الاستدلال بشرع من قبلنا

كتابة:
الاستدلال بشرع من قبلنا

المقصود بشرع من قبلنا

يُعرف شرع من قبلنا بأنه الأحكام التي نُقلت إلينا من أحكام الأُمم السابقة والتي كانت قد كُلفت بها من الله -تعالى- وأنها من شريعته، وهذه الشريعة قد ترد في كتاب الله -تعالى-، أو سُنة نبيه -عليه الصلاةُ والسلام- والتي تكون قد شُرعت على الأُمم التي قبلنا، مع عدم ورود الدليل على أنها شريعةٌ لنا، أو أنها منسوخة عندنا.[١]

حجية شرع من قبلنا

ذهب الحنفيّة والمالكيّة والإمام أحمد، وبعض الشافعيّة، وابن تيمية وابن الحاجب إلى القول إن شرعَ من قبلنا حُجة لنا، ومُعتبرٌ في الاستدلال به، وثُبوته في إثبات الأحكام الشرعيّة، والعمل به، إذا ثبت ذلك الشرع عن طريق الوحي، سواءً أكان هذا الوحي في القُرآن أو السُنة الصحيحة، ولم يقع التصريح بتكليفنا به أو إنكاره.

واستدل أصحاب هذا القول بعددٍ من الأدلة، منها ما يأتي:[٢]

  • قصاص النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- وقضاءه في قصة الربيع بنت النضر بالقصاص في السنّ

وذلك ما جاء في الحديث الصحيح: (كَسَرَتِ الرُّبَيِّعُ وهْيَ عَمَّةُ أنَسِ بنِ مَالِكٍ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ مِنَ الأنْصَارِ، فَطَلَبَ القَوْمُ القِصَاصَ، فأتَوُا النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأمَرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالقِصَاصِ، فَقالَ أنَسُ بنُ النَّضْرِ عَمُّ أنَسِ بنِ مَالِكٍ: لا واللَّهِ، لا تُكْسَرُ سِنُّهَا يا رَسولَ اللَّهِ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا أنَسُ كِتَابُ اللَّهِ القِصَاصُ).[مرجع]

ولا يوجد في القُرآن ما يدُلُ على ذلك إلا ما جاء في التوراة في قوله -تعالى-: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ)،[٣] وهذا دليلٌ على أن النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- قضى بشرع مَن قبله، ولو لم يكُن شرعٌ لنا لما قضى به.

  • قضاء النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- على وُجوب قضاء الصلاة المنسيّة

قال الله -تعالى-: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)،[٤] وهذا الخطاب كان من الله -تعالى- لموسى -عليه السلام-، وقضى به النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- لما نزل مكاناً مع أصحابه، حتى فات عنهم وقت صلاة الفجر.

فخرجوا من مكانهم وصلى بهم النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام، - واستدل بهذه الآية، ولو لم يكن شرع من قبلنا شرعٌ لنا لما استدل النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- بها.

أنواع شرع من قبلنا وحكم الاحتجاج بها

توجد العديد من الأنواع لشرع من قبلنا، ولكُل نوعٍ منها حُكمٌ خاصٌ بها، وبيانُها كما يأتي:

أحكام شرعت لمن قبلنا وشرعت لنا 

وهذا النوع خاصٌ بالأحكام الشرعية التي شُرعت للأُممِ السابقة، وجاء القُرآن أو السنة بإثباتها لنا، كما جاء في قوله -تعالى- في حُكم الصيام: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ).[٥]

وهذا النوع يجب العمل به، وقيام الحُجة عليه بنص الشرع،[٦] وذلك أن الإسلام هو دينُ جميعُ الأنبياء، وبوّب الإمام البُخاريُ في صحيحه باباً وأسماه: باب ما جاء في أن دين الأنبياء واحد.[٧]

أحكام شرعت لمن قبلنا وتم نسخها

وهذا النوع خاصٌ بالأحكام التي وردت في شريعة من قبلنا، ولكن جاء القُرآن أو السُنة ببيان نسخها في حقنا، وهذا النوع مُتّفقٌ على أنه ليس بشرعٍ لنا، ومن ذلك ما وضعه الله -تعالى- من الشرائع المُشدّدة التي كانت على الأُمم السابقة.

ودليلُ ذلك قوله -تعالى-: (رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا)،[٨] وقوله -تعالى-: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ).[٩][٦]

ووضع الله -تعالى- عنا ما كان على أهل الكتاب في بعض ما شدّد به عليهم، وكذلك تحية من قبلنا، فقد كانت في زمن يوسف -عليه السلام- بالسجُود، فبين النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- نسخه بالأحاديث التي تُبينُ حُرمة السجود لغير الله -تعالى-.[٦]

أحكام شرعت لمن قبلنا ولم ترد في الكتاب والسنة

وهذا النوع خاصٌ بالأحكام الواردة في شرع من قبلنا، ولكن لم يرد لها ذكرٌ في شريعتنا، كالأحكام الموجودة عند أهل الكتاب ولم نعلم طريقاً لها إلا منهم، ولم يرد في شريعتنا ما يُبطله، وهذا النوع مُتفقٌ على أنه ليس بشرعٍ لنا، والأمر فيه موقوفٌ على التحقّق من ثُبوت تشريعه من الله -تعالى-.[٦]

وذلك لقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (كانَ أهْلُ الكِتَابِ يَقْرَؤُونَ التَّوْرَاةَ بالعِبْرَانِيَّةِ، ويُفَسِّرُونَهَا بالعَرَبِيَّةِ لأهْلِ الإسْلَامِ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: لا تُصَدِّقُوا أهْلَ الكِتَابِ ولا تُكَذِّبُوهُمْ وقُولوا: (آمَنَّا باللَّهِ وما أُنْزِلَ) [البقرة: 136]).[١٠][٦]

أحكام جاءت في الكتاب والسنة ولم يأت دليل على اعتبارها أو نسخها

وهذا النوع خاصٌ بالأحكام الواردة في شرع من قبلنا مع عدم ورود الدليل في شريعتنا على اعتباره أو إلغائه في حقنا، وهذا النوع تعدّدت آراء الفُقهاء في اعتباره لنا من عدمه.

فذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والإمام أحمد وبعض الشافعيّة على أنه شرعٌ لنا، واستدلوا بعدة أدلة، كقوله -تعالى-: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى).[١١][٦]

والدين شاملٌ للأُصول والفروع، وقال الله -تعالى- مُخاطباً نبيه -عليه الصلاةُ والسلام-: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)،[١٢] والأمر للنبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- أمرٌ لأمته ما لم يرد دليلٌ يخصص ذلك.

في حين يرى بعض الشافعيّة والحنابلة إلى أنه ليس بشرعٍ لنا، واستدلوا بقوله -تعالى-: (فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا).[١٣][٦]

واستدل القائلون بحُجيته وأنه شرعٌ لنا؛ أن الله -تعالى- أمر نبيه -عليه الصلاةُ والسلام- باتباع شريعة الأنبياء قبله، وبيان الله -تعالى- أنه من لم يحكم بشريعته فهو خارجٌ عن الملة بقوله: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ).[١٤]

وشريعةُ من قبلنا هو مما أنزل الله -تعالى-،[١] ومن ذلك أيضاً؛ ما قصّه الله -تعالى- علينا في القُرآن من أخبار الأُمم السابقة والاعتبار بهم.[٧]

المراجع

  1. ^ أ ب عبد الكريم النملة (2000)، الجامع لمسائل أصول الفقه وتطبيقاتها على المذهب الراجح (الطبعة 1)، الرياض:مكتبة الرشد ، صفحة 378-379. بتصرّف.
  2. بلقاسم الزبيدي (2014)، الاجتهاد في مناط الحكم الشرعي دراسة تأصيلية تطبيقية (الطبعة 1)، صفحة 414-416. بتصرّف.
  3. سورة المائدة، آية:45
  4. سورة طه، آية:14
  5. سورة البقرة، آية:183
  6. ^ أ ب ت ث ج ح خ عبد الله الجديع (1997)، تيسيرُ علم أصول الفقه (الطبعة 1)، بيروت:مؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 167-170. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمد حسين الجيزاني (1427)، معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة (الطبعة 5)، صفحة 224-226. بتصرّف.
  8. سورة البقرة، آية:286
  9. سورة الأعراف، آية:157
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:7542، صحيح.
  11. سورة الشورى، آية:13
  12. سورة الأنعام، آية:90
  13. سورة المائدة، آية:48
  14. سورة المائدة، آية:44
2548 مشاهدة
للأعلى للسفل
×