علم البلاغة
يعدّ علم البلاغة واحدًا من علوم اللغة العربية، ويعرف علم البلاغة بأنه مطابقة الكلام الفصيح لمقتضى الحال، مع فصاحة الألفاظ. ويقسم علم البلاغة إلى مجموعة من الأقسام هي: علم البيان، وعلم المعاني، وعلم البديع، أما الترصيع في الشعر، موضوع هذا المقال، فيدرس تحت قسم علم البديع، بوصفه نوعًا من المحسّنات البديعيّة، التي تسمى سجعًا في النثر، واتفاق الفواصل في القرآن الكريم، والترصيع في الشعر، وفيما يأتي توسّع في تعريف الترصيع في الشعر والتمثيل عليه.[١]
الترصيع في الشعر
الترصيع في الشعر هو السجع البلاغي في إحدى قرينتين، أو أكثر، والمقابلة في الوزن، والاتفاق على الحرف الآخر المراد من القرينتين المتوافقتان في الوزن والتقفية، ومنه قول الحريري: "فهو يطبع الأسجاع بظواهر لفظه، ويقرع الأسماع بزواجر وعظه"، فيكون ذلك بموافقة كل ما في القرينة الثانية ما يقابلها في الأولى في الوزن والتقفية، أمّا لفظه فلا يقابله شيء من القرينة الثانية، وأن تكون الألفاظ مستوية الأوزان، متفقة الأعجاز،[٢]، ومنه في القرآن الكريم قوله تعالى: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم}[٣] فكانت كلمتي إيابهم وحسابهم كلمتان متفقتان في الوزن الصرفي، وفي أواخر الحروف، وكذلك في قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ}[٤]، فاتفقت آخر الآيتين في وزن كلمتي نعيم وجحيم فكان توازن الألفاظ من باب التوافق.
وقد تكون الموازنة بين الألفاظ ومقابلتها من باب التقاربِ،[٥] ومنه قوله تعالى:{وَآَتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ * وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}،[٦] فكلمتي المستبين والمستقيم تقاربتا في بعض الحروف وفي الوزن ولم تتفقا اتفاقًا تامًا، فجاءت الموازنة من باب التقارب، ولكن كما ذكر سابقًا، يسمى هذا السجع باتفاق الفواصل القرآنية، بينما يعرف بالترصيع في الشعر.
والترصيع في الشعر بشكل خاص، كالتسجيع في كونه يجزئ البيت إما ثلاثة أجزاء إن كان البيت سداسي التفعيلات، أو أربعة إن كان ثماني التفعيلات، وسجع على ثاني العروضين دون الأول. وأكثر ما يقع الجزءان المسجع والمهمل في الترصيع مدمجين، إلا أن أسجاع التسجيع يأتي على قافية البيت، والفرق بينه وبين التسميط المسمى تسمي التبعيض أن المسجع من قسمي التسميط معًا هي أجزاء عروضية، والمسجع من الترصيع أجزاء غير عروضية لوقوع السجع في بعض الأجزاء، أي أنّ الترصيع يكون في مجيء السجع في حشو البيت لا في قوافيه فيكون في البيت الواحد قافيتان، فهذا ما يعرف بالتصريع وهو خلاف الترصيع.[٧]
أمثلة الترصيع في الشعر
يكثر الترصيع في الشعر العربي، حتى أصبح ظاهرة تتبع وتُدرس عند الشعراء، فهو يكثر في أشعار كثير من القدماء المجيدين من الفحول وغيرهم، كما يكثر في أشعار المحدثين المحسنين منهم، وكان أن جاءت بعض أبيات القصيدة، بيت أو بيتان، وربما أكثر مرصّعة، ومن أمثلة الترصيع في الشعر العربي قول صريع الغواني الشاعر مسلم بن الوليد:[٨]
كَأَنَّهُ قَمَرٌ أَو ضَيغَمٌ هِصرٌ
- أو حَيَّةٌ ذَكَرٌ أَو عارِضٌ هَطِلُ
والترصيع وقع في الكلمات قمر، وهصر، وهطل، وكان ترصيعًا غير مدمج، فأجزاؤه المسجعة غير مدمجة فيما قبلها، وهذا ما يجعله ملتبسًا مع التسميط التباساً شديداً، والفرق بينهما أن التسجيع في التسميط على الجزء الأول من الأجزاء العروضية، وفي الترصيع على ثاني العروضيين، فالتسجيع من الترصيع جاء في الخماسي أيضا لما كان البيت من بحر البسيط، كون الخماسي ثاني الجزأين من البسيط.[٧]
أو كقول الشاعر الأبيوردي:[٩]
سودٌ ذوائبها بيضٌ ترائبها
- حمرٌ مجاسدها صفرٌ تراقيها
وقع الترصيع في كلمات ذوائبها، وترائبها، ومجاسدها، وتراقيها، وهذا الترصيع يحسن أن يسمى الترصيع المدمج، فكل جزء مسجع من أجزائه مدمج في الجزء الذي قبله، وهو فرق بينه وبين ما ليس كذلك من الترصيع. كما أن الترصيع في البيت يعمل على إغناء إيقاع القصيدة سواء كان الترصيع بالوزن أو بالمقاطع أو بالسجع، والرتصيع في هذا البيت من الترصيع الحسن والجيد.
ومن الترصيع في الشعر، قول شاعر الغزل العباس بن الأحنف في قصيدته ألا ليت ذات الخال تلقى من الهوى:[١٠]
وِصالُكُمُ صَرمٌ وَحُبُّكُمُ قِلىً
- وَعَطفُكُمُ صَدٌ وَسِلمُكُمُ حَربُ
والترصيع في بيت العباس في كلمات: صرم، وحرب، وجاءت هذه المكونات مكونًا إيقاعيًا مزينًا للقصيدة دون أن يقع الشـاعر في التكلف، فالتكلّف يهوي بصاحبه عن مكانة المطبوعين.
ومنه قول المتنبي:[١١]
قَدْ حِرْنَ في بَشَرٍ في تاجِهِ قَمَرٌ
- في دِرْعِهِ أسَدٌ تَدْمَى أظافِرُهُ
حُلْوٍ خَلائِقُهُ شُوسٍ حَقائِقُهُ
- تُحصَى الحَصَى قَبلَ أنْ تُحصَى مآثرُهُ
فالترصيع جاء في لفظتي بشرِ، وقمر، وفي البيت الذي يليه جاء في حشو البيت في خلائقه، وحقائقه، وهو من الترصيع المدمج، فكل جزء مسجع من أجزائه مدمج في الجزء الذي قبله، وعمل على إغناء إيقاع القصيدة سواء كان الترصيع بالوزن أو بالمقاطع أو بالسجع، والترصيع في هذا البيت من الترصيع الحسن والجيد.
ومثله قول ذي الرمّة:[١٢]
كَحْلآءُ فِي بَرَجٍ صَفْرَآءُ فِي نَعَجٍ
- كأنَّها فضَّة ٌ قدْ مسَّها ذهبُ
ومن الترصيع في الشعر، قول الشاعر:[١٣]
فَالخَدُّ والثَّغْرُ ذَا صُبْحٌ وَذَا فَلَقُ
- وَالقَدُّ وَالشَّعْرُ ذَا رُمْحٌ وَذَا غَسَقُ
فالخد في مقابلة القد، والروي الدَّال، والثغر في مقابلة الشَّعر، والرَّوي الرَّاء، وصبح في مقابلة رمح، وفلق في مقابلة رمح، وفلق في مقابلة غسق. فكانت كلُّ لفظة في البيت موافقةً لقرينتِها وزنًا ورويًّا، ومن التَّرصيع الكامل الذي يقع الاتِّفاق فيه بين جَميع قرائنِه، قول الشاعر:[١٣]
كَالبَحْرِ مُقْتَحِمًا وَالبَدْرِ مُلْتَئِمًا
- وَالفَجْرِ مُبْتَسِمًا والزَّهْرِ مُخْتَتِمَا
المراجع
- ↑ "علم البلاغة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 07-09-2019. بتصرّف.
- ↑ "ترصيع"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 07-09-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الغاشية، آية: 25-26.
- ↑ سورة الانفطار، آية: 13- 14.
- ↑ "الترصيع"، www.almerja.com، اطّلع عليه بتاريخ 07-09-2019. بتصرف.
- ↑ سورة الصافات، آية: 117- 118.
- ^ أ ب "الترصيع"، www.almerja.com، اطّلع عليه بتاريخ 07-09-2019. بتصرّف.
- ↑ "اِستَمطَرَ العَينَ أَن أَحبابُهُ اِحتَمَلوا"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 07-09-2019.
- ↑ "وَسَرْحَة ٍ بِرُبا َنَجْدٍ مُهَدَّلَة ٍ"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 07-09-2019.
- ↑ "ألا ليت ذات الخال تلقى من الهوى"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 07-09-2019.
- ↑ "حاشى الرقيب فخانته ضمائره"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 07-09-2019.
- ↑ "مَا بَالُ عَيْنِكَ مِنْهَا الْمَاءُ يَنْسَكِبُ"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 07-09-2019.
- ^ أ ب "القول البديع في علم البديع (3/8)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 07-09-2019. بتصرف.