الاجتهاد المقاصدي عند الصحابة

كتابة:
الاجتهاد المقاصدي عند الصحابة

الاجتهاد المقاصدي

إن من أهداف الشريعة الإسلامية تحقيق سعادة الدارين ومصالح العباد بجلب المنافع ودرء المفاسد، وقد برز الاجتهاد المقاصدي والتنظر له مع الإمام الشاطبي من حيث نضوجه وتقعيده، إلا أن هناك من سبقه للتنظير لهذا العلم كالإمام الجويني والعز بن عبد السلام، وابن عاشور.

ولا شك أن عصر الاجتهاد في زمن الصحابة كان ذو نظرة سابرة لامتلاكهم القدرات الذهنية في فهم اللغة ومراميها من جهة، ومعاصرتهم لنزول الوحي وفهم مغازيه من جهة أخرى.

أمثلة على الاجتهاد المقاصدي عند الصحابة

تبرز قيمة النظر المقاصدي أن للأحكام ظاهراً وباطناً، وأن هناك أحكاماً واضحة جلية يمكن إعادة النظر فيها من جديد؛ بالنظر إلى الحال والمآل التي تعود به على تحقيق المصلحة الكلية والمغزى من الحكم وتطبيقه.

والوقائع التي اجتهد فيها الصحابة في زمانهم كثيرة وضرورية؛ لا سيما مع امتداد رقعة الجغرافيا في الفتوحات الإسلامية، والحاجة لحفظ الدين، والنظرة الكلية للشريعة وتحقيق غاياتها، وقد تناول علماء الأصول ومؤرخو الفقه، ومدونو السيرة والتراجم هذه الأمثلة عرضاً وتعليقاً ومناقشة، وتتجلى الأمثلة التطبيقية في الآتي:[١]

  • اختيار أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- خليفة للمسلمين

قياساً على إمامته في الصلاة، بوصفه الرجل الثاني في الإسلام، وقدرته على تمثل الرسالة الدعوية والحضارية من جهة، ومؤهلاته الشخصية في حفظ الدولة ونظامها.

  • جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه

بعد واقعة اليمامة التي قتل فيها عدداً كبيراً من الصحابة الحفاظ، وكما تمت إعادة كتابة القرآن الكريم في عهد عثمان -رضي الله عنه-؛ نزعاً لفتيل الخلاف في كثرة القراءات القرآنية وضرورة ضبطها.

  • إمضاء طلاق الثلاث بلفظ واحد طلاقاً بائناً بيونة كبرى

لزجر الرجال عن الاستخفاف بكثرة إقاع طلاق الثلاث دون أن تمضي، فاجتهد الصحابة إمضاءها ثلاثاً؛ حفاظاً على الأسرة بعيداً من التلاعب.

  • عدم توزيع الأراضي المفتوحة على المقاتلين

كباقي الغنائم، واعتبارها تحت تصرف بيت المال؛ والمقصد من ذلك تقوية إيرادات بيت المال وتعزيز نفقات الدولة.

  • الاجتماع في المساجد لصلاة التراويح جماعة في رمضان

لتحقيق الغاية من مقاصد إقامة الصلاة جماعة، ورغبة في زيادة الأجر والثواب.

  • عدم إقامة الحدود في الغزو

خشية عدم لحاق أفراد الجيش المسلم بالعدو، ولهذا تم تقديم مصلحة الحفاظ على وحدة الصف على تطبيق الحد نفسه.

  • عدم إقامة حد السرقة في عام المجاعة

مع تحقق شروطها؛ لوجود شبهة الملجئة على التجاوز على حقوق الآخرين.

  • التوقف عن إعطاء سهم المؤلفة قلوبهم من الزكاة

لانتفاء العلة الموجبة لذلك؛ إذ إن الغاية من سهم المؤلفة قلوبهم هي تحييد أعداء الإسلام إلى حين تمكينه، فلما تمكن لم تعد موجبات العطاء موجودة.

مفهوم الاجتهاد لغة واصطلاحاً

الاجتهاد لغة: من جهد، بفتح الجيم وضمها، وهو تحمل المشقة وبذل الجُهد أو الجَهد واستفراغ الوسع،[٢] أما الاجتهاد اصطلاحاً فقد عرفه الإمام الغزالي: بذل المجتهد وسعه في طلب العلم بأحكام الشريعة،[٣] وتحصل درجة الاجتهاد لمن اتصف بوصفين، أحدهما: فِهم مقاصد الشريعة على كماله، أما الثاني: التمكن من الاستنباط بناء على فهمه فيها.[٤]

وأما صفات المجتهد فلا بد له أن يتحلى بصفات شخصية تؤهله للاجتهاد؛ مثل التكليف، والعدالة والملكة، إضافة إلى توافر الشروط العلمية؛ كالإحاطة بعلوم الوسائل: كاللغة، والنحو وعلم الصرف والبلاغة، وأن يكون عالماً بعلوم القرآن والسنة، ومعرفته بالأصول والفروع والمقاصد الشرعية، فضلاً عن امتلاكه لنظرة ثاقبة تمكنه من الاستنباط الاجتهاد المقاصدي كالفطنة والذكاء.[٥]

أما عن مفهوم الاجتهاد المقاصدي فهو يُعرَّف بأنه: بذل الوسع في نيل حكم شرعي؛ وفقاً لغايات ومرامي الشريعة، ومراعاة لمصلحة الخلق في الدارين.[٦]

المراجع

  1. نور الدين الخادمي، الاجتهاد المقاصدي؛ حجيته ضوابطه مجالاته، صفحة 95.
  2. محمد حسن عبد الغفار الجزء العشرون، كتاب تيسير أصول الفقه للمبتدئين، صفحة 6.
  3. أبو حامد الغزالي، المستصفى، صفحة 342.
  4. الإمام الشاطبي الجزء الخامس، الموافقات، صفحة 41.
  5. مها الصيفي، الاجتهاد المقاصدي في عصر الخلفاء الراشدين، صفحة 9.
  6. مها الصيفي، الاجتهاد المقاصدي في عصر الخلفاء الراشدين، صفحة 28.
5224 مشاهدة
للأعلى للسفل
×