التشبيه في شعر البحتري

كتابة:
التشبيه في شعر البحتري


مفهوم التشبيه في شعر البحتري وخصائصه

برع البحتري في في تضمين التشبيهات والصور الفنية في شعره، خاصةً في الوصف، إذ يُعد البحتري من أبرع الشعراء العرب في الوصف، ومن خصائص التشبيه في شعر البحتري ما يأتي:[١]

  • الاهتمام بالألفاظ؛ لإبراز الجانب التعبيري والفني.
  • دقة الوصف وسعة الخيال، فوصف سحر الطبيعة كجمال الرياض والسماء والربيع.
  • التنوع في الأساليب البلاغية، والتكرار البلاغي، مثل: رد الصدر على العجز، مما أسهم في خلق تشبيهات بديعة.[٢]


أمثلة على التشبيه في شعر البحتري

كثُرَ التشبيه بأشكاله كافةً في شعر البحتري، ونماذج من شعر البحتري مع بيان التشبيهات فيما يأتي:


قصيدة ميلوا إلى الدار من ليلى نحييها

قال البحتري:

يا مَن رَأى البِركَةَ الحَسناءَ رُؤيَتَها

وَالآنِساتِ إِذا لاحَت مَغانيها

بِحَسبِها أَنَّها مِن فَضلِ رُتبَتِها

تُعَدُّ واحِدَةً وَالبَحرُ ثانيها

ما بالُ دِجلَةَ كَالغَيرى تُنافِسُها

في الحُسنِ طَورًا وَأَطوارًا تُباهيها

أَما رَأَت كالِئَ الإِسلامِ يَكلَؤها

مِن أَن تُعابَ وَباني المَجدِ يَبنيها

كَأَنَّ جِنَّ سُلَيمانَ الَّذينَ وَلوا

إِبداعَها فَأَدَقّوا في مَعانيها

فَلَو تَمُرُّ بِها بَلقيسُ عَن عُرُضٍ

قالَت هِيَ الصَرحُ تَمثيلًا وَتَشبيها

تَنحَطُّ فيها وُفودُ الماءِ مُعجَلَةً

كَالخَيلِ خارِجَةً مِن حَبلِ مُجريها

كَأَنَّما الفِضَّةُ البَيضاءُ سائِلَةً

مِنَ السَبائِكِ تَجري في مَجاريها

إِذا عَلَتها الصَبا أَبدَت لَها حُبُكًا

مِثلَ الجَواشِنِ مَصقولاً حَواشيها

فَرَونَقُ الشَمسِ أَحياناً يُضاحِكُها

وَرَيِّقُ الغَيثِ أَحياناً يُباكيها

إِذا النُجومُ تَراءَت في جَوانِبُها

لَيلاً حَسِبتَ سَماءً رُكِّبَت فيها

لا يَبلُغُ السَمَكُ المَحصورُ غايَتَها

لِبُعدِ ما بَينَ قاصيها وَدانيها

يَعُمنَ فيها بِأَوساطٍ مُجَنَّحَةٍ

كَالطَيرِ تَنفُضُ في جَوٍّ خَوافيها

لَهُنَّ صَحنٌ رَحيبٌ في أَسافِلِها

إِذا اِنحَطَطنَ وَبَهوٌ في أَعاليها

صورٌ إِلى صورَةِ الدُلفينِ يُؤنِسُها

مِنهُ اِنزِواءٌ بِعَينَيهِ يُوازيها

تَغنى بَساتينُها القُصوى بِرُؤيَتِها

عَنِ السَحائِبِ مُنحَلّاً عَزاليها

كَأَنَّها حينَ لَجَّت في تَدَفُّقِها

يَدُ الخَليفَةِ لَمّا سالَ واديها

وَزادَها زينَةً مِن بَعدِ زينَتِها

أَنَّ اِسمَهُ حينَ يُدعى مِن أَساميها

مَحفوفَةٌ بِرِياضٍ لا تَزالُ تَرى

ريشَ الطَواويسِ تَحكيهِ وَيَحكيها

وَدَكَّتَينِ كَمِثلِ الشِعرَيَينِ غَدَت

إِحداهُما بِإِزا الأُخرى تُساميها[٣]


من التشبيهات التي وردت في قصيدة "ميلوا إلى الدار من ليلى نحييها" ما يأتي:

  • البِركَةَ الحَسناءَ

شبّه البركة بالفتاة الحسناء، فحذف المشبه به، وأبقى على شيء من لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية.

  • دِجلَةَ كَالغَيرى تُنافِسُها في الحُسنِ

شبّه دجلة بالمرأة الغيرى التي تُنافس النساء، فذكر المشبه والمشبه به وأداة التشبيه ووجه الشبه، وهنا التشبيه تام الأركان.

  • تَنحَطُّ وُفودُ الماءِ مُعجَلَةً كَالخَيلِ خارِجَةً مِن حَبلِ مُجريها

شبّه الماء بالانحطاط في البركة بالخيل التي تتحرر من اللجام وتجري حرةً، فذكر المشبه والمشبه به وأداة التشبيه ووجه الشبه، وهنا التشبيه تام الأركان.

  • كَأَنَّما الفِضَّةُ البَيضاءُ سائِلَةً تَجري في مَجاريها

شبّه ماء البركة بالفضة المُذابة السائلة، فذكر المشبه والمشبه به وأداة التشبيه ووجه الشبه، وهنا التشبيه تام الأركان.

  • رَونَقُ الشَمسِ يُضاحِكُها

شبّه ضوء الشمس بالإنسان الذي يُضاحِك الآخرين، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية.


قصيدة رحلت وأودعت الفؤاد لواحظا

قال البحتري:

رَحَلَت وَأَودَعَتِ الفُؤادَ لَواحِظًا

توهي القُوى وَإِشارَةً بِبِنانِ

خَودٌ كَبَدرٍ فَوقَ فَرعِ أَراكَةٍ

يَهتَزُّ مَثنِياً عَلى كُثبانِ

لَمياءُ تَبسِمُ عَن شَتيتٍ واضِحٍ

كَالأَريِ يَروي غُلَّةَ الصَديانِ

فَتَنَتكَ بِالدَلِّ الرَخيمِ وَلَم تَزَل

كَلِفاً بِكُلِّ رَخيمَةٍ مِفتانِ

وَشَجَتكَ بِالتَفريقِ ظُعنُ فَريقِها

فَظَعَنتَ إِلّا الشَجوَ في الأَظعانِ

ظَلَّت دُموعُكَ في طُلولٍ بُدِّلَت

بِضِيائِها ظُلَماً إِلى ظَلمانِ

إِنَّ الغَرائِرَ يَومَ جَرعاءِ الحِمى

أَغرَينَ دَمعَ العَينِ بِالهَمَلانِ

غادَرنَ عَقلَ أَبي عِقالٍ ذاهِبًا

وَوَقَفنَ مُهجَتَهُ عَلى الأَشجانِ

لَم يَغنَ في تِلكَ المَغاني بَعدَهُم

بَل ما غَناءُ مَعاهِدٍ وَمَغانِ

يا دارُ جادَ رُباكَ جودٌ مُسبِلٌ

وَغَدَت تَسُحُّ عَلَيكَ غادِيَتانِ

فَدَعِ ادِّكارَكَ مَن نَأى وَانعَم فَقَد

دامَت لَنا اللَذاتُ في دامانِ

وَالمَرجُ مَمروجُ العِراصِ مُفَوَّفٌ

تَزهى خُزاماهُ عَلى الحَوذانِ

وَالرَقَّةُ البَيضاءُ كَالخَودِ الَّتي

تَختالُ بَينَ نَواعِمٍ أَقرانِ

مِن أَبيَضٍ يَقَقٍ وَأَصفَرَ فاقِعٍ

في أَخضَرٍ بَهِجٍ وَأَحمَرَ قانِ

ضَحِكَ البَهارُ بِأَرضِها وَتَشَقَّقَت

فيها عُيونُ شَقائِقِ النُعمانِ

وَتَنَفَّسَت أَنفاسُ كُلَّ قَرارَةٍ

وَتَغَنَّتِ الأَطيارُ في الأَفنانِ

فَكَأَنَّما قَطَرَ السَحابُ عَلى الثَرى

عِطراً فَأَذكاهُ ذَكاءَ بَيانِ

وَزَكَت مَعالِمُ دَيرِزَكّى بَعدَ أَن

وَسَمَت يَدُ الوَسمِيِّ كُلَّ مَكانِ

بِعَرائِسٍ خُضرِ الغَلائِلِ تَرتَمي

بِنَواظِرٍ نُجلٍ مِنَ العِقيانِ

وَجُفونِ كافورٍ أَعادَ بِها الصَبا

ضَعَفاً فَهُنَّ مَرائِضُ الأَجفانِ[٤]


من التشبيهات التي وردت في قصيدة "رحلت وأودعت الفؤاد لواحظا" ما يأتي:

  • لَمياءُ تَبسِمُ عَن شَتيتٍ واضِحٍ

كَالأَريِ يَروي غُلَّةَ الصَديانِ

شبّه ابتسامة المحبوبة بالنسبة له كالندى الذي يروي العطشان، فذكر المشبه والمشبه به ووجه الشبه والأداة، فالتشبيه تام الأركان.

  • وَالرَقَّةُ البَيضاءُ كَالخَودِ الَّتي

تَختالُ بَينَ نَواعِمٍ أَقرانِ

شبّه مدينة الرقة بالفتاة التي تتمايل وتتغنج، فذكر المشبه والمشبه به ووجه الشبه والأداة، فالتشبيه تام الأركان.

  • ضَحِكَ البَهارُ

شبّه البهار وهو نوع من الورود بالإنسان الذي يضحك، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية.


قصيدة يكاد عاذلنا في الحب يغرينا

قال البحتري:

إِنّي رَأَيتُ جُيوشَ النَصرِ مُنزَلَةً

عَلى جُيوشِ أَبي الجَيشِ بنِ طولونا

يَومَ الثَنِيَّةِ إِذ يَثني بِكَرَّتِهِ

في الرَوعِ خَمسينَ أَلفًا أَو يَزيدونا

وَالحَربُ مُشعَلَةٌ تَغلي مَراجِلُها

حيناً وَيَضرَمُ ذاكي جَمرِها حينا

يَغدو الوَرى وَهُمُ غاشو سُرادِقِهِ

صِنفَينِ مِن مُضمِري خَوفٍ وَراجينا

وَالناسُ بَينَ أَخي سَبقٍ يَبينُ بِهِ

وَفاتِرينَ مِنَ الغاياتِ وانينا

كَما رَأَيتُ الثَلاثاءاتِ واطِئَةً

مِنَ التَخَلُّفِ أَعقابَ الأَثانينا

عَمَّرَكَ اللَهُ لِلعَلياءِ تَعمُرُها

وَزادَكَ اللَهُ إِعزازاً وَتَمكينا

ما اِنفَكَّتِ الرومُ مِن هَمٍّ يُحَيِّرُها

مُذ جاوَرَت عِندَكَ العَزّاءَ وَاللينا

تَدنو إِذا بَعُدوا عِندَ اِشتِطاطِهُمُ

كَيداً وَتَبعُدُ إِن كانوا قَريبينا

حَتّى تَرَكتَ لَهُم يَوماً نَسَختَ بِهِ

ما يَأثُرُ الناسُ مِن أَخبارِ صِفّينا

مَصارِعٌ كُتِبَت في بَطنِ لُؤلُؤَةٍ

مِن ظَهرِ أَنقَرَةِ القُصوى وَطِمّينا[٥]


من التشبيهات التي وردت في قصيدة "يكاد عاذلنا في الحب يغرينا" ما يأتي:

  • جُيوشَ النَصرِ

شبّه النصر بالحاكم الذي تتبع له جيوش، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه، فالاستعارة مكنية.

  • وَالحَربُ مُشعَلَةٌ تَغلي مَراجِلُها

شبّه الحرب بالنار الموقدة الموضوع عليها مراجل تغلي، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه، فالاستعارة مكنية.

  • ظَهرِ أَنقَرَةِ

شبّه مدينة أنقرة بالإنسان الذي له ظهر، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه، فالاستعارة مكنية.

المراجع

  1. مأمون بن محي الدين الجنان، البحتري دراسة نقدية حول فنونه الشعرية، صفحة 194-198. بتصرّف.
  2. وسيم حميد القبلاوي، أثر التكرار في موسيقى شعر البحتري ودلالته، صفحة 89. بتصرّف.
  3. "ميلوا إلى الدار من ليلى نحييها"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 20/2/2022.
  4. "رحلت وأودعت الفؤاد لواحظا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 20/2/2022.
  5. "يكاد عاذلنا في الحب يغرينا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 20/2/2022.
5616 مشاهدة
للأعلى للسفل
×