التأثير النفسي لسفر الأب على الأطفال

كتابة:
التأثير النفسي لسفر الأب على الأطفال

الصحة النفسية للطفل

إنّ الصحّة النفسيّة للأطفال لا تقلّ أهميّة عن صحّتهم البدنية، وتسمح الصحة النفسية الجيّدة للأطفال بتنمية المُرونة النفسية للتعامل مع كلّ ما تطرحه عليهم الحياة، والنموّ السليم ليصبحوا بالغين أصحّاء، وقد لا يُصاب الأطفال بأعراض خاصة باضظرابات نفسية من تلقاء أنفسهم، ولكن الأحداث الحياتية المؤلمة يمكن أن تؤدي إلى مشاكل للأطفال، والذين هم بالفعل عرضة للخطر، وغالبًا ما تعمل التغييرات البيئة كمحفّزات للاضطرابات، مثل الانتقال إلى منزل جديد، أو مدرسة جديدة، أو ولادة أخ أو أخت جديدة، فقد يشعر بعض الأطفال الذين يبدؤون المدرسة بالقلق حيال تكوين صداقات جديدة والقيام بأنشطة جديدة تؤثر على الصحة النفسية الخاصة بهم، إنّ حوالي 1 من كل 10 أطفال يتعرضون لمشاكل نفسية، مثل الاكتئاب والقلق واضطرابات السلوك، وغالبًا ما تكون استجابة مباشرة لما يحدث في حياتهم، ومن المثير للقلق أن 70 في المئة من الأطفال الذين يعانون من مشكلة تتعلق بالصحة النفسية، لا يخضعون لتدخلات علاجية مناسبة لهم في سنّ مبكّرة.[١]

حاجة الطفل للأب

إنّ تأثير الأبوة ليس ذاتيًّا ولكنّه ظاهرة موضوعية وموثقة، على الرّغم من أن الأم هي المربية الأكثر تواجد مع أطفالها، إلّا أن الباحثين يكتشفون المزيد حول ما يجعل وجود الأب مهم في تربية الأطفال بشكلٍ عام، وحتى الآن، تشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين يكبرون بتواجد الأب، الذي يشارك معهم تفاصيل حياتهم، هم أقل عرضة للفشل الدراسي، وأقلّ عرضة للتعرض للمشاكل، بالمقارنة مع الأطفال الذين لديهم آباء غائبون أو دائمو السفر، أو الآباء عديمي الاهتمام بالأطفال.[٢]

وأشارت الدراسات أيضًا أنه عندما يكون لدى الأطفال علاقات وثيقة مع آبائهم، فإنّهم أقلّ عرضة لتعاطي المخدرات أوالمشروبات الكحولية في سن مبكرة والدخول في علاقات عاطفية، ويميلون إلى تجنّب السلوكات الأخرى عالية الخطورة، بوجود الأب ستكون هناك فرص النجاح المدرسي العالي عند الأطفال، وحتى عند نموهم لسن الشباب والبحث عن وظيفة، فقد توصلت بعض النتائج البحثية إلى أن الشباب قد يجدون وظائف عالية الأجر وعلاقات اجتماعية صحية ومستقرة، كما أنهم يميلون إلى الحصول على درجات أعلى في اختبار الذكاء في سن الثالثة ويتحملون مشاكل نفسية أقل طوال حياتهم، لذلك عندما يكون الأب حاضر في أغلب الأوقات مع أطفاله، يختلف سلوك الأطفال إلى الأفضل، ويوضح بول أماتو الباحث في علم الاجتماع الذي يدرس العلاقات بين الوالدين والطفل في جامعة ولاية بنسلفانيا، أنه عندما يشارك الآباء بنشاط مع أطفالهم، يكون أداء الأطفال بشكل أفضل، وتشير بعض الأبحاث إلى أن وجود الآباء عامل مهمّ لتكوين طفل خالٍ من الأمراض النفسية وناجح في حياته اليومية، ومن هذه النتائج ما يأتي:[٣]

  • الآباء والنمو الانفعالي: إن الآباء مثل الأمهات هم ركائز في نموّ الصحة الانفعالية للطفل، إذ يتطلّع الأطفال إلى آبائهم لوضع القواعد وتطبيقها، كما يتطلعون إلى آبائهم لتوفير شعور بالأمان البدني والانفعالي، ويريد الأطفال أن يجعلوا آباءهم فخورين بهم، والأب المشارك في تربية ابنه يعزز النمو الداخلي والقوة الداخلية، وقد أظهرت بعض الدراسات أنه عندما يكون الآباء ودودين وداعمين لأطفالهم، فإن ذلك يؤثر بشكل كبير على النمو المعرفي والاجتماعي للطفل، كما أنه يغرس الشعور العام بالصحة النفسية والثقة بالنفس.[٤]
  • الآباء يحددون مستوى العلاقات مع الآخرين: لا يؤثر الآباء فقط على تكوين الطفل من الداخل، ولكنّهم يؤثرون أيضًا على كيفية تقييم الطفل للعلاقات مع الناس أثناء مراحل نموه، وقد تؤثر الطريقة التي يعامل بها الأب طفله على ما يبحث عنه الطفل في الآخرين، إذ يتم اختيار الأصدقاء والأحباء والأزواج بناءً على كيفية إدراك الطفل لمعنى العلاقة مع والده، لذلك فإن الأنماط التي يضعها الأب في العلاقات مع أطفاله ستحدد كيفية ارتباط أطفاله مع الآخرين.[٣]
  • الآباء وبناتهم: تعتمد الفتيات الصّغيرات على آبائهن للحصول على الأمن والدعم المعنويّ، ويظهر الأب لإبنته كيف تبدو العلاقة الجيدة مع الذكور بصورة عامّة، فإذا كان الأب محبوبًا ولطيفًا، أو إذا كان الأب قويًّا وشجاعًا، فسوف ترتبط ارتباطًا وثيقًا بأيّ شخص بناءً على مواصفات والدها.[١]
  • الآباء وأبناؤهم: على عكس الفتيات، الذين يصممن علاقاتهن مع الآخرين بناءً على شخصية والدهم، فإن الأولاد يمثلون أنفسهم بعد شخصية والدهم، وسوف يسعى الأولاد إلى الحصول على موافقة آبائهم منذ الصغر على أيّ تصرف يحاولون القيام به، لذلك فإن الأطفال دائمًا ما يقلدون المجتمع من حولهم، وهكذا يتعلم الأطفال كيف يمارسون حياتهم اليومية في العالم، فإذا كان الأب يعامل الناس باحترام، فإن الصبي الصغير يقلد والده، وغالبًا ما يعامل المجتمع بالمِثل، وعندما يكون الأب غائبًا في سفر مثلًا، يتطلّع الصبيان الصغار إلى شخصيات المجتمع الأخرى لتحديد القواعد الخاصة بكيفية التصرّف ومعاملة المجتمع.[٤]

التأثير النفسي لسفر الأب على الأطفال

يَجبر العديد من الآباء حول العالم بالسّفر إلى أماكن بعيدة عن منازلهم للعمل، أو لرؤية أحد أفراد أسرتِهم، وقد يكون هناك تأثير سلبيّ أو إيجابي على الصحة النفسية للأطفال، ففي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، أشارت بعض الإحصائيات أنّ حوالي %70 من الآباء قد يسافرون بهدف العمل وأطفالهم تحت سن 18 عامّ، و هناك سلبيات أكثر مقارنة بالإيجابيّات فيما يتعلّق بسفر الأب عن أطفاله ولمرات متكررة أو لفترات طويلة.[٥]

التأثير النفسي الإيجابي لسفر الأب على الأطفال

يعدّ الانفصال عن الأب جزءًا مهمًا في النموّ الاجتماعيّ والانفعاليّ للطفل، إذ يجب أن تُتاح لجميع الأطفال الصغار فرصة تجربة الشعور بالابتعاد عن الآباء، حتى لو كان ذلك الشعور مصحوبًا بالخوف والضغط النفسي، على أن يكون هذا الشعور مؤقّتًا، ويجب أخبار الطفل بشكل مناسب قبل عدة أيام من سفر الأب، ومن خلال هذه العملية يكتشف الطفل أنّه مستعدّ لمواجهة غياب الأب، ويكون في أتمّ الاستعداد والثقة في نفسه لتوديع والده، ومن المهم ألّا يتعرض الأطفال للانفصال لفترات طويلة عن آبائهم، ومن المهم أيضًا أن يتم إخبار الطفل بطريقة توضّح ضرورة سفر الأب، وقد يكون هذا الخبر مؤلمًا للأطفال، وكذلك قد يؤدي السفر المستمر وطويل المدّة إلى مشاكل نفسية تواجه الطفل مدى الحياة، ومن الطبيعيّ أن يظهر القلق أو الضغط في فترة من الفترات في أثناء سفر الأب، وذلك يعتمد على سنّ الطفل، ولذا فإنّه كلّما زاد عمر الطفل يكون أكثر تأثّرًا في سفر والده.[٦]

التأثير النفسي السلبي لسفر الأب على الأطفال

إنّ الأطفال الذين يعانون منالحساسية النفسية، قد يكونون أكثر عُرْضة للخطر، ويجب أن يكون لديهم مقدّم رعاية متواجد إلى جانبهم على الدوام، لذلك الأطفال الأكثر حساسية هم أكثر عرضة للتأثير السلبيّ لسفر الأب، ويصعب التعامل معهم وإقناعهم، خاصّة بالنسبة للأطفال بعد سن 3 أعوام، والذين يكونون متعلّقين بآبائهم، ويمكن لهذه النوعية من الأطفال كبت مشاعرهم وغضبهم الداخلي وعدم إظهار الشعور بالانزعاج، الأمر الذي يؤدي إلى الشعور بالضيق النفسي للطفل، وقد تستمرّ هذه الأعراض حتى أثناء عودة والده إلى المنزل، إذ قد يتوقف عن الذهاب إلى المدرسة، أو قد يتعرض إلى خوف شديد أثناء غياب والده من المنزل، أو حتى عند الذهاب للعب مع الأصدقاء، أو ربما يرفض الطفل البقاء بمفرده في المنزل، من دون وجود والده، أو النوم في غرفته الخاصة، وإن ردود الفعل هذه تأتي بهدف مراقبة الأب، وعدم السماح له بالسفر مرة أخرى، وفي بعض الأحيان قد تكون الأعراض أسوء، مثل الكوابيس المتكرّرة، أو الأذى الجسدي، مثل الصداع المستمر، أو آلام البطن والغثيان.[٧]

كيفية تهيئة الطفل لسفر الأب

عندما تمتلك العائلة طفلًا، سيصعب عليها السّفر للعمل أو الزيارات، بسبب وجود طفل لا يستطيع تقبل سفر والده عنه، لذلك سيواجه الآباء مشاكل للسفر، سواء لعطلة نهاية الأسبوع، أو لمدة شهر لغرض العمل أو أكثر، وهو موقف صعب للآباء والأطفال، لكن كيف يمكن تهيئة الطفل قبل سفر والده، حتى لا يتعرض لمشكلات نفسية، هنالك عدة خطوات يمكن إتباعها لتحسين الحالة النفسية الصحية للطفل، وتهيئته لسفر والده، دون حدوث مشاكل، ومنها:[٨]

  • موعد أخبار الطفل عن السفر: يجب اختيار الموعد المناسب لأخبار الطفل عن موعد سفر الأب، وهذا يعتمد على مزاج الطفل، وسنه، لذلك يجب إخبار الأطفال من هم دون سن السابعة، قبل يومين من سفر الأب، حتى لا يؤثر عليهم القلق الشديد من مدة الانتظار، أما الأطفال فوق سن 7 أعوام يجب إخبارهم قبل موعد السفر بعدة أيام، قد تتراوح من 4 إلى 5 أيام حتى يتقبل الطفل فكرة السفر ويتجاوز القلق النفسي.
  • تقديم تفاصيل عن سبب السفر: يجب أخبار الطفل عند المغادرة، وموقع السفر، وأسباب السفر، وكيف يمكنه الإتصال بالأب، ومتى سيعود الأب، وبشكل عام قد لا يفهم الأطفال الصغار المواعيد والتواريخ، لذا يجب وضع علامة على تواريخ المغادرة والعودة في تقويم ملون، وأخباره أن يشطب يومًا واحدًا كل صباح عندما يستيقظ على القائمة، حتى يمتلك معلومات التي تناسب سنه عن موعد عودة الأب من السفر، إن هذا يساعده على فهم مكان الأب، من خلال عرض الصور، أو الإشارة إلى الموقع على الخريطة، أو البحث عنها على الإنترنت، أو في كتاب للأطفال، ويجب أن يعرف الطفل من سيهتم به أثناء غياب الأب، وما إذا كان سيبقى في المنزل أو سيتعين عليه الذهاب إلى مكان آخر.
  • تنبيه مقدمي الرعاية على الالتزام بالروتين اليومي للأطفال: إذا كانت هناك جليسة أطفال، فمن الضروري ترك تعليمات مفصلة عن موعد نوم الطفل، ومواعيد التغذية، أو الدواء، وكل شيء يحتاجه للطفل، ويجب أخبار جليسة الأطفال بعدم التصرف بمفردها أثناء تقديم الدواء، حتى لا يؤثر هذا سلبًا على صحّة الطفل.
  • توديع الطفل بطريقة سليمة: يجب على الأب توديع طفله بطريقة لائقة، وعدم التخوف أو أخبار الطفل بالشعور بالندم بسبب السفر، بل على العكس، يجب أعطاء الطفل عناقًا طويلًا وابتسامة، وإعطاء الطفل قبلة، لزرع الثقة في الطفل لانتظار الأب مرة اخرى.
  • التواصل المستمر مع الأطفال: أثناء الوصول إلى الموقع المطلوب، يجب الدردشة مع الطفل وإخباره عن تفاصيل الرحلة، ويجب على الآباء التواصل مع أطفالهم كل يوم على الأقل، حتى يشعر الطفل بقرب الأب، لكن يجب أن تكون الدردشة بوقت محدود ومعين، حتى لا يصاب الطفل بالإرهاق أثناء انتظار اتصال الأب.
  • العودة بالهدية: جميع الأطفال ودون استثناء يحبّون الهدايا، لذلك يجب على الأب أن يعد طفله بجلب هدية أثناء عودته، وأخبار الطفل عن المفاجآت التي واجهت الأب أثناء السفر.

كيفية تعويض الأطفال عند غياب الأب

إنّ سفر الأب قد يسبّب مشاكل نفسية وجسدية على الأطفال، ويجب تعويض الطفل بأساليب مشابهة لأساليب الأب، وعلى أفراد الأسرة تعويض الطفل بطرق سلمية للمحافظة على سلامة الطفل النفسية، وهنالك عدة أمور تساعد الطفل على تعويض الفراغ الذي تسبب به والده، مثل ممارسة الألعاب التي كان يمارسها الطفل مع والده، أو الذهاب إلى نفس الأماكن التي كان يذهب إليها الطفل برفقة والده، والذهاب في رحلات نهاية الأسبوع، واستخدام نفس الروتين الذي يستخدمه الأب لطفله، وهذا يساعد الطفل في ملء الفراغ الذي سببه سفر والده إليه، وإن للأم دورًا كبيرًا في تعويض هذا الفراغ، عن طريق أظهار الحب والاهتمام للطفل، وأخباره على الدوام بموعد عودة أبيه، والوقوف بجانبه حتى يتعدى المرحلة التي يكون فيها الطفل في فراغ شديد بسبب سفر الأب، وكذلك استخدام أساليب مهمة جدًا، مثل السماح للطفل في التصرف بحرية، وتقبل طلباته، ومحاولة تنفيذ هذه الطلبات، لتجنب سقوط الطفل في مشاكل نفسية، وهنالك بعض الأساليب الخاصة لكلّ فرد، يستخدمها لتعويض الطفل عن غياب والده.[٩]

المراجع

  1. ^ أ ب "Children and young people", www.mentalhealth.org.uk, Retrieved 2020-05-25. Edited.
  2. "Competing Devotions Career And Family Among Women ", books.google.com, Retrieved 2020-05-25. Edited.
  3. ^ أ ب "science-benefits-of-fatherhood-dads-father-effect", www.fatherly.com, Retrieved 2020-05-25. Edited.
  4. ^ أ ب "pediatric-care/the-importance-of-a-father-in-a-childs-life", www.pediatricsoffranklin.com, Retrieved 2020-05-25. Edited.
  5. "fatherhood", www.childwelfare.gov, Retrieved 2020-05-25. Edited.
  6. "Childrens Experiences of Time when a Parent Travels for Work", www.ncbi.nlm.nih.gov, Retrieved 2020-05-25. Edited.
  7. "the changing rhythms of American family life", books.google.com, Retrieved 2020-05-25. Edited.
  8. "how-to-prepare-kids-when-parents-travel-for-work", www.parents.com, Retrieved 2020-05-25. Edited.
  9. "Father_absence", en.wikipedia.org, Retrieved 2020-05-25. Edited.
3818 مشاهدة
للأعلى للسفل
×