التشبيه في الشعر الجاهلي

كتابة:
التشبيه في الشعر الجاهلي


حضور التشبيه في الشعر الجاهلي

كان للتشبيهات حضور واسع في الشعر الجاهلي وبخاصة عند الشعراء من أتباع مدرسة الصّنعة الذين كانوا يعتنون بقصائدهم ويجوّدونها كثيرًا وعلى رأسهم أوس بن حجر وزهير بن أبي سُلمى والأعشى والنابغة ولبيد وغيرهم، ومن أبرز سمات التشبيه في العصر الجاهلي ما يأتي:[١]

  • العناية البالغة فيه من حيث اللفظ والمعنى ولذلك فقد كان حاضرًا منذ فجر الشعر العربي.
  • تعدّد أنماطه ما بين تمثيلي ومُجمَل ومُرسَل وتام الأركان ونحو ذلك.
  • تعدُّد مصادر هذه التشبيهات فمنها ما كان مُنتزعًا من مصادر طبيعيّة كالبحر والبر والنهر، ومنها ما هو منتزع من مصادر حيوانيّة، ومنها ما كانت مصادره بشريّة ومنها غير ذلك.
  • توسعه في وصف المشبه به حتى قد يكون ذلك ضمن أبيات كثيرة.
  • اهتمامه بعناصر الحركة والصوت واللون على نحو مؤثّر وبدلالات فنية في غاية التعبير والجمال.
  • الحرص على إظهار التفصيلات والجزئيات الدقيقة.

نماذج التشبيه في الشعر الجاهلي

من أبرز القصائد التي ظهر فيها التشبيه في الشعر الجاهلي ما يأتي:

معلقة الأعشى

يقول الأعشى ميمون بن قيس: [٢]

وَدِّع هُرَيرَةَ إِنَّ الرَكبَ مُرتَحِلُ

وَهَل تُطيقُ وَداعاً أَيُّها الرَجُلُ

غَرّاءُ فَرعاءُ مَصقولٌ عَوارِضُها

تَمشي الهُوَينا كَما يَمشي الوَجي الوَحِلُ

كَأَنَّ مِشيَتَها مِن بَيتِ جارَتِها

مَرُّ السَحابَةِ لا رَيثٌ وَلا عَجَلُ

تَسمَعُ لِلحَليِ وَسواساً إِذا اِنصَرَفَت

كَما اِستَعانَ بِريحٍ عِشرِقٌ زَجِلُ

لَيسَت كَمَن يَكرَهُ الجيرانُ طَلعَتَها

وَلا تَراها لِسِرِّ الجارِ تَختَتِلُ

يَكادُ يَصرَعُها لَولا تَشَدُّدُها

إِذا تَقومُ إِلى جاراتِها الكَسَلُ

إِذا تُعالِجُ قِرناً ساعَةً فَتَرَت

وَاِهتَزَّ مِنها ذَنوبُ المَتنِ وَالكَفَلُ

مِلءُ الوِشاحِ وَصِفرُ الدَرعِ بَهكَنَةٌ

إِذا تَأَتّى يَكادُ الخَصرُ يَنخَزِلُ

صَدَّت هُرَيرَةُ عَنّا ما تُكَلِّمُنا

جَهلاً بِأُمِّ خُلَيدٍ حَبلَ مَن تَصِلُ

أَأَن رَأَت رَجُلاً أَعشى أَضَرَّ بِهِ

رَيبُ المَنونِ وَدَهرٌ مُفنِدٌ خَبِلُ

نِعمَ الضَجيعُ غَداةَ الدَجنِ يَصرَعَها

لِلَّذَةِ المَرءِ لا جافٍ وَلا تَفِلُ

هِركَولَةٌ فُنُقٌ دُرمٌ مَرافِقُها

كَأَنَّ أَخمَصَها بِالشَوكِ مُنتَعِلُ

إِذا تَقومُ يَضوعُ المِسكُ أَصوِرَةً

وَالزَنبَقُ الوَردُ مِن أَردانِها شَمِلُ

ما رَوضَةٌ مِن رِياضِ الحَزنِ مُعشَبَةٌ

خَضراءُ جادَ عَلَيها مُسبِلٌ هَطِلُ

يُضاحِكُ الشَمسَ مِنها كَوكَبٌ شَرِقٌ

مُؤَزَّرٌ بِعَميمِ النَبتِ مُكتَهِلُ

أهم التشبيهات التي ذكرت في القصيدة فيما يأتي:

  • تَمشي الهُوَينا كَما يَمشي الوَجي الوَحِلُ

تشبيه تام الأركان: فقد شبّه الشاعر محبوبته "هريرة" بالذي يمشي في الوحل على مهله، فذكر المشبه والمشبه به وأداة التشبيه ووجه الشبه.

  • كَأَنَّ مِشيَتَها مِن بَيتِ جارَتِها مَرُّ السَحابَةِ

تشبيه مؤكّد: فقد شبّه الشاعر محبوبته "هريرة" بالتي تمشي على مهلها كالسحابة، فذكر المشبه والمشبه به ووجه الشبه وحذف أداة التشبيه.

  • هِركَولَةٌ فُنُقٌ

تشبيه بليغ: فقد شبّه الشاعر محبوبته "هريرة" بالمرأة ممتلئة الأرداف، فذكر المشبه والمشبه به وحذف أداة التشبيه ووجه الشبه.

معلقة عنترة

يقول عنترة بن شداد: [٣]

فيها اِثنَتانِ وَأَربَعونَ حَلوبَةً

سوداً كَخافِيَةِ الغُرابِ الأَسحَمِ

إِذ تَستَبيكَ بِذي غُروبٍ واضِحٍ

عَذبٍ مُقَبَّلُهُ لَذيذِ المَطعَمِ

وَكَأَنَّ فارَةَ تاجِرٍ بِقَسيمَةٍ

سَبَقَت عَوارِضَها إِلَيكَ مِنَ الفَمِ

أَو رَوضَةً أُنُفاً تَضَمَّنَ نَبتَها

غَيثٌ قَليلُ الدِمنِ لَيسَ بِمَعلَمِ

جادَت عَليهِ كُلُّ بِكرٍ حُرَّةٍ

فَتَرَكنَ كُلَّ قَرارَةٍ كَالدِرهَمِ

سَحّاً وَتَسكاباً فَكُلَّ عَشِيَّةٍ

يَجري عَلَيها الماءُ لَم يَتَصَرَّمِ

وَخَلا الذُبابُ بِها فَلَيسَ بِبارِحٍ

غَرِداً كَفِعلِ الشارِبِ المُتَرَنِّمِ

هَزِجاً يَحُكُّ ذِراعَهُ بِذِراعِهِ

قَدحَ المُكِبِّ عَلى الزِنادِ الأَجذَمِ

تُمسي وَتُصبِحُ فَوقَ ظَهرِ حَشِيَّةٍ

وَأَبيتُ فَوقَ سَراةِ أَدهَمَ مُلجَمِ

وَحَشِيَّتي سَرجٌ عَلى عَبلِ الشَوى

نَهدٍ مَراكِلُهُ نَبيلِ المَحزِمِ

هَل تُبلِغَنّي دارَها شَدَنِيَّةٌ

لُعِنَت بِمَحرومِ الشَرابِ مُصَرَّمِ

خَطّارَةٌ غِبَّ السُرى زَيّافَةٌ

تَطِسُ الإِكامَ بِوَخذِ خُفٍّ ميثَمِ

وَكَأَنَّما تَطِسُ الإِكامَ عَشِيَّةً

بِقَريبِ بَينَ المَنسِمَينِ مُصَلَّمِ

تَأوي لَهُ قُلُصُ النَعامِ كَما أَوَت

حِزَقٌ يَمانِيَةٌ لِأَعجَمَ طِمطِمِ

يَتبَعنَ قُلَّةَ رَأسِهِ وَكَأَنَّهُ

حِدجٌ عَلى نَعشٍ لَهُنَّ مُخَيَّمِ

صَعلٍ يَعودُ بِذي العُشَيرَةِ بَيضَهُ

كَالعَبدِ ذي الفَروِ الطَويلِ الأَصلَمِ

أهم التشبيهات التي ذكرت في القصيدة فيما يأتي:

  • اِثنَتانِ وَأَربَعونَ حَلوبَةً سوداً كَخافِيَةِ الغُرابِ

تشبيه تام الأركان: فقد شبه الشاعر النوق السود بخوافي الريش في جناح الغراب الأسود، فذكر المشبه والمشبه به وأداة التشبيه ووجه الشبه.

  • كَأَنَّ فارَةَ تاجِرٍ بِقَسيمَةٍ سَبَقَت عَوارِضَها

تشبيه مُجمَل: فقد شبه الشاعر أنفاس الحبيبة بالعطر الذي يفوح من فائرة العطّار، فذكر المشبه والمشبه به وأداة التشبيه وحذف وجه الشبه.

  • حَشِيَّتي سَرجٌ

استعارة مكنيّة: فقد شبّه السرج بالفراش المحشو بالصوف، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه، ويجوز في هذا المثال أن يكون كناية عن قسوة حياة الشاعر.

معلقة طرفة بن العبد

يقول طرفة بن العبد: [٤]

لِخَولَةَ أَطلالٌ بِبُرقَةِ ثَهمَدِ

تَلوحُ كَباقي الوَشمِ في ظاهِرِ اليَدِ

وُقوفاً بِها صَحبي عَلَيَّ مَطيَّهُم

يَقولونَ لا تَهلِك أَسىً وَتَجَلَّدِ

كَأَنَّ حُدوجَ المالِكيَّةِ غُدوَةً

خَلايا سَفينٍ بِالنَواصِفِ مِن دَدِ

عَدَوليَّةٌ أَو مِن سَفينِ اِبنِ يامِنٍ

يَجورُ بِها المَلّاحُ طَوراً وَيَهتَدي

يَشُقُّ حَبابَ الماءِ حَيزومُها بِها

كَما قَسَمَ التُربَ المُفايِلُ بِاليَدِ

وَفي الحَيِّ أَحوى يَنفُضُ المَردَ شادِنٌ

مُظاهِرُ سِمطَي لُؤلُؤٍ وَزَبَرجَدِ

خَذولٌ تُراعي رَبرَباً بِخَميلَةٍ

تَناوَلُ أَطرافَ البَريرِ وَتَرتَدي

وَتَبسِمُ عَن أَلمى كَأَنَّ مُنَوِّراً

تَخَلَّلَ حُرَّ الرَملِ دِعصٌ لَهُ نَدي

سَقَتهُ إِياةُ الشَمسِ إِلّا لِثاتِهِ

أُسِفَّ وَلَم تَكدِم عَلَيهِ بِإِثمِدِ

وَوَجهٌ كَأَنَّ الشَمسَ حَلَّت رِدائَها

عَلَيهِ نَقِيُّ اللَونِ لَم يَتَخَدَّدِ

وَإِنّي لَأَمضي الهَمَّ عِندَ اِحتِضارِهِ

بِعَوجاءَ مِرقالٍ تَروحُ وَتَغتَدي

أَمونٍ كَأَلواحِ الأَرانِ نَصَأتُها

عَلى لاحِبٍ كَأَنَّهُ ظَهرُ بُرجُدِ

جَماليَّةٍ وَجناءَ تَردي كَأَنَّها

سَفَنَّجَةٌ تَبري لِأَزعَرَ أَربَدِ

تُباري عِتاقاً ناجِياتٍ وَأَتبَعَت

وَظيفاً وَظيفاً فَوقَ مَورٍ مُعَبَّدِ

تَرَبَّعَتِ القُفَّينِ في الشَولِ تَرتَعي

حَدائِقَ مَوليِّ الأَسِرَّةِ أَغيَدِ

أهم التشبيهات التي ذكرت في القصيدة فيما يأتي:

  • لِخَولَةَ أَطلالٌ تَلوحُ كَباقي الوَشمِ في ظاهِرِ اليَدِ

تشبيه تام الأركان: فقد شبه الشاعر آثار الديار وهي تظهر من بعيد كبقايا الوشم في ظاهر كف اليد، فذكر المشبه والمشبه به وأداة التشبيه ووجه الشبه.

  • كَأَنَّ حُدوجَ المالِكيَّةِ خَلايا سَفينٍ

تشبيه مُجمل: فقد شبه الشاعر الحدوج وهي مراكب كالهوادج بالسفن، فذكر المشبه والمشبه به وأداة التشبيه وحذف وجه الشبه.

  • وَوَجهٌ كَأَنَّ الشَمسَ حَلَّت رِدائَها عَلَيهِ نَقِيُّ اللَونِ

تشبيه تام الأركان: فقد شبّه الشاعر وجه الحبيبة في نقائه بنقاء نور الشمس، فذكر المشبه والمشبه به وأداة التشبيه ووجه الشبه.

المراجع

  1. بشار محمد جبر أبو نصير المصاروة، التشبيه التمثيلي بين السعة والإيجاز في الشعر الجاهلي، صفحة 255 - 260. بتصرّف.
  2. "ودع هريرة إن الركب مرتحل"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 20/2/2022.
  3. "هل غادر الشعراء من متردم"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 20/2/2022.
  4. "لخولة أطلال ببرقة ثهمد"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 20/2/2022.
6365 مشاهدة
للأعلى للسفل
×