الحركة النقدية في العصر العباسي الأول وعوامل ازدهار النقد

كتابة:
الحركة النقدية في العصر العباسي الأول وعوامل ازدهار النقد


الحركة النَّقديَّة في العصر العباسي الأول وعوامل ازدهار النَّقد

لقد ازدهرت الحياة الثَّقافيَّة في العصر العباسي الأول بشكل عام وخاصة الحياة الأدبيَّة والحركة النَّقدية وقد كان لذلك العديد من العوامل، ولعلَّ أهمها الآتي:


حرص الخلفاء العباسيون على نشر الثقافة

حيث كان الخلفاء العباسيون يحرصون حرصاً شديداً على نشر الثقافة والحضارة في أرجاء دولتهم الواسعة، والعناية بترجمة العلوم المختلفة من الفارسيَّة والهنديَّة واليونانيَّة وغيرها من اللُّغات، وتشجيع الفنون والآداب في كل مكان.[١]


الاختلاط الثقافي وتعدد الأجناس الأدبيَّة

لم تشهد الدَّولة الإسلاميَّة في أيِّ عصر من عصورها ما شهدته في هذا العصر من تنوع ثقافي وحضاري، فقد كان المجتمع الإسلامي وقتها ينقسم إلى ثلاثة عناصر رئيسيَّة وهي على النَّحو الآتي:[٢]

  • العنصر العربي: أُقصي من النُّفوذ في الدّولة العباسيَّة، وقد كان للخليفة المعتصم بالله أثر كبير في ذلك.
  • العنصر الفارسي: كانوا أساس النِّظام السِياسي والإداري للدولة، ولكنَّ الأتراك أقصوهم فيما بعد.
  • العنصر التركي: وكان لهم النُّفوذ والتوسع السِّياسي، وقضوا على نفوذ الفرس والعرب معاً.


امتزجت كل العناصر في العصر العباسي، وأثَّر ذلك على الحياة الاجتماعيَّة، وقام الصِّراع بين العرب والموالي، وظهرت الحركة الشُّعوبية الَّتي ترفع من شأن غير العرب وتحط من منزلة العرب، وانتشرت الثقافة الفارسيَّة بشكل كبير، وانتشر كذلك الرَّقيق والغنَّاء مما أدى إلى ازدهار الشَّعر والنَّقد.[٣]


ظهور علماء النًّحو واللُّغة والمدارس النَّحويَّة

لم تكن مهمة علماء النَّحو واللُّغة وقتها وضع القواعد النَّحويَّة فحسب، بل كانوا أيضاً نقاداً للأدب العربي بشكل عام والشِّعر بشكل خاص، لذلك أصبحنا نجد أنّّ كثيراً من شعراء ذلك العصر كانوا يعرضون أشعارهم على علماء اللُّغة قبل إنشادهم لها في المحافل العِظام فإنْ استحسنوها مضوا فأنشدوها وإنْ لم يستحسنوها ذهبوا يعاودون الكرّة مرة أُخرى.[٤]


من ذلك أنَّ مروان بن أبي حفصة عندما نظم قصيدته "طرقتك زائرة فحتى خيالها" ذهب إلى حلقة يونس النَّحوي وقال له: قد قُلتُ شعراً أعرضه عليك فإنْ كان حيداً أظهرتُه، وإنْ كان رديئاً سترته، ولعلَّ تلك هي بداية نشوء حركة النَّقد الأدبي في العصر العباسي الأول.[٤]


مضى النَّحويون في نقدهم للشعر العربي يتمسكون بالمُثل الشِّعري القديم تمسكاً شديداً، وهو تمسكٌ جعل كثيرين منهم يسقطون عدداً من الشُّعراء العباسيين؛ بسبب خروجهم عن تقاليد الشِّعر العربي القديم، ومن هنا ظهرت أبرز القضايا النَّقدية العربيَّة وهي قضية عمود الشِّعر العربي.[٤]


الخصومة حول الشُّعراء

من العوامل الَّتي أدت إلى ازدهار النَّقد في العصر العباسي الأول خصومة النُّقاد حول الشُّعراء والتَّعصب لشاعر على حساب شاعرٍ آخر، ولم يقف الأمر عند المناقشات فقط، بل تعداه إلى تأليف الكتب في نقد شاعرٍ ما لإنصافه من التحامل الَّذي وقع عليه أو للحط من شأنه وإنصاف غيره من الشُّعراء، فظهرت قضية السَّرقات الأدبيَّة الَّتي سيطرت على النَّقد الأدبي لفترة طويلة من الزَّمن.[٥]


قد نال كلٌّ من أبي تمام وأبي الطَّيب المتنبي الحظ الأكبر من هذه الكتب والمصنفات، وقد أثرت هذه الخصومة على الشُّعراء النَّقد العربي ليس فقط في العصر العباسي بل امتدت إلى العصور الَّتي تليه.[٥]


تأثير الفلسفة اليونانيَّة

لقد أثرت الفلسفة اليونانيَّة والمنطق اليوناني على النَّقد العربي، وصبغت عقليَّة الأدباء والنُّقاد بآثارها العميقة في التَّفكير والمعاني وطرافة التَّقسيم، وساعد الاطلاع على كتابي فن الخطابة والشِّعر لأرسطو بإخراج النَّقد العربي من الجو العربي الخالص إلى جو آخر ظهرت فيه السِّمات العقليَّة اليونانيَّة.[٥]


تأثير القرآن الكريم على النَّقد الأدبي

لم تقصر الدِّراسات اللُّغويَّة والنَّقدية على الشِّعر، بل امتدت إلى القرآن الكريم ودراسة إعجازه وألفاظه، فنجد بعض علماء ذلك العصر يدرسون إعجاز القرآن الكريم، ويفصلون القول فيه، ويشرحون جهاته من الناحية البلاغيَّة، ومن ذلك الكتاب الَّذي ألَّفه أبو الحسن علي بن عيسى الرُّماني "في إعجاز القرآن الكريم"،[٦]وقد عرَّف فيه البلاغة "بأنها إيصال المعنى للقلب في أحسن صورة من اللِّفظ" وقرَّر أنَّ أعلاها طبقةً في الحُسن بلاغة القرآن، وقسَّم البلاغة إلى عشرة أقسام: الإيجاز، التَّشبيه، الاستعارة، التلاؤم، الفواصل، التَّجانس، التَّصريف والتضمين، المبالغة وحسن البيان، وقد أخذ نقاد الشِّعر من هذه الأسس البلاغيَّة منطلقاً لهم في نقد الشِّعر، فكان لهذه الكتب أثر كبير في تنشيط حركة النقد الأدبي.[٦]

المراجع

  1. محمد عبد المنعم الخفاجي، الآداب العربية في العصر العباسي الأول، صفحة 15. بتصرّف.
  2. محمد عبد المنعم الخفاجي، الأداب العربية في العصر العباسي الأول، صفحة 27- 28. بتصرّف.
  3. محمد عبد المنعم الخفاجي، الآداب العربية في العصر العباسي الأول، صفحة 31. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت شوقي ضيف، العصر العباسي الأول، صفحة 139 _ 141. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت مصطفي عبد الرحمن إبراهيم، "عوامل ازدهار النقد في العصر العباسي"، المرجع الإلكتروني للمعلوماتية، اطّلع عليه بتاريخ 6/2/2022. بتصرّف.
  6. ^ أ ب زغلول سلام، أثر القرآن في النقد العربي، صفحة 14. بتصرّف.
7272 مشاهدة
للأعلى للسفل
×