التشهد في الصلاة

كتابة:
التشهد في الصلاة

صيغ التشهد في الصلاة

ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عدة صيغ للتشهد في الصلاة، وقد اتفق العلماء على جوازها جميعها، وعليه بيان صيغ التشهد الثلاث:[١]

  • "التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النبي وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا الله وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رسول اللَّهِ".[٢]
  • "التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النبي وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ".[٣]
  • "التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النبي وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ الله الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ".[٤]


ولمعرفة المزيد حول التحيّات في الصلاة يمكنك الاطلاع على هذا المقال: التحيات في الصلاة


حكم التشهد في الصلاة

حكم التشهد الأول

ذهب فقهاء الأمصار مالك وأبو حنيفة والشافعي والثوري وإسحاق والليث وأبو ثور إلى أن التشهد الأول غير واجب، وذهب أحمد وداود إلى أنه واجب، إن ترك التشهد عمدًا فهذا مما يبطل الصلاة، وإن تركه سهوًا فيسجد سجدة السهو  وأجزأت صلاته.[٥]


حكم التشهد الأخير

فذهب الجمهور، الحنفية والمالكية وأحمد في رواية إلى أن التشهد الأخير غير واجب بل هو مستحب، التشهد الأخير سنة منسنن الصلاة على مذهب السادة المالكية على المعتمد. وأما مذهب السادة الشافعية والحنابلة فالتشهد الأخير هو ركن للصلاة.[٦]


كيف تكون وضعية الأصابع في التشهد؟

يضع المصلي يديه على الفخدين، مبسوطتين على راحتهما، مضمومتي الأصابع ويكون مستقبلًا بهما القبلة، وهذا يكون في الجلوس بين السجدتين، في التشهد الأول والأخير، ومن ثم  يقبض الخنصر والبنصر من يده اليمنى، وتحليق إبهامه مع الوسطى في التشهد مطلقاً، ومن ثم يشير المصلي بالسبابة عند ذكر الله تعالى في التشهد، وفي أثناء  ذلك يضم أصابع اليسرى في التشهد، وجعل أطراف أصابعها جهة القبلة.[٧]


هل يجب رفع الإصبع في التشهد؟

يبدأ بالإشارة بإصبعه دون أن يحركه، فيشير بالسبابة إلى القبلة، عند قوله: التحيات لله، ويبقى مشيرًا بها إلى أن تنتهي جلسة تشهده بالقيام إذا كان التشهد الأول، أو بالتسليم إذا كان التشهد الأخير، وإن رفع أصبعه عند شهادة: أن لا إله إلا الله، فهو أولى لأنَّه أولى مواطن الإشارة، حيث إن الإشارة بالأصبع يقصد بها التوحيد والإخلاص لله تعالى، وتخصيص الشهادة بالإشارة أو التحريك بالرفع هو مذهب الشافعي وقريب من رأي مذهب الحنفية، حيث ذكروا أنَّه يرفع السبابة عند النفي ويضعها عند الإثبات، وعليه، فإن أشار مع رفع الأصبع عند شهادة أن لا إله إلا الله، فيصيب رأي السنة.[٨]


من السنة أن يشير بالسبابة، فيرفع السبابة من أوَّل الجلوس للتحيَّات في التشهدين، أمَّا التحريك فالسنة أن يكون عند الدعاء وعند الصلوات الإبراهيمية، فتحريك الإصبع ثابت ويتم تحريكه عند الدعاء، أما عندما تكون قائمة فهي إشارة للتوحيد، يعقد إبهامه مع الوسطى ويقبض الخنصر والبنصر، أو يقبض أصابعه كلها ويشير بالسبابة، وهذا سنة، لكنَّ التحريك يكون عند الدعاء فقط،[٩] وكان رسول الله يضع كفَّه اليسرى على ركبته اليسرى باسطًا إياها، ويضع كفه اليمنى على ركبته اليمنى قابضًا على أصابع كفه كلها ما عدا الإصبع الذي بجانب الإبهام، إصبع السبابة وهو إصبع التشهد، فيشيربالإصبع نحو القبلة وينظر إليها.[١٠]


كيف يُجلس للتشهد؟

جلوس المصلي للتشهد في الصلاة مختلف به بين المذاهب، كما يختلف بين التشهد الأوسط والأخير، وبيانه كالآتي:


التشهد الأول

أما بالنسبة لجلسة التشهد الأول، فهي لا تكون بغير الصلاة الرباعية التي يكون فيها تشهدان، ذلك لأنها الجسلة الأولى في الصلاة، عند الركعة الثانية، ويجلس المصلي فيها مفترشًا، وجلسة الافتراش هي أن تدخل القدم اليسرى وتجلس على الإلية على المقعدة، ولا يصح الافتراش في صلاة ثنائية.[١١]


فمسألة الافتراش في التشهد الأول ذلك لأنها هيئة استيفاز، فناسبت الجلسات الأولى.[١٢]


التشهد الأخير

وأما في الجلسة الأخيرة للصلاة، أي التشهد الأخير، يجلس المصلي متوركًا، والتورك كالافتراش، إلا أنه المصلي يقوم بإخراج يساره على هيئتها في الافتراش من جهة اليمين ويلصق وركه في الأرض،[١٣] وأما عن مسألة الافتراش والتورك في التشهد الأول والأخير، فقد اختلف الفقهاء في هذا، فذهب أبو حنيفة على أن الافتراش في كل تشهد، وذهب ومالك على أن التورك في كل تشهد، أما الشافعي فذهب إلى أن الافتراش في التشهد الأول والتورك في كل تشهد يليه سلام، وذهب أحمد أن الافتراش في التشهد الأول، وفي الثنائية والتورك في التشهد الأخير.[١٤] والتورك هيئة اطمئنان، فناسب التشهد الأخير.[١١]


وذهب العلماء في تفسير علة الاختلاف بين جلوس التشهدين إلى أمرين:[١٥]

  • الأمر الأول: هو أن الجلسة في التشهد الأول خفيفة، ويمكنه أن يجلس على قدمه اليسرى ولا يتألم لذلك ولا يحصل عليه ثقل، على خلاف الجلسة في التشهد الأخير فإنها أطول، فيحتاج المصلي إلى جلسة أكثر راحة، والتورك لو أطال بهيئته الجلوس لا يشق عليه، وهذا الأمر من جهة المصلي.
  • الأمر الثاني: فإذا جاء المسبوق ورأى الإمام جالسًا، فهو لا يدري في أي جلوس يكون الإمام، أهو في الجلوس الأوسط أم الجلوس الأخير، وعليه فإنَّه إذا رأى هيئة الجلسة ميز بينهما، فإذا كان على رجله اليسرى فهو في الأوسط، وإذا تورك وجلس على الأرض فهو في الأخير، فهذه الهيئة تعطي المتأخر المسبوق إشارة في أي أنواع الجلسات، وفي أي فترة من فتراتالصلاة، ولا يشق عليه معرفة كيف يتابع الصلاة ومن أين يتابعها.


أين يجب أن أنظر في التشهد؟

في حالة جلوس المصلِّي بين السجدتين أو جلوسه للتشهد ينظر إلى سبابته أو ينظر إلى يديه ومكانهما على ركبتيه، وأمَّا في حالة قيامه فينظر إلى موضع سجوده، وكان بيان ذلك لأجل أن لا يتشتَّت عليه فكره، ولا يتتبع نظره الأحوال المحيطة حوله، وكي يبعد عنه الأوهام والوساوس والخيالات في صلاته، فيكون خاشعًا لكلام الله مؤديًا ما طلب منه من أفعال وآيات وأدعية في الصلاة.[١٦]


هل يجوز الدعاء في التشهد؟

التشهد الأول

لم يصرح أحد من العلماء والفقهاء في إمكانية الدعاء بعد التشهُّد الأول، بل ذهبوا إلى عدم تطويل التشهد الأول، بل ذهب كثيرٌ منهم إلى كراهة تطويل التشهُّد الأول، أو أن يزيد المصلي بقول على ما ورد في صيغة التشهد، وعليه قال النووي في شرح المهذب: "يكره أن يزيد في التشهُّد الأول على لفظ التشهد، والصلاة على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والآل إذا سنناهما فيكره أن يدعو فيه أو يطوله بذكر آخر"،[١٧] وأما في حكم من دعا في التشهد الأول سهوًا، فليس عليه شيء، وإنَّما يفضل أن يكون الدعاء في مكانِه بالصلاة.[١٨]


التشهد الأخير

وأما الدعاء بعد التشهد الأخير وقبل السلام من الصلاة مشروع؛ لقول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- بعد أن ذكر التشهد: "ثم ليتخيرْ أحدُكم من الدعاءِ أعجَبَه إليه فليدعُ به"،[١٩] وعليه فإنَّ المصلِّي يستطيع أن يدعو في السجود وأن يصلي على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- بعد التشهد الأخير، فيدعو في سجوده كما شاء لأنَّه من أقرب المواضع التي يكون فيها العبد قريبًا من ربه، ويدعو بعد التشهد الأخير بالأعية التي يريدها.[٢٠]


ما صحة قصة التشهد التي حدثت مع النبي في معراجه؟

إن القصة الواردة هنا، هي أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما عرج إلى السماء ووصل إلىسدرة المنتهى، فقال: التحيات لله والصلوات الطيبات، فرد عليه الله عز وجل، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله، فقالت الملائكة: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فيروي البعض أن هذه القصة وردت مع الرسول في معراجه، وأنهم ينسبون مناسبة التشهد وصيغته لهذه الحادثة، فكان رد أهل العلم، أن لا صحة لهذه الرواية ولا أصل ولا سند، ولم يكن لها أثر في أي من كتب السنة، أو لأحد من الصحابة والعلماء، وعليه فإن هذه الرواية غير صحيحة.[٢١]


فلا يصحُّ تداولها أو تناقلها أو تعليمها للأطفال، وكذلك فإن قصة المعراج ثابتة في صحيحي البخاري ومسلم ولا زيادة عليها، ولا نقصان بها، وإن الرواية الواردة عن الصحيحين لم يذكر بها أي حديث عن التشهد في الصلاة، ولم يرد ذكره عن الصحابة حين علمهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصلاة وتعاليمها وكيفية أداؤها، وقد ثبت عن العلماء وأهل الفقه حرمة تناقل هذه الأحاديث الموضوعة لما قد تشكل من مفاهيم خاطئة وأحداث لا صحة لها، وجائز تناقلها فقط للتعليم والتحذير من أنها موضوعة ومكذوبة.[٢١]


المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، أرشيف منتدى الألوكة.
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:403، صحيح.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:831، صحيح.
  4. رواه الشافعي، في الأم، عن عبد الرحمن بن عبد القاري، الصفحة أو الرقم:1/118، لم نسمع إسنادا في التشهد يخالفه ولا يوافقه أثبت عندنا منه.
  5. موسى شاهين لاشين، كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم، صفحة 518. بتصرّف.
  6. الكشناوي، أبو بكر، كتاب أسهل المدارك شرح إرشاد السالك في مذهب إمام الأئمة مالك، صفحة 211. بتصرّف.
  7. وهبة الزحيلي، كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي، صفحة 938. بتصرّف.
  8. مجموعة من المؤلفين، كتاب فتاوى واستشارات الإسلام اليوم، صفحة 411. بتصرّف.
  9. ابن باز، كتاب فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر، صفحة 358. بتصرّف.
  10. ناصر الدين الألباني، كتاب أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، صفحة 838. بتصرّف.
  11. ^ أ ب أسامة سليمان، كتاب التعليق على العدة شرح العمدة، صفحة 13. بتصرّف.
  12. ابن العطار، كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار، صفحة 453. بتصرّف.
  13. مجموعة من المؤلفين، كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 323. بتصرّف.
  14. بكر أبو زيد، كتاب المدخل المفصل لمذهب الإمام أحمد، صفحة 372. بتصرّف.
  15. عطية سالم، كتاب شرح بلوغ المرام لعطية سالم، صفحة 7. بتصرّف.
  16. ابن جبرين، كتاب شرح عمدة الأحكام لابن جبرين، صفحة 14. بتصرّف.
  17. ابن عثيمين، كتاب مجموع فتاوى ورسائل العثيمين، صفحة 227. بتصرّف.
  18. ابن باز، كتاب فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر، صفحة 348. بتصرّف.
  19. رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:76، صحيح.
  20. مجموعة من المؤلفين، كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 358. بتصرّف.
  21. ^ أ ب محمد صالح المنجد، كتاب موقع الإسلام سؤال وجواب، صفحة 210. بتصرّف.
5216 مشاهدة
للأعلى للسفل
×