الإيمان بالقضاء والقدر

كتابة:
الإيمان بالقضاء والقدر

ما هو الإيمان بالقضاء والقدر؟

قد ذهب أهل العلم في تفسير معنى القضاء والقدر إلى عدة تعريفات فمنهم من قال بالفرق بين القضاء والقدر ومنهم من جمع بينهما، منها:[١]


  • القدر: هو علم الله تعالى وإدراكه وإعجاز مخلوقاته وتسخير كل شيء بما تكون عليه الدنيا والأحوال في المستقبل.
  • القضاء: هو تقدير الله للأشياء والحوادث حسب علمه وإرادته وتيسيره للأمور.
  • وقال الطحاوي في تعريفه للقضاء والقدر: أن هذه الدنيا تسير بمشيئة الله النافذة على عباده فلا غالب لأمر الله إلا هو.


والإيمان بالقضاء والقدر مرتبة في النفس، يصل إليها المسلم في حالة استسلامه لكلّ ما أمر الله وقدر له أن يكون في الأمور المعلومة والغيبية، وهو التصديق الجازم بأن كل ما يحدث وسيحدث وقد حدث، إنما هو من أمر الله، قد قدره بعلمه وشأنه، وأنّ الأمر الذي أراد الله له أن يكون فقد شاء وجوده بعلمه، وما لم يشأ به ولم يقدره، ولو اجتمعت الإنس والجن على أن تحدثه فلن يحدث إلا بمشيئة الله.[٢]


وإنّ الإيمان بالقضاء والقدر يعني أن يقوم الإنسان المسلم بالتوكل والعزم لا إلى التواكل في الأمور وعدم السعي لها، وعلى المؤمن الواعي أن يقوم بالأعمال النافعة بجزم وثقة لا أن يقوم بها مترددًا متواكلًا في صحة الإصابة على القدر، فيسعى المرء لكل ما ينفع دينه ومجتمعه وينفعه وبما يعود عليه بالخير بإرادة قوية بلا ذرة عجز أو كسل.[٣]


حكم الإيمان بالقضاء والقدر

لا يؤمن المرء ولا يصح إسلام المؤمن إلا بالإيمان بالقضاء والقدر، فما ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في إجابة جبريل عليه السلام عن معنىالإيمان أنه قال: "ما الإيمانُ؟ قالَ: أن تؤمنَ باللَّهِ وملائِكتِه وَكتبِه ورسلِه واليومِ الآخرِ والقدرِ خيرِه وشرِّهِ"،[٤] وعلى ذلك فإن الإيمان بالقضاء والقدر واجب.[٥]


أدلة الإيمان بالقضاء والقدر من القرآن الكريم

ومن أدلة الإيمان بالقضاء والقدر ما تم ذكره في القرآن الكريم:


  • قال تعالى: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}.[٦][٧]
  • قال تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا}.[٨][٧]
  • قال تعالى: {وَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً}.[٩][٧]
  • قال تعالى: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}.[١٠][٧]
  • قال تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى}.[١١][٧]
  • قال تعالى: {إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.[١٢][٧]
  • قال تعالى: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ}.[١٣][١٤]
  • قال تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}.[١٥][١٤]


أدلة الإيمان بالقضاء والقدر من السنة النبوية

وفي بيان أدلة الإيمان بالقضاء والقدر في السنة النبوية:


  • قال رسول الله: "كتب اللهُ تعالى مقاديرَ الخلائقِ قبلَ أنْ يخلُقَ السماواتِ والأرضَ بخمسينَ ألفَ سنةٍ وعرشُهُ على الماءِ".[١٦][١٤]
  • قال رسول الله: "قالَ: "اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ له، أمَّا مَن كانَ مِن أهْلِ السَّعَادَةِ فيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهْلِ السَّعَادَةِ، وأَمَّا مَن كانَ مِن أهْلِ الشَّقَاءِ فيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهْلِ الشَّقَاوَةِ".[١٧][١٤]
  • قال رسول الله: "لا يؤمنُ عبدٌ حتى يؤمنَ بأربعٍ حتى يشهدَ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّي رسولُ اللهِ بعثني بالحقِ وحتى يؤمنَ بالبعثِ بعد الموتِ وحتى يؤمنَ بالقدرِ".[١٨][١٤]
  • قال رسول الله: "لا يدخُلُ الجنةَ عاقٌّ ، ولا مَنَّانٌ ، ولا مُكذِّبٌ بالقَدَرِ ، ولا مُدمِنُ خمرٍ".[١٩][١٤]


مراتب الإيمان بالقضاء والقدر

وقد بين أهل العلم أن مراتب الإيمان بالقضاء والقدر أربعة مراتب، وهي كالآتي:


الإيمان بعلم الله السابق على وجود المخلوقات

وهو الإيمان الكامل الذي يتجلى حين يعي العبد أن الله قد قدر له كل شيء قبل ميلاده والوجود، وإن كل ما يصنعه المرء كان في علمه منذ الأزل، حيث علمه وقدرته سبحانه تجريان على كل مخلوقات الله كلها، حيث يعلم ما كانَ وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف سيكون، فعلمه لا يخفى عن شيء بما مضى وقُدِر وما سيحدث وما لم يحدث، هو سبحانه خالق كل شيء وفاعله، فلا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.[٢٠]


الإيمان بما هو مكتوب في علمه

ويقصد بالكتابة ما هو مكتوب في علمه سبحانه، كل حياة الإنسان قبل أن يوجد على الأرض قد كُتبت وقُدرت، فقد كتب الله مقادير جميع الخلق في السماء على اللوح المحفوظ المذكور فيسورة البروج قبل خلق السماوات والأرض، وقيل قبل خلقها: بخمسين ألف سنة، حيث تحتوي الكتابة على التقدير قبل خلق آدم عليه السلام، ومتى سينزل هو وذريته على الأرض، وقد كتب الله كذلك التوراة، وقيل كُتبت قبل خلقآدم بأربعين سنة، فقال فيها تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}،[٢١][٢٢]


وفي توضيح كتابة وتقدير القبضتين، وذلك عندما أخذ الله عز وجل من ظهر آدم عليه السلام ذريته بيمينه وقال: أن هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وقبض قبضة أخرى بشماله وقال: هؤلاء في النار ولا أبالي، وأخذ على كل الخليقة أن يشهدوا بألا يشركوا بالله شيئًا.[٢٢]


وأما عن الكتابات الأخرى، فإن الله يكتب حياة الإنسان وهو جنين في بطن أمه، عند عمر الأربعين ليلة، ويكتب فيه عندما ينفخ فيه الروح بعد مئة وعشرين يومًا، فيكتب سبحانه وتعالى عمله وأجله ورزقه وشقي أم سعيد، والكتابة التي تكون في ليلة القدر فيغير الله بها القدر بدعاء المسلم الصادق، وما يكتبه الله كل يوم على اختلاف الشأن والحدث.[٢٢]


الإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة

وفي ذلك الإيمان بالمشيئة، حيث على الإنسان أن يدرك بأن كل خير يعلمه الله قبل حدوثه، ولا يؤمن المؤمن إلا بقدرته، ولا يكفر الكافر إلا بعلمه سبحانه وقدرته، ومقادير الأمور وتقديرها وتصريفها فهذا كله بأمر الله وواسع معرفته، يعلمه قبل أن يحيط به الإنسان ويخلق فيه الإحاطة، وأن كل حركة ذرة في الكون يعلمها الله، وكذلك فعل الطاعات وما تسوّل له نفسه من ارتكاب المعاصي، فقال الله تعالى فيسورة يس: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}.[٢٣][٢٤]


الإيمان بالخلق والبعث

وأما عن المرتبة الرابعة من مراتب الإيمان بالقضاء والقدر، فهي إيمان المسلم بالخلق والنشور، متى خلقه الله وزرع فيه الروح، وأن يدرك الإنسان أن الله خالق كل شيء، من أفعال العباد وذواتهم وأنفسهم وفطرتهم وتكوينهم، وخالق الإرادة فيهم، حيث زرع في كل إنسان نفسًا تواقة لمشيئة حدوث الأفعال، فالمسلم لولا إرادة الله التي تقوده للعبادة وإرادته سبحانه بأن يقوم بها وتوفيقه لها لما قدر على فعل شيء من تلقاء نفسه.[٢٥]


ولا يعني إثبات خلق الله لأفعال العباد إلغاءً لقدرتهم وإرادتهم في إيجاد تلك الأفعال، بل إن الله يزرع الإرادة وحرية الاختيار في كل إنسان، وإنما قدرة الله تتجلى بمعرفة الفعل وتقديره لمن يشائ فعله ويقدر عليه، ذلك لأن العباد ميسرون لما خلقوا له، والرسالة التي عليهم التسليم بها.[٢٥]


ماذا يترتب على الإيمان بالقضاء والقدر؟

ومن الآثار المترتبة على الإيمان بقضاء الله وقدره:[٢٦]


  • الاطمئنان في كل ما هو قادم، فالتمسكبالعقيدة الإسلامية يجعل المسلم أكثر راحة وتسليمًا لأمره، بل يصبر عند المصائب ويرضى إن لم يحصل على ما يريد، ويحمد الله على كل ما وهبه ورزقه من خيرات.
  • التوكل وحسن السعي، فلا يستحضر الإنسان في كل فعل له إلا أمر الله وحكمه، فيولد ذلك في نفس المرء الصبر والقوة على الشدائد واللين في التعامل، وإخلاصًا في كل أمر يُطالب به.
  • التواضع وعدم تكبر الإنسان أو تجبره على الناس، ويورث ذلك في المسلم التواضع في كل ما رزقه الله من مال وعلم ونسب وجمال، فكل ما بيد الإنسان من الله وهو سبحانه وحده المعطي، ووحده القادر على أن يحرمه منه.
  • الخشية والرجاء، حيث القضاء والأجل بيد الله، فيظل بباله كل لحظة في حياته، ويعيش عيشةَ مودّع يسعى أن ينال رضا الله وثوابه.
  • الخضوع للحق والالتزام به، إن الفرد المؤمن والذي قد سلّم كل أمور حياته وشؤونه لله، يسعى دائمًا إلى تفعيل شعوره باتباع الحق، وإيمانه القوي دافع أساسي لليقين الذي يدفع المؤمن إلى قول الحق دائمًا ولا يخشى في ذلك لومة لائم ويسعى لرضى الله ولا يخشى حكم مخلوق فيه، ذلك لأن الثقة مستمدة من الله سبحانه المنجي من المهالك والموّفق لما يريد، فالرزق في يده سبحانه، والروح في يده، والعالم كله بأمر من الله، فيلزم الحق قولًا وفعلًا ولا يحيد عنه.




المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 2511. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 2506. بتصرّف.
  3. مجموعة من المؤلفين، كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 2503. بتصرّف.
  4. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:2610، صحيح.
  5. ابن عثيمين، كتاب فتاوى نور على الدرب للعثيمين، صفحة 2. بتصرّف.
  6. سورة القمر، آية:48
  7. ^ أ ب ت ث ج ح مجموعة من المؤلفين، كتاب الموسوعة العقدية الدرر السنية، صفحة 243.
  8. سورة الأحزاب، آية:38
  9. سورة الأنفال، آية:42
  10. سورة الفرقان، آية:2
  11. سورة الأعلى، آية:1
  12. سورة الأحقاف، آية:33
  13. سورة القمر، آية:55
  14. ^ أ ب ت ث ج ح عمر العيد، كتاب شرح لامية ابن تيمية، صفحة 9.
  15. سورة القصص، آية:68
  16. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:4474، صحيح.
  17. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:4949، صحيح.
  18. رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:111، صحيح.
  19. رواه البوصيري، في إتحاف الخيرة المهرة، عن أبو الدرداء، الصفحة أو الرقم:4، حسن.
  20. ياسر برهامي، دروس للشيخ ياسر برهامي، صفحة 6. بتصرّف.
  21. سورة طه، آية:121
  22. ^ أ ب ت ياسر برهامي، دروس للشيخ ياسر برهامي، صفحة 7. بتصرّف.
  23. سورة يس، آية:82
  24. ياسر برهامي، دروس للشيخ ياسر برهامي، صفحة 8. بتصرّف.
  25. ^ أ ب ياسر برهامي، دروس للشيخ ياسر برهامي، صفحة 9. بتصرّف.
  26. عمر العيد، دروس للشيخ عمر العيد، صفحة 20. بتصرّف.
5098 مشاهدة
للأعلى للسفل
×