مفهوم الحضارة
يشيرُ مصطلح الحضارة بشكلٍ عامّ إلى كلّ نظامٍ اجتماعي يقوم الإنسان من خلاله على تطوير الإنتاج الثقافي الخاص به وزيادة محتواه، وتقوم الحضارة على أربعةِ عناصر أساسيّة ترفدُها خلال نهضتها وهي: الروافد الاقتصادية، الأنظمة السياسية، الروافد الأخلاقية، الاهتمام بالفنون والعلوم كافة، وتبدأ الحضارة عندما ينتهي القلق والاضطرابات الداخلية ضمن الدولة، فعندما يحاط الإنسان بالأمن والراحة والاستقرار يمكنه عند ذلك أن يتطلع إلى الإبداع وخلق مقومات الحضارة، وهي تراكمية بالفطرة فكل أمة تبني حضارتها باعتمادها على حضارات الأمم السابقة وتكمل مسيرة النهوض والرقي والازدهار في شتَّى المجالات، وهذا المقال سيتحدث عن الحضارة العباسية وما يحيط بها.
الحضارة الإسلامية
في سياق الحديث عن الحضارة العباسية لا بدَّ من الإشارة إلى مفهوم الحضارة الإسلامية عمومًا، فمثل غيرها من الدول التي مرَّت على وجه الأرض وعلى مرِّ العصور أولت الدول الإسلامية التي تتابعت منذ وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- اهتمامًا كبيرًا بالعلوم في شتَّى مجالاتها واهتمت بالشؤون المدنية التي تعنى بأمور الدولة وفي نفس الوقت لم تغفل الدول الإسلامية الجانب الديني الذي أولته اهتمامًا كبيرًا، فكانت مزيجًا بين العقل والروح وهذا ما ميَّزها عن الحضارات التي سبقتها، رغم أنَّ الحضارة الإسلامية اعتمدَت كثيرًا على الحضارات التي سبقتها كالحضارة الإغريقية وعلومها والحضارة الرومانية والمصرية والفارسية وغيرها.[١]
والإسلام منذ نشأته الأولى حضَّ على طلبِ العلم وجعله أحيانًا فريضةً يجبُ على كلِّ مسلم أن يزاوله وينهل من معينه، ومن أكثر المزايا التي تمتَّعت بها الحضارة الإسلامية هي التوحيد الخالص والاعتماد على التنوع العرقي في مختلف ألوان العلون والفنون التي لا تخرج عن الضوابط الشرعية التي حدَّدها الإسلام، فاهتمَّ العلماء المسلمون بالفلسفة وأخضعوها لقواعد الإسلام، ونتج عن ذلك علم الكلام وبغيرها من العلوم، فكما ترجمت الكتب اليونانية والرومانية إلى العربية ليبحث فيها العلماء المسلمون، كذلك تُرجمت أعمال العلماء المسلمين في الدول الغربية وكان لها أثر كبير في ظهور الفلسفة الحديثة في أوروبّا خصوصًا في عصر النهضة، وامتدَّ أثر الحضارة الإسلامية حتى انتشرت ثمارها في شتَّى بقاع الأرض من الصين شرقًا إلى الأندلس وغربًا وصولًا إلى قلب أوروبّا.[١]
العباسيون
يعدُّ العباسيون ثاني السلالات العربية التي حكمت العالم الإسلامي بعد الأمويين، والدولة العباسية هي ثالث خلافة إسلامية بعد الخلافة الراشدة وبعد الخلافة الأموية، ويرجع نسب السلالة العباسية إلى العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- وهو أصغر عمٍّ من أعمام الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وقد حكم العباسيون الدولة الإسلامية لفترة طويلة تعدُّ من أطول الفترات التي حكمت سلالة واحدة فيها العالم الإسلامي عبر التاريخ.[٢]
وقد تمَّ الإعلان عن قيام الدولة العباسيّة على يد أبي العباس السفاح في عام 750م بعد خوض العديد من المعارك ضدَّ الأمويين ومن والاهم وقتل من بقيَ منهم، ولم تسقط الدولة العباسية بشكل نهائي حتى عام 1519م عندما دخل العثمانيون إلى الأراضي العربية وحققوا انتصارات في بلاد الشام ومصر فتنازل الخليفة العباسي عند ذلك عن الخلافة لصالح السلطان العثماني سليم الأول، ومن بعدها أصبح السلاطين العثمانيون خلفاء للمسلمين وانتهت الخلافة العباسية إلى الأبد.[٢]
الحضارة العباسية
لا بدَّ عند الحديث عن الحضارة العباسية من القول بأنَّ الدولة العباسية وعلى امتداد الفترة الطويلة التي حكم فيها العباسيون جعلت من الحضارة العباسية من أكثر الحضارات الإسلامية ازدهارًا ونهوضًا، فبعد أن استقرَّت الدولة وتوطَّد الحكم في عهد أبي جعفر المنصور بدأت الإنجازات الحضارية تطفو على السطح راسمةً معالم جديدة لدولة حديثة النشوء توشك أن تحكم الأرض، فقام المنصور ببناء مدينة بغداد التي أصبحت منارة العلوم والفنون فيما بعد، لكنَّ عصر هارون الرشيد كان بمثابة العصر الذهبي للدولة العباسية، فقد أولى الرشيد اهتمامًا كبيرًا بإصلاحات الدولة الداخلية، فقام ببناء المساجد الكبيرة والقصور الفخمة التي أصبحت محطَّ الأنظار.[٢]
وفي عهده أيضًا بدأ استعمال القناديل لأول مرة لإنارة الطرق والمساجد، وقد أحرزت العلوم تقدُّمًا كبيرًا في عهده وخاصةً في مجال الفيزياء والفلك والأمور التقنية، فتمَّ اختراع الساعة المائية، وتمَّ بناء القناطر الضخمة والجسور وحفر الترع وجداول لتوصيل الأنهار ببعضها والنهوض بالجانب الزراعي، وغير ذلك من الأمور التنظيمية.[٢]
وأمَّا في عهد المأمون فقد كان للعلوم شأنٌ كبير، حيثُ شجع العمل في مختلف أنواع العلوم والفنون من طب وفلسفة وفلك ورياضيات وخاصةً علوم اليونان، وفي عام 830م أنشأ جامعة بيت الحكمة في مدينة بغداد والتي كانت من أعظم الجامعات في ذلك العصر، وتمَّ اختراع الإسطرلاب وعدد من الآلات الأخرى في عهده، وقد حاول بعض العلماء بمحاولة قياس محيط الأرض وهذا ما يدلُّ على معرفته بأن الأرض كروية ويدلُّ على تقدم كبير في العلوم، وكان للترجمة أهميَّة كبيرة أيضًا، وكان لها أثر كبير في الحضارة العباسية، فنُقلت علوم وآداب الفرس والسريان واليونان إلى اللغة العربية، وساهمت بإثراء الثقافة العربية عمومًا ودعمت الانفتاح على الحضارات الأخرى.[٢]
ورغم ضعف الدولة العباسية في المراحل التالية إلّا أن الكثير من الإنجازات تمَّ تحقيقها سواء في مجال العلوم أو في مجال العمران في مراحل الضعف، كما في عهد المستنصر الذي أسس الجامعة المستنصرية وأنشأ دورًا للفقراء وعتق العبيد، إلا أنَّ دخول المغول إلى بغداد في عام 1258م دمَّر معظم مظاهر الحضارة العباسية من أبنية وجسور وقنوات ومكاتب ذهبت فيها معظم الكتب والعلوم التي حصدها العرب خلال قرون.[٢]
مظاهر الحضارة العباسية
بعد الحديث عن الحضارة العباسية سيُشار إلى بعض مظاهر تلك الحضارة، فقد ازدهرت العلوم والفنون بشتى ألوانها وأنواعها، وتركت آثارًا بارزةً دفعت بالحضارات اللاحقة بالمضيِّ قدمًا في طريق التطور والتقدم، ومن أبرز مظاهر الحضارة العباسية ما يأتي:[٣]
- تقسيم العلوم: فقد فرَّق العلماء المسلمون بين العلوم الدينية، والتي تسمى النقلية مثل: الفقه والتفسير والحديث وبين العلوم الأخرى التي نقلوها من الحضارات الأخرى وهي العلوم العقلية، وتشمل: الفلسفة والهندسة والفلك والطب والموسيقا والتاريخ والكيمياء والجغرافيا.
- تطور علم النحو: حيثُ نشأ وتطور علم النحور في الكوفة والبصرة، ومن أشهر علماء النحو في العصر العباسي، أبو العلاء المعري، الخليل بن أحمد الفراهيدي، سيبويه، الكسائي، الفراء وغيرهم من مشاهير علماء النحو خلال الحضارة العباسية.
- في الأدب: في العصر العباسي شهدَ الأدب والشعر ثورة لا مثيل لها، حيثُ برزَ الكثير من الأدباء والشعراء الذين أثروا في الأدب العربي عمومًا والشعر خصوصًا، ومن أشهر الشعراء في تلك المرحلة: أبو تمام الطائي، أبو نواس، بشار بن برد وغيرهم.
- حركة الترجمة: تمَّ نقل الكثير من الكتب من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية لإثراء المحتوى العربي، فشهد العصر العباسي تطورًا كبيرًا بسبب التأثر بالعلوم التي نقلت من الأمم الأخرى، ومن أشهر العلماء الذين عملوا بالترجمة: حنين بن إسحاق، ثابت بن قرة، الحجاج بن مطر.
المراجع
- ^ أ ب "الحضارة السلامية"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 20-08-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح "الدولة العباسية"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 20-08-2019. بتصرّف.
- ↑ "مختصر قصة الخلافة العباسية"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 20-08-2019. بتصرّف.