبيرة والتي مست حياة الشعب داخل الإمبراطورية بشكل مباشر، وفي العديد من المجالات.[٩]، ومن بين أهم تلك الإنجازات:
- الاعتراف بالدين المسيحي: وجعله إحدى الديانات المصرح باعتناقها في الإمبراطورية الرومانية.[٩]
- نقل عاصمة الإمبراطورية من روما القديمة إلى مدينة بناها على شاطئ البسفور في الشرق وأطلق عليها اسم القسطنطينية.[٩]
- إقامة العديد من الإصلاحات في مجال الأراضي: فانتقلت العديد من أراضي التاج الإمبراطوري إلى الأفراد، وأصبحت ملكًا خاصًّا بهم؛ لذلك أخذت أموال الدولة في التناقص.[٧]
- تحريم اضطهاد المسيحيين في الجزء الغربي من الإمبراطورية: حيث أعطاهم قدرًا كبيرًا من الأمان والحرية في ممارسة معتقداتهم الدينية.[٩]
- تحسُّن العملة الرومانية في عهد الإمبراطور قسطنطين: أدى هذا الأمر إلى استقرار الوضع الاقتصادي بشكل عام في ربوع الإمبراطورية.[٧]
قسطنطين والمسيحية والعقيدة النيقية
استمرت سياسة الدولة الرومانية الدينية التي جرى إقرارها في ميلان عام 312م، وهي سياسة كانت تقوم على أساس التسامح والمساواة بين جميع الأديان، على النحو الآتي: [٤]
سياسة قسطنطين تجاه الدين المسيحي واتباعه
استمر الإمبراطور قسطنطين برعاية جميع الأديان بالتساوي، فبعد انتصاره على خصمه ليكينيوس أعلن أن انتصاره هذا كان بمعونة من إله المسيحيين، كما أكد على عدم إكراهه لأي شخص على اعتناق أي مذهب، وأن لكل شخص الحق والحرية في اعتناق ما يراه مناسبًا من آراء وأفكار.[٤]
موقف الأحبار المسيحيين
كان الأحبار المسيحيون مختلفين فيما بينهم في هذه الفترة، وامتد الخصام والخلاف ليشمل القساوسة والرهبان وحتى الأفراد العاديين، فما كان من قسطنطين إلا أن يتدخل في الأمر للمحافظة على الأمن والنظام وحرية العقيدة التي طالما أكّد عليها، فتدخل من أجل إنهاء الخلاف القائم وإصلاح الحال ونبذ الخصام والعودة إلى حالة الود والتآلف التي كانت قائمة، كما أكد لهم وجوب طاعة الرئيس وأن الاختلاف العقائدي أمر فلسفي لا يستوجب ذلك كله.[٤]
أوكل قسطنطين مهمة تهدئة الخصوم إلى أسقف إسبانيا (هوسيوس) ولكنه أخفق فيها، وعاد من الإسكندرية إلى نيقوميديا، اقترح عقد مجمع مسكوني يضم جميع الأساقفة النصرانية للبتّ في قضية الخلاف تلك، فقبل الأمر قسطنطين ووجه الدعوى لجميع الأساقفة في الإمبراطورية وعيّن (نيقية) مركزًا للاجتماع بدلًا من نيقوميديا، فلبّى الدعوة عدد غير قليل منهم، وكان معظمهم من الولايات الشرقية واستمرت جلسات المجمع 97 يوم.[٤]
اجتماع نيقية
افتتح المجمع أفسيتاثيوس بطريرك أنطاكيا بكلمة شكر وجّهها للإمبراطور قسطنطين، بيّن فضله على النصارى وألقى أيضًا الأخير كلمة باللغة اللاتينية ترجمت إلى اليونانية أشار فيها إلى جمال الدين المسيحي، وطلب من المجتمعين العودة إلى الكتاب المقدس لتوحيد الصفوف، ثم تركهم للعمل في خلوة ولكنه ظل يتابع أعمالهم عن قرب، انتهى الخلاف بإقرار دستور إيمان وتم تعديله في المجمع الثاني فأصبح دستور إيمان للمسيحيين أجمعين ولا يزال كذلك، ولعل من بين أهم المسائل التي نظر فيها المجمع كانت هي: [٤]
- مسألة عيد الفصح.
- مسألة المعمودية.
- سَنّ عشرين قانونًا أهمها ما يتعلق بنظام الكنيسة.
أما قسطنطين فقد أقر جميع تلك القرارات وأمر بوجوب تنفيذها والخضوع لها، وقام بنفي كل من امتنع عن الموافقة عليها منهم الأب آريوس، كما منح الإكليروس (الكهنوت) المسيحي والعذارى والأرامل مبالغ محددة من المال تؤخذ من دخل المدن الرومانية وليس من موازنة الدولة، ومنح الكهنة الضمانات نفسها التي كان يتمتع بها الكهنة الوثنيون، ومنع تفريق عائلات الأرقاء في حالة قسم الأراضي، وحرم مشاهد المصارعة المؤلمة، وأخيرًا أمر بهدم بعض المعابد الوثنية التي اشتهرت بالممارسات غير الأخلاقية.[٤]
بناء مدينة القسطنطينية في عهد قسطنطين
إنّ تأسيس مدينة القسطنطينية واتخاذها عاصمة للإمبراطورية الرومانية بدلًا من العاصمة التاريخية روما إنّما يدل على شجاعة قسطنطين ومقدرته على اتخاذ أصعب القرارات، والسبب في ذلك أن روما كانت تُشكّل رمز العظمة الإمبراطورية الرومانية على مدار التاريخ[٧]، ولكن هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى اتخاذ هذا القرار وهي:
الدافع الديني
كان الإمبراطور قسطنطين يؤمن بمبدأ حرية العقيدة والإيمان، وبعد القرارات التي صدرت عن اجتماع ميلانو لعام 313 م والاعتراف بالديانة المسيحية كديانة رسمية ضمن باقي الديانات السائدة في الإمبراطورية الرومانية، بدأ قسطنطين بالتفكير في إنشاء عاصمة جديدة تلاءم تلك التوجهات والسياسة الدينية الجديدة المتمثلة في دعم الكنيسة المسيحية واتباعها، وأدرك أن روما القديمة لن تكون ناجحة له في ظل تلك السياسة، إذ طالما مثلت روما المركز الرئيس للحياة الروحية والديانات والعقائد الوثنية.[٣]
فكّر في إنشاء عاصمة جديدة للإمبراطورية في جزئها الشرقي، خاصة مع وجود أعداد كبيرة من المسيحيين في هذا الجزء من الدولة، فهم يشكلون ما يقارب عشرة سكان الإمبراطورية في ذلك الوقت، وقد كانت المدينة منذ إنشائها ذات طابع مسيحي كنائسي، ومع كل الجهود التي بذلها قسطنطين في هذا المجال إلا أن الطبقة الأرستقراطية الرومانية ظلت مصرة على ولائها وإيمانها بالآلهة الوثنية القديمة ولم تقدّم أي اهتمام يذكر بشأن الدين المسيحي، وهو الأمر الذي شكّل تهديدًا للسياسة الدينية للإمبراطور قسطنطين على مر الزمان.[٣]
الدافع السياسي
كان لقسطنطين رؤية مختلفة من حيث السياسة الواجب اتباعها في إدارة الإمبراطورية الرومانية، والتي تختلف تمامًا عما هو قائم خاصة فيما يتعلق بنظام الحكم الرباعي، فهو يرى أن شرط استمرار الإمبراطورية ونجاحها يرتبط بوجود مركز واحد جديد تُدار من خلاله جميع شؤون الإمبراطورية، بالإضافة إلى أن مدينة روما كانت تضم غالبية المطالبين بضرورة استبدال النظام الإمبراطوري بالنظام الجمهوري، ممّا شكّل دافعًا لدى قسطنطين إلى تغيير العاصمة الرومانية القديمة واستبدالها بأخرى[٧]، يهدف قسطنطين إلى تحقيق أهداف أخرى هي:[٣]
- تدعيم سلطة الإمبراطور بشكل أكثر.
- التقليل من سلطة مجلس الشيوخ الروماني والحد من نفوذه فيما يتعلق بسياسة الدولة العامة.
الدافع العسكري
كان أباطرة الرومان منذ عهد أغسطس يعتقدون بضرورة نقل العاصمة إلى الشرق، حيث تكمن قوة الإمبراطورية الرومانية، كما تشكل هذه المنطقة مصدر خطر دائم يهدد أمنها وسلامة أراضيها، غير أن تلك الفكرة ظلت مجرد فكرة في الأذهان ولم ترَ التطبيق على أرض الواقع، ولم تدخل حيز التنفيذ إلّا في عهد الإمبراطور دقلديانوس الذي أقام في نيقوميديا، ثم جاء قسطنطين ليقرر نقل العاصمة إلى الشرق، وكان الدافع العسكري من الدوافع الأساسية التي دفعته إلى هذا التفكير، إنّ الأخطار التي تهدد بلاده والآتية من ثلاث جهات رئيسة تتمركز جميعها في الشرق وهي: الجبهة الأرمنية والجبهة الشامية، إضافة إلى خطر الفرس الذي أخذ بالتوسع في الأراضي على حساب الإمبراطورية الرومانية.[٣]
الدافع الاقتصادي
يبدو أن الأهمية الاقتصادية انتقلت هي الأخرى من غرب الإمبراطورية الرومانية إلى شرقها، وقد كان هنالك العديد من العوامل التي لعبت دورًا بارزًا في هذا الانتقال من أهمها:[٣]
- فقدت العاصمة الرومانية في إيطاليا أهميتها التجارية.
- أصبحت العاصمة الرومانية دورًا ثانويًّا في مجال التجارة العالمية.
- أصبحت العاصمة الرومانية تُعاني من أزمة اقتصادية خانقة -لا سيما في القرن الثالث الميلادي- التي أثرت بشكل كبير على مستقبلها الاقتصادي.
إنّ العاصمة الجديدة القسطنطينية أصبحت هي الملتقى بين الطرق التجارية التي تربط البحر الأسود بالبحر الإيجي، وأحد طرق نقل القمح ما بين آسيا وأوروبا، كما أصبحت الطريق الرئيس لمرور الكثير من السلع مثل: التوابل والحرير والمعادن والأحجار الكريمة، بالإضافة إلى امتلاكها ثروة كبيرة من الأخشاب التي كانت السبب الرئيس وراء ازدهار صناعة السفن فيها، كما تمتلك شواطئ البسفور التي أصبحت مركزًا للتجارة العالمية بفضل سيطرتها على تجارة البحر الأسود، فمنها تتجه طرق التجارة شمالًا إلى روسيا، وشرقًا إلى آسيا، وغربًا إلى وسط أوروبا، وجنوبًا إلى الشام ومصر وأفريقيا.[٣]
الدافع الاسترتيجي
أهم ما يميز مدينة القسطنطينية أنها تقع على خليج البوسفور، ممّا جعلها تتمتع بموقع له أهمية جغرافية واستراتيجية كبيرة، فهي من الناحية الجغرافية تقع عند نقطة التقاء قارتي آسيا وأوروبا، ومن الناحية الاستراتيجية فأرضها عبارة عن مثلث تحميه المياه من ضلعين، أما الضلع الثالث فهو محمي بالأسوار المحصنة، ممّا يمنحها حصانة عسكرية يصعب على أي جيش أو أسطول احتلالها أو اقتحامها.[٧]
وفاة قسطنطين
عمل الإمبراطور قسطنطين في السنوات الأخيرة من حياته على مواجهة الأخطار الخارجية التي كانت تُهدّد الإمبراطورية -لا سيّما الخطر الفارسي- حيث كانت الهجمات التي تقوم بها بلاد الفرس على مملكة أرمينيا تهديدًا واضحًا لسلامة أراضي دولته خاصة من جهة الشرق، فلم يكن منه إلا أن يعمد إلى تجهيز جيش كبير من أجل السير لمواجهة ذلك الخطر القادم من الشرق، فجأة أصيب بمرض أثّر على صحته وكان ذلك عام 337م.[٣]
أحسّ الإمبراطور قسطنطين بدنوّ أجله، فقرر الذهاب إلى قصر أشيريون في نيقوميديا؛ وذلك من أجل تلقي العلاج والراحة، واستدعى أسقف نيقوميديا يوسيييوس من أجل أن يقوم بتعميده، قام الأسقف بتعميده بشعائر خاصة ليُصبح مسيحيًا كاملًا وفق شعائر المذهب الأريوسي، وارتدى الإمبراطور الملابس البيضاء مثل ما يفعل المسيحيون الجدد ومن ثم فاضت روحه بتاريخ 22/ ماي/ 337م، عن عمر ناهز الرابعة والستين، تم نقل جثمانه بعد وفاته إلى مدينة القسطنطينية، حيث تمّ دفنه في كنسية تُدعى كنيسة الرسل، وقد تم اعتباره الرسول أو الحواري الثالث عشر كما تُشير إحدى نقوش الكنيسة.[٣]
المراجع
- ↑ مصطفى العبادي (1981)، الإمبراطورية الرومانية النظام الإمبراطوري ومصر الرومانية، صفحة 12. بتصرّف.
- ↑ محمد مؤنس عوض (2007)، الإمبراطورية البيزنطية دراسة في تاريخ الأسر الحاكمة، مصر:عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، صفحة 129. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س أحمد سحالي (2015)، إصلاحات قسطنطين الأول الدينية والسياسية في أوربا، الجزائر:جامعة الجزائر كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، صفحة 10. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ أسد رستم (2017)، الروم في سياستهم وحضارتهم ودينهم وثقافتهم وصلاتهم بالعرب، صفحة 51. بتصرّف.
- ^ أ ب جيبون إدوارد ومحمد علي أبو درة ومراجعة أحمد نجيب هاشم (1997)، اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها (الطبعة 2)، القاهرة:الهيئة المصرية العامة للكتاب ، صفحة 378، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث محمد محمود الحويري (1995)، رؤية في سقوط الإمبراطورية الرومانية (الطبعة 3)، صفحة 38. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د أحمد غانم حافظ (2007)، الإمبراطورية الرومانية من النشأة إلى الأنهيار، الإسكندرية:دار المعرفة الجامعية للطبع والنشر والتوزيع، صفحة 94. بتصرّف.
- ^ أ ب كانتور ترجمة قاسم عبده قاسم ومراجعة علي الغمراوي (1977)، تاريخ العصور الوسطى، صفحة 76، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث محمد محمد مرسي الشيخ (1994)، تاريخ الإمبراطورية البيزنطية، الإسكندرية:دار المعرفة الجامعية، صفحة 10. بتصرّف.