محتويات
مفهوم الحال لغةً واصطلاحًا
من أين جاءت لفظة الحال، وما المقصود بها؟
الحال نوعٌ من المنصوبات في اللغة العربيّة، وتعريف الحال لغةً: هو الوقت الذي يكون فيه الإنسان الآن، وما ينطوي عليه من خير أو شر،[١] وأمّا اصطلاحًا: فهو اسمٌ منصوبٌ فضلةٌ، مشتقٌ أو جامد مؤوّلٌ بمشتق، يعود على اسم معرفة يسبقه فيصفه ويذكر هيئته، ويُطلَقُ على هذا الاسم المعرفة صاحب الحال، ولو أُنعِمَ النّظر في دلائل هذا التّعريف لوُجِدَ فيه أنّ قول علماء النحو عن الحال إنّه اسمٌ "فضلة" يعني أنّه ليس من المكوّنات الأساسيّة للجملة، فهو ليس مسندًا ولا مسندًا إليه، ولكن هذا لا يعني أنّه من الممكن الاستغناء عنه، ففي بعض الجمل قد يكون وجود الحال ضروريًّا جدًّا.[٢]
أمّا في قولهم "مشتق" فهو أن يكون الحال من المشتقّات كنحو قولهم: "عاد الجّنديّ منتصرًا" و"شكرَ التلميذُ المعلّمَ مُمتنًّا"، فإنّ الحالين "منتصرًا وممتنًّا" اسمان مشتقّان، وأمّا قولهم "جامد مؤوّل بمشتق" فتوضيحه في المثال التالي: "قاتل الجنديُّ الأعداء أسدًا"؛ فمعنى الجملة هنا أنّ الجنديّ قويٌّ كالأسد، وأمّا قولهم "يعود على اسم معرفة ويُطلَقُ على هذا الاسم المعرفة صاحب الحال"، فيعني أنّ الحال يصف اسمًا معرفةً، وهذا الاسم يُطلَق عليه صاحب الحال، فمثلًا "جاء زيدٌ ضاحكًا" فإنّ الحال "ضاحكًا" تعود على اسم معرفة، وهو "زيد"، فاسم زيد هنا يُسمّى صاحب الحال.[٢]
وقد يخلط بعض الدارسين بين الحال والصفة في بعض المواقع، ولعلّ الفرق بين الحال والصفة يمكن أن يتّضح إن علِمَ الدّارس أنّ من وظائف الحال أن تبيّن هيئة صاحب الحال، بينما الصفة لا تبيّنها، وأنّ الحال منصوبة بينما الصفة تتبع الموصوف في الإعراب، وكذلك الحال تكون نكرة بينما الصفة أيضًا تتبع الموصوف في التعريف والتنكير.[٣]
لقراءة أمثلة الحال، إليك المقال الآتي: أمثلة على الحال في النحو.
أنواع الحال
ما الهيئات المعروفة للحال؟
للحال أربعة أنواع:[٤]
- الحال المبيّن للهيئة: وهذه الحال لا يظهرُ معناها في الكلام إلّا إذا ذُكِرَتْ، كقولهم مثلًا: جاء الطّفلُ ضاحكًا، فلو حُذِفَتْ الحال في المثال السّابق لما ظهرَ معناها الّذي أفادتْهُ في الجّملة.
- الحال المؤكّدة لعاملها: وهي التي وإن لم تُذكر فإنّ عاملها يفيد معناها، كقولهم: أقبل الرجلُ آتيًا، أو: تكلّم الرجلُ متحدّثًا، ولو حُذِفَتْ الحال "آتيًا" و"متحدّثًا" من الجّملتين لأفاد العامل فيهما "أقبل وتكلّم" المعنى ذاته الّذي أدّاه الحال.
- الحال المؤكّدة لصاحبها: وهذه الحال يظهر معناها في قول صاحبها، كقولهم مثلًا: أقبل الطّلاب كافّةً، فلو حُذِفَت الحال "كافّة" لأفاد القول قبلها "أقبل الطّلاب" المعنى ذاته الّذي أدّاه الحال.
- الحال المؤكّدة لمضمون الجّملة: وهذا النوع يأتي بعد جملةٍ مؤلّفةٍ من اسمين جامدين معرّفين، كقولهم: غيثٌ أبوه كريمًا، فنظرة واحدة في هذه الجملة ستُفيد أنّ الحال "كريمًا" قد سُبِقَت بِاسمَين جامِدَين مُعرَّفَين "غيث وأبوه".
والحال مع عاملها لها حالتين من حيث التقديم والتأخير، وذلك كما يلي مع أمثلة على الحال في كلّ موضع:[٥]
- جواز تقديم الحال على عاملها: إن كان العامل فعلًا متصرّفًا، أو كان صفة تشبه الفعل المتصرّف، كقولهم: خالدٌ دعا مُخلِصًا، من الدعاء يعني، فيجوز هنا أن يُقال: مُخلِصًا دعا خالدٌ.
- لزوم الحال التأخير عن عاملها: إن كان العامل متضمّنًا معنى الفعل ولكن لا يجري مجراه، أو أن يكون العامل فعلًا غير متصرّف، كقولهم: يعجبني قدوم الفتى مُسرِعًا، وقولهم أيضًا: ما قدِمَ الفتى إلّا مُسرِعًا.
الحال المفردة
ما هي شروط الحال المفردة؟ وهل تتعدّد؟
للحال المفردة شروط عدّة منها:[٦]
- الانتقال: وذلك يعني ألّا تكون الحال وصفًا ثابتًا بل مؤقّتًا، فعندما يُقال: رأى الرجلُ الشّمسَ ساطعةً؛ فإنّ الحال هنا ليست ثابتة بل مؤقّتة، ولكن قد تكون ثابتةً، فيذكر النحاة أمثلة عن الحال من القرآن الكريم عن الحال الثابتة كقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا}،[٧] فمعنى كلمة {مُفَصَّلًا}: مبيِّنًا وموضِّحًا، وهي صفةٌ ثابتةٌ لكتاب الله جلّ وعلا.
- أن تكون الحال نكرةً لا معرفةً: ولكن قد تأتي معرفة إذا صحَّ تأويلها بنكرة، ومثل ذلك قولهم: أجيبوا الأوّل فالأوّل فالتقدير هنا "أجيبوا مرتّبين".
- أن تكون مشتقّةً لا جامدةً: وقد تأتي اسمًا جامدًا إذا أمكن تأويله بمشتق وذلك في ثلاث حالاتٍ:
- أن تدلّ على تشبيهٍ: نحو: ظهرتْ الحقيقة بدرًا، فالتّأويل هنا: "مضيئةً".
- أن تدلّ على مفاعلة: نحو: قابلَهَ وجهًا لوجه؛ أي: "متواجهين".
- أن تدلّ على ترتيب: نحو: قلّبَ الدّفتر صفحةً صفحة؛ أي: "مترتِّبًا".
- أن تكون الحال هي نفس صاحبها: وذلك نحو قولهم: جاء زيدٌ ضاحكًا، فإنّ الحال هنا هي نفس صاحبها.
قد تتعدّد الحال في الجملة وصاحبها واحدٌ، نحو: جاء أحمدٌ ضاحكًا مستبشرًا، وقد تتعدّد الحالُ وصاحبُها معًا، نحو قولهم: جاء أحمدٌ وليثٌ ضاحِكَين، وقد تتعدّد بألفاظٍ مختلفةٍ ويتعدّد صاحبها، كنحو قولهم: جاء أحمدٌ وليثٌ ضاحِكَين متفائلَين.[٨]
الحال الجملة الاسمية
ما هي شروط الحال الجملة الاسمية؟
من أشكال الحال وهيئاتها أن تأتي جملةً اسميّةً يمكن تأويلها باسمٍ مفردٍ،[٩] وذلك كقولهم مثلا: جاء زيدٌ وجههُ ضحوكٌ؛ فإنّ جملة وجهه ضحوكٌ قد حلّت مكان الحال، فإذا ما أُريدَ تأويلها باسمٍ مفردٍ تصبح الجملة: جاء زيدٌ ضاحكًا وجهه.[١٠]. وللجملة الاسميّة التي تقع حالًا شروطٌ ثلاثة:[١٠]
- أن تكون الجّملة خبريّة: فلا تكون الجملة إنشائيّة، وهي التي تحوي طلبًا أو نهيًا، مثال: وجهُه ضحوكٌ جملة خبريّة.
- أن تشتمل جملة الحال على رابطٍ يربطها بصاحب الحال: وهذا الرّابط إمّا أن يكون ضميرًا "ظاهرًا أو مستترًا"، وإمّا أن تكون الواو الحاليّة، وإمّا الضّمير والواو معًا، فمثلًا لو قال قائل: وصل الطّفلُ دموعه تنهمر، فجملة الحال هنا هي: دموعه تنهمر، وصاحب الحال هو الطفل، والرابط بينهما هو الضمير، وهو هنا "هاء الغائب"، وكذلك لو قالوا: خرجْتُ إلى صديقي واللّيلُ قد حلّ، فإنّ جملة الحال هي: واللّيل قد حلّ، وصاحب الحال هو الضمير "تاء الرفع"، والرّابط بينهما هو: "الواو الحاليّة"، وكذلك لو قالوا: دخل الرجل وهو مبتسمٌ، فإنّ جملة الحال هي: وهو مبتسمٌ، وصاحب الحال هو: "الرجل"، والرّابط بينهما الضّمير والواو معًا.
الحال الجملة الفعلية
ما هي الحال الجملة الفعليّة وما هي شروطها؟
لقد ذكر النحاة أمثلة على حال جملة فعلية قد جاءت في كلام العرب، وذلك يعني أنّ من هيئات الحال أن تأتي جملة فعليّة يمكن تأويلها باسمٍ مفردٍ أيضًا،[٩] وذلك كنحو قولهم: جاء زيدٌ يضحك، فإنّ جملة "يضحك" جملة فعليّة حاليّة، فإذا أُوّلَت باسمٍ مفردٍ تصبح "جاء زيدٌ ضاحكًا".[١٠] أمّا شروط الجملة الفعليّة الحالية فهي ثلاثة شروط:[١٠]
- أن تكون جملةً خبريّةً: وجملة "يضحك" في المثال السابق -مثلًا- هي جملة خبريّة.
- ألّا تُسبق بتسويفٍ: أي ألّا تكون الجملة الفعلية تبدأ بسوف أو سين التسويف.
- أن يكون بينها وبين صاحب الحال رابطٌ يربطها به: وهنا يكون الرّابط ضميرًا فقط، ففي قولهم: رأيتُ العصفورَ يغرّدُ، فإنّ جملة الحال هي: يغرّد وصاحب الحال هو: العصفور، وأمّا الرّابط بينهما فهو ضميرٌ مستترٌ تقديره "هو".
الحال شبه الجملة
متى يكون الحال شبه جملة؟
تأتي الحال شبه الجملة عندما يحلُّ الجّار والمجرور أو ظرف الزمان والمكان مكانَ الحال، ويحذف الحال من الجّملة، وفي هذه الحالة تُعلّق شبه الجّملة بتلك الحال المحذوفة، ومثال ذلك: "رأتْ الطّفلةُ العصفورَ فوق الشجرة" فشبه الجملة "فوق الشّجرة" متعلّقة بحال محذوفة تقديرها "مستقرًّا أو موجودًا"، فتصبح الجملة حينئذٍ: رأتْ الطفلة العصفور مُستقرًّا فوق الشجرة.[١١]
ممّا سبق، يظهر أنّ الحال اسمٌ منصوبٌ يبيّن هيئة اسمٍ معرفةٍ قبله، وقد يكون هذا الحال مفردًا وقد يكون جملةً لهما شروط معيّنة، وقد تكون الحال أيضًا محذوفةً تتعلّق بها شبه الجّملة.[١٢]
المراجع
- ↑ ابن هشام (2012)، سبيل الهدى على شرح قطر الندى (الطبعة 4)، دمشق:مكتبة دار الفجر، صفحة 348. بتصرّف.
- ^ أ ب مصطفى الغلاييني، جامع الدروس العربية، بيروت:المكتبة العصرية، صفحة 78، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، أرشيف منتدى الفصيح 2، صفحة 1. بتصرّف.
- ↑ عاصم البيطار، النحو والصرف، دمشق:منشورات جامعة دمشق، صفحة 191. بتصرّف.
- ↑ إبراهيم بن موسى الشاطبي، شرح ألفية ابن مالك للشاطبي المقاصد الشافية، صفحة 467. بتصرّف.
- ↑ مصطفى الغلاييني، جامع الدروس العربيّة، بيروت:المكتبة العصرية، صفحة 82، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنعام، آية:114
- ↑ عاصم البيطار، النحو والصرف، دمشق:منشورات جامعة دمشق، صفحة 204. بتصرّف.
- ^ أ ب رامي تكريتي (2015)، مدخل إلى عالم الإعراب (الطبعة 1)، دمشق:الهيثم للطباعة والنشر، صفحة 70. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث مصطفى الغلاييني (1998)، جامع الدروس العربية، بيروت:المكتبة العصرية، صفحة 100، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ مصطفى الغلاييني (1998)، جامع الدروس العربية، بيروت:المكتبة العصرية، صفحة 101، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ مصطفى الغلاييني (1998)، جامع الدروس العربية، بيروت:المكتبة العصرية، صفحة 78، جزء 3. بتصرّف.